4 - المقدمة: بين الحلم و الواقع~4

الفصل الرابع: بين الحلم و الواقع~4

“وششش—!!! فجأة، من العدم، انبثقت مزلجة جليدية عملاقة تحت قدمي كاي، كأنها سحر غامض. كانت الكتل الثلجية تتلألأ تحت ضوء القمر، لكنها كانت أيضًا تعكس شعور الوحدة الذي كان يحمله في قلبه.

“آغااا!” صرخ كاي بينما اصطدم ظهره بالكتلة الجليدية، ولكن بدلاً من التوقف، واصل الانزلاق على سطح الجليد اللامع كأنما كان مقدرًا له ذلك. كانت الرياح تعصف حوله، تحمل همسات غامضة، وكأنها تعبر عن حزنه العميق الذي لم يستطع الإفصاح عنه.

“بومم!” اندفع كاي سريعًا، حتى وجد نفسه يتدحرج على الأرض، مختلطًا بالثلج كما لو كان جزءًا من هذا المشهد الخيالي. بينما كان يتدحرج، لمح ظلالًا تتحرك في الزاوية، مما جعله يشعر بالدوار.

حدّق بعض الطلاب في المشهد بذهول، غير قادرين على استيعاب ما حدث للتو.

أما كاي، فلم يحاول حتى الوقوف. كانت عيناه خاويتين، وكأن الحياة تسربت منهما، تاركًا وراءه نظرة ميتة تمامًا. كل شيء حوله بدا باهتًا.

“….” رفع بصره نحو السماء الصافية. لم يكن ينظر، بل كان يتأمل. فراغٌ يمتدّ بلا نهاية، كما لو كان يبحث في أعماقها عن شيء لم يعد موجودًا داخله.

جفت دموعه التي كانت قد سالت بحرارة، تاركة جفنيه متورمين. حتى الانزلاق العنيف على المزلَجة الجليدية لم يكن كافيًا لمحو أثر تلك الدموع، لكنها مسحت الألم الذي امتزج معها.

“ماذا كنت تفعل بالتحديد؟” قاطعته نغمة أنثوية حادة، تكسوها سخرية خفية.

أخيرًا، في مجال رؤيته للسماء، تغطت بعض المساحة بشيء جديد؛ خصلات شعر أرجوانية مبيضة تتمايل برفق في الهواء البارد.

***

“دوم!” دوى صوت الكتاب وهو يُغلق بقوة، ليتردد صداه في أرجاء الفصل.

“انتهى درس اليوم، هل لدى أي منكم سؤال؟” سألت وهي تلقي نظرة سريعة على الحشد من الطلاب.

مرت لحظات من الصمت، أدركت خلالها أن لا أحد لديه استفسار. أومأت برأسها بهدوء، ثم فتحت باب الفصل وغادرت دون مزيد من الكلام.

“تنهد…”

همست بينها وبين نفسها، “أعتقد أنني سأتعرض للتوبيخ مجددًا من المدير.” وبينما كانت تفكر، أمسكت بخصلة من شعرها البنفسجي وداعبتها بتلقائية. كانت هذه إحدى عاداتها عندما يغمرها التفكير العميق. “لماذا دائمًا أنا؟ كأن الأمور لا يمكن أن تسير بسلاسة ولو ليوم واحد.”

في طريقها إلى مكتبها، غارقة في أفكارها حول يومها المزدحم، قطع تيار أفكارها صوت شهيق مفاجئ.

“شهيق!”

“إنه يقفز!!” صرخت إحدى الطالبات وهي تشير بذعر إلى جهة محددة.

توقف قلبها لوهلة، وارتفع الفضول ممزوجًا بشيء من القلق في داخلها. “يقفز؟ من؟” تساءلت وهي تستدير ببطء نحو الاتجاه الذي كانت تشير إليه الطالبة.

وهناك، من الطابق الثالث، كان طالب ذو شعر أسود يهوي نحو الأرض. ملابسه كانت مغطاة ببقع من الدماء، وقفزته كانت فوضوية، كأنها من شخص فقد السيطرة تمامًا. رأسه كان يسبق جسده، وقدماه تعلو في الهواء بينما يتطاير شعره الأسود مع الريح.

