داخل الكوخ الخشبي اجتمعت العائلة الصغيرة حول مائدة الطعام، الطفلة ذات الشعر الأحمر كانت تمسك بالملعقة و هي متحمسة لتناول وجبتها المفضلة

" ياي، لحم ثور الجبل ..... أمي لن تصدقي جين كان يبكي دموعا ليتذوقه "

التفتت الأم سائلة، و هي تضع الأطباق على الطاولة

" جين من يكون ؟"

"أنا ..... لا أدري، من يكون يا ترى؟"

أجابت ليان و هي تخدش رأسها قبل أن تنظر إلى الكرسي الشاغر

" لماذا إذا يوجد أربع كراسي؟........ من هو الشخص الرابع؟"

"عما تتحدثين صغيرتي؟، لا يوجد غيرنا نحن الثلاثة في هذا المكان ، دائما و إلى الأبد سنبقى فقط نحن الثلاثة "

" أجل فقط ثلاثتنا"

أضاف والدها مؤكدا، لكن الطفلة استمرت في السؤال

"فقط نحن الثلاثة، ماذا عن أصدقائي؟"

"صغيرتي، لا يوجد غيرنا في هذا العالم"

"إبنتي تناولي طعامك، إنه طبقك المفضل"

الأم و الأب استمرا في الإقتراب منها و تقديم مختلف الأطباق منها.

لكن قلب الطفلة شعر أن هناك شيء خاطئ، إنه نفس المنزل و نفس المائدة لكن هناك شيء ناقص أو بالأحرى أحد ناقص.

" تونا........... أين هي تونا؟"

"تونا!!، أليس هذا اسم الفتاة من تلك القصة؟"

سأل الرجل زوجته مستغربتا و التي أومأت بإيجاب و أضافت هامسة

"إنها صديقتها الخيالية،فقط قم بمجاراتها "

"تونا، أجل....هههه...... لقد ذهبت لزيارة عائلتها ..... ستعود في وقت لاحق،هههه"

وقفت الطفلة بغضب و قد سقط الكرسي أرضا

" تنانين الظل دخلوا في سباتهم و لم يبقى من مخلوقات الظل غيرها مستيقظا،نحن عائلتها"

" يكفي يا فتاة، لقد أغضبتني و سأعاقبك إن لم تصمتي"

ضرب الأب الطاولة بقوة حتى أن الطعام وقع أرضا.

اللحم الأحمر مع الأعشاب المنساب على الأرض، نشط ذكرى جديدة في عقلها

شاب وسيم أبيض الشعر، يركض خلفها من مكان إلى مكان متوسلا

" أشتيريا موجود، مخلوقات الظل موجودة، كل الأساطير حقيقة و أنا أؤمن بها ...... أرجوك سأموت لأتذوق لحم ثور الجبل ثانية"

رفعت الطفلة بصرها لترى إنعكاسها على زجاج النافذة

"لماذا لون شعري أحمر، ألم يكن زهريا؟"

لم يجب الوالدين، و في الوقت ذاته ذكرى أخرى طفت للسطح لصورة فتاة جميلة و شاب أسمر يسألانها

"ليان ماذا حدث لشعرك ؟"

"لون الشعر يتغير عندما يرتفع المرئ في المستوى، لقد قرأت عن ذلك مرة"

" أين قرأت عن هذا في القصص الأطفال، هههه....... أنت فعلا قرئتها في قصة أطفال"

الطفلة رأت نفسها أكبر سنا قوية، جميلة و سعيدة محاطتا بالأصدقاء الأوفياء،مع عودة ذكرياتها، تغير إنعكاس الطفلة لفتاة بالغة و معها تغير شكلها و عادت لحجمها الأصلي

"أبي، أمي..... سعيدة برؤيتكما ثانية، لكن علي المغادرة فأصدقائي بإنتظاري"

ما أن أنهت جملتها حتى ظهرت زهرة اللوتس أمامها، مدت يدها لتلقطها

قد رن صوت غامض مباشرة إلى عقلها

// إذا إلتقطتيني،فذكراهما ستختفي للأبد //

ليان تعرضت لإصابة مميتة في السن الثامنة حروق كادت أن تودي بحياتها،نتيجة هجوم ناري من ساحر عظيم.

على إثر الحادثة فقدت كل ذكرياتها، لم يكن بمقدورها حتى تذكر شكل والديها، لكنها اليوم و بتأثير من لوتس الجناح عادت لتعيش ذكريات طفولتها في منزلها الصغير الدافئ

فكرة أنها ستفقد هذه الذكريات ثانية جعلت قلبها ينقبض و شعرت بضيق شديد في صدرها.

لسنوات عاشت تتعذب فاقدة لهويتها،كل يوم تتحمل الإهانات من العائلة التي تبنتها و آلام الناجمة عن الحروق التي لم تشفى في تلك الأيام المظلمة لم تتمنى شيئا أكثر من استرجاع هذه الذكريات و لو لمحة لوجه والديها.

"ليان"

صرخة من العالم الخارجي اخترقت أذنيها،و صورة لفتاة تحميها من النار ظهرت أمامها

تماما كما حدث تلك الليلة عندما كانت طفلة صغيرة، و فتاة الظل تونا جعلت من نفسها درعا لإنقاذها، أعاد التاريخ نفسه و اليوم ها هي دياني تخاطر بحياتها من أجل إنقاذها.

برؤية إيثار دياني ، عزمت ليان أمرها و بدون تردد التقطت زهرة لوتس

"أمي ، أبي أنا آسفة، لكن مقابل إنقاذ أصدقائي و مقابل أن أمتلك القوة لمنع أطفال آخرين أن يعيشون معاناتي فأنا سأمضي قدما"

ألقت بنظرة وداع لوالديها، و الذان تفاعلا معها بأن ودعاها مع إبتسامة دافئة على وجهيهما.

---------

احترