الفصل العاشر: قتال شوارع-

المانا، جوهر كل الأشياء، ليست مجرد مفهوم غامض، بل هي قلب الوجود ذاته. يقال إن كل كائن حي في هذا العالم يحمل في أعماقه تلك الطاقة السحرية. حتى قبل حادثة غزو المانا التي غيّرت مجرى التاريخ، كانت هذه القوة كامنة، تنتظر أن تُكتشف.

لكن غزو المانا المفاجئ كان بمثابة جرس إنذار للبشر. فتح أمامهم أبواب الإدراك، وكشف لهم عما كان مخفيًا في دواخلهم. ومع هذا الاكتشاف، بدأت حقبة جديدة من الحرب والدماء، حيث انطلقت صراعات لا تُحصى. كانت تلك الحروب ضرورية لإعادة بناء الحضارة، حتى تمكن البشر في النهاية من الوقوف على قدم المساواة مع الأعراق الأخرى، متسلحين بفهمهم الجديد لقوة المانا.

“هوف…” زفر كاي بصوت مكتوم، يطلق من صدره تنفسًا مختلجًا، كما لو كان يسحب من عمق روحه.

“هاب…” شهيق بطيء، كما لو كان يحاول امتصاص كل ما حوله.

كانت فكرة المانا تبدو بسيطة في البداية. مجرد شعور بها يعني أن لديك تحكمًا جزئيًا عليها. “كل ما عليّ فعله هو جعل عقلي يدرك مكان وجودها، فالجسد يمتلك ذاكرة عضلية ستقوم بالباقي.”

تواصل ارتفاع و انخفاض صدره، محاولًا السيطرة على انفعالاته. مرّت دقائق، ثم “همم.” قاطع تركيز كاي شعور غريب، حرارة خفيفة بجانب قلبه.

“هذا هو.” ركز بكل ما لديه من قوة على تلك الحرارة التي بدأت تتسرب إلى وعيه، مشدودًا إليها بكل حواسه.

استمر في ذلك التركيز لدقيقة، قبل أن يبدأ الشعور بالحرارة في التوسع ببطء، كأنها لهب يرقص بجانب قلبه. بدأت الحرارة تتسلل نحو كتفه، ثم تقدّم الإحساس ببطء حتى وصل إلى ساعده.

“أخيرًا.” شعر كاي بقوة غريبة تتزايد في يده، كما لو كان بإمكانه تحطيم الجدران بحركة واحدة.

بحماس لا يوصف، وقف ولكم الجدار بقوة، ليصدر الصوت المدوي “بوم!” لكن بعد تلك الضربة، ساد الصمت. “هذا مؤلم!!” قفز كاي متألمًا، “أوتش، أوتش!!” كان يحرك كفه بشكل عشوائي، كأنه يحاول طرد الألم بعيدًا.

استولى عليه الحماس دون أن يدرك عواقب تصرفاته. بعد أن تلاشى الألم، عاد كاي إلى سريره وجلس بنفس الجلسة السابقة. لكن هذه المرة أحضر الكرة المعدنية.

ببساطة، كانت الخطوة الأولى هي استشعار المانا، ثم تحريكها. تذكر شعور الحرارة مرة أخرى، وحاول توجيهها نحو يده اليمنى.

نظر إلى الكرة المعدنية بتركيز. كانت فكرته بسيطة. ليست فكرة نشأت في الرواية، بل معلومات مُدرجة بشكل خافت في الرواية. “داخل الكرة المعدنية مسارات معقدة لنقل المانا عبر ممرات ضيقة تتشكل داخل الكرة، مثل متاهة مصغرة، حتى تصل لنقطة التشكيل.”

لكن ما سأفعله ببساطة هو إرسال المانا خاصتي باستمرار داخلها، دون تفعيل الكرة. سأخرج المانا لتعود إلى يدي الأخرى. ستكون دورة مستمرة.

فبدلًا من محاولة استخدام بعض الحركات السحرية، أو توجيه المانا خارج جسدي، سأقوم بإخراجها من يدي اليمنى، وتمريرها عبر الممرات، ثم إخراجها لتعود إلى يدي اليسرى.

بهذه الطريقة، سأعزز سيطرتي على المانا، وسأقوي اعصاب المانا التي تمر عبرها المانا. ستسمح لي تلك الطريقة بالتدريب بلا توقف، فلا حاجة لي للتأمل أو انتظار عودة المانا المستنزفة إلى الأركا، جوهري السحري.

“سأكون قد ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد.”

