الفصل الثاني عشر: الإختطاف~2

“أمم…” فتحت سيلين عينيها ببطء، محاطة بعتمة قاتمة تخنق الهواء من حولها.

“هم؟” حاولت تحريك يديها، لكن عبثًا. كانت مقيدة بإحكام إلى كرسي، حبال قاسية تحكم قبضتها حول معصميها.

“هل… هذا حبل مانا؟” تمتمت بصوت منخفض، وهي تحاول الفكاك، لكن الخيوط السحرية أحكمت الطوق حولها، بلا أمل.

“مساء الخير.” جاء صوت شاب، نبرة خافتة مشبعة بالملل، تقطع السكون كالسكين.

استدارت بسرعة نحو مصدر الصوت. “أنت!” نظرت إلى كاي، أو المتنمر المعروف. كان مقيدًا هو الآخر، يديه مشدودتين خلف ظهره، والحبل الرمادي يلتف حول جسده كالأفعى.

“يبدو أننا… تم اختطافنا.” نطق كاي ببرود، وكأن الأمر لا يعنيه.

“اختطفنا؟” نظرت مجددًا إلى الحبل، أدركت شيئًا خطيرًا، “آه… هذا سيء!” شعرت بجسدها يتوتر مع تأخر وعيها بالوضع الخطير الذي وجدت نفسها فيه.

“إدراك متأخر.” قال كاي ببرود، عيناه تراقبان وجه سيلين المذعور دون أن يطرف جفنه.

“لماذا أنت هادئ بهذا الشكل؟” رغم أنها شعرت ببعض الخوف، كان هدوء كاي المريب يُثير الريبة في قلبها. “ولماذا تم اختطافنا؟”

“تنهد…” تنهد كاي ببطء، وكأن سؤالها كان سخيفًا إلى حد السأم. “أعتقد أن الذعر لن يغير شيئًا من وضعنا الحالي.”

“أما عن سبب اختطافنا… فهو واضح.”

“واضح؟” حاولت سيلين التفكير، تبحث في ذهنها عن أي سبب منطقي، “هل يريدون من عائلتنا فدية؟ لكنني يتيمة…”

“أأنتِ حمقاء؟” شهق كاي بدهشة لا تخلو من الازدراء، “إنه أنتِ، بالطبع.”

“أنا؟…” لم تستوعب تمامًا. لماذا قد تكون هدفًا؟ لم يكن هناك شيء مميز بها.

“تسك!” نقر كاي لسانه مستاءً من عدم فهمها. “فتاة عامية، من أصول متواضعة، تحصل على أحد المراكز الخمس في السنة الأولى.”

“هل تعتقدين حقًا أنكِ ستعيشين حياتكِ كطالبة عادية؟”

“وأنا مجرد طالب عادي تم جره إلى هذه الفوضى بسببكِ، بالخطأ، فقط لأنني كنت هناك عندما وقعت الحادثة.”

اتسع بؤبؤ سيلين فجأة، “إذًا… لهذا كنت تحاول الهرب!”

التفت كاي بعيدًا، محاولًا إخفاء إحراجه. “كنت أحاول إنقاذ نفسي.”

“ولكن… كنت ستتركني!” صوتها حمل مزيجًا من الاستنكار والصدمة.

“أنا مجرد ضعيف لا يهم، كنت سأبلغ الأكاديمية…” حاول كاي تبرير موقفه، كلماته تتعثر كأنها تنزلق من بين شفتيه.

“ولكن—”

“انسي الأمر.” قاطعها كاي هذه المرة بنبرة باردة وجافة، عينيه تخلو من أي شعور. “يجب أن نركز على الهروب بدلًا من المجادلة في أمور تافهة… وانتهت.”

كانت الغرفة تزداد برودة، وكأن الكلمات نفسها تجمدت في الهواء.

سيلين لم تعد تجد أي معنى في متابعة النقاش، لكنها لم تستطع تجاهل الشكوك التي بدأت تغزو عقلها. “هل يمكنني حقًا الوثوق به؟” فكرت في نفسها، ويديها لا تزالان مكبلتين بحبل مانا القوي.

“هل لديك خطة؟” سألت وهي تراقب كاي بعيون مترقبة.

“لدي فكرة…” قال كاي بصوت خافت، بينما بدأ ينظر حول الغرفة بعينين حادتين، “لكن يجب أن تكوني هادئة وتتبعي تعليماتي بدقة. أي خطأ، وسنظل هنا للأبد."

اومأت سيلين كانت تشعر بتوتر اللحظة.

