الفصل الرابع عشر: الإختطاف~4
“أوه…بالطبع سأقاتل.”
كانت آلية المهارات في القصة بسيطة؛ إن أردت تفعيلها، ما عليك إلا أن تفكر بالأمر.
وكما أردت.
[تم تفعيل: وجهة نظر القارئ]
“وشش-!” كأن عاصفة ذهنية اجتاحت عقلي، شعرت بحرارة تخترق رأسي، كنسيم صيفي ثقيل يلفّ الأفكار. لحظة هادئة غرقت في داخلي، توقفت فيها كل الأشياء التي كانت تثقلني.
“ها… ماذا يحدث؟”
نظرت حولي. العالم نفسه، لكن ضبابيًا، كأنني أراقبه من وراء حجاب. كان ملمس الأشياء، صدى الأصوات، وطعم الهواء، مختلفًا. قريبًا لكن بعيدًا. كأن هناك فجوة فاصلة بيني وبين كل ما يحدث.
حدّقت في الأصلع المتقدم نحوي، وشيء ما داخلي تأخر في فهمه. الألم الذي كان يلف جسدي… ذلك الضغط الذي أحسست به من قبل، كأنما كان كابوسًا واختفى فجأة. شعوري أصبح خافتًا، ممزقًا.
هل هذه مهارة تفصل المشاعر؟ ارتعشت الأفكار في داخلي، وكأنني أراقب نفسي من بعيد. الأمر مخيف…ومذهل. كيف يمكن لشخص أن يعيش مفصولًا عن نفسه؟
في الماضي، كنت أعمل جاهداً على كبت مشاعري، وجه بلا تعبيرات. لكن الآن، شعرت وكأن وجهي أصبح جدارًا صلبًا، لا شيء يتحرك خلفه. هذه المهارة… لو تم اكتشافها ككتاب مهارة في العالم، ستكون شيئًا يُحارب من أجله الجميع.
راقبت الأصلع مجددًا. خطواته كانت ثقيلة، تهتز الأرض تحت قدميه مع كل خطوة يقترب بها. كان الغضب يعصف بعينيه.
“أيها الداعر!” صرخ، وعرقه يلمع على جبينه المشدود. الابتسامة الغامضة تسللت إلى وجهي دون إذن، استفزازه كان أسهل مما توقعت.
لكن قبل أن أتمكن من اتخاذ خطوة للخلف…
“وشش…” الحرارة اجتاحت عيناي كاللهب. لاذعة، لكن ليست عميقة. ورغم ذلك، كانت كافية ليلتف الألم حول رأسي. أسناني ضغطت بقوة، شعور الحريق في عيني لا يمكن تجاهله.
تقطير…
تقطير…
تقطير…
ما هذا؟ عاد اتركيزي للأصلع مجدداً، لكن نظراته الآن كانت محيرة. بدا مصدوماً.
“ماذا؟” همست وأنا أخفض بصري. قطرات دم حمراء كانت تتساقط على الأرض الباردة. خدي مبلل بالدماء.
رفعت يدي، أتحسس عيني.
“هل… عيني تبكي دماء؟”
نظرت إلى كفي الملطخ بالدم. لم يكن الشعور حقيقياً بالكامل، كأنني أشاهد هذا من بعيد.
استجمع الأصلع شتات نفسه، جسده المتوتر ينبض بالغضب المكبوت. فجأة، اختفى من مكانه.
“وشش-!!” قبل أن أتمكن من إدراك ما يحدث، كانت قبضة يده الهائلة تتجه نحوي بسرعة خاطفة، كرصاصة مستعدة لإنهاء كل شيء.
“دوم، دوم، دوم.” تباطأ الزمن أمام عيني بشكل غريب.
قبضة الأصلع، التي كانت تتحرك بسرعة غير طبيعية، باتت وكأنها تتحرك ببطء كالسلاحف.
لكن جسدي لا يتحرك… إذًا هذا ليس تباطؤًا في الزمن، بل عقلي هو الذي يعمل بسرعة أكبر من المعتاد.
سأدرس هذه المهارة الغريبة لاحقًا.
