طريق الامبراطور

(البعد الخامس)

الفصل(1): بدايه الطريق




لم يكن المستقبل مشرقاً كما اعتقده البعض، بل كان كما اعتقدت أنا: انه فقط موت ودمار وحرب لا تنتهي وإن كان البشر في هدنة!

لازال الحقد يشعل نار الانتقام داخلهم....

لا أستطيع أن أعيش مع تلك الكائنات...

يجب فقط تقريب وقت انقراضهم.

كالعادة... وضعت نفسي في موقف لا أحسد عليه! لا أعلم أين أو متى أو كيف حدث هذا! أشعر وكأنني أرتدي عباءة من الظلام تغلفني فلا أرى ولا أشعر بما حولي، شعور مزعج حقا أن تشعر أنك ميت ولكنك أكثر الأحياء حياة! عشت في ظلام الحروب كامل حياتي، فآنست الظلام ولم أعد أخافه، بل استلطفه فأشعر بذاتي الحقيقية فيه! لهذا يبدو أنني ما زلت حياً! إلا إذا كنت قد استيقظت للحساب، وهذا غير مؤكد.... تحسست بيدي المتخشبة ما حولي، ومازالت شبه مخدرة، قله من العضلات والأعصاب تعمل بطريقة شبه طبيعية أو بقوة الإرادة! وحاسة اللمس عندي معطله تقريباً. لا اعتقد أن هذا هو قبري، فيبدو كتابوتٍ فولاذيّ مغلفٍ داخلياً بطبقةٍ من البلاستيك المقاوم للتأكل. تابوت فولاذي؟ بلاستيك مقاوم للتأكل!!!؟ أخيرااااااً نعم نعم أنا أتذكر الآن ومضات من ماضيي رغم الصداع المصاحب له. آخر ما أتذكره أنه تم إصدار حكم بالإعدام في حقي رمياً بالرصاص، وفي يوم إعدامي؛ أتى أحدهم بجسد مفتولٍ وذقنٍ أشقرٍ محدودِ الشعر بعناية، وعيونٍ خضراءَ ووجه دائري بابتسامة خبيثة! نعم أتذكره، ذلك الأحمق الذي خيرني ما بين الموت أو أن أكون فأر تجارب. وأكد لي أنني لن أموت أبدا، وتجاربهم لا تخرج من دائرة الطب البشري.... وكالأبله وافقت. نعم نعم اتذكر الآن لم يتم اجراء تجارب كما كنت اتخيل فقط، وضعوني في محاليل حتى اعتقدت أنني سوف أتحول الى رأس لفت مخلل، ولكن اكتشفت لاحقاً انها محاليل تغذيةٍ من نوع ما! وكأني في فيلم خيال علمي ما! واكثر ما أغضبني أنهم شكوا أوردتي بإبر تضخ سوائل ملونة وشفافة في نخاعي الشوكي قيل أنها لحفظ الحمض النووي من التلف خلال الرحلة. والكثير والكثير من حقن التحصينات ضد جميع أنواع الأمراض كالمالاريا والكوليرا والسلامونيا التى لم تظهر منذ قرون، وغيرها من الأمراض التي انقرضت. عجبت لهم حقا! والأغرب فعلاً أنهم أعطوني تحصيناً لمرض الكوكسيديا: وهو مرض يصيب الدواجن، تبا لهم، هل خافوا من انتفاخ بطني وأصبح كالحامل!؟ وقبل ركوب موجات الزمان؛ أخضعوني لعمليه مسح بالأشعة للتحقق من سلامة عقلي وجسدي وحالتي النفسية، ثم أخيراً وضعوني في تلك العلبة المعدنية التي أنا بها الآن، وآخر ما سمعته أنني سوف أكون أحد المؤسسين للبعد الخامس. ما هذا الهراء؟ لا يهم، طالما أنا على قيد الحياة، طالما يوجد فرصة للهرب وسفك المزيد من دماء البشر، تلك الطفيليات التي يجب ان تنقرض حتى تسمح للطبيعة الأم أن تكون على قيد الحياة، هؤلاء الحمقى من ظلموني وتسببوا بمجازر للأبرياء. أشعر أن جسدي مخدرٌ، على الاقل سوف أحاول حالياً أن أحرك يدى أكثر أو قدمي، فانا لا أشعر بهما أو بأي طرفٍ من أطرافي. ذلك الضوء الخفيف القادم من الخارج قد يساعدنى برؤيه ما انا موجود فيه. أشعر بيدي، وأكاد أراها أمام عيني، وقدمي رغم صغر المساحة إلا أني أشعر بها. الآن يا أطرافي الأعزاء من فضلكم أعطوني قوتكم لنحيا عصر جديداً من الفزع