الفصل السادس عشر: الإختطاف-6

“هوف… هف… هوف… هااف.”

شعور غريب يملأ كل جزء مني. لم أعد أستطيع تحديد ما هو هذا الشعور، لكنه غريب، بشكل غير مألوف.

نظرت إلى حيث كانت يدي اليمنى، فراغ بارد يحدق بي، والدماء تتدفق بلا توقف، تغمر الأرض من تحتي.

الأمر لا يبدو صحيحًا، ومع ذلك… لا ألم. فقط هذا الفراغ الغريب.

“هوف… هوف…”

هل يبدو العالم ضبابيًا هكذا دائمًا؟ أو أنني ببساطة لا أستطيع رؤيته بوضوح؟.

طنين حاد يدوّي في أذني، يتداخل مع الصوت الوحيد الذي لا يفارقني: دقات قلبي المتسارعة.

كل خفقة تشق الصمت، وكأنها ضربات مؤلمة، تذكرني بأنني على حافة الانهيار.

على كل حال، إيقاف [وجهة نظر القارئ] الآن ليس خيارًا.

إن لم أمُت من نقص الدماء، فسأمُت من الألم.

“تنهد!” إذًا، ماذا أفعل الآن؟.

نظرت للأصلع اللعين. بدأ يبدو منهكًا، كأنه على وشك السقوط.

أنا متأكد أن القتال أثناء قمع رتبتك ليس سهلًا.

لا، لا تزال هناك طريقة.

أغمض كاي عينيه، بينما بدأ لوثر بالتقدم.

***

“هذا الطفل الوحشي!”

تقدم لوثر بخطوات متثاقلة، تعبًا، لكنه لم يُزل عينيه عن جسد كاي المعلق على الحائط. أفكار مشوشة بدأت تتدفق في رأسه: شاب بهذه المهارة… كيف لم أسمع عنه من قبل؟

لكنه لم يكن الوقت للتفكير. يجب أن أُبلغ عن هذا.

اقترب، ويده ممدودة نحو رقبة كاي لفحص النبض.

قبل أن تصل أصابعه، توقفت يده فجأة.

نظر لوثر مصدومًا.

كاي، الذي بدا وكأنه ميت منذ لحظات، أمسك بمعصمه وأوقفه بحركة خاطفة.

كان يمكن لهذا أن يبدو طبيعيًا… لو كانت يده اليمنى موجودة. لكن الجروح والكدمات التي تغطي جسده تُكذّب أي احتمال للنجاة.

ومع ذلك… لم يظهر عليه أي ألم.

ضحك لوثر، وصدمة مترددة تشوب وجهه:

“أنت حقًا صرصور عنيد.”

“وشش!”

شعر لوثر بقشعريرة حادة تتسلق عموده الفقري. دون تفكير، قفز للخلف عدة أمتار، وتوتر جسده بالكامل.

“أعتقد أنني فهمت أخيرًا.”

همس كاي بصوت خافت، بالكاد يُسمع وسط صمت المكان.

“فهمت؟”

التقط لوثر الكلمات، لكنه سرعان ما أهملها. عيناه كانت مثبتة على كاي الذي لم يتحرك… بعد.

اتخذ لوثر وضعية ملاكمة، وعزز يديه وقدميه بطاقة سحرية تشع كاللهب الأزرق. الهواء حوله بدأ يضطرب، وتحركت ذرات الغبار بشكل عشوائي.

حينما كان مستعدًا للهجوم، حدث شيء غريب.

الأرضية ارتجّت، والهواء أصبح ثقيلًا، وكأن المكان كله يئن تحت قوة مجهولة.

جسد كاي ارتفع ببطء عن الأرض، عائمًا في الهواء.

شعره الأسود بدأ يتطاير، وكأنه يتحرك تحت موجة من الرياح الخفية. الطاقة حوله لم تكن طبيعية؛ كانت مليئة بالعنف والغموض.

لوثر حدق فيه، وعيناه تتسعان أكثر مع كل لحظة:

“ما هذا بحق الجحيم؟!”

نظر كاي إلى كتفه النازف بغرابة، وكأنه يقيّم الضرر بهدوء قاتل.

في تلك اللحظة، توهجت راحة يده اليسرى بطاقة رمادية قاتمة، تلتف حول أصابعه كضباب يتوهج بالحرارة.

رفع يده ببطء نحو الجرح.

“تشش-!!!”

صوت الكي الساخن مزّق الصمت، وملأ المكان برائحة اللحم المحترق.

لوثر تجمد في مكانه للحظة. عيناه لم تستطع الابتعاد عن هذا المشهد المروع.

