- هناك شيئ غريب ..

كانت هذه أفكار فاليوس و هو يسير في الجناح متجها الى غرفة ولي العهد .

لم تشرق شمس الصباح بالكامل بعد . لكنه صار في حرب استنزاف يومية جراء استيقاظ الأخير وحده و ارتدائه ملابسه بنفسه .

كان هذا أحد الأشياء التي رغم كونه خادما شخصيا و مرافقا خاصا لولي العهد لم يحضى بحق أخذه .

تذكر الأيام الماضية .

أربعة أيام فقط ، كانت كفيلة بجعله يدرك أن شيئا ما قد تغير في ولي العهد .

لا تزال مشتيه تحمل نفس الأناقة و النبل السابقين . تنقل لك احساس كونك ترى تنفيذا عمليا لكتب الآداب الملكية .

لكنه صار أهدأ ، أكثر نضجا . بعيد عن الصخب و الخجل المعتادان منه .

ربما لولا تلك الأطراف القصيرة و الجسد النحيل ، اضافة لصوته الطفولي لشك في كونه بالغا يعاني من اضطراب النمو .

لم يكن أمر ولي العهد سابقا يهمه .

لم يخطوا القصر الا لتحقيق غايته ، و التي لم يجد طريقة أضمن و أسهل لكتسب ثقة أهل القصر من دلوفه كخادم ولي العهد .

رغم أن فكرة " قتله " صارت تجول في خاطره ، الا أنه تذكر كلمات سيده بالتركيز على البحث عن ظالتهم فقط .

و عليه ، قرر تجاهل أفكاره و التركيز على مهمته .

بلغ باب الغرفة ، ليتنهد بصمت و هو يستعد لبدء الحرب النفسية قريبا . .

لم تكن في تصرفات ولي العهد المتغيرة مشكلة .

لا .. يمكن القول أنها جعلت عمله أسهل بكثير .

فقد بدا الأمر أشبه بالتعامل مع شخص بالغ العقل .

المشكلة الحقيقية كانت في النظرات التي صارت ترسل اليه .

في اليوم الأول ؟ بدا أنها حذرة تراقب أنفاسك و كيفية صدورها . لقد راوده فكر غريب حول كون تنكره قد كشف . .

مع ذلك لم يهتم كثيرا ..

أما في اليوم الثاني ؟ اختفى الحذر ، و ظهر مكانه شيء من ... التسلية ؟

بدا كملك مستبد يراقب حربا خاسرة بين شعبين . بعيون تعرف ان الاثنين يدمران نفسهما فقط .

أخيرا ، اليوم الثالث . . تلك الأنظار التي لم تتركه اليومان الماضيين و التي أثقلت كاهله أكثر .

عيون تنظر اليه كأعظم هدية تلقاها في الحياة .

لوهلة انتابه شك غريب في كونه يرتدي رباط هدايا على رأسه .

لولا ذلك ، لما ستكون العيون التي لا تبدي الكثير من المشاعر تصرخ بعبارة واحدة عندما تلتقيان بعينيه .

- انت أفضل هدية حصليت عليها !

لم يكن يعلم .. أن أفكاره كانت قريبة جدا مما يدور في رأس ولي العهد المزعوم .

.

── ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ──

فاليوس .

كان شخصا اجتاز جميع الاختبارات اللازمة لتولي منصب خادم شخصي لولي عهد الامبراطورية .

الامبراطور ، و ان كان حقده الكبير اتجاهي ليس كذبا .

الا أن فلسفته الغريبة التي سميتها منذ زمن بـ" جنونه " كانت تجعل منه شخصا يرضى أن يذلك . لكنه لا يرضى أن يذلك غيره .

لقد نلت حقوقي الكاملة ، كـ" ولي عهد الامبراطورية " دون نقصان .

من المشاركة في الاجتماعات السياسية ، و حضور المآدب الكبرى الى أبسطها كالحصول على مرافقين و الاقامة في جناح ولي العهد .

تم تعيين فاليوس بناء على اختبار صارم ، ما ساعدة على المرور كان خلفيته كالابن الثاني لكونت فالنير .

أخذ منصب مرافق لي ، و كبير خدم في جناح خدم ولي العهد .

لكن ..

لم يكن أحد يدرك .

أنه شخص أرسله الدوق غارنيليون للتحقيق في قضية موت الدوقة .

كان شيئا لم يعرف أحد عنه ، الا بعد اقتحامه لمكتب الامبراطور في يوم عيد مولدي السابع عشر .