للأخوة (الروس) ولكل البشرية، أولاً يجب أن ندمر غطاء هذا الكابوس الذي يحتويني، فكما أتذكر أنه قطعتين: الباب العلوي متحرك والقطعة السفلية ثابتة، صغر المساحة لن يساعد، لكن سوف أحاول.. فأنا أثق بكم يا أطرافي الأعزاء، فلنحاول..... مع العد: واحد اثنان ثلاثة هااااااااااااااااااا وكأنها حمم بركانيه تسري في عروقي، أشعر بلسعاتها في كل مسام جسدي، لتنتصب فيها جميع بصيلات شعري، وتنتفض أوردتي وأعصابي وتعزز من قوة عضلاتي وأدفع الباب العلوي بقوة ليطير وسط دهشتي، كيف انخلع غطاء التابوت الفولاذي الصدئ من أول محاولة!؟ أنا متفاجئ حقا! والغريب أنه ليس صدئ فقط، بل متآكل تماماً ولم يبقى منه إلا الطبقة الواقية البلاستيكية داخله، هي التي تحافظ على تماسكه حتى الآن مع القليل من الفولاذ حوله. مما أرى.. أعتقد أن ذلك الغطاء مر بمراحل تعرية كثيرة، ومرت عليه السنون بل القرون حتى يصل الى تلك الدرجة من التداعي، فكما أذكر أنه كان ثخيناً جداً، ولكي يتآكل لهذه الدرجة فكأنما ظل دهور طويله يتعرض لعوامل التعرية حتى انتهى به الأمر هكذا. وأعتقد أنه لولا ذلك الغطاء لما كنت سأظل في ذلك السبات حتى تنتهي البطارية النووية فأموت. امممممم الكثير من التساؤلات لن تفيد الا بتفحص ما حولي، لنقف يا أقدامي ونرى ما لذي حدث للعالم أثناء نومي... اولا سوف ننتصب وقوفاً وننظر حولنا، يدهشني حقاً استجابة جسدي! رائع.. وكأن نومي الطويل لم يؤثر على جسدي تماماً. بعض الخدر والتنميل البسيط، لكن سرعان ما يزول. جيد أنهم لم يعتمدوا على سائل لتجميدي، وإلا لكان الأمر كارثي!! المكان لا يوجد به ضوء كثير، قلة من الثقوب في المكان تنيره، ومنهم ثقب كان على حجرتي للحفظ. يبدو أن هؤلاء العلماء المجانين أفلحوا فعلاً في حفظي لمئات السنين كما أخبروني. *** " أخ نيكولاس: أنت اليوم سوف تكون إنجاز البشرية الأعظم! سوف تكون آدم عصرنا...." قلت مقاطعا للأحمق السابق وصفه فى البداية "ارميخوفيس: ألا تعتقد أن آدم يحتاج للعديد من حواء؟ لن أرضى بواحدة، وحتى أنى لم أرى أي منهم هنا!!" (قلتها بسخريه لتحليل ردات فعله) "أحم... لا أعتقد أنك سوف تحتاج حواء في المكان الذي سوف تذهب إليه، أنت مجرد أداة لاختراق الأبعاد، فإن أفلحت؛ فستعيش، وإن لم تفلح؛ فالموت من نصيبك (قالها بكل تلقائيه ولم استشعر منه أي كذب أو نية خبيثة غير تلك الأحم في البداية مما زاد استغرابي) "آه.. إذاً في كلتا الحالتين سوف أموت، فما هو معدل نجاتي؟" (من الأفضل أن أعلم كل شيء لوضع خطة مناسبة للهروب الطارئ) "اعتقد انه 10%" " تباً! أنت لم تتردد في قولها، على الأقل اكذب! على العموم سوف اثق في حظي فإنه لم يخذلني يوما... (رغم قولي له هذا إلا أنى لم أستطع الارتياح ) "انا رجل علم يا صديق، لا أهتم بالمجاملات وبالتأكيد الحظ يلعب دوراً كبيراً في حياتك؛ لهذا قبضوا عليك وحكم عليك بالإعدام.." (قالها ساخرا) "نعم، وما زلت حياً بعد سنه من مرور يوم إعدامي، بفضل من هذا برأيك.." (قلتها بامتعاض) "قلت لك، أنا عالم لا أؤمن بالحظ أو المصادفة، الأهم: لديك كل المعلومات التي تريد، فالأرض على وشك الانهيار والدخول في حرب عالميه ثالثة، يجب أن نجد الملاذ الآمن للبشرية هناك في البعد الخامس، وأنت ستكون بوابه وصولنا هناك." ***** نعم هذا ما قاله عندها، كم مر من السنوات وأنا هنا؟ ذلك الأحمق.. أعتقدُ أنه نسى أن يؤهل حجرة التجميد لتفتح وتنعشني بعد هبوطي هنا بأيام، على الاقل يبدو أنه نسي أصلا أن يضبط منبه الإنعاش من البداية! أيعني هذا أنه أرسلني لحتفي ولم يرسلني لاستكشاف العالم الجديد؟ يكفي تفكير لأهبط من تلك الحجرة المتعفنة كصانعيها، حان وقت خروجي من هنا ومشاهدة عالمي الجديد... قفزت إلى الأرض وقدمي تتحسّسها، ملمس العشب تحت بشرة قدمي منعش حقاً! إنه تراب وأحجار وقلة من العشب، يبدو أن جهاز النقل أرسلني إلى كهف ما! تلك الرطوبة في الجو.. والضوء الخفيف والهواء المكتوم.... نعم إنه كهف كالذي كنت هارباً فيه أثناء إحدى عملياتي في الجيش..... اه شعور ملمس العشب تحت أقدامي جميل، إنه يذكرني بالأيام الغابرة... لا ته الذكريات الآن، فلنتقدم يا أطرافي ونخرج من هذا المكان.. يقال: المكان الذي يأتيك منه الريح فاعلم انه مخرجك فاستريح، لنتقدم يا أخوتي في السلاح (يقصد اطرافه) ونتتبع الى اين سوف ترشدنا الريح... خطوات وخطوات ومع اقترابي أكثر من مصدر الريح؛ علمت أنني في الاتجاه الخاطئ للمخرج وأنني توغلت داخل الكهف أكثر، وتلك الريح لم تكن إلا أنفاس..... اتسعت عيوني وتكاد تخرج من محجريها! وتقريبا انخلع فكي وتدلى للأسفل بقوة وأشعر أنه يلمس الأرض، تسارعت ضربات قلبي بشدة كأنها لقطار بخاري كثير الضوضاء!! يا إلهي فلتقطعوا أطرافي وتركلوا خصيتاي...!!!! إنه تنين!!!! داخل مكتب الجنرال : فيبيسكى كونترفانوفيتش: يقف الملازم أول: فيودور ذو ال22ربيعا أمام مكتب الجنرال بتأهب والجنرال يتطلع الى ملف. بدء يتحدث بصوت هادئ رخيم يجعلك تشعر بالنعاس والطمأنينة "العريف نيكولاس اندوروفوس 25 عام الطول 188سم الوزن 95كلج، مهما نظرت إليه؛ أظنه الآلة المثالية للقتل.." (ما يخيفني ويفزعني تلك الابتسامة الهادئة ونظرة الرضا على عينيه، وكأنه لا يأبه للبشرية وما فيها) "عيون خضراء وشعر مختلط ما بين الاسود والاشقر تدل على اختلاط دمائه، وأنفة الدقيق ذو فتحتي واسعة، وفكه عريض بطابع الحسن يظهر بابتسامته، والأغرب: قصة شعره التي جعلته تماما كأحد قرود البابون، يجعل من يراه يضحك! ولكن المخضرم في الحرب من أول وهلة قد يموت رعبا منه" ( نعم اتذكرك بوضوح ايها النمر الجائع) "تدرب في نخبه القطاع المدني في سن العشر سنوات، وامتهن الحدادة وبرع فيها، حتى أنه أهدى سيف باسم برق لرئيسنا المحبوب عجبا" (حقا تعجبت واندهشت ) "لما الحدادة ؟" "أظهر هوس شديد بصناعة السيوف والسكاكين والخناجر، واعتمد جميع تكنيكاته الحربيه على السيوف فقط، ونادرا ما يستعمل الاسلحة الحديثة" (لهذا لقب بفيكتور الهادئ – ربما لأنه يحب القتل الصامت أكثر) "فعلا مازال يليق عليه هذا اللقب" أعاد نظره للملف وأكملت القراءة... "وانتقل الى طريق العظماء حتى سن ال16 وعندها تبناه الجنرال فيكتور مياكائيل المشهور بسيد الحرب الغاضب ظل تحت جناحيه حتى سن ال22تخرج، من تحت يديه كأقوى محارب في قطاع روسيا الشرقي بأكمله فحاز على لقب *(نيكولاس الهادئ )* مما أهله لدخول حرب المعونة السريه وهناك جن جنونة وخرج عن السيطرة وقضى على قريه كامله وحده. ذبح كل من فيها من رضع لشيوخ لمرضى لحيوانات وقيل من تقرير بعض الجنود أنه أكل طفل أخرجه من