الآن، بما أنني لا أستطيع التحرك…
فجأة، تركت القوة في قدمي، فانهار جسدي نحو الأسفل، ساقطًا أسرع من القبضة التي كانت على وشك لمسي.
نجحت! الاعتماد على وزن جسدي والجاذبية لإسقاطي كان رهانًا صحيحًا.
“بوم-!!” حدث اصطدام قوي جعل الجدار خلفي يتصدع، وتناثرت الشظايا في كل مكان.
قبضة الأصلع قوية بشكل مدهش.
لكن بالنسبة له، كانت الأمور مختلفة.
“هل تفاديت قبضتي بحق الجحيم؟!” صرخ، وجهه مشحون بالغضب.
“أيها الوضيع، من الرتبة G، حتى لو قمت بتقليل مستواي إلى الرتبة F، لا يعني ذلك أنك تستطيع تفادي ضربتي.” كشر عن أنيابه، مهددًا.
في تلك اللحظة، شعرت بتوتر عميق. على الفور، نشرت المانا في جسدي، وشعرت بقوة هائلة تتدفق عبر عروقي، كالماء المتفجر من السد.
ركلت الأرض بقوة، ثم قفزت للخلف بعيدًا عن الأصلع، متجنبًا قبضته.
هذا مدهش!
تدفقت المانا بسلاسة، وكأنها نهر يجري في عروقي.
نظرت لنفسي للحظة، ورأيت أن المانا، التي بالكاد استطعت التحكم بها في السابق، تتراقص الآن داخل جسدي دون أي تشتت.
نظرت حولي مرة أخرى، وعينيّ اتسعتا عندما رأيت منظرًا مختلفًا تمامًا.
كان الأصلع يندفع نحوي، لكن جزئيات مضيئة تغطي العالم بأسره، كأنها رقاقات كريستالية تطفو في الهواء.
“ما- هذا؟” خطرت في بالي فكرة، لكني احتجت التأكيد.
نظرت إلى إحدى الزجاجات الطائرة، التي أطلقها الأصلع بهزّة قوية.
تبطأ العالم من حولي مرة أخرى، وكأن الزمن قد تجمد.
في انعكاس الزجاج، رأيت بؤبؤًا أسود يسيل منه الدم. كانت الدماء تنساب كخيوط رفيعة، تترك أثرها في الضوء الخافت. في عمق ذلك البؤبؤ، تجلّى رمز غامض، خطوط أربعة تتشابك بتعقيد، ترسم صورة لشيء غامض غير مألوف.
“هذا!” توقف تفكيري، وشعرت برعشة تسري في عمودي الفقري.
أعين خاصة!
***
"هوف…هف، هاف هوف!." سيلين كانت تلهث، أنفاسها تقطع الصمت بينما تتسارع خطواتها في الزقاق المظلم.
الهواء البارد كان يلسع وجهها، والأرض الرطبة تحت أقدامها تضيف عبئًا على كل خطوة.
شعرت بثقل في صدرها، فقد قطعت نصف المسافة فقط، ولكن…
بصمت تام، وبدون سابق إنذار، ظهر شيء من العدم.
كان وميضًا في البداية، لكنه سرعان ما تجسد في صورة رجل.
ملابسه تشبه رجال العصابات، قميصه مربوط حول خصره، وشعره الأصفر يتدلى على كتفيه.
عيناه الصفراء كانت تلمعان في الظلام، كأنها تراقبها من الأعماق.
“تسك!” سيلين نقرت لسانها بضيق، إحباطها واضح.
تم القبض عليها.
لم يكن بإمكانها لوم نفسها.
كانت تعرف، مجرد إحساس، أن هذا الرجل قوي، ربما هو بنفس مستواها.
ورغم ذلك، كان يخفي هالته بإتقان، مما زاد من خطورته.
لكنها لم تكن مستعدة للمواجهة.
خطة كاي، التي جعلتها تسرب ببطء كل طاقتها السحرية، أنهكتها.
لم تستعد بعد سوى جزء ضئيل من المانا المستنزفة.
كانت محاصرة، لا مهرب لها.