خرجت المانا من يده ببطء. كان على كاي أن يصبح حذرًا الآن، فلا يريد تفعيل درع الحماية الخاص بالكرة عن طريق الخطأ. كانت الكرة استخدامًا لمرة واحدة، وبعد ذلك ستتلف. سأكون خسرت ال65 سيل خاصتي.

مرت المانا خاصتي ببطء عبر الكرة المعدنية لتدخل داخلها. استمر بالحركة والتقدم. لا زلت أشعر بطاقتي وهي تتمد بتوجهات مختلفة داخل الكرة.

بعد عدة ثوانٍ من التركيز، شعر بطاقة تدخل من كف يده اليسرى حتى وصلت لكتفه. ثم دخلت وعادت إلى الأركا مرة أخرى.

“لقد نجحت!!” صاح كاي دون إدراك. لكن سرعان ما عاد تركيزه، وبدأ بالدورة مرة أخرى.

**

خرجت من المسكن في العصر، وشعرت بضغط الجوع يعتصر معدتي. كان يجب أن أذهب إلى كفتيريا الأكاديمية.

بينما كنت أسير في الطريق، لاحظت مجموعة من الأشخاص يراقبونني. قبل أن أستطيع التفكير، أوقفوني وسحبوني بهدوء نحو أحد الأزقة الضيقة. كان الجو خانقًا، ورائحة العرق والخوف تتسلل من الجدران. تجمدت للحظة، محاولًا كبح قلقي الذي بدأ ينبض بسرعة.

لم أكن أريد المشاكل، لذا قررت اتباعهم بصمت، آملاً أن تكون هذه مجرد مسألة عابرة. بينما كنت أتحرك معهم، سمعت أحدهم يقول: “تعال، رئيسي يريد مقابلتك.” زادت كلماته من توتري.

وقفت أمام شاب بشعر أخضر وعينين عسليتين، يجلس على كرسي.

“ماذا تريد؟” سألت، محاولًا معرفة إذا كان هناك أمر مهم.

"اوه.." وقف من مكانه وتقدم إلي، نظر إلى عيني للحظة، وكان بنفس طولي تقريبًا.

ماذا قلت؟!” صرخ بصوت مرتفع.

فجأة، دوّت صفعة حادة في الهواء، وشعرت بألم يتسلل إلى خدي، وقد جاءني من رئيسهم بلا سابق إنذار. تجمدت في مكاني، وصارت الأمور غامضة أمامي.

تدحرجت على الأرض، وكل جزء مني مشلول تحت وطأة الصدمة. شعرت بالارتباك، وكأنني في حالة ضياع.

“ألم تكن تنظر كثيرًا حينها؟” قال رئيس المتنمرين، و حملت نظراته سخرية مميتة. “عاهرة؟ هل قلتها حقًا؟، أستغرب كيف لا زلت على قيد الحياة.”

فجأة، دعس مايكل بقدمه على رأس كاي، كأنه يحمل كل ثقل العالم. أطلقت صرخة من أعماقي، صدى اهتزت له الجدران. عرقه يتصبب من جبينه، وعينيه تشعان كعيون مفترس.

أحسست بقدمي مايكل تضغط على رأسي، بينما ضحك بصوت منخفض، عينيه تتلألأ بالتفوق. “أنت مجرد حثالة.” قال ببرود، ثم اعطاني ظهرت متجاهلًا اياي مع أتباعه، ككلاب تتبع سيدها.

لم افهم ماهو غرضه ضربي قليلً و تركي.

لكن الغضب تفجر في داخلي، وكأنني كنت بركانًا على وشك الانفجار. لم أستطع السماح لهم بالمغادرة هكذا. بلا تفكير، اندفعت نحو مايكل، وقبضتي ترتفع عالياً.

مايكل الذي شعر بشيء مل، نظر للخلف لتستقبله قبضة امام عينه مباشر.

ارتطمت القبضة به كصاعقة تضرب شجرة، مما أدى إلى قذفه للخلف بحدة. ارتطم بجدار الزقاق بصوت مدوي، وصرخ بصوت عالٍ، “ماذا؟!” وعيناه تتقدان بالغضب، بينما تجمد في مكانه للحظة.

“أيها الحقير!” صرخ مايكل، بينما أتباعه يتقدمون نحوي بخطوات واثقة. كانوا كقطعان من الذئاب، يوشكون على الانقضاض.

الأول انقض نحوي، قبضته تتجه نحو وجهي بعنف. تراجعت بسرعة، وأفلتت اللكمة بصعوبة. قبضتي ارتفعت عفويًا، وضربته في أنفه بقوة كافية لتحطيمه.

