الدماء التي لطخت الجدران ، و انتشرت على أرضية القاعة كانت اللون الوحيد الذي استطاعت عيناي التقاطه وسط اكتظاظ المكان ، و ضبابية رؤيتي جسدي مثقل بجراح معركة طالت ، أطرافي مخدرة بشكل غريب و عيناي يكسوهما الضباب .
ربما لم يبقى لي في الحياة الا دقائق معدودة فمن سيعيش بمثل هذه الجراح ؟
- لم أتوقع أن يتم خيانتي على يد ابني الذي وثقت به .
رن ذلك الصوت العميق ذو النبرة الحزينة في القاعة ، ليتجمد جسدي اثر المعنى الذي حملته الكلمات .
رفعت رأسي و ان كان ليس لدي قوة لتحريك أطرافي حتى .
لمحت ذلك الرجل ذو الخمسين عاما ،
و رغم عدم اتضاح رؤيتي الا اني استطيع تخيل لون شعره الكستنائي الفريد .
كان جالسا على كرسي ذهبي ، كما اعتدت دوما رؤيته .
ذلك الشخص الذي رغم كل ما فعلته ، لم تستطع يداي أن تصل اليه .
امبراطور امبراطورية فاريثيا .
من أحمل اسمه و ان كنت لا أشاركه نفس الدماء .
من سلبني حريتي ، نفسي ، روحي ...و حياتي .
من أشاع خبرا كاذبا حول حمل زوجته الإمبراطورة ، و مثل دور الأب الحنون بشكل لا يعلى عليه .
عشت في كذبة صنعها ،
و همت في ثنايا أوهام عقيمة .
لولا اكتشافي للحقيقة قبل أربع سنوات لكنت لا زلت أعيش في نفس الدوامة .
ان سخافة القصة ، و غرابة الحقد الذي يكنه الامبراطور لدوق غارنيليون جعل مني أقف مندهشا .
قصة هذا الحقد طويلة ،
و قصة أفعال الامبراطور أطول .
كن كملخص يمكن القول أن الامبراطور اختطف دوقة غارنيليون التي كانت حاملا قبل أن تعلن خبر حملها حتى على زوجها .
أبقاها حبيسة قصره الى أن وضعت مولودها الذي يصادف أنه " انا " و ماتت .
نشأت على كره كل ما يتعلق بغارنيليون،
الاسم الوحيد الذي يتردد صداه في القبو كلما تم حبسي .
و صورته التي علقت حتى تتموضع في كل مكان في الغرفة كمن يذكرني أن ما اعايشه الان سببه هذا الشخص لا غير .
اسمه وحده يسبب لي الهلع بمجرد تذكره ،
- كان عليك أن تتظاهر بأنك لا تعرف ، ربما استطعت العيش لفترة أطول على الأقل .
تابع بنفس الصوت لكن فيه لمسة من السخري التي أزعجت آخر ما يجب أن يكون ذرة صبري
لكني لم اجد ما افعله حقا ..غير الصرير على أسناني .
- هل تعلم لما لا يجرء دوق غارنيليون على معارضة أوامر العائلة الإمبراطورية؟
سأل بصوته الرخيم و هو يسند ذقنه على يده الموضوعة على مسند العرش .
- انه بسبب عقد عقدته العائلتان ، الدوق الأول و مؤسس الإمبراطورية الامبراطور الأول.
أعلم ..اعلم جيدا الأمر.
ذلك الدرس الذي لقن لي قبل حتى أن اعرف اسمي .
كنت قد تدبرت أمر العقد مسبقا .
لكن ..
يبدوا أن الأقدار لن تعطيني حتى القدرة على استعمال ما أردت .
- دعك من الأمر ، جلالتك .
دع هذا الطفل يموت كخائن للعائلة الإمبراطورية .
صوت دوق فالرين ، أحد المقربين من الامبراطور رن بنبرة مشبعة بالسخرية ، لم تختلف كثيرا عن من الجالس على عرشه .
أهذا أيضا من صنع القدر ؟
أن يلتصق اسمهم اللعين باسمي الى مماتي ؟
كانت جميع الاحاديث تتم برموز ، كي لا يفهم غيرنا المعنى .
لمحت عيون النبلاء التي تباينت بين السعادة من التخلص من عدو مزعج ، و بين مفكر يفكر في خططه التالية .
لا يعرفون عني شيئا سوى كوني الابن الوحيد للإمبراطور ،
موتي هنا سيجعل من منصب وريث العرش التالي خاليا فلم يكن للإمبراطور أبناء أساسا .
تلك النظرات التي وجهت نحوي ..
كلها بدت مقززة ، أثارت في نفسي الغثيان .
تمنيت لو امتلكت القدرة على النطق علي بذلك على الأقل استطيع الموت دون أن يطلق علي لقب ولي عهد الإمبراطورية .
أعلم استحالة الأمر ،
أعلم سخف أفكاري ...
لكني تمنيت فقط أن أنتقم لنفسي التي عاشت في ذل . حاملة اسما ليس اسمها .
حاولت السير و ان كان جسدي لا يطاوعني ، حاولت المتابعة و ان كنت أعلم أن النهاية مكتوبة من الأساس .
فشلي محتم ، و موتي أكيد .
لكن على الأقل البلوغ الى حيث يوجد الامبراطور سيعتبر إنجازا و ان كنت أعلم أنه لن يذكر
حاولت رفع آخر ذرة بقيت في جسدي من السحر أوجهها نحوه .
لكن الأقدار لم تكتب لي حتى أخذ هذا الإنجاز ،
فها هي سيوف الفرسان تتجه نحوي تغرز السكاكين في جسدي
- احموا جلالة الامبراطور
أصواتهم العالية كما لو كانوا يفتخرون بحماية ذلك "القمامة " رنت في المكان .
و صدى خطواتهم و سيوفهم المسلولة وصلت لاذناي ببطء .
رأيت السيوف توجه نحوي ، تقترب أكثر مع مرور كل هنيهة.
رن صوت الإمبراطور في الخلفية ،مكملا تمثيله الذي يثير الاشمئزاز
مظهره بدا حقا كأب يتحامل على عقاب ابنه .
- أنا امبراطور امبراطورية فاريثيا أعلن من اليوم سحب لقب " ولي العهد " من كاليوس دي فاريثيا بسبب جرم الخيانة التي ارتكبها.
لمحت السيوف ترتفع أكثر ،
حقا ..ان للأقدر دوما آراء لا تطابق رغباتنا .
أغمضت عيناي أنتظر بلوغها حلقي .
أو قطعها لرقبتي .
لكني لم أشعر بشيء . لا يوجد ذلك الألم المتوقع ، و لا دم متدفق .
ما إستشعرته كان شيئا آخر تماما .
برودة غريبة لفتحت جسدي ، و شعرت بها تصفع خدي
فتحت جفناي ببطء ، لتقع عيناي على نيران المشاعل التي كانت تنطفئ واحدة تلو الأخرى ، بإيقاع منتظم ، تلاها انكسار الأضواء السحرية التي كانت تزين المكان بوهجها الخافت .
ذرات بلون سماء الليل تطايرت في الهواء كرماد حي .
و ..
لمحت ظله من بعيد .
بشعر أسود قصير .
و عيون بلون الدم فيها لمعة أرجوانية ياقوتية ، تجعلك تحب إطالة النظر اليها .
وجوده وحده فرض حضورا لا يعلى عليه في تلك القاعة .
أجسدا الفرسان تجمدت و عيون النبلاء التي كانت تراقبني بصمت و تخطيط تغيرت لرعب مطلق .
- ما الذي يفعله دوق غارنيليون هنا ؟
- هل تم دعوته للمأدبة ؟
- يستحيل أن يفعل الامبراطور ذلك !
لم ألقي بالا لتلك الهمسات ، و وجهت أنظاري اليه . لأجد نفسي أمعن التحديق فيه بشيء من الغرابة
لم تكن هذه أول مرة نلتقي فيها ، لقد اجتمعنا لمرات من قبل . لكنها كانت الأولى بعد أن علمت الحقيقة .
- لما هو هنا ؟ خطر السؤال ببالي و ان لم يكن وقته . فلم يكن هناك داع لوجود دوق غارنيليون هنا .
عيون الامبراطور التي كانت تنضح بالسلطة، تجمدت تماما . و بؤبؤ عينيه اهتز بقوة و هو يشاهد دوق غارنيليون يتجه نحوي .
- كيف وصلت الى هنا بهذه السرعة ! !
سمعته يقول هذه الكلمات . فأصبح لدي نظرة واضحة عن مخططه .
ربما أراد أن ينقل له خبر موت ابنه الذي لم يكن يعلم بوجوده أساسا ، عله بذلك يكمل انتقامه .
لكن...
ربما لم يكن في مخططه أبدا أن يأتي الدوق قبل أن يتم قتلي .
لن يستطيع انقاذي ، لكنه بذلك سيكشف الحقيقة أمام النبلاء ...و هو ما لم يكن في صالحه .
