قال لي بكل برودة:

"اريانا دعينا نفترق !"

تبلور الدمع بدون إنذار على ضفة عيناي ،غصة علقت في ذلك الحلق حاولت أذناي ان تدخلها الى عقلي ولكن تلك الكلمة تأبى ان تتجاوز باب سمعي ،يا ترى هل أنا احلم ؟ أم انها مجرد هلوسة دماغية؟ نظرت له بتمعن ، دققت بتفاصيله وكأنها اخر مرة أراه حفظتها اقتربت منه ولَم يبتعد ، تقابلت اعيننا رأيت فيه الجليد، انعكاس دموعي المتساقطة سمعت دقات قلبي المتسارعة وانا اعلم انها طرقت سمعه ببراعة فكما اعلم عنه انه حاد السمع ، قلت بسخرية وابتسامة نقشت على ثغري :

" هل ما قلته مزحة كعادتك أم انها خرجت من فؤادك الذي هناك ،كلاود ؟!"

قلتها وانا أشير لمكان قلبه النابض ، هل سيجيبني ؟

الصمت دار لثواني ، نطق بلا اهتمام :

" انظري انا مجرد ذئب وانتِ تشربين الدماء ! فهل بيننا توافق ؟ ام انك عمياء لا ترين الاختلاف ؟"

نظرت للارض المغطاة بالقطن ناصع البياض ، خدشت يدي لتتساقط الدماء وتتوغل بذلك البياض قلت وانا انزف بلا مبالاة :

"انظر هذه الدماء لا تعني لي شيء، انه مجرد سائل احمر قاتم اللون ، لا يستهويني ام انك لم تعرفني للان؟"

اقترب مني وقال بصوت خشن النبرة:

" اريانا ، انظري لعيناي هل انا العب هنا ؟ ام اقول ما يحويه ذلك المكان القذر؟"

قلت وأنا اتمعن بتلك البؤرتين :

" ذلك المكان القذر قد أحبني مرة ونطق بحبه لي؟ ام انك تنكر هذا ؟"

قال وهو يدير ظهره:

"لا أنكر ذلك ، أجل قذر لمحبته لكِ، قذر لأنه وقع بين شباكك المخادعة ولكن هذه المرة لا "

أكمل طريقه صرخت :

"انتظر"

سمعني وأكمل سيره، تجاهل صراخ فؤادي رمى بكل شيء إلى الهاوية وذهب، أسرعت إليه وأمسكت معصمه قلت :

" كلاود، لا ترحل لماذا تفعل هذا بي ؟ هل فعلت شيء لك ؟ هل أذيتك؟ قل لي ؟"

نظر لي بطرف عينيه احتقرني ودفعني لأقع أرضاً ، تشوشت رؤيتي هل بسبب تلك الدموع المتراكمة ؟ أم بسبب نقص الدماء بجسدي، حاولت النهوض ولكن عقلي تشبث بتلك الأغصان ، أجل فهو يبحث عن كرامتي التي ألقى بها للحضيض وصوت رحيله آخر ما أذكره

.....الراوية....

ذهب هو، أجل قلبه يؤلمه ولكن تلك الكلمات مازالت حبيسة قوقعة عقله ، لا يدري كيف يخرجها؟ أم هل يصدقها أم يدعها لمقبرة النسيان ؟ وفي هذه الأثناء هناك من كان يراقبهم من بعيد ، عندما شاهد اريانا تسقط ارضاً وعندما لم ير أي أثر لكلاود ذهب إليها مسرعاً قال بخوف وهو يمسكها :

" اريانا ؟ اريانا ؟ استيقظي "

نظر لذلك السيل من الدماء ، القلق استحوذ عليه هل هو السبب؟

حملها بين ذراعيه وانطلق بها إلى المنزل ، وفي بيت أحدهم عندما سمع الخبر ابتسامة خبيثة حيكت على ثغره ونطق:

" لقد اكتملت الخطة ، الآن لننتقل للمرحلة الأصعب "

في تلك المشفى المخصصة لمصاصي الدماء، تستلقي على السرير الأبيض وذلك الأنبوب المليئ بالدماء يوصل بشريان يدها ، فتحت عيناها ببطء شديد وبعد أن علمت أين هي . انتشلت جسدها عن السرير ونزعت ذلك الشريط عن معصمها واخذت معطفها الملقى بجانب السرير وهي تمسك قبضة الباب تريد الخروج ، فتح الباب ليظهر هو ، اصطدمت مقلتيهما قال بمزاح:

" يبدو ان الاميرة النائمة كعادتها لا تحب روائح المستشفيات !"

