فصل 1 :"اليوم الأول
في قريةٍ معزولة عن العالم، تُدعى دريدمور، نادرًا ما كانت الشمس تشرق كاملة.
اعتاد سكانها على العيش تحت سماء ملبّدة بالغيوم معظم أيام السنة.
كانت الحياة تسير ببطء، بهدوء مريب. لكن الغريب أن مدخل القرية ظل مغلقًا طوال العام، لا يقترب منه أحد.
أمام المدخل، كانت الجثة جالسة في الزاوية، بظهر مستقيم كأنها تنتظر شيئًا.
عيناها مفتوحتان على اتساعهما، بياضهما يميل إلى الصفرة كالصديد، وفمها مشقوق حتى الأذنين في ابتسامة مشوهة، كأن أحدهم مزّق زوايا شفتيها بسكين.
كان كل شيء ساكنًا… أكثر مما ينبغي.
ثم بدأ الصوت. لم يكن في الخارج، بل في داخله.
همسات خافتة، كأن أحدًا يناديه باسمه من خلف الضباب.
لم يكن مستيقظًا تمامًا، ولا نائمًا تمامًا… فقط ذلك الفراغ بين الحلم والواقع.
— لوكاس... لوكاس، هيا استيقظ، حان وقت الذهاب إلى المدرسة.
— غغغغ... اتركيني عمتي، لا أريد الذهاب.
كنت أحلم بكوابيس كثيرة... كوابيس سيئة. في الآونة الأخيرة، أشعر أني لست بخير.
تجهم وجه عمته، وقالت بصوت يحمل حزنًا خفيًّا:
— إن استمر الأمر، سأجلب لك طبيبًا.
— حسنًا يا عمتي، سأستيقظ... لأزور الطبيب العجوز.
بعد بضع دقائق، غادرت عمته الغرفة التي كانت مليئة بالكتب القديمة والرسومات الغامضة التي تملأ الجدران.
شعر لوكاس بثقل في صدره، كأن شيئًا غير مرئي يضغط عليه.
نهض من فراشه ببطء، وهو يفكر في تلك الكوابيس التي لا تتركه.
بينما كان يرتدي ملابسه، سمع صوت الرياح تعصف خارج النافذة، مما زاد من شعوره بالتوتر.
تمنى لو كان بإمكانه العودة إلى النوم... لكن همسات الكوابيس لا تزال تهمس في أعماقه.
عندما نزل إلى الطابق السفلي، وجد عمته قد أعدت له فطورًا بسيطًا.
جلست بجانبه تحاول أن تبتسم، لكن القلق كان ظاهرًا في عينيها.
قالت له:
— لا تقلق يا لوكاس، الطبيب سيساعدك. ربما تحتاج فقط إلى الراحة... والابتعاد عن هذه الأفكار.
هزّ لوكاس رأسه موافقًا، لكنه لم يكن مقتنعًا.
كان يشعر بأن هناك ما هو أعمق من مجرد تعب نفسي.
أنهى فطوره، ونهض متجهًا إلى زيارة الطبيب العجوز كالفن، المعروف بخبرته في شؤونٍ كثيرة.
كانت القرية شبه خالية في تلك الساعة، رغم أن الوقت كان العاشرة صباحًا.
لكن الطقس لم يُشعره بذلك؛ السماء معتمة، والرياح الباردة تعصف بصمت ثقيل.
لا مطر، لا أصوات، فقط الهواء الكثيف وهمس لا يتوقف.
عندما وصل إلى منزل كالفن، دفع الباب.
كليك... كليك.
أصدر الباب صوت طقطقة مزعجًا وهو يُفتح ببطء.
تقدّم لوكاس نحو الغرفة، فوجد الطبيب نائمًا بعمق.
اقترب منه وهمس بصوت مرتجف:
— سيدي كالفن... استيقظ، أحتاج إلى مساعدتك.
فتح كالفن عينيه، خالية من الحياة، وردّ بصوت منخفض:
— اجلس هناك... وأخبرني بما حدث.
جلس لوكاس على الكرسي المقابل له، محاولًا جمع أفكاره.
شعر بالكلمات تتعثر في حلقه، لكنه تكلّف النطق:
— أعاني من كوابيس متكررة...
كأنني محاصر في عالم لا أستطيع الفرار منه.
حدّق كالفن في لوكاس بعينين ثاقبتين:
— هل ترى شيئًا محددًا فيها؟
أخذ لوكاس نفسًا عميقًا:
— أرى نفس المشهد كل مرة...
قرية مهجورة، جثة تجلس عند المدخل وتبتسم لي...
ابتسامة مرعبة.
أشعر وكأنها تحاول أن تخبرني بشيء... لكنني لا أفهمه.
فجأة تغيّر وجه كالفن.
ملامحه تشوشت.
عيناه أصبحتا بلا حياة، وفمه اتسع في ابتسامة مشدودة، غريبة، كأنها تحذير.
قفز لوكاس من مكانه مرتعبًا وسقط أرضًا.
في لحظة، عاد وجه الطبيب كما كان.
نهض كالفن من مكانه، وقال بهدوء:
— يبدو أنك تعاني من بعض الهلوسات.
اذهب، ارتح قليلاً... ولا تنسَ أن تزور الكاهن.
خرج لوكاس وهو يشعر بالارتباك والخوف.
ما رآه لم يكن وهمًا... كان شيئًا حقيقيًا.
كان طريقه إلى منزل الكاهن يمرّ عبر جزء من القرية لم يألفه.
أشجار كثيفة، وظلال لا تُفسّر.
ازدادت الرياح الباردة، وكأنها تحاول منعه من التقدم.
الهمسات لا تزال تلاحقه، لكنه تجاهلها.
عندما وصل، بدا منزل الكاهن هادئًا بشكل غريب.
طرق الباب.
فُتح بعد لحظات، وابتسم الكاهن قائلًا:
— كنت أنتظرك يا لوكاس... تفضل بالدخول.
دخل، وجلس أمام الكاهن الذي قال بصوت هادئ:
— أخبرني... ما الذي يقلقك؟
بدأ لوكاس يروي له كل شيء.
الكوابيس، الجثة، الابتسامة...
استمع الكاهن بصمت، ثم نهض، وأخرج قارورة فيها ماء غريب اللون.
رشّ الماء على لوكاس وقال بابتسامة باهتة:
— الأمر انتهى. لن ترى شيئًا بعد عودتك.
كانت ابتسامته غريبة… لكنها بدت مطمئنة.
عاد لوكاس إلى المنزل، دخل غرفته، وضع رأسه على الوسادة ونام.
لكنه لم يكن يعلم...
أن ما عاشه كان مجرد بداية...
بداية لأحداث غير منطقية، وغير مفهومة.
---
والآن... أنت من تقرأ.
هذه ليست قصة عابرة.
هل قلبك يتحمّل ما سيأتي؟
هل أنت مستعد لمواجهة ما لا يمكن تفسيره؟
طقوس... رموز... وقرية، اسمها ليس دريدمور كما تظن.
بل شيء آخر... شيء يشبه نفقًا مظلمًا، بلا نهاية.