هذا المجنون..هل يقوم بتسريع جريان الطاقة السحرية في كفه!.

الجواب كان واضحًا.

الطاقة الرمادية حول يده أصبحت أكثر كثافة. الحرارة كانت واضحة حتى من بعيد.

تحكم كهذا!..فكر لوثر بذهول، إنه يدفع ذرات المانا لزيادة سرعة التصادمات في راحة يده، ونتيجة الاحتكاكات المستمرة، تولد طاقة حرارية.

ولكن هذا النوع من التحكم يحتاج إلى تلاعب خارق في تداول المانا!

أي خطأ صغير، ولو بسيط، يمكن أن يصيب مسارات المانا في ذراعه.

ولكن كاي لم يكن هناك أدنى تردد في حركاته. لم يُظهر أي إشارة للألم أو الصعوبة.

“تشش-!!”

تتزايد أصوات الكي. المكان بدا وكأنه يغرق في هذه الأصداء المشؤومة.

لوثر تراجع خطوة دون وعي، مغمغمًا:

“شاب بعمر 16 عامًا… يفعل هذا؟”

الحقيقة كانت أكثر وضوحًا الآن. كاي لم يكن مجرد مقاتل عادي.

حتى حالته الذهنية لم تكن طبيعية. في مثل هذا الوضع—الألم، الإرهاق، وفقدان الدم—كان يجب أن تكون السيطرة على الطاقة السحرية شبه مستحيلة.

ولكنه يتحكم في المانا وكأن جسده آلة باردة خالية من المشاعر.

حينما انتهى، أسقط يده ببطء، وبدا الجرح كأنه قد اختفى… على الأقل مؤقتًا.

لوثر ابتلع ريقه، شعور غريب من الخوف بدأ يتسلل إلى أعماقه، أعتقد ان خيار قتله كان الأصح.

“وشش-!!”

من العدم، اندفعت كتلة طاقة رمادية عبر ذراعه اليمنى، ملتوية ككائن حي يحاول التشكل.

تتقلص وتتوسع، أشبه بمحاولة يائسة لصنع يد جديدة من الطاقة السحرية.

“هااا…”

زفر كاي بهدوء، بخار أبيض يتسرب من شفتيه قبل أن يتلاشى في الهواء البارد المحيط.

رفع يده اليسرى بخفة، عينيه تركزان على هدفه بلا رحمة.

“وشش-!!”

شق الصوت السكون.

ظهرت فجأة عشرات من الأسلحة السوداء من العدم.

رماح وسيوف ملتوية، مشوهة بمواد مجهولة تنبض بهالة قاتمة، كأنها ولدت من كابوس.

بسط كاي ذراعه ببطء، ثم اندفع بحركة واحدة.

“بوم-!!”

انفجار هائل مزق الهواء نفسه.

الفراغ امتلأ بضوضاء اختراقية، والضغط الناتج عن الهجمة كاد أن يسحق المكان.

الفراغ اهتز بصوت الهجوم القوي، والضغط الناتج عن الأسلحة المندفعة بدا وكأنه يضغط على جدران المكان.

الأسلحة انطلقت بسرعة نحو لوثر، تتحرك في الهواء بشكل لا يسمح بأي خطأ.

لوثر ثبت قدميه، عينيه تحلل كل حركة.

“ليس سيئًا…” تمتم بصوت منخفض.

أول شفرة اندفعت نحوه، لكنه أدار جسده بخفة، تاركًا إياها تمر بجانبه دون أن تلمسه.

“وشش-!!”

سلاح آخر اقترب، فرفع ذراعه بسرعة، راحة يده المشبعة بالطاقة أوقفت السلاح في مساره، قبل أن يعكسه بقوة نحو الجدار القريب.

“كراش-!!”

تدفقت بقية الأسلحة، كل واحدة تبدو أسرع من الأخرى. لوثر كان يتحرك بدقة، يتفادى بعضها بحركات بسيطة، بينما يصد الأخرى بيديه العاريتين، مستخدمًا قوة دقيقة لصد كل ضربة وإبعادها عن مسارها.

“كراك-!!”

إحدى الشفرات اندفعت مباشرة نحو وجهه، لكنه انحنى بسرعة، ثم قبض على رمح آخر كان يقترب من جانبه، وأطلقه في الهواء ليصطدم بسلاح آخر، محطمهما معًا.

“أتعلم…” قال بهدوء، بينما استقرت قدماه على الأرض من جديد، “كنت أتوقع أكثر من ذلك.”

كاي كان يراقب بلا تعبير.