حتى أن الامبراطور تستر عن الحقيقية ، و لم أكن أعرف عن الأمر الا لاحقا بعد أن بدأت التخطيط بجدية لاقامة تمرد .

لقد اتهم الامبراطور ،جميع أفراد عائلة الكونت فالنير بالخيانة و محاولة اغتيال ولي عهد الامبراطورية و نشر معلومات سرية لقوى معادية .

انتهى الأمر باعدام الجميع ، و اختفى اسم هذه العائلة من الامبراطورية بالكامل .

بقيت عائلة فالنير مخلصة لدوق غالينون حتى اللحظة الأخيرة .

لم ترضى الاعتراف بشيء ،

و كل المعلوات التي حصلنا عليها كانت مجرد تخمينات مبنية على بعض الأدلة الظرفية فقط .

لأكون صريحا .. لم أكن مهتما بكل هذه المعلومات سابقا .

لكن . .

بعد النظر بامعان للأمر ، أدركت شيئا .

ربما لم يكن فاليوس يعني الكثير بالنسبة لي . .

لكنه بالنسبة لوالدي كان يعني الكثير .

يكفيني برهانا حقيقة كونه الشخص الذي تم ائتمانه على استعادة حق والدتي .

و بعد تفكير عميق . .

وصلت الى فكر مفاده أن علي اخراجه معي من الدوقية !

يستحيل أن أبقيه هنا ، بينما الامبراطور يبحث عن أي سبب يزعج به والدي !

المشكلة الحقيقية كانت في عناد الاخر ،

فاليوس ، من النوع الذي يرفض الاستسلام .

عند علمه بأمر ذهابنا الى عائلة الدوق و أنه سيرافقني سيقوم بتعجيل مخططاته .

و عليه . .

كان عليَ تسهيل الأمر و ابعاد الأنظار عنه في تلك الفترة حتى يحصل على ظالته بطريقة لا تثير الشكوك .

ما يتوجب علي فعله هو احظار الأوراق التي تثبت أن الامبراطور استأجر فرقة اغتيالات مشهورة باسم " أوتاد الليل " لاعتراض عربة أمي .

لدي معرفة بمكان تلك الأوراق ، مكتب الامبراطور الدرج الثالث على اليمين .

المفتاح الذي يفتح البوابة مركون في خزنة الكتب الرف الخامس الصف التاسع تحت كتاب يتحدث عن تاريخ السحرة .

المشكلة الحقيقية ليست هنا . .

بل في كيفية بلوغ مكتب الامبراطور و هو لا يغادره !

و أين سأضعها ليعلم فاليوس مكانها و لا يخاطر بالاقتراب من مكتب الامبراطور ؟ ! !

هل علي ترك هذا الأمر أيضا لمعلمي الجليل ؟

لم يكن يعلم ، أن أفكاره سببت قشعريرة لمعلمه ذا . .

── ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ──

احم احم احم . .

بعيدا عن كل الأسباب " المنطقية " التي فكرت فيها سابقا ،

سأكون صريحا و لن أكذب على نفسي أكثر !

السبب الوحيد لتحسن علاقتي مع فاليوس _

تحسن من جهة واحدة فقط _

كان بسبب تحليل فلسفي و " غير منطقي " قمت به !

أعدت أنظاري اليه ،

كان يضع الأطباق على الطاولة القريبة من السرير . كما اعتاد في الأيام الأربعة الماضية .

حركاته فيها لمسة من الميكانيكية الغريبة .

و عيناه اللتان لم تكن تظهر الكثير من مشاعره كانت الان تلمع باستغراب و انزعاج حقيقيين .

أدرك أن لا سبب لذلك غير نظراتي التي تحرقه .

لكن من يهتم !

فقد كان تفسيري الغير منطقي يشغل تفكيري منذ فترة .

كانت عادة اختيار المرافقين الذين سيتولون شؤون أطفال العائلات النبيلة شيئا يحدث دوما على أيادي رئيس العائلة .

يحدث ذلك بالتحديد عند بلوغ الطفل عامه الثالث .

و رغم أن الامبراطور كان الشخص الذي اختار فاليوس للعمل . .

الا أن والدي العزيز كان من أرسله !

ألا يعني ذلك أن والدي كان من عين فاليوس ؟

مهما نظرت للأمر من زوايا مختلفة ، كان هذا ما توصلت اليه . .

حتى الكره الذي كان يخالج قلبي اتجاهه سابقا اختفى ..

