الفصل الخامس: مذكرات أليسا~

مذكرات أليسا: الأسبوع الجحيمي النصف الأول

{<اليوم الأول:

الإنكار…

لإنكار، هو آلية دفاع برغماتية تستخدمها النفس للتعامل مع الألم والمشاعر السلبية. في ظاهره، يبدو وكأنه حل مؤقت للهروب من الواقع، ولكن في العمق، يصبح عبئًا يثقل كاهل الفرد. من خلال رفض الاعتراف بالمشاعر أو الحقائق المؤلمة، يُحرم الشخص من الفرصة لمعالجة تلك المشاعر بشكل صحيح.

يبدأ الإنكار كدرع يحمي الفرد من الصدمات، لكنه يعيق عملية الشفاء. مع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشاعر المكبوتة، مما يسبب مشاعر القلق والاكتئاب. يشعر الشخص كأنه عالق في دوامة، حيث تمنعه تلك الآلية من مواجهة ما يجري في حياته.

عندما يتمسك الفرد بالإنكار، تتعقد الأمور أكثر؛ يصبح غير قادر على اتخاذ قرارات مدروسة أو التعلم من التجارب السابقة. يتسبب ذلك في تآكل الثقة بالنفس، وقد يؤدي إلى العزلة عن الآخرين بسبب عدم القدرة على التواصل بصدق عن مشاعره.

بالتالي، على الرغم من أن الإنكار قد يوفر بعض الراحة على المدى القصير، إلا أنه يصبح في النهاية عائقًا أمام النمو الشخصي والتعافي الحقيقي.

استيقظت اليوم على صوت كاي، لكنه لم يكن كما عهدته. كان جالسًا على حافة السرير، عينيه مثبتتين على الفراغ، وكأنما يبحث عن شيء غير مرئي. أضواء الصباح الخافتة تسللت عبر الستائر الثقيلة، محاولًة إنارة الغرفة التي كانت تكتنفنا في ظلام كئيب.

سألت بصوت هادئ، “كاي، هل أنت بخير؟” الكلمات خرجت من شفتي كمن يتحدث إلى شخص غائب. لم يكن هناك رد، وكان واضحًا لي أنه بعيد جدًا. نظرته لم تكن موجهة إلى شيء مادي، بل كانت تائهة في فضاء مليء بالشعور بالانكسار. كيف يمكن للانكسار أن يكون بهذه القوة؟

فجأة، انفجر. قفز نحو الطاولة وضربها بقبضته. “لا، هذا غير ممكن!” صرخ، وعيناه تتلألأان بالغضب. “هذا مجرد كابوس! لا يمكن أن يحدث!” كان صوته يتردد في أذني، ويعكس قوة الإنكار التي يعيشها. كان كأن الجدران التي تحيط بنا تضيق، وكأنها تشهد صراعه الداخلي.

قلبي انقبض. كيف يمكنني مساعدته إذا كان هو نفسه غير قادر على قبول ما حدث؟ لم يكن الأمر مجرد فقدان، بل كان حالة من العجز، وكأن أسطورة الحياة قد انهارت. “لماذا أنا؟” كان يسأل، وكأنه محاط بأفكاره، وكأن الواقع لا يتماشى مع ما يريد تصديقه.

ما رأيته في عينيه لم يكن مجرد غضب، بل كان مزيجًا من اليأس والرغبة في عدم مواجهة الحقيقة. كانت يديه ترتجفان، والأفكار تتسابق في رأسه. حاولت أن أستوعب ما يجري، لكنني كنت أشعر أني عالقة في دوامة من الألم الذي لا ينتهي.

في المساء، كان يجلس على الأريكة، عينيه تحدقان في السقف. كانت الوجوه التي كانت تضحك وتستمتع بالحياة قد اختفت، وبدلًا منها، ظهرت آثار الكآبة. كأن الكلمات التي كان ينطق بها قد خفت، وأصبح الآن أسيرًا للصمت الذي يحيط به. كان هذا الصمت أكثر إيلامًا من صرخاته، كأنه يعكس عمق انكساره.