***

“بوم!” ارتطم الباب الحديدي بالجدار بقوة، ليصدر صوتًا حادًا ومزعجًا ملأ الغرفة بالصدى.

“مرحبًا يا صغار!” نطق المعتدي بصوت حاد، نبرته ملؤها السخرية وكأن المشهد بأكمله كان مسرحًا له.

كاي نظر إلى الرجل بتجهم، وعيناه تراقبان الوضع. بجانبه، كانت سيلين ممددة بهدوء ، جسدها ساكن، أنفاسها خافتة كأنها لا تزال فاقدة للوعي.

“م-من… من أنت!” تمتم كاي، صوته متقطع، محاولًا إخفاء القلق الذي يسري في عروقه.

“أوه…” قال الخاطف ببطء، ناظرًا إلى كاي بنظرة تفيض ازدراءً. “يا لها من شفقة… لم يكن لك أي دخل في الأمر، لكنك تورطت.”

اقترب الخاطف بخطوات ثقيلة، ناظرًا إلى كاي الذي بقي صامتًا، بينما سيلين لا تزال ملقاة على الكرسي، وجهها شاحب وملامحها لا تدل على أنها سمعت شيئًا.

“أنت مجرد ضحية جانبية، لا قيمة لك هنا.” تابع الخاطف، صوته يملأ الغرفة بينما يتجاهل تمامًا وجود سيلين.

“ماذا… تريد؟” سأل كاي بنبرة واهنة، محاولًا كسب الوقت والتفكير في أي طريقة للخروج من هذا المأزق.

ابتسم الخاطف بسخرية قاتمة. “إنها ليست مسألة ما أريد منك… بل ما أريده من الفتاة.”

توقف كاي للحظة، ونظر إلى سيلين المتجمدة في مكانها، بلا حركة. كانت أنفاسها منتظمة، وعينيها مغمضتين بإحكام.

“لن نتحدث عن ذلك الآن.” رد كاي بسرعة، محاولة إبعاد الحديث عن سيلين، “ماذا تريد حقًا؟”

“همم.” أمعن الخاطف النظر في كاي، عينيه تضيقان بخبث. “رغم عدم جدواك، إلا أنك تملك شجاعةً كافية لطرح الأسئلة… وأنت الضحية هنا.”

تجمدت الأجواء للحظة، ثم استدار الخاطف ببطء، كل خطوة كان لها وزنها في الغرفة المظلمة، حتى وقف أمام سيلين.

“بوم!” جاء صوت الصفعة كالرعد، ملأ الفراغ بقسوة، مصطدمًا بعتمة المكان.

ارتج جسد سيلين بعنف، سقطت مع كرسيها على الأرض بقوة، أنفاسها متقطعة، وعيناها اتسعتا بصدمة لا إرادية. “كيوغ!” اختنقت بحروف متكسرة، لم تستوعب بعد ما حدث.

“هل تظنين أن أنفاسك الثابتة كافية لخداعي؟” صوت الخاطف كان يقطر سخرية وخبثًا، كأنما كان يتلذذ باللحظة.

اقترب ببطء، عينيه مسمارتان على سيلين التي بدأت تتنفس بعمق، وهي تكافح لاستعادة رباطة جأشها. “كيهيهي…” ضحك ضحكة مجنونة، وكأنه استمتع بكشف الحقيقة. “منذ لحظة دخولي، قلبك كان يسرع النبض، ولو للحظات. كان ذلك كافيًا لكشفك.”

“بوم!” الصوت العنيف للصفعة كان لا يزال يتردد في أرجاء الغرفة، وسيلين على الأرض، تحاول استيعاب ما حدث. رغم الألم، رفعت رأسها ببطء ونظرت إلى كاي.

كان كاي واقفًا، عينيه مثبتتين على ظهر الخاطف. لا خوف. فقط برود، مع ظل طفيف من الانزعاج.

الخاطف، غير مدرك لتلك النظرة التي تركزت على ظهره، تابع ضحكاته المتقطعة. “لا فائدة من التظاهر الآن، فتاة. هذا العالم لا يسمح بالضعفاء.”

سيلين، ورغم حالتها، التقطت تلك النظرة من كاي. شيء غريب ينبض في داخله. شعرت به. كان هناك شيء مريب حول هدوئه.

“ألن تفعل شيئًا؟” فكرت سيلين في نفسها، وهي تراقب الوضع، بينما الخاطف ينحني نحوها مرة أخرى، ابتسامة شريرة ترتسم على وجهه.

“حسنًا، لنؤمن أنك مستيقظة.” همس الخاطف، وكأنه يستعد لشيء أسوأ. لكن في اللحظة التي بدأ فيها التحرك نحوها، قطعته همهمة من كاي.