لم يكن هناك شيء بمثل غرابة تصديقه لكلمات الامبراطور ..هل أعطاه دليلا قويا ؟
- كح كح كح .
بصقت كتلة الدماء التي احتلت فمي لفترة ، و أنا أحاول اسناد جسدي للوقوف .
لكنه لم يسمح لي حتى بالتحرك .
اقترب مني صدى خطواته وحده يحمل من الثبات ما يكفي ليجعل النبلاء الذين كانوا قربي يتراجعون للخلف بسرعة .
ركع على الأرض قربي ، و بلمسة مستعجلة تحمل في طياتها حنانا لا يخفى رفع رأسي ووضعه بين طيات حضنه الدافئ ، وأنزل رأسه كمن يجد العزاء في سماع أنفاسي الخافتة .
و ان كانت ملامح وجهه باردة .
فقد شعرت برعشة جسده و هو يحتضنني . يضمني اليه أكثر مع كل نفس آخذه .
تجمد جسدي اثر تلك الحركة المفاجئة لكن المشاعر التي لمحتها في لفتاته و عينيه جعلتني أتوقف للحظة .
- قلق علي ؟ خائف علي ؟
حقا ؟
كان الأمر غريبا ..غريبا بالكمال .
لا ادري حقا ، اني لا ادري حقا نوع المشاعر التي تعتريني الان ، لكنها غريبة .
لمحته يضع رأسه على كتفي ، كمن يستنشق رائحة حبيب افتقده قلبه .
لماذا أشعر بكتفي تبتل ؟
رفع رأسه قليلا ،كمن يحاول التمعن في ملامح وجهي ،
لألمح ياقوتيتاه تتلألآن بدموع و ان لم يلمحها الاخرون فاني رأيتها .
بدا أساسا كمن يريد أن يريني إياها ..أن يثبت قيمة وجودي في قلبه و ان لم يعرفني قبلا .
ملك الشمال ، من قيل أنه دمر قرية كاملة دون أن يرف له جفن .
من حطم النبلاء و لم يسمح لأحد بالاقتراب من ارضه ، من حمى دوقية غارنيليون و تعدت سمعته حدود الإمبراطورية . من اشتهر بوحشيته .
يبكي الان ؟
لأجلي ؟
هل هذا شعور أن تكون مهما بالنسبة لأحدهم ؟ لم يفعل أحد شيئا لأجلي يوما .
كنت من أفعل ، بسذاجة و طيبة .
لكني حصدت بالفعل ما زرعت ، لأتعلم أن الزراعة لم تكن يوما بالعمل الذي يليق بأمثالي .
لم ينطق ، لم اسمع صوته منذ دلف الى هنا .
لكن وجوده وحده يعطيني من الراحة ما يكفي لأجد نفسي دون شعور اسند جسدي على كتفيه .
شعرت بعيون النبلاء تتجه نحونا بفضول ، ليعاودني الغثيان منها .
لم أتحدث ، لكنه كمن يلمح ما تظهره مشاعري .
هالته اكتست المكان ، تلك الطاقة السوداء أثقلت الجو حولنا .
لكني شعرت بحنوها اتجاهي ، تمايلها بقربي بخفوت كما لو كانت تحاول حمايتي من قسوتها .
تلك الطاقة السوداء هزت القصر بما فيه ، تبتلعه بصمت .
اختفت زينة الجدران ، و البلاط .
لم يبقى من من التهمتهم تلك الطاقة شيء .
حتى الجثث تلاشت ، لم ينجوا أحد . و لم يسمع أنينهم و لا بكاؤهم .
كل شيء تلاشى مع حركته و لم يبقى غير الامبراطور الذي سقط يرتجف كجذع شجرة جاف هزته ريح الشتاء الباردة
كان يتمتم بكلمات غريبة ، يتوعد بالانتقام . و يصرخ أحيانا عن عدم مقدرة الدوق على لمسه هو و الإمبراطورية
لكن ، لم اكن لا انا و لا من يحتضن جسدي من سيهتمون بكلامه .
تمنيت لو كان لي القوة لفتح عينيه أكثر ، ألمح انكساره ..هو من دمر حياتي و بث في نفسي هذا الخوف الذي يتأصل في جذور روحي
حتى اسم من يحتضنني الان و يمنحني دفئا لم تستشعره روحي قبلا صار مخيفا .
أدرك النهاية التي لا لبس في اقترابها الان ، أدرك أن موتي شيء محتم .
لكن لي رغبة في البقاء أكثر هنا بين ذراعيه
ربما استشعر ارادتي ؟ فشدة قبضته زادت حولي .
نطق بصوته البارد الذي لم يتغير فيه شيء عن ما عهدته ، لكن فيه لمسة من الدفء و الحنو الذي لا يعلو على أي شيء اخر ذقته في حياتي
- أرندت .
- ارندت .
- أرندت
كررها ثلاث مرات ، الى ان رفعت عيناي تلتقيان بعينيه .
- أرندت دي غارنيليون .
- اسمك
وقع الاسم كان جميلا على اللسان ،
و لسبب ما أردت سماعه لمرات . و كشخص يملك القدرة على " قراءة الأفكار " ناداني به من جديد .
- أرندت دي غارنيليون .
ان تقبل هذا الدفىء المفاجئ كان فعلا غريبا حتى مني لكني لسبب ما لم اكرهه ابدا
صمت فجأة ، و أطال النظر الي
لا أدري حتى كيف فهمت ما تقوله عيناه لأشير بإصبعي للقرط الذي لم أنزعه من أذني يوما .
لمسه للحظة بيده ، قبل أن يطبقها عليه يكسره .
سمعت صوت تفتته ، و استشعرت خفة أذني التي فقدت ما قيدها .
هل أشبهه ؟ أردت أن اعلم كيف أبدوا دون ذلك السحر الذي غير مظهري الى ما يشبه الامبراطور .
لكن لا قدرة لي حتى على التحرك فما بلك بفعل ما يدور ببالي ؟ لن تتواجد مرآة هنا حتى .
اشتدت قبضته حولي ، و يده تتخلل شعري الذي خلت للحظة أنه طال على ما تذكره ذكرياتي .
لمحت نظراته تحتد اتجاه الامبراطور
بغل و حقد لا يعلى عليه أبدا . عيون تختلف عن ما كان ينظر به الي قبل ثوان.
بدأت أستعشر خفوت أنفاسي ، و تثاقل دقات قلبي .
بآخر قوة لدي امسكت بالقلادة التي علقت حول رقبتي ، اسحب الخيط الرقيق الذي يربطها به اقطعه و اضعها بين يديه .
لمحت استغرابه في البداية من حركاتي ، لكني لمحت أيضا بؤبؤ عينيه المتسع و هو يرا تلك الجوهرة تستقر في راحته .
هي التي تحتوي على الختم ، نفس الختم الذي يربط عائلة الدوق ، و يمنع تمردها على العائلة المالكة
ناظرني بدهشة لم يخفها بروده المعتاد ، لكنه سرعان ما هز رأسه ببسمة صغيرة .
لمست في لفتاته تلك ، لمسة من الفخر ، كأنه يقول بصمت " هذا هو ابني "
عادت عيونه لمن بدا أنه فقد القدرة على الكلام بعد لمح تلك الياقوتة تحتل يد الدوق .
و لم تمر ثانيتان حتى ، الا و أنا ألمح تلك النظرات صارت أقرب ..الفرق فقط أنه كان رأسا . بينما جسده لم يتحرك من مكانه .
ربما قتله بهذه السهولة هو من اشتهر بتعذيب ضحاياه ليطمئنني ..؟
ان حقي عاد ؟
اردت سؤاله .
رأيه في كوني ابنه ؟
متى اختار الاسم ؟ هل فكر فيه قبلا ؟ هل يروقه الامر الان ؟
لكن شفتاي ابتا الانفتاح ، و ببطء تضاءلت رؤيتي المشوشة ، و انغلق جفناي ببطء .
فقط ..
فقط لو علمت الحقيقة قبل هذه اللحظة .
هل كان دفئه هذا سيبعد عني برودة الموت التي تنخر عظامي ؟
── ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ──
تعالى أجيج النيران و ارتفع أنين الجران المتآكلة .
في الأخير ، و تحت اشتداد الأولى ، انهارت الثانية .
كان لا يزال راكعا على الأرض ، يحتضن ابنه
ضاع وعيه و هو يتأمل وجهه ، و ان كان قد بلغ الخامسة و العشرين . ففي تلك اللحظة بدا كطفل صغير خالجه النوم بعد اللعب .
- سيدي .
اقترب مساعده ايفان منه ببطء ، هو الذي أوصل كلمات الامبراطور .
من كان يتوقع خبث الامبراطور ؟
رغم توقع الجميع أن له يدا في موت الدوقة الا أن عدم قدرة الدوقية على مهاجمة الإمبراطورية بسبب ذلك العقد القديم جعل من التأكد عديما للفائدة أساسا .
ولي العهد ، من قيل أنه سيصير امبراطورا .
لم تكن العلاقة بينه و بين سيده بالجيدة أبدا . فقد كان دائم الاستنقاص من دوقية غارنيليون، و شبيها في طباعه بالإمبراطور مما يحتم عليك كرهه .