الزقاق كان ضيقًا، والمكان مظلم كأن الظلال نفسها تضيق الخناق عليها.
رفعت يديها بتصميم، تتخذ وضعية قتالية.
لا سلاح في يديها، لا سيف أو خنجر، لكن جسدها الآن هو سلاحها الوحيد.
بسرعة خاطفة، دفعت سيلين قدمها على الأرض لتنطلق نحوه.
الرجل لاحظ حركتها ولوح بمضربه نحوها، ضربة سريعة وقوية.
في اللحظة التالية، انحرف جسدها بحدة، لتتفادى الضربة المتوجهة.
الهواء حول المضرب صفّر من قوته، لكن سيلين كانت قد تحركت بالفعل.
بسرعة، عززت قبضتها بكمية معقولة من طاقتها السحرية القليلة.
انطلقت لكمة عنيفة نحو وجه الرجل، ضاربة الهواء بقوة هائلة.
الرجل رأى هجومها بوضوح، لكنه ابتسم بهدوء.
بحركة سريعة، رفع مضربه أمامه ليتخذ وضعية دفاعية.
“بوم!” دوى صوت اصطدام كأن انفجارًا قد حدث.
تراجع الرجل عدة أمتار للخلف تحت قوة اللكمة المباشرة.
“هذا قوي!” قال بدهشة، وهو ينظر إلى المضرب الذي التوى بشكل غير طبيعي.
لم يتراجع كثيرًا، لكن عينيه كانت تحملان مزيجًا من الدهشة والإعجاب.
رغم تضرر مضربه، لم يظهر أي تردد وهو يسقطه على الأرض.
سيلين، بدورها، لم تنتظر. استغلت اللحظة، واندفعت مرة أخرى.
تحركاتها كانت سريعة، جسدها يتمايل بانسيابية قاتلة وهي تقترب منه مجددًا.
في ثانية، سددت ضربة سريعة باتجاه أضلاعه، ضربة ثم أخرى إلى معدته.
كل لكمة كانت مشحونة بالطاقة السحرية، وكل واحدة كانت تهدف إلى إنهاكه.
لكن الرجل كان أسرع مما يبدو عليه.
بالتفاف خاطف، تفادى ضرباتها المتتالية، ثم رد بسرعة بلكمة موجهة نحو بطنها.
القوة في يده لم تكن عادية، كانت مثل مطرقة تهوي نحوها بلا رحمة.
“تصدعت عظامها للحظة تحت الضغط، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة.
سحبت نفسها للخلف، تشعر بالألم، لكنها لم تظهر الضعف.
“لست سيئة، لكن…” قال الرجل بابتسامة جانبية، وهو يجمع طاقته السحرية حول جسده بأكمله.
كانت هالته تتسرب أخيرًا، وضغط رهيب بدأ يملأ الهواء.
سيلين شعرت بالخطر الحقيقي الآن.
الرجل لم يعد يقاتل بجسده فقط بعد الآن؛ الطاقة السحرية بدأت تشكل تهديدًا حقيقيًا.
رفعت يديها مرة أخرى، جسدها متوتر مثل وتر مشدود، مستعدة للرد على أي هجوم جديد.
في ومضة، تحرك الرجل بسرعة تفوق الوصف، جسده يتحول إلى وميض قاتل وهو ينقض نحوها.
سيلين بالكاد رأت التحرك، لكن غريزتها دفعتها للقفز جانبًا.
الضربة التي تفادتها اخترقت الأرض خلفها، محطمة الحجارة تحتها وكأنها كانت مجرد رماد.
ذهلت سيلين وهي ترى الأرض تتشقق تحت قبضة الرجل.
قوته كانت مرعبة، تفوق ما توقعت.
“اللعنة! فقط لو لم أستهلك طاقتي السحرية!”
فكرت و الغضب يتصاعد بداخلها.
بسرعة خاطفة، أرسلت جزء من طاقتها السحرية إلى قدميها وقفزت للخلف بحركة بهلوانية، قبل ان تهبط بإحترافية.
“وشش-!!”
قبل أن تستعيد توازنها بالكامل، هجم عليها مرة أخرى، هذه المرة أسرع بكثير.