“ماذا بحق السماء؟” شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. “هل هذا هو نفس الطالب الذي…؟”

ابتسامة غريبة، بل غبية، ارتسمت على وجهه، وكأنما كان هذا كله مجرد لعبة. كانت تتأمل المشهد، عاجزة عن تحديد ما إذا كان هذا التصرف نتاج جنون، أو مجرد محاولة للفت الأنظار.

اصبح الشك يقين وعلمت نيفرا هوية الطالب على الفور.

“هذا الأحمق مجددًا؟” تمتمت وهي تشعر بمزيج من الغضب والشفقة. “لماذا هو مرة أخرى؟ لما لا يتعلم؟” تساءلت بمرارة، وهي ترى الفوضى التي تسبب بها في اليوم للمرة الثالثة.

“فرقعة~” فرقعت بأصابعها.

“وشش-!!” خرجت هالة باردة للغاية، متشكلة من العدم لتصنع منحدرًا جليديًا ينحدر من مكان سقوط الطالب حتى الأرض.

احتك ظهره قليلًا برأس المنحدر وهبط بسلام… حسنًا، بسلام من وجهة نظرها.

توجهت إليه، مدفوعةً برغبة في معرفة سبب كل تلك الجلبة التي أحدثها اليوم. كانت خطواتها مفعمة بالقلق، لكنها لم تكن تتوقع ما سترى.

فور اقترابها، التقت عينيه. شعرت بقشعريرة عميقة تسري في جسدها.

لم تكن الابتسامة الطائشة التي رأتها من قبل، بل كان هناك فراغ عميق في عينيه، كأن روحه قد رحلت عن جسده. زادت الهالة السوداء تحت عينيه، وكأن الألم قد نحت نفسه هناك. كان ينظر إلى السماء، ولكن ليس بملل فقط، بل كأنه يبحث عن شيء مفقود، شيئًا فقده منذ زمن بعيد.

“هذا…” همست لنفسها، لكن الكلمات لم تخرج. كانت تدرك، حتى دون أن تُنطق، أن هذا الفتى ليس هو نفسه. تلك الابتسامة الساذجة لم تكن سوى قناع يخفي قسوة الحقيقة التي يواجهها.

ووقفت أمامه، وهي تشعر أن الحيرة تتسلل إلى قلبها. كيف يمكن لابتسامة، مهما كانت غبية، أن تتحول إلى هذا البؤس؟

“ماذا كنت تفعل بالتحديد؟” سألتها نيفرا، وقد ترددت كلماتها في الهواء كأنها تبحث عن تفسير لذلك الغموض الذي يكتنفه.

لم يلتفت كاي إليها، بل استمر في تحديد نظرته نحو السماء، حيث كانت الغيوم تمر ببطء، كما لو كان يحاول أن يستجوب كل واحدة منها. ابتسامة غريبة بدأت تتشكل على شفتيه، ابتسامة تحمل في طياتها جنونًا، وكأنما كانت تنطق: “لا تهتمي، كل شيء على ما يرام.”

“هل تسمعينني؟” قال بصوت خافت، وكأن الكلمات خرجت من أعماق بئر مظلمة. “لا شيء يهم… إنه مجرد يوم آخر في هذه الحياة.”

تجاهل نظرات الطلاب المحيطة، وبدت عينيه، الفارغتين كليًا، كأنيهما مرآتين تعكسان عدم المبالاة. كانت الفوضى تتجلى في تصرفاته، بينما كان صوته يتلاشى بين همسات الرياح. “أليس كل شيء مجرد لعبة؟ لماذا نهتم بما يحدث؟”

تراجعت نيفرا خطوة إلى الوراء، مدهوشة من التحول المفاجئ في سلوكه. لم تكن تعرف كيف تتعامل مع هذا المزيج من الجنون والاستخفاف بالحياة، الذي بدا واضحًا في كل حركة من حركاته.

“الأمر ليس بهذه البساطة!” قالت، محاولة استعادة توازنها وسط الفوضى. لكن كاي نظر إليها، عينيه تتلألأان بجنون. “ليس هناك بساطة في هذا العالم. كنت دائمًا أقرأ عن بعض الدمى، وقد أحببتها.”

رغم الضحكة المختلطة بجنون، كانت بقايا حزن عميق تتلألأ في عينيه، مما جعل كلماته تحمل وزنًا أكبر. “لكن، لماذا أكون أنا الدمية هذه المرة؟” سأل بصوت هادئ، لكن نبرته كانت تنم عن تحدٍ واضح.