“هل أستمتعت؟” قال بصوت خافت، لكن نبرته حملت بعض الإعجاب من تحركات لوثر.

لوثر رد بأنزعاج من موقف كاي ، موجة أخرى من الطاقة السحرية تدفقت من جسده.

“مجرد تحميه !”

اندفع نحو كاي، يداه مغطاة بطاقة زرقاء متوهجة، الأرض تحت قدميه تهتز مع كل خطوة.

كاي رفع يده اليمنى المتشكلة حديثًا، الطاقة الرمادية تومض كأنها تستجيب.

“إذاً تعال…”

“بوم-!!”

الضربة الأولى كانت سريعة. قبضته المليئة بالطاقة اصطدمت بموجة لوثر السحرية.

“كراش-!!”

الهواء انفجر بينهما، القوة الناتجة دفعت كلاهما للخلف، حتى الأرض اهتزت تحت أقدامهما.

لوثر زفر: “أنت شاب قوي، لكنك متهور."

تبسم كاي،“تهور؟ لا، فقط أريد أن أرى إلى أين ستصل.”

ذراعه الرمادية تتوهج مجددًا، وارتفعت الأسلحة السوداء خلفه مرة أخرى

عاصفة جديدة من الأسلحة تشكلت خلفه، أكبر وأشد ظلمة من سابقتها.

وفي لحظة، بدأت الأرض تحت قدميه تتشقق، وكأن الطاقة السحرية كانت تدفع المنطقة نفسه نحو الانهيار.

لوثر شتم بصوت منخفض. كان يعرف أن القادم سيكون أسوأ بكثير.

بوم!

اندفع لوثر مباشرة نحو كاي، قبضته المغطاة بالطاقة السحرية الزرقاء تهوي بسرعة نحو رأسه.

كراش!

تصدى كاي بالذراع الرمادية المشوهة، قوة الاصطدام انتشرت كصدى عبر الأرض، تخللتها شقوق جديدة.

“هذا كل ما لديك؟” تمتم كاي، زاحفًا تحت ضربات لوثر المتتالية.

وشش!

بحركة خاطفة، تفادى لكمة أخرى، ثم أطلق دفقة من الطاقة الرمادية التي انفجرت في وجه لوثر، دافعة إياه للخلف.

لوثر بالكاد استعاد توازنه عندما وجد سيفًا أسود مشوهًا يخترق الهواء نحوه.

طنين—كراش!

تصدى للسيف بلكمة سحرية مشحونة، الصدمة ارتدّت عبر ذراعه كشرارة مشتعلة، والتوتر كان واضحًا في عضلاته.

كاي لم يمنحه أي فرصة للتراجع.

رفع كاي يده، وظهرت حوله سلسلة من الرموز الطيفية المتوهجة، تضيء في الهواء كأشعة متساقطة من عالم آخر.

وشش!

عشرات الشفرات السوداء الصغيرة تشكلت فجأة في الفراغ.

قبل أن تنطلق بسرعة لا تُصدق، تُمطر على لوثر كما لو كانت قادمة من كل اتجاه.

لوثر لم يتردد. قفز للوراء، عيناه تتحركان بجنون، تلاحق كل شفرة وتقرأ مساراتها.

“لا بأس.”

ركّز طاقته في راحتيه، مشكلًا حاجزًا دائريًا ينبض بالضوء الأزرق يحيط بجسده في محيط محمي.

تششش! بوم!

تلاحقت الشفرات على الحاجز، ترتطم به بعنف متكرر.

كل ضربة دفعت الحاجز إلى حدودها القصوى، وكأن الحاجز قد ينهار في أي لحظة.

فجأة، واحدة من الشفرات تمكنت من إحداث صدع صغير في سطح الحاجز.

الحائط المشحون بدأ يفقد قوته.

كاي لم يتردد. بسط يده بكل حزم.

ووجه المزيد من الشفرات بسرعة نحو الجزء المتصدع.

تششش! بوم!

الحاجز انهار، وانطلقت الشفرات السوداء، اخترقت الهواء بكل عنف متجهة نحو لوثر.

لوثر تحرك بسرعة لا مثيل لها.

رفع راحة يده اليسرى، وعززها بطاقته السحرية، ليعكس الشفرة الأولى التي كانت تقترب بسرعة هائلة.

بعزم، طغت قوته السحرية على قوة الشفرة، فتنحرف وتنطلق في الهواء بجواره.

الثانية جاءت بسرعة أكبر، ولم يكن لديه وقت لتفكير، بتفادي مُحكم، انحنى جسده وانزلق جهة اليسار محركًا ساقيه بسرعة لتجاوز المسار القاتل للشفرة.