قبضته انطلقت نحوها كالعاصفة، لا مجال للتراجع.
الضربة أصابتها مباشرة في معدتها، وكأنها ضربت بجدار فولاذي.
الهواء اندفع من رئتيها بعنف، الألم انفجر في كل جزء من جسدها كصاعقة مدمرة، "كيوغغ!” سعلت جرعة من الدماء.
“بوم!” ارتطمت بكل قوتها، جسدها يحلق للخلف كدمية قماشية لا حول لها ولا قوة.
لحظات قبل أن يسحق ظهرها الجدار البارد اخيرًا، “تحطمت الحجارة خلفها، والصوت كان صاعقًا كأنها قذيفة اخترقت الجدار نفسه.
أهذا كل ما لديك؟” تقدم ذو الشعر الأصفر، وهو يستهزئ بسيلين، صوته يتردد في الهواء.
“اغغ!” كانت قبضته ذات بأس شديد.
لكنها لم تبقَ هناك. نهضت سيلين، تنفض الغبار عن ملابسها، وعينيها تتقدان بعزيمة جديدة. بجانبها، كان سيف خشبي مهمل، يُظهر علامات الكسر، لكنه كان كل ما تحتاجه.
قوتها الحقيقية لم تكن في قبضاتها، بل في شي أخر.
بصقت على الأرض جرعة من الدماء، شعور مرير يختلط بالبرود، ورفعت سيفها عالياً، عازمة على استعادة هيبتها.
ذو الشعر الأصفر، الذي كان واثقًا من انتصاره، شعر برعشة غامضة تسري في عموده الفقري، كأن الخطر يقترب.
و أخيرًا فعلت مهارتها، [تم تفعيل: السيف المتعالي]
“وشش-” لمعت عينا سيلين بسيفها، موجهة طاقتها الكامنة في جسدها.
تدفقت المانا حولها كالنهر، تملأها بالقوة والعزم.
الأسلوب: خطوة السيف الواحد—
خطوة واحدة، وسيفها يندفع إلى الأمام كالسهم، تقتحم الفضاء بشغف.
خطوة واحدة كالضباب، تتسلل إلى عمق العدو.
خطوة واحدة تقلب الأنهار، وتحدد الفائز في أرض المعركة.
خطوة واحدة…
“…” عم الصمت للحظات، كأن الزمن قد تجمد.
في نظر ذو الشعر الأصفر لوحت سيلين بشكل عشوائي.
“بفت، كياهاهاها!” ضحك، سخرية تتراقص على شفتيه قبل أن يسقط رأسه من على كتفيه.
خطوة واحدة تسقط الأرقاب، وتعلن النصر.
ضحك دون أن يعلم أنه قد لقي حتفه.
“هاااااب… هوف هوف.” سقط جسد سيلين على الأرض، منهكة استنفدت طاقتها السحرية و الجسدية بحركة الخطوة الواحدة.
بدأت تلهث بشدة، كل أنفاسها تعكس مشقة المواجهة.
“هوف… هاف هوف.” الحركة السابقة قد استنزفت طاقة سيلين بشكل كبير، وكأن المانا قد تفككت من جوهرها. شعرت بقدرتها على التحمل تتلاشى، لكنها لم تسمح لنفسها بالاستسلام.
كان أسلوب الخطوة الواحدة ، اسلوب يضغط على جسدها، مُجبرة إياه على استخدام المانا لتوليد قوة انفجارية. كل عضلة فيها كانت تنقبض بشدة لإظهار قوة اكبر، حاليًا تشتعل سيلين بالألم، لكنها استمرت، مصممة على المضي قدمًا رغم كل شيء.
وقفت بقوة، لكن قدميها كانت تهتز بصعوبة تحت ثقلها.
عضت على لسانها بشدة، تخشى أن تفقد الوعي، “أ-المتنمر… في خطر.”
بخطوات متعرجة، خرجت من الزقاق، تتلمس طريقها في الظلام.
^^^
هل سوف تصدقوني إن قلت لكم انه كان لدي ظرف؟…
لا؟؟.
حتى انا اعتقد ذالك.