لكن ..ربما كان كل ذلك أيضا بسبب ذلك اللعين .
أخيرا . أبعد الدوق وجه الاخر المضموم اليه ، ليلمح ايفان تلك الملامح .
كان شبيها بسيده كثيرا ..
نفس الفك الحاد ، و نفس الشامة التي تنتصف وجنته اليمنى .
شعر أسود كثيف ، بلون فحمي كأجنحة الغربان .
لسبب ما ، شعر أن عيون الطفل لن تختلف عن عيون سيده كثيرا .ستحمل هي الأخرى بين حوافها وهج البنفسج الجذاب ذاك ، و لن يشع باطنها سوى باللون الياقوتي الجميل .
- سيدي
هذه المرة كان النداء من ايريك ، أكثر شخص بعيد عن الجدية . لكن تعابيره الان تحمل من النضج ما لم يخفى
- دمر العاصمة الإمبراطورية ، لا تترك خلفك شيئا . كل شيء له علاقة بالعائلة الإمبراطورية سيمحى اليوم . لا تترك أي أثر للحياة فيها .
قال الدوق كلماته ، و هو يقف حاملا كاليوس بين يديه ، . . لا
من الأصح الان أن نقول أرندت .
كان يشد الاخر اليه كل ثانية ، يقربه اليه أكثر في كل لحظة .
ملامحه التي تنظر الى ابنه لا تزال باردة ، لكنها كانت كفيلة بإسكات الضجيج الذي كان يثيره شعبه في الخلف .
دون أن ينظر للوراء ، سار متقدما الجميع فلم يكن منهم الا أن يتبعوه .
داس على رأسه الامبراطور ، يحوله الى فتات كأنه لم يكن أكثر من حجرة سدت طريقه .
كانت الأفكار تعزوا ذهنه .
ايميليا ...
زوجته ، و أول حب له في حياته .
ضحت بحياتها لتنجب الطفل النائم بين يديه الان كجثة بلا روح .
لكن المعني كان قد سلب معنى الطفولة ، و لم يذق معنى الحياة . و لا حلاوة العيش أساسا .
ضغط على شفتيه بعنف ، و هو يسير في شوارع العاصمة بين ألسنة اللهب المتعالية
الإمبراطورية كانت في فوضى حقيقية ، لم يشهد لها مثيل . لكنه لم يهتم بها .
هذا المكان الذي بقي وفيا له فقط بسبب عقد عقده أسلافه .
ليصير بذلك قيدا ، منعه حتى من الدفاع عن زوجته . و بسببه فقد ابنه أيضا
لم يركب العربة .
كان لا يزال يسير على قدميه ثلاثة أيام و أربعة ليال شهد فيها الدماء التي حاقت بالبقعة التي كان يخدمها .
ليصل أخيرا حاملا أرندت بين يديه الى الدوقية .
الصمت استقبلهم ، الورود البيضاء المنتشرة في المكان كانت كل ما استطاع سكان الاقطاعية تقديمه لسيدهم .
كان ايفان و ايريك و باقي الفرسان خلفه .
لم يكلمه أحد ، كما لم يكلم أحدا .
دخل قصره لينحني الخدم بصمت ، يفسحون الطريق له و لمن يحمله بين يديه
أخيرا ..
كان على مشارف باب غرفته ، و التي ما ان وطأت أقدامه عتبتها حتى اختلى بنفسه .
تموضع السكون في الزاوية كجليس ثالث . في حال تم عد الجثة بين يديه .
وضع ذلك الجسد الهامد على السرير الملكي . بينما قام بالجلوس على الأرض يسند رأسه على السرير بينما راحة يده مبسوطة تلتمس برودة جسد الآخر .
انطفأ وهج البنفسج الذي كان يغطي عينيه دوما ، و لم يبقى بين ثناياها سوى برود قاتل
ضوء القمر دخل من النافذة التي تنتصف المكان ، بريقه تساقط برقة في زوايا الغرفة يذيقها طعم النور .
أغمض الدوق عينيه ، عله بذلك يطفئ مزيج الأفكار التي شك للحظة أنها اعتبرت ذهنه قدر المطبخ .
أذناه التقطت صوت دقات ساعة بعيد ..آت من ذلك الجناح المنفرد الذي لم يدخله أحد منذ زمن .
..
لكنه لم يكن في حالة عقلية تسمح له بالتساؤل .
هل دقت تلك الساعة القديمة من قبل ؟ .
.
.
.
. ── ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ── .
يتبع . . .