//صغيرتي ، لا داعي للتعمق أكثر، فقد حان وقت عودتك//
أوقفت سيدة القوس سول عن التوغل أكثر في ذكريات الزمن، لقد أرتها فقط ما ظنته سيفيدها في حياتها الثانية، لكن سول كانت لديها رأي آخر
" سيدة القوس، أنا أريد أنا أرى المزيد، أريد أن أعرف من هو جين الحالي؟"
// حسنا//
كانت المشاهد تتوالى أمام عيون سول و كأنها تشاهد فيلم سينمائي، لتصبح جزءا من ذاكرتها و كأنها هي من عاشتها.
أصوات الأنين و البكاء ملأت المكان، إنه سجن تحت الأرض، لا ضوء يصل إليه إلا الذي تصدره بضع فوانيس المعلقة في الأركان.
الملفت للإنتباه لم يكن سوء المكان الذي انعدمت فيه أبسط مقومات الحياة، لا الجدران المتشققة ، لا المياه المتسربة و لا سوء التهوية التي جعلت الروائح الكريهة تزداد سوءا و لا تحتمل
الملفت للإنتباه هو أن كل المقيمين في هذه الحفرة القذرة هم أطفال لم يتجاوز أكبرهم العاشرة
"إنه وقت الطعام"
الحارس الأعرج رمى برزمة طعام و غادر من فوره،أخذت الأجساد الصغيرة المتكومة على نفسها تتحرك ببطئ زاحفة إلى الرزمة.
حاولت يد نحيفة وضع يدها على الطعام، لكنها قبل أن تصل تم الدوس عليها
"الطعام لي "
ركض كل طفل قادر على الحراك ليتمسك بالرزمة بكلتا يديه،تنازع الجميع مع الشد و الجذب انفتحت الرزمة لتتطاير قطع الخبز و يبدأ القتال
شد أحدهم شعر فتاة تنهش الخبز بيد و اليد الأخرى كانت تسحب ما في فمها، آخر كان يركل و يصرخ مبعدا المقتربين، آخرين على الأرض يلتقط الفتات المتساقط
و هناك أيضا الذين شلهم الخوف، هؤلاء دائما أول الضحايا اليوم يشله الخوف و غدا الجوع فلا يبقى أمامهم إلا أن ينتظروا موتهم.
يوما بعد يوم كانت كمية الخبز تنقص و عدد الأطفال كذلك إلا أن جاء ذلك اليوم الذي وجدوا فيه بدل الطعام سكاكين.
ابتعد الأطفال في رعب، و عيونه تحدق إلى بعظهم سائلتا ما معنى هذا
" لا توجد سوى قطعة خبز واحدة سأرميها لكم بعد ساعة، إلى ذلك الحين ........... "
الحارس الأعرج كشر عن ابتسامة كريهة و غادر كعادته،تاركا الأطفال الذين و رغم حداثة سنهم فهموا ما يصبوا إليه، عيونهم تسمرت على السكاكين الملقاة على الأرض، بقي الوضع على حاله دون الجرأة على حمل إحداها.
في اللحظة التي سيتقدم أحدهم، سيبدأ العد التنازلي لموت الجميع.
*تاب ،تاب، تاب*
بخطوات متباطأة و من وسط الظلام طفل أحمر البشرة في الثامنة من عمره، اتجه نحو موضع السكاكين
الفتى مختلفا عن البقية، كان بكامل قوته و حيويته و كأن أسابيع الجوع و قلة الطعام لم تؤثر فيه البتة، الأمر الثاني هي نظرة الخوف في عيون الأطفال عند ظهوره
طفل الأوريس إختار أكثر السكاكين حدة، و أشار لأطولهم قامة أن يأتي إليه، و الذي راحت ركبتاه تصطك ببعضها البعض الجميع يتذكر كيف أصبح الحارس أعرجا
"أنت ، أنت،أنت لم تقاتل على الطعام منذ اليوم الأول فلماذا..."