تراجع مترنحًا، الدم يتفجر من أنفه كنافورة. صرخ بوحشية، ممسكًا وجهه بيديه، لكنني لم أتركه يلتقط أنفاسه.

بينما الأخر جاء مسرعًا، محاولًا ركلي من الأسفل. قفزت لتجنب الركلة، ثم هبطت بكل قوتي على ركبته بقدمي، وسمعت صوت طقطقة مروع.

سقط على الأرض وهو يصرخ بألم لا يوصف، يمسك ركبته وكأنها قد انفجرت. ودون سابق إنذار، سددت لكمة حادة إلى وجهه، أفقدته وعيه على الفور.

مايكل كان يراقب من بعيد، غاضبًا كأعصار لا يمكن إيقافه. “انهوا هذا الحقير!” صرخ، وكأن صوته هو الأمر الذي يدفعهم إلى الهجوم.

تحولت المعركة إلى دوامة من العنف. الأدرينالين اندفع في عروقي. قبضتي تحكمت بتوجيه لكمة صاعقة لأحدهم. لم أمهله فرصة للسقوط، فأتبعته بركلة خاطفة للثاني.

الثالث، الأكثر حذرًا، تقدم ببطء. كانت عيناه تراقبانني كالنمر الذي يتربص بفريسته. انطلقت لكمات سريعة نحوي. صدّدت بعضها، لكن واحدة اخترقت دفاعي. شعرت بألمٍ في أنفي، ومذاق الدم كان كالجمر المحترق في حلقي.

لم أستسلم. قبضتي ارتفعت مجددًا. ضربة قوية استقرت على كتفه، مما جعله يتراجع، كعصفور أصابه سهم. لم أترك له مجالًا للتعافي. قفزت نحوه، وأطلقت ركلة قوية نحو ركبته، فسمعت صرير عظامه.

تراجعت، لكنني لم أكتفِ بذلك. وجهت لكمة أخرى استقرت على فكه. كانت ضربة كفيلة بإخراجه عن توازنه. اندفع إلى الوراء وكأنني صعقته كهربائيًا. قبل أن يتمكن من استجماع قواه، أتبعت ضربي بركلة أخرى إلى معدته.

أطلق صرخة مكتومة وسقط على الأرض. حاول النهوض، لكنني انقضضت عليه مجددًا، ووجهت له سلسلة من الضربات السريعة. كانت عشوائية، لكنها عنيفة. ضربات تتنقل بين وجهه وجسده. حتى فقد كل أمل في المواجهة.

تدفق الأدرينالين في عروقي. الشارع كان يشهد تلك الفوضى. كل ضربة كانت تعبر عن قوتي ورغبتي في الانتصار.

فجأة احسست بالأخير خلفي كان بطيئًا، لكنني شعرت بخطورته وهو يقترب.

استشعرت حركته خلفي في اخر لحظة، وأحسست بضغط قدمه يضرب ساقي. تعثرت للحظة، لكن الألم أعاد لي وعيي بشكل وحشي.

لم أترك له فرصة للإستراحة من ضربته. بينما هو يتقدم نحوي، انقضضت عليه كقطة متوحشة. ركلته في صدره بكل قوتي، مما جعله يتأوه، لكنني لم أكتفِ بذلك.

أدرت جسدي نحو الأرض، وضربت بركبتي محطمةً قفصه الصدري. استشعرت قوته تتلاشى كما لو كنت قد قضيت عليه، وعزيمتي تتجدد مع كل ضربة أوجهها له.

تدفق الأدرينالين في عروقي، وأنا أضربه بلا رحمة، وكأنني في معركة للبقاء. بينما كان الآخر في غيبوبة عميقة، كان اثنان المصابان يراقبان المعركة من بعيد، على وشك التراجع والفرار.

هذا المشهد زاد من معنويات كاي بشكل ملحوظ، فقد أدرك أن الفوضى في المعركة تفتح له فرصة للسيطرة.

مايكل تقدم، وعيناه تلمعان بالغضب. قبضته ارتفعت نحو صدري، لكنني كنت مستعدًا. أطلقت طاقتي، وتفاديت الضربة في اللحظة الأخيرة، وعيناي تتبعان حركته كقطة تصطاد فريستها.

عندما حاول مايكل مجددًا توجيه ضربة نحو وجهي، انحنيت أسفلها. شعرت بتموج المانا يحيط بي، كالنهر الجارف. حينما انحنيت، قبضتي ارتفعت بزاوية حادة نحو ضلوعه.