ابعدت نظرها عنه وقالت بلا اهتمام:

"لست في مزاج لكلامك الان جيكاب ، اخرجني من هنا حالا"

قال وهو يقهقه :

" حسنا هدئي من روعك اريانا "

وبعد تصريح من احد الاطباء واخرجوها ، فاقدة للحياة وكانها مجرد دمية تمشي فقط ، لا تعلم اين هي او لماذا هي هنا؟ وفي تلك الغابة التي يقطعوها ليصلوا للقبيلة انقض عليهم بعض المستذئبين ، بدأ جيكاب بالقتال وهي وقفت كالجليد لا تحرك ساكناً ، هجم احد الذئاب عليها لتقع ارضا وهو فوقها ، تنظر له بعينها الزمرديتين وكانهما انسلتا من لون الدماء ، هو تجمد مكانه وظل يحدق بمقلتيها وهي لا تبالي ان كان سيقتلها ام لا! انتبه جيكاب للامر واتنشل ذلك المستذئب من عليها وعض عنقه ليجفف جسده من الدماء ،وهي مازالت مستلقية على الارض وحولها الجثث والدماء التي غيرت لون الثلج ، جاء جيكاب ومد يده لها لم تنظر له تبادر الى عقلها ذلك الحادث الذي صنعت له في جمجمتها عرشا له بمفرده، تكورت الدمعة التي مستحها قبل ان تكمل مسيرها ونهضت بمفردها

..............اريانا........

عاد قلبي المغفل بتلك الذكريات ، اتذكرها وكانها حدثت الامس في الثامنة والعشر من عمري متهورة كالرياح ولا ادري سوى انه ممنوع الاقتراب من تلك الغابة التي تحول بين القبيلتين ( مصاصي الدماء والمستذئبين) ولكني كعادتي لم ابه بتلك القوانين فعند ذهاب عائلتي تسللت الى تلك الغابة لاعلم سرها ، عندما وطئت قدمي لتلك الغابة شعرت بشيء غريب احسست بالخوف يتوغل بداخلي رغم كل التحذيرات التي اعلنها عقلي واقرها قلبي الا انني اكملت مسيري فيها متجاهلة كل العواقب الوخيمة التي من الممكن ان تظهر امامي ، تجولت فيها ولم يكن هناك اي شي مريب فيها وصلت لمنطقة شلال يتدلى من اعلى منحدر وبحيرة صغيرة الجحم وتلتف حولها الاشجار سندسية اللون توسعت بؤرة عيناي لهذا المنظر صدمت ، ما هذا الجمال؟ انها في غاية الروعة ، شربت بعضاً من الماء انه عذب لذيذ يبدو انه سيصبح مقري السري ، عدت للمنزل قبل عودتهم واصبحت اتردد الى ذلك المكان كل اسبوع وفي يوم من الايام وانا في عودتي الى المنزل سمعت خطوات اقدام تتبعني ، اسرعت في المشي وكنت لا انظر امامي الا قليل وصلت لمكان شبه منحدر وفي نهايته هاوية سمعت صوت تحرك بين الاغصان ليخرج ذئب كبير الحجم لاتراجع انا واسقط ولكن امسكت بحافة الجرف ، اغمضت عيناي لكي لا انظر للاسفل ولكن يد امتدت لي واسرت معصمي رفعني بسهولة ووضعني على الارض ، إلتقت عينه السندسية كلون تلك الاشجار بمقلتي لا ادري لما ادرت وجهي؟ واحمرت وجنتاي كأن بهما سحراً اعمى بصيرتي اردت ان انظر له مجدداً اردت ان اغرق بتلك اللعنة مرارا وتكرارا ، استرقت النظر لارى خصلات شعره المبعثرة شديدة السواد وتتساقط منها حبات المياه يبدو انه اتى من السباحة الان، اخرجني من شرودي صوته قائلاً:

" لا تاتي لهنا مجدداً وبالاخص ذلك المكان!"

نهضت وقلت باستغراب :

" ومن انت لتقول لي هذا ؟ "

إلتفت إلي واقترب لتحتد عيناي نطق بهدوء :

" لانك لن تنجي من الذئاب المحيطة بالغابة "

قلت بشجاعة :

" وهل تعتقد انني ضعيفة ؟ ام انني لا املك قوى ؟ "

قال بنبرة تهديد :

"اذا تغلبي علي الان إن استطعتي ! "

وانا على وشك الموافقة اختفى من امامي ، بحثت بنظري عنه ولكن لا يوجد اثر ابدا بدأ الخوف يتسلل الي هل سيقتلني هنا؟ ام انه يريد ان يهددني فقط ؟ القلق ينهشني ومن دون سابق انذار انقض علي كرة من الفرو ، اصبحت مخالبه تلامس عنقي تعمقت بتلك الاعين وسلمت نفسي للموت حزن ويأس ممتزجان بتلك اللؤلؤتين ، اغمضت مقلتي واستعددت لنهايتي صوته اوقف عقلي عن تخيل شكل جثتي بعد الموت :

" تستسلمين بسهولة !"

فتحت عيناي لاراه يجلس بجانبي وقد عاد لهيئته الاصلية ، قلت مبررة :

" ولكنك اضخم مني !"

قال وهو ينهض ويهم بالرحيل :

" وكل الذئاب هنا هكذا ايضا ولن يرحموا مصاصة دماء مثلك ستكونين مجرد دمية بين انيابهم وستشتعل الحرب مجددا بين القبيلتين بسببك "

صمتت ولم اعلم بماذا اتكلم ، اردف قائلا:

" اذا هل سوف تعودين ؟!"