بدأت ألاحظ أن إنكاره كان يتحول إلى سلوكيات تشير إلى عدم القدرة على التصالح مع نفسه. كان ينقل نظره من النافذة إلى الجدران، كما لو كان يتساءل إن كان هناك مخرج لهذا الظلام الذي يحيط به. كنت أراقبه، أدرس حركاته، وكأني في مختبر نفسي أراقب ردود فعل الإنسان أمام الصدمة.

“كاي، إذا كنت بحاجة للحديث، فأنا هنا.” كانت تلك الجملة تتكرر في ذهني، لكن لم أجرؤ على قولها. كنت أعلم أنه يحتاج إلى الوقت، إلى المساحة لكي يتقبل ما حدث. كان يتجنب كل شيء، حتى النظر في عيني. شعرت أن كل لحظة تمر كانت كفيلة بإبعادنا أكثر.

مرت الساعات، وكأنها أيام. في تلك اللحظات، أدركت أن الألم ليس مجرد شعور، بل هو عاصفة تعصف بكل شيء حولها. كان كاي في خضم معركة، محاصرًا بين جدران الانهيار. لا يمكنني مساعدته في هذه المعركة، لكن يمكنني مراقبة تطور الصراع بداخله.

مع مرور الليل، كان الوقت يمضي، لكن كاي كان لا يزال هناك، غارقًا في أفكاره. كيف يمكن للزمن أن يكون بهذه القسوة؟ كيف يمكن أن أرى شاب بعمره يتآكل بهذه السرعة دون أن أستطيع أن أمد له يد العون؟ هذه التساؤلات كانت تتردد في ذهني، لكنني كنت أعلم أن الفهم يأتي مع الوقت، وأنني يجب أن أكون هنا، حتى لو كان كل ما يمكنني فعله هو الانتظار.>}

{<اليوم الثاني:

الغضب…

هو استجابة عاطفية تتفجر في داخلك عندما تشعر بالتهديد، أو الظلم، أو حتى الإحباط.

إنه ليس مجرد شعور عابر؛ بل هو شعلة من المشاعر المكثفة، تتجسد في الإحباط والقلق والانزعاج. وفي خضم هذه المشاعر، قد تجد نفسك مائلاً نحو سلوكيات عدوانية أو انفعالية، كأنك تسعى لإخراج ما بداخلك بطريقة غير محسوبة.

في جوهره، يعتبر الغضب رد فعل طبيعي وصحي إذا تم التعبير عنه بشكل صحيح. لكن، وعندما يتجاوز الغضب حد السيطرة، تبدأ العواقب في الظهور.

وتبرز مشكلات حقيقية، تتسبب في تآكل العلاقات الشخصية، وتؤدي إلى صراعات وانقطاعات في التواصل. وقد لا تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل قد يقود الغضب غير المُعالج إلى مشكلات صحية، تتراوح بين ارتفاع ضغط الدم إلى القلق والاكتئاب.

هذه المرحلة، رغم أنها قد تكون مؤلمة، هي جزء من عملية الشفاء. التعرف على مشاعر الغضب والتعبير عنها بطريقة صحية يمكن أن يسهل الانتقال إلى المراحل التالية من التقبل والتكيف.

استيقظت في صباح اليوم التالي على أصوات صراخ تتردد في أرجاء الغرفة، تتجاوز كل حدود الهدوء. كانت صرخاته تصطدم بالجدران وكأنها رصاصات تطلق دون رحمة. “لماذا فعلت بي هذا؟ لماذا لماذا أنا؟” خرجت الكلمات من فمه كالأشواك، تحمل وزرًا من الألم العميق.

لم يكن غضبه موجهًا إليّ، بل كان يتجه نحو العالم بأسره. شعرت كأنني أصبحت جزءًا من الظلام الذي يحيط به. “كاي، أرجوك، اهدأ!” حاولت تهدئته، لكن كلما تجرأت على ذلك، زاد غضبه وكأنه يحترق في نار داخلية.