الضربة كانت مفاجئة، مايكل ترنح للخلف، وآلامه تعكس الصدمة. لكن الغضب كان يتزايد في عينيه، لم يكن مستعدًا للاسترخاء بعد.

دون تردد، حاول استعادة السيطرة. وجه ركلة قوية نحو ساقي، لكنني، مع مرونة تحركاتي، قفزت للخلف، كأنني ريشة في مهب الريح. الأرض تحت قدمي كانت أكثر أمانًا الآن، لكن شيئًا ثقيلًا يقترب.

مايكل، في محاولة يائسة لاستعادة السيطرة، أطلق طاقة المانا الخاصة به، ضوء أزرق يتوهج حوله. دفعة من القوة جعلته يتقدم نحوي، متجهًا نحو صدري.

كنت أشعر به يقترب، كعاصفة تندفع نحو هدفها، لكنني كنت أكثر استعدادًا. عندما أطلق مايكل لكمته، شعرت بتركيزي يتصاعد، واستعدت لنقل طاقتي.

انحنيت بجسدي، وفي نفس الوقت، وجهت ضربة قوية إلى جانبه. الضربة كانت دقيقة، مما جعله يترنح على الجانبين كأنه قارب في عاصفة.

كانت فرصتي! تراجعت بضع خطوات، ثم اندفعت للأمام مجددًا، وانطلقت بقدمي نحو جسده.

ركلة قوية في معدته جعلته يتراجع مجددًا، لكنني لم أكتفِ بذلك. تابعت الضغط، مستخدمًا كل ما لدي. ضربة بعد ضربة، رأيت قوته تتلاشى، وكأنني أشاهد ظلام الليل يبتلع الفجر.

مايكل لم يكن قد استسلم بعد. تراجع للخلف، لكنه لم يتوقف. أطلق ضربة قوية نحو وجهي، لكنه كان يفتقر إلى التركيز. بفضل التدريب المكثف، تفاديت الضربة في اللحظة الأخيرة، وكأنني أرقص مع الرياح.

وفي تلك اللحظة، شعرت بالتحول في المعركة. الألم الذي عانيته بدأ يتلاشى، بينما الغضب والطاقة تتجمع في جسدي كالأعاصير.

مايكل، في محاولة يائسة، أطلق ركلة، لكنني قفزت، وبتوقيت دقيق، انحنيت سريعًا وضربته في ركبته. سقط على الأرض بقوة، وكأن الأرض قد استقبلت صرخته بعناقها البارد.

قبل أن يتمكن من استعادة توازنه، حشوت قبضتي في فكه، مشعرًا بالقوة تتدفق من خلالي.

وفي النهاية، سقط مايكل بلا حول ولا قوة على الأرض، عيناه مبيضة، فقد الوعي وكأن روح الهزيمة قد غمرته. نظرت حولي، الأجواء هادئة، والدماء تنفث في زوايا الزقاق، بينما شعرت بشيء من النصر، رغم الألم الذي ما زال يتنقل في جسدي.

هوف… ها هف هوف. لهث كاي، متأملًا الثلاثة الذين سقطوا أمامه، بينما هرب اثنان بعد سقوط مايكل.

شعر بسخونة الدم وهو يتدفق من أنفه، لكن هذا لم يكن ليهتم به. غادر الزقاق متجهًا إلى الخارج.

قد لوثت بعض الدماء ملابسه، لكن هذا كان آخر ما يشغل باله. جوعه كان يتملكه بشراسة، فلا شيء يمكن أن يلهيه عن تناول الطعام.

“أنت! ما أنت بفاعل؟!” من العدم، خرج صوت أنثوي حاد.

نظر كاي لمصدر الصوت بانزعاج، ولكن فور رؤيته للشخص صُدم.

ظهر أمامه شابة جميلة للغاية، بشعرها الأسود اللامع الذي يصل لأذنيها، ووجهها الناعم والمضيء، وعينين بلون الكهرمان تلمعان بإشراقة خاصة. شفاهها المكتنزة بلون وردي طبيعي، وبشرتها الناعمة كالحرير. عظام وجنتيها بارزة قليلاً، مما يضفي على ملامحها لمسة من الأناقة.

كانت سيلين كراوس واحدة من الشخصيات الرئيسية في القصة…

^^^

هل القتال جيد؟.

أعذروني على الأخطاء…

2024/10/04 · 127 مشاهدة · 1786 كلمة
☃️
نادي الروايات - 2024