“أنت!…” قاطع حوارهم صوت مرتفع، يجتاح الجو مثل عاصفة غير متوقعة.

“لقد فعلتها حقًا!” التفتت نيفرا بسرعة، لتجد وجهًا مألوفًا. “أوه، أنسى أليسا.”

“نيفر؟” استغربت أليسا، والحيرة تتلاعب بملامح وجهها. “ماذا تفعلين هنا؟” كان السؤال يتدفق من شفتيها بفضول، وكأنها تسعى لفك طلاسم غامضة.

أشارت نيفرا بإصبعها نحو كاي، قائلةً بصوت حازم: “لماذا قفز من الأعلى؟” متجاهلةً تمامًا سؤال أليسا، وكأنها تعي أن الإجابة تلامس شيئًا عميقًا في غموض الحالة.

“لا أعرف حقًا. تركته بمفرده للحظة قبل سماع الصوت في الخارج.” أجابت أليسا، وبدت مرتبكة، كما لو كانت تحاول تفسير لغزٍ أكبر منها.

ركزت نيفرا ناظريها، تتأمل كاي الذي كان غارقًا في تفكير عميق، وعينيه مثبتتان على الأرض، وكأنه يستجلب أفكارًا لا تفارقه. بدا له كل ما حوله كأنه محاط بسور من الضباب، حيث لا شيء سوى شغفه المفقود.

“هل قمتِ بفحص حالته النفسية؟” سألت نيفرا، بلهجة تحمل في طياتها بعض الجدية.

“أوه، لا، فلم يكن يُظهر أي غرابة عند استيقاظه، كان طبيعيًا تمامًا.” ردت أليسا، لكن نبرة صوتها كانت متوترة، كما لو كانت تخفي شيئًا.

نظرت نيفرا إلى كاي، الذي ما زال في غياهب أفكاره، ثم حكّت رأسها بصداع، ملامح وجهها تعكس تفكيرًا عميقًا. “تنهدت بعمق،” ثم أكملت بتعب: “أكتبي له إجازة مرضية لثلاثة أيام، حتى تتمكنين من فحص حالته بشكل شامل.”

“حسنًا.” قالت نيفرا، وعيناها تلمعان بعزيمة. اقتربت مباشرة من كاي، أمسكته من يده برفق، وسحبته نحو المشفى.

تبعها كاي بلا أي مقاومة، كأنما كان أسيرًا لمشاعر معقدة تعتمل داخله. كانت خطواته ثقيلة، تحمل عبء أفكاره وأحلامه المتلاشيّة، وكأن العالم من حوله يندمج في ضبابية عميقة.

حسّت نيفرا ببرودة يده، وتساءلت عما يدور في ذهنه، لكنها لم تجرؤ على كسر الصمت الذي يلفهما. كانت تنوي مساعدته، لكنها شعرت أيضًا بأن قلبه يئن تحت وطأة شيء أكبر مما تستطيع تخيله.

“على أي حال،” قالت نيفرا، ورفعت صوتها لتصل إلى آذان الطلاب، “عاودا ما كنتم تفعلونه، وانسوا ما حدث للتو!” كان نبرتها حازمًا، ونجحت في تفريقهم.

لم يكن من الجيد نشر خبر محاولة انتحار طالب في الإيتيروس. كانت تدرك ذلك جيدًا، ولكنها لم تستطع منع القلق الذي استبد بها.

نظرت إلى ظهر كاي بتركيز، تساءلت عن هذا الطالب الغريب. في البداية، اعتقدته مجرد أحمق، ثم بعد عودته الثانية، ظهر كأحمق سريع الغضب، لكن الآن… بدا لها وكأنه انتحاري مجنون وغريب الأطوار.

“تنهد.” تمتمت في سرها، متمنيةً فقط أن يسير هذا العام بشكل طبيعي، فقد بدأ الأسبوع السابق بحماس، لكنها شعرت في أعماقها أن شيئًا ما يوشك على الانفجار.

^^^

سؤال اليوم: ماذا كان يقصد كاي "بالدمى" عند حديثه مع نيفرا.

أعذروني على الأخطاء.

2024/09/28 · 119 مشاهدة · 1293 كلمة
☃️
نادي الروايات - 2024