كان يقف في منتصف الغرفة، عيونه تتلألأ كالنار المتأججة، ووجهه محمرًّا كما لو كان الغضب قد اشتعل في داخله. “لقد انتزعتني من كل شيء أحببته!” قال، وهو يضرب الطاولة بقبضته. كانت كل ضربة تعكس صرخات الألم المتراكمة في داخله، وكأن الألم يخرج معه في كل حركة.

كنت أراقبه، وشعرت بالخوف يتسلل إلى أعماقي. كنت أعلم أن الغضب جزء من عملية الشفاء، لكنه كان سيفًا ذا حدين. رأيته يتحدث إلى نفسه، يحاول استحضار تلك اللحظة التي قلبت حياته. “لماذا أنا؟” كررها مرارًا، وكأنها تعويذة للغضب المستعر في صدره.

كان عالقًا في دوامة من العجز والخذلان، وكأن العالم قد تخلى عنه. “لا أستطيع تصديق أن هذا حدث لي!” ارتفع صوته بشكل مفاجئ، يتردد كالرعد في عاصفة. صوته يملأ الغرفة، ويتردد في أذني، يثير مشاعر القلق والرعب.

كيف يمكنني مساعدته عندما يكون غارقًا في غضبه، وكل ما أشعر به هو القلق من فقدانه لعقله؟، كل لحظة كانت تمر كفيلة بإثارة المزيد من الأسئلة في ذهني.

كنت أراقبه وهو يضرب الطاولة، وكأنه الخصم الذي يسعى لهزيمته. كنت أشعر بالعجز، لم أستطع أن أكون الصديق الذي يحتاجه. كان الغضب يسيطر عليه كالعاصفة، وكنت أرى كيف تتحول ملامح وجهه، وتزداد نبرته حدة.

تسللت إليّ الأفكار المظلمة. كنت أتساءل كيف سأواجه ما يحدث أمامي. كيف يمكنني جعله يستعيد السلام عندما يتلاشى امامي؟ كأن الوقت قد توقف، متجاهلاً آلامنا. كان كل ما أريده هو أن أمد له يد العون.

كان الغضب يجتاحه، وأحيانًا كان يصرخ بألفاظ جارحة، يوجهها إلى نفسه وإلى العالم. كأنه يبحث عن مخرج، لكن المخرج كان مغلقًا في وجهه. كان ينظر إلى السقف وكأن فيه أجوبة، لكن الصمت كان يحيط به، مؤلمًا كأنما يلتهمه.

كلما زاد صراخه، زاد شعوري بالضعف. “كاي، أنا هنا من أجلك،” كانت تلك الجملة تتردد في ذهني، لكن لم أجرؤ على نطقها. كنت أعلم أنه يحتاج إلى وقت ليعبر عن غضبه، ليخرج كل تلك المشاعر السلبية التي تتصارع في داخله.

كان الغضب يتصاعد، وكأنني كنت أرى فوضى من المشاعر تتجسد أمامي. كل لحظة كانت تمر، وكأنها تعزز الفجوة بيننا. في تلك اللحظة، أدركت أنني كنت في خضم معركة من نوع آخر.

كانت معركة تحتاج إلى الصبر والفهم. كنت هنا، أراقب ما يحدث، في صمت مؤلم، آملاً أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه التغلب على جحيم افكاره.>}

{<اليوم الثالث:

المساومة…

في مراحل قبول الواقع هي المرحلة الثالثة من نموذج كبلر-روس، الذي يصف كيف يتعامل الأفراد مع الحزن والخسارة. في هذه المرحلة، يحاول الشخص التفاوض مع الواقع الذي يواجهه، سواء كان ذلك فقدان شخص عزيز، أو تشخيص مرض، أو أي نوع آخر من الصدمات.

هذه المرحلة، رغم أنها قد تكون مؤلمة، هي جزء من عملية الشفاء. التعرف على مشاعر الغضب والتعبير عنها بطريقة صحية يمكن أن يسهل الانتقال إلى المراحل التالية

أما اليوم، فقد كان كاي جالسًا على الأريكة، يبدو وكأنه يشتعل ببطء. لم يعد صراخه كما كان، بل بدأت ملامح الغضب تتلاشى تدريجيًا، ليحل مكانها شيء آخر. “إذا كنت أستطيع فقط استعادة ما فقدته…” قال، وكأن الكلمات تتسلل من قلبه المثقل "فسوف أكون أبن بار". كانت نبرته تحمل نغمة من الحزن، وكأن كل حرف يخرج من فمه كان يحكي قصة من الألم.