"أعلى، إرفعني لأصل الطابق الأعلى"
لم يكن من الفتى سوى أن نفذ الأمر و ساعد طفل الأوريس ليصل إلى لبنة ناتئة من الجدار ليتعلق بها و من ثم يرفع جسده ليصل إلى الطابق الثاني
" إن أردتم النجاة، فلا تقتربوا من السكاكين"
------------
في صباح اليوم الموالي ، ساد صمت رهيب السجن إلا ان كسر هذا الهدوء صوت خطوات شخصين يقتربان
"أليس غريبا أن ذلك الغبي لم يأتي ليعلن النتيجة"
" ربما لم ينجوا أحد"
مع أزيز فتح الباب الخارجي للزنزانة ظهر شابان في حدود الثامنة عشر تقريبا، أحدهما كان أسمر مع أذان مدببة بدى قويا و قاسيا ، مظهره وحده كفيل ان يجعل اي كان يتفاداه
الثاني كان أشقرا و معتدل الهيئة مع إبتسامة لا تفارق وجهه، تلك الإبتسامة بالذات كانت مرعبة أكثر من قاطع الطريق الذي يقف بجانبه
" هاي، أيها الثالث مجيئنا كان بلا فائدة فهناك ثمانية أطفال أحياء هنا، و هذا يعني أني قد كسبت الرهان "
عد الأسمر الأطفال المجتمعين في ركن واحد، تجمعهم بتلك الطريقة كان مريبا لكنه لم يهتم بما أنه فاز بالرهان، في حين اكتفى الأشقر أو الثالث كما لقبه رفيقه بالإشارة إلى بركة الدم التي يقف بها، ليقفز هذا الأخير متذمرا
" اللعنة، لقد اتسخ حذائي الجديد، من أين جاءت كل هذه الدماء "
رفع الجان الأسمر بصره ليرى جثة الحارس غارقة في الدم و هناك أثار لأقدام طفل صغير
" يبدوا أن لدينا شيطانا صغيرا هنا، هذا يفسر الأمور هنا"
نزل الجان و رفيقه إلى الطابق السفلي، قبل أن يركض أحد الأطفال و يسأله المساعدة
" أرجوك سيدي أنقذنا"
الطفل بالطبع لم يدرك أنه يسأل الإنقاذ من مختطفيه
هذا السجن و هؤلاء الأطفال هم إحدى تجارب الملك الملقب بالوباء و الذي قرر تشكيل فرقة من النخبة، أفرادها هم أيتام تم تجنيدهم منذ نعومة أظافرهم
لم يسع الجان الأسمر إلا أن يضحك على هذا الموقف، و راح يلعب دور البطل ساخرا من سذاجة الأطفال
" الحارس الشرير قد مات، فلا داعي للخوف يا صغار"
" إنهم ليسوا خائفين من الحارس، هم خائفين منه "
أجاب الثاني و هو يدفع بالفتاة بعيدا عنه، تقدم بضع خطوات ليتأكد ان ما يراه حقيقة و عيناه لا تخدعانه، على عكسه فالأسمر رجع خطوات إلى الخلف قبل أن يتقيأ كل ما في جوفه
طفل في الثامنة من عمره لون بشرته الأحمر امتزج مع الدماء التي كان غارقا بها، كان يقف يجلس وسط كومة عظام تعود لجثث الفئران التي اعتاد أن يقتات عليها.
المشهد المرعب اكتمل مع ملامح وجهه الباردة و عيونه القرمزية التي لمعت وسط الظلام، و الخاتمة هي ذراع بشرية نهش لحمها و دمها لا يزال بين أسنانه.
" حراس جدد ؟"
سأل الطفل آكل لحوم البشر بهدوء
" لا ، نحن كتيبة الملك الخاصة وجئنا لمساعدتكم، بما أنك تمتلك بعض المهارات قد نفكر بضمك إلينا"
قفز الجان الأسمر كمن لدغته عقرب
" تضمه إلينا، أنا لن أقبل بآكل لحم البشر هذا بالبقاء معنا "
في محاولة لإقناعه بالعدول عن رأيه سأل الأشقر الطفل
" لماذا أكلت ذراع الحارس؟"
" ألا يجدر بك سؤالي لما قتله؟"
جواب الطفل بسؤال آخر لم يكن متوقعا ،هز الثاني كتفيه معلقا
" أليس هذا واضحا لأنه إختطفك ؟"
" لقد نفذت مني الفئران"
" أيها اللعين لا تدعني أسأل سؤالا ثم تجيب عن آخر"
لعن الثاني في غضب بينما ضحك الثالث من بين كل الإحتمالات التي وضعها لم يتوقع أن يحدث هذا
الأطفال كانو في بيئة مخصصة لتحطيم عقولهم مع إنعدام الماء و الطعام سينتهي الأمر بموت الجميع، و سينجو فقط الأقوى الذي إمتلك الشجاعة لذبح أقرانه، أو الأذكى الذي سيتغلب على البقية بدهائه
و الآن يبقى السؤال أي من الصنفين هذا الطفل
' هل حقا نفذت منك الفئران، أم أنك تعمدت إرعاب الأطفال كي لا يتقاتلوا فيما بينهم؟"
" إذا أتيت معكم فهل سأصبح أقوى"
سؤال الطفل قطع حبل أفكاره قبل أن يجيب
" بالتأكيد، بالمناسبة ما إسمك؟"
" لا أدري ؟"
"بما أن الرقم ستة شاغر، فسأناديك بالسادس"
للحصول على رقم في فرقة الملك الخاصة فيجب على المرء ان يخضع لتدريبات شاقة، و يثبت ولاءه، هذا لم يمنع الثالث من منحه اللقب قبل الأوان، كان متأكدا أن هجين الأوريس هذا هو الذي يستحق هذا اللقب و أن يكون هو من اكتشفه جعله مزهوا بنفسه، عكس الثاني الذي كان يلعن سرا مع رغبة في التقيأ كل مرة استرجع صورة اليد المأكولة.
' هذ المجنون قد يأكلنا إذا عرف أننا من سجنه هنا '
/////////////////////////////////////