لكن قبل أن يرتاح، وجد نفسه أمام شفرتان .

اثنتين منهم قادمتين مباشرة نحوه.

لم يكن الوقت في صالحه.

بدون تردد، رفع ذراعه اليمنى بسرعة مذهلة، ليتصدى للشفرة الأولى بقوة، التي ارتطمت بيده لتشكل صوت مدوٍ.

الشفرة كانت أكثر صلابة مما توقع.

في نفس الوقت، راوغ الشفرة التالية بانحناءة سريعة إلى اليسار، .محاولًا الهروب من ضربتها، ولكنه بالكاد تهرب.

جزء من الشفرة لامس خده وترك خدش عميق.

لوثر تنفس بعمق، لكن قلبه كان ينبض بشدة أكبر.

كان يعلم أن الوقت ينفد.

لا يملك فرصة أخرى للتأخير.

بينما كان يتهيأ لتحركه التالي، شعر بخطر يغمر حواسه.

“وشش—!!”

لم يكن لديه الوقت لتفادي .

اخترقت الشفرة الخامسة كتفه، وسارت بعمق داخله.

“آه!” تأوه بصوت خافت، لكنه لم يتراجع.

خطواته اهتزت للحظة، لكنه استجمع قواه ووقف، عينيه مليئة بالإصرار.

اتسعت ابتسامة كاي ولم يتوقف.

بسط ذراعه ببطء، وكأنه يُعلن النهاية.

“بوم!!!”

انفجرت جميع الشفرات دفعة واحدة.

موجة صادمة من الطاقة السوداء تمزقت عبر الساحة، مدمرة الحاجز ومحطمة الأرض تحتها.

الدخان تصاعد في الهواء، بينما الهواء امتلأ برائحة اللحم المحترق.

تطاير الغبار حوله مع الانفجار،

بينما اهتزت الأرض تحت قدميه.

جسده مشوه، والحروق تلتهم جلده،

والدماء تسيل من جروحه العميقة.

كان يتنفس بصعوبة،

عيناه زائغتين،

وكان الألم قد فاق تحمله.

لكنه وقف بصعوبة،

يترنح كما لو أنه على حافة السقوط.

***

نظر كاي لمظهر لوثر المثير لشفقة.

هذا صعب حقًا!.

لقد وصلت بالفعل إلى حدودي القصوى .

ارتجفت اقدام كاي وكان بالكاد يقف بشكل طبيعي.

ولكن هز رأسه.

لا داعي لإظهار أي ضعف أمام العدو.

أعاد ناظريه إلى لوثر.

الآن أمامه خياران:

إما أن يموت موثقًا، سر الجماعة التي أرسلته بشرف، لأن مهما بلغت قوة الإيتيروس لن يستطيعوا استجواب جثة.

أو…

“وشش-!!!”

من العدم، اندفعت سيالات من الطاقة السحرية عبر جسد لوثر.

تشافى جسده بسرعة ترى بالعين المجردة، ثم اختفت بعض الجروح.

أن ينهي القمع عن رتبته.

أصبح جسده أشبه بالنار الزرقاء المشتعلة من الطاقة السحرية بالرتبة C.

“لقد انتهى أمرك!” تحدث لوثر، وهو يطحن اسنانه والغضب يعتريه.

“كيهي.. هيهي.” ضحك كاي بصعوبة.

مهما بلغت حالة كاي، كان من المستحيل هزيمة لوثر بوضعه الحالي.

حتى بأفضل حالاته، سيكون مستحيلًا هزيمة شخص من الرتبة C.

وهذا ما كان يأمله.

“بوم-!”

سقط جسد كاي أخيرًا فاقداً للوعي.

“ها؟” نظر لوثر إلى كاي الذي سقط فجأة.

“وشش-!!!”

من العدم، غمر جسد لوثر شعور مفاجئ من البرودة، تجمدت أطرافه وكأنما تجمد الزمن حوله.

ارتجف جسده، وحاول الهروب من قبضة البرد الذي اجتاحه.

نظر للخلف برعب…

امرأة بشعر أرجواني عاصف وأعين سوداء.

ترتدي بدلة سموكنج داكنة مع جاكيت مشدود عند الخصر.

البنطال ضيق ويصل إلى الأرض.

تحت الجاكيت، قميص أبيض برباط عنق أسود.

حذاؤها أسود بلمعة وكعب متوسط.

نظرت إليه للحظة قبل أن تطقطق أصابعها.

“وشش-!!!”

^^^

رأيكم؟

2025/01/22 · 45 مشاهدة · 1768 كلمة
☃️
نادي الروايات - 2025