نظرت إلى عينيه، ورأيت فيهما تحولًا عميقًا. كأن الغضب بدأ ينحسر ليحل محله شعور مفعم باليأس. “ربما لو كنت أكثر اهتمامًا، لما حدث هذا.” تردد صوته، وكأن كل كلمة كانت تتطلب جهدًا هائلًا. كان يحاول أن يتصالح مع نفسه، ويحارب بين مشاعره المتضاربة.

شعرت بضغط عميق في صدري، وكأنني أختنق تحت ثقل مشاعره. كيف يمكنني أن أساعده عندما كان يتنازع بين ألمه ورغبته في الأمل؟ “ربما لو استعدت ثقتي، يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها.” كانت كلماته تخرج ببطء، وكأنها تنبض بالحياة بصعوبة.

“ما زلت هنا، كاي.” همست، لكن كلماتي بدت ضعيفة وهشة، كزجاج يكسر في عاصفة. كان ينظر إلى الفراغ، عينيه تبحران في عالم مليء بالظلام، وكأنه يحاول إيجاد بصيص من الأمل وسط كل هذه العواصف.

“إذا كنت أستطيع فقط أن أعود إلى تلك اللحظة…” قال بصوت مليء بالأسى، وعينيه تلمعان كالجمر. لكنه كان يعرف في أعماق قلبه أن العودة مستحيلة، وكأن النوافذ التي أغلقت أمامه لم تترك مجالاً للمناورة.

بينما كان يتحدث، بدأت أشعر بشيء من الأمل ينمو في داخلي. رغم كل الألم، كان هناك شعور بالتقدم. “عندما أنظر إلى الماضي، أجد نفسي أندم على ما كان يمكن أن أفعله بشكل مختلف.” كانت كلماته تتغلغل في أعماقي، تنقلني إلى عالم مليء بالمشاعر المتضاربة.

كان يسير على حافة الأمل واليأس، وكأنه يحاول أن يخرج من قاع بئر عميق مظلم. جلست بجانبه. في تلك اللحظة، أحسست أنه بحاجة إلى التمسك بشيء.

لم اكن اعرف او افهم ما يمر به ولكن اتساءل ماذا حدث لجعل شاب يصل لهذه المرحلة؟ "سوف تقابلهم اكيد." كأن كلماتي كانت الجسر الذي يربطنا في خضم هذا الظلام.

بينما كنا جالسين، كنت أراقب كاي وهو يتحول، أرى كيف تبدأ بذور الأمل في النمو في داخله. كانت تلك اللحظة بمثابة بصيص ضوء في نفق مظلم. ومع ذلك، كانت الدموع تتساقط من عينيه، وكأن الألم قد تمزق أمام ناظري.

عندما نظر إلى النافذة، رأيت في عينيه لمحة من الأمل، لكن شعورًا عميقًا بالخسارة كان يسيطر عليه. كيف يمكن أن يتقبل كل ما حدث؟ كان كاي يقاوم، لكنني شعرت أن رحلته نحو الشفاء بدأت تتشكل، كطريق تخرج من ظلام الدهاليز.

الآن، بينما يقترب اليوم من نهايته، أدركت أنني بحاجة إلى أن أكون قوية. كانت دراسته مرهقة، وكان هذا هو القرار الذي اتخذته. سأكون بجانبه لفترة من الوقت. لكن في الوقت نفسه، شعرت بعجز كبير.

الآن، أسجل مشاعري في مذكرتي وكلمات كاي تنبض في ذهني. أيام متعبة تتراكم، تتطلب تركيزًا وجهدًا أكبر مما توقعت.}

^^^

رأيكم وتحفيزكم يهمني.

أعذروني على الأخطاء.

2024/09/28 · 131 مشاهدة · 1743 كلمة
☃️
نادي الروايات - 2024