كيف لا ؟

انه أول هدية

غير مباشرة

أحصل عليها من والدي !

لنتجاهل حقيقة كونها - غير مباشرة - و نركز على كونها - هدية - !

أعدت أنظاري للأطباق ذات الاطلالات الفارهة . و الحلوى الموضوعة بأناقة على الجانب .

لم تكن لي شهية للأكل . و لست من من يستصيغون الأشياء الحلوة .

لكني كنت مجبرا على أخذ بضع لقيمات ، كي لا يتم ارسال عريضة للامبراطور و أجد نفسي في مكتبه أفسر سبب انسداد شهيتي .

لن ينقذني من ما أنا فيه الان سوى الذهاب الى الدوقية .

لن يجبرني هناك أحدى على تناول الطعام .

بذكر ذلك ..

أضن أن علي الذهاب للتسوق و احضار بعض الملابس الثقيلة .

قيل أن الشمال بارد ، و لا رغبة لي في الموت متجمدا ، ولا أضن أني سألقى ترحبيا مناسبا بسبب خلفيتي كابن الامبراطور .

امم ..

لن أطلب الكثير . لا داعي لأحجار السحر العالية . و لا لمواقد سحرية .

فقط ..

سيشعلون بعض الحطب في المدفئة على الأقل .. صحيح ؟

── ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ──

بعد تناول الفطور ، تركني فاليوس أخيرا بعد أن أصررت على خروجه .

كنت أمارس هوايتي الغريبة التي صرت أستمتع بها مؤخرا .

تأمل السقف . .

أحيانا يعتريني الفضول حول درجات الزوايا المصممة حتى لا يلمسها وهج الثرايا .

لكنه يختفي بسرعة بسبب كسلي ، وعدم رغبتي في اجراء عمليات حسابية أرهق بها عقلي .

يكفيني أن علي وضع الخطط لأكثر من أسبوعين حتى أصل الى الدوقية !

كان اليوم آخر يوم من أيام اجازتي الثمينة . .

و ها أنا الان اختلي بنفسي بعد أن طردت جميع الخدم الذين كانوا ينظفون الغرفة .

احتجت أن ألقي نظرة على سحري قبل أن أذهب غدا

قررت أخيرا التوقف عن ما كنت أفعله . و رؤية حالة جسدي بشكل أعمق .

أغمضت عيناي أستشعر ببطء جوهر السحر الذي زرع في جسدي .

أذكر اني في عمر الثانية عشر كنت بالكاد أعرف شيئا عن السحر . لم استخدمه الا ببلوغي الخامسة عشر .

كله كان بسبب نقص استقرار " الجوهر الصناعي " نفسه .

كما توقعت ، جوهري السحري الذي استخدمته في حياتي الماضية كان واضحا .

- امم ..

الأمر أخطر مما توقعت .

كانت كلمة " هائج " هي الكلمة التي تليق به أكثر .

يبدوا أن مهارات " دانيول " لم تكن من فراغ .

مجرح حقيقة أني استطعت استخدام السحر بشكل شبه طبيعي في سن الخامسة عشر في حياتي الماضية كان أمرا يستحق التصفيق .

لكن هذا لم يكن ظالتي . .

تعمقت في البحث ، و أغمضت عيناي استجمع تركيزي قبل أن أشعر به .

جوهر مختلف ، أكثر استقرارا .أكثر هدوءا .

لم يكن موجودا لما كنت في سن الخامسة عشر .

لم أستشعره قبلا ..

لكنه الان موجود ، رغم أنه صامت .

كمن تم تخديره عنوة ..

كان هذا ظالتي التي أردت التأكيد على وجودها .

شعرت بالبسمة تشق ملامح وجهي .

كل ما علي فعله هو اعادة تنشيط جوهر غارنيليون المخمد هذا ..

ببطء ، و ثبات الى أن يعود لعمله بشكل طبيعي .

لا علم لي بالمدة التي سأحتاجها في الأمر .

ثلاث سنوات ؟ ربما أربع ؟

لم أكن أعلم بالضبط لكن . .

الأكيد أنه بمجرد اعادة تنشيطه . . ستتغير العديد من الأمور .

الى ذلك الحين ، سيكون علي التوافق مع جوهر العائلة الامبراطورية .

── ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ⋆ ✦ ──

يتبع . .

2025/12/03 · 5 مشاهدة · 1723 كلمة
ايليانا
نادي الروايات - 2025