لم اجبه ولكن رحيله جعل من التوتر سيدا لنبضاتي ، تراجعت لمنزلي ودخلت وانا افكر بكلماته ، هل هو على حق ؟ ام انه مجرد احرف ليبعدني عن تلك المنطقة ؟ بعد مرور اسبوع عدت لمقري هناك ولم اهتم بما قال ، عندما كنت الهو بالمياه احسست بحركة ورائي نظرت لارى احد الذئاب اعتقد انه هو واقتربت منه كالبلهاء وانا اقول :

" لقد اتيت مجددا؟"

اقتربت اكثر ولكن يبدو ان في عينيه الشر ، ابتعدت للوراء بدون وعي والخوف زلزل أركاني ، عيناه الرماديتان تنذر بالسوء هربت منه ليلحق بي ولكنه لم يتجاوزني واخيرا فقدت اختبئت وراء احدى الشجرات ، لم اشعر باي حركة واردت الخروج ولكن شيء حاد غرس بيدي لقد كانت احدى مخالبه ، صرخت بكل ما اوتيت من قوة انتشل مخلبه من يدي وانا امسكتها والدماء تتساقط منها ، اراد الهجوم مرة اخرى ولكن هربت مجدداً وانا اصرخ :

" اين انت؟! ارجوك اخرج؟"

لا اعلم ماذا يسمى ولكني اريده ان ياتي ،حاصرني بين جبال لم اعلم الى اين ساذهب ، اغمضت مقلتاي وانتظرت ان يتقرب مني ويضع تلك المخالب على عنقي ، ولكن شيء لطخ خدي هل هذه دمائي؟ ولكن لماذا لا اشعر بالالم ؟! القيت كل تلك التوهمات جانبا وفتحت احدى مقلتاي بخوف لارى ذلك الجسد الضخم ملقى على الارض والدماء تعج بالارض وذلك الذئب اسود اللون إلتفت إلي ومازال بهيئة الذئب اقترب مني ولعق جرحي ليلتئم ببطء والصدمة تعتريني ، هل لانه ذئب ؟ ام لانه انقذني ؟ عاد لهيئة البشر وامارات الغضب تغطي وجهه قال وهو يشد على اسنانه :

" الم اقل لكِ ان لا تاتي ؟ هل كنتي تنتظرين ان تؤكلي بين انيابه ؟ والان اصبته بجرح بليغ ماذا سافعل ؟ "

لم ادري ماذا اقول ؟ لقد عقد لساني وتجمدت في مكاني ، قلت وانا ارتجف :

" اعتذر ولكني لم اصدق كلامك واعتقدت انك هو !"

وضع يده على راسه ورفع خصلات شعره نظر لي وقال :

"الان يجب علي ان اكذب ايضا بسببك ، اذهبي الان ولا تعودي الى هنا ابدا هل فهمتي ؟"

لم اجبه فانا متعلقة بذلك المكان ، قلت مترددة:

" ولكن .."

قاطعني بصراخ وهو يقترب :

" الا تدركين ما خطورة الموقف الان ؟ هل انتِ مجنونة ام مجرد كتلة من الغباء ؟"

تحجر جسدي ولم استطع التحرك ، اتى مواجهة لعيناي وقال وهو يلوح بيده:

" هل تسمعينني ؟ "

لا اعلم ماذا حصل لي آن ذاك ، تناثرت دموعي وجثيت على الارض بعد ان هلكت قدماي من الارتجاف نزل لمستواي وهو مرتبك ويقول:

" ماذا ؟ هل فعلت شيئا خاطئ؟ انا اعتذر ان قسوت عليك ! "

ربت على ظهري قليلا وجعلني انهض ، قال بقلق :

" هل اوصلك لمنزلك ؟ "

قلت بسرعة :

" لا انا اقسم ان شاهدوك ستموت !"

قال بتفهم :

" حسنا ، ولكن هل ستكونين بخير ؟"

قلت مطمئنة اياه :

" اجل ساكون بخير "

رحت بهدوء ولكني قلقة عليه لا اعلم لماذا ولكن هناك شيء بداخلي يقول لي ان ابقى بجانبه ، لا ادري ماذا بي ! وبعد اسبوع من تلك الحادثة وانا على مائدة الطعام قالت امي مبتسمة :

" هل سمعت الاخبار مايك ؟"

قال ابي وهو يضع الطعام في ثغره :

" اجل انا علمت ان احد ابناءه سيكون كذالك ولكن لم اتوقع من ذلك الهجين كلاود ان يصيب اخيه اصابة بليغة وقد افقده احدى عينيه ، اتمنى ان تصبح بينهم جحيم من دماءهم القذرة "

نطق بذلك وضحك، وضعت شوكتي بقوة على الطاولة ونهضت وانا اقول بغضب :

" شكرا على الطعام !"

صعدت لغرفتي ، هل هو معاقب بسببي ؟ ارجو ان يكون بخير ولكن اسمه كلاود انه جميل

2017/09/28 · 349 مشاهدة · 1733 كلمة
wafaamahmoud
نادي الروايات - 2024