بطن أمه الحامل، وبعد الكشف والتحري اثبتت التحقيقات انه الفاعل.." "كيف صنعنا مثل هذا الوحش" قالها الجنرال فبيسكى كونترفانوفشيس البلغ من العمر 60 وهو يتطلع الى ملف العريف نيكولاس ورمى جسده على كرسيه وهو ينظر الى الملازم الذى امامه. "أخبرني أيها الملازم إيكاز كيف صنعنا هذا الوحش؟" "سيدى، لقد ظهرت عليه علامات العدائية منذ سن صغير، وما ساعد على خروجها أكثر؛ كان تدريبه على يد سيد الحرب فيكتور الغاضب" (قالها الملازم بتوتر بالغ) فاخرج الجنرال من العلبة التي امامة سيجار كوبي وأشعله وأخذ نفساً عميقاً ملئ به رئتيه ناظرا للأعلى وأطلقه كأنه آخر أنفاسه، مصاحب بتنهيدة قائلا: "أنت محق، انت محق، خسارة إعدام مثل ذلك الوحش، حتى وإن قتل قريه بريئة، لا يهم فقليلا ما يخرج احدهم حي من تدريب سيد الحرب الغاضب. انه نابغة وسادي وعبقري حرب جعل العالم يبول على نفسه في سنوات الجفاف الروسى (سنوات الاتحاد السوفييتى)، خسارة... ربما لو كان يعيش في الزمن الماضي لكان الآن ربما رئيس البلاد! لكن تغير الزمن، لن يشفع لمجرمين الحرب امثالنا" صوت طرق على الباب تبعها عبارة ادخل من الجنرال فدلف للداخل الدكتور "أرميخوفيس" بابتسامته الخبيثة وبنيته العملاقة الرياضية قائلاً: "سلام جنرال، كيف حال بطل الامة؟ ضاقت عيون الجنرال وأشار بيده للملازم بالخروج واعتدل فى جلسته قائلا: "ماذا تريد ارميخوفيس" (سلام؟ ومن أين يأتي السلام وقد دخل الشيطان هنا!؟ ) "يا إلهي! هل أنا مكروه لهذه الدرجة حتى تقابلني بهذا الجفاء؟ يا رجل لقد كنا أخوة فى السلاح ذات مرة!" (اتسعت الابتسامة تدرجيا على وجهة وزاد بريق عيونه ) "قلتها بنفسك: ذات مرة، فالتنهى الامر وتخبرنى ماذا تريد" "جيد، إنك لا تحب اضاعة الوقت على تلك الامور السطحية، الأمر بسيط..." (ابتسامته تزداد بشاعة وخبث قائلا): "أنا اريد سيد الحرب الجديد" انتصب الجنرال مندهشا "هل أنت مجنون؟ وكيف تعلم أصلا أنه في قطاعي؟" (تكاد تتكون حبيبات عرق باردة على جبهته الا انه حافظ على تماسكة ) *يا إلهي! أنت تستهين بي يا صديقي القديم، هل تعلم لماذا لم تحصل على مكانه أعلى مني حتى الان...........؟ انه بسبب ضعف بصيرتك" "كفانا من هذا الكلام، فأنا لست مجنون تجارب بشريه مثلك، انا رجل حرب بينما انت ساديّ علم" (خرجت الكلمات بصفة غاضبه منه ردا على كلمات ارميخوفيس، ربما لأنه يعلم أن السخرية معه لن تجعله يفوز، بل سوف يفقد ماء وجهة امام ذكاء ارميخوفيس، فحتى بطل حرب مثل الجنرال فيكتور يعترف بذكاء ارميخوفيس ويهابه احيانا ) "هاهاهاهاهاها لهذا أنت المفضل عندي، دوماً تعجبني شجاعتك ونظرتك الخارقة للإنسان... إذاً يكفى هذا" (اخرج من ردائه الأبيض المخصص للاطباء مظروف بلون بنفسجي ومغلق بالشمع وعليه ختم عنقاء مشتعلة ) نظر إليه الجنرال وكادت عيناه تخرج من محجريها، أمسك قلبه وارتمى على كرسيه قائلا: "م-م-ما معنى هذا؟ هل حقا أمر الأب بهذا؟ معنى هذا ان النهايه اقتربت ولن يبقى احد!

"إن فهمت الان مشيئة الأب فلتسرع الأمور قليلًا، لا ضرر من الحصول على بعض المساعدة في انقاذ العالم، أو على الاقل انقاذ.............. . . . (الاب)
مع تحيات المؤلف: عبد الخالق عبد المنعم.

2018/07/10 · 340 مشاهدة · 1914 كلمة
X,O
نادي الروايات - 2024