“كفى.”

كانت الكلمة باردة، صاخبة بطريقة غير متوقعة. توقف الخاطف، ورفع حاجبيه بدهشة. “ماذا قلت؟”

كاي لم يلتفت، لكنه تابع ببرود. “إذا كنت تظن أن صفعتك ستفيدك، فأنت مغفل.”

استدار الخاطف ببطء، عينيه تضيقان بغضب. “ماذا قلت؟” كرر بتوتر متزايد.

“قلت…” رفع كاي عينيه، ونظراته تحترق برغبة الانتقام، بينما ابتسامة شيطانية تضيء وجهه. “أنت لن تخرج من هنا حيًا!”

***

***

***

“ماذا قلت!” صاحت نيفرا، عينيها تضيئان بقلق بينما تحدق في رجال الأمن، الذين من المفترض أن يكونوا هم المسؤولين عن سلامة الأكاديمية.

تنفس أحدهم بعمق، قطرات العرق تتدلى من جبينه، وكأنها تمثل ثقل الكلمات التي كان يترقبها. “عذرًا، لكن… بعد تحليل عدسات المانا، تبين أن طالبين قد تم اختطافهما داخل أرض الأكاديمية.”

تبادل الأفراد في الغرفة نظرات مرتبكة، والأجواء مشحونة بالتوتر. نيفرا، برغم قلقها، كانت تتصرف بحكمة. “وأين تكمن نقاط الضعف في نظام الأمان لدينا؟” سألت بجدية، عازمة على كشف الحقائق.

“إن نظام المراقبة… تعرض لتعطيل مفاجئ.” رد الرجل، صوته مملوءًا بالتوتر. “أحد المتطفلين استغل ثغرة في الشبكة.”

“نقطة ضعف قديمة.” همست نيفرا، وابتسامة خبيثة تلوح على شفتيها. “لنبدأ بالتحقيق في سجل الدخول والخروج. يجب أن نكتشف من لديه القدرة على الوصول إلى الأنظمة.”

أخذت نيفرا نفسًا عميقًا، مصممة على استعادة السيطرة على الموقف. “من هم الطلاب المختطفون؟” سألت، عازمة على عدم ترك أي تفصيل دون تحليل.

تردد المسؤول للحظة، ثم تراجع خطوات نحوها، وكأنه يحاول تهدئة نفسه. “إنهما سيلين كراوس الرتبة 4، السنة الأولى، وكاي نورث، الرتبة 896 السنة الأولى.”

توقف الوقت للحظة. كان اسم كاي يرن في أذنيها. “كاي، الفتى الانتحاري، وسيلين… الفتاة التي تتحدث دائمًا عن أحلامها.”

“كيف يمكن أن يحدث هذا؟” تساءلت نيفرا، وعيونها تتقد بغضب. “كيف نسمح باختطافهم في مكان كهذا؟”

“نحن نواجه مواقف غير متوقعة.” أجاب المسؤول، مظهرًا أسفًا عميقًا. “لم نكن مستعدين لذلك.”

لم يكن لدى نيفرا وقت للتساؤل. “اجمع كل المعلومات حول أي شخص كان موجودًا في المنطقة عند وقت الاختطاف، وأعد لي تقريرًا مفصلًا. لا أريد شيئًا يُترك للصدفة.”

بدأت تتخيل سيناريوهات متعددة، كل منها يحرق غضبها . كان لديها شعور داخلي بأن هناك شيئًا أكبر من مجرد اختطاف. هذه ليست مصادفة، بل خطة محكمة.

“لنستعد. يجب أن نتوجه إلى موقع الاختطاف ونفحص الأدلة. لن نسمح لهم بالهروب.” كانت عازمة، وعقلها يعمل كآلة دقيقة، تسترجع كل معلومة وكل تفصيل يمكن أن يقودها إلى إنقاذهما.

أمسكت نيفرا رأسها بصداع، ورغم أن ما يحدث يبدو كحادثة عادية، إلا أنه قد يتحول إلى فضيحة قد تضر بــ الإيتيروس. كان كل شيء يدور في ذهنها، ستكون الحادثة كجرح مفتوح، وكان الإعلام سيتربص بها، مستعدًا لفرك الليمون عليه.

تخيلت العناوين الصاخبة، والصور المفبركة، والنظرات المتشككة. “لا يمكن أن أسمح لهذا أن يحدث.” همست لنفسها، عازمة على السيطرة على الوضع.

^^

أعذروني على الأخطاء.

2024/10/14 · 81 مشاهدة · 1322 كلمة
☃️
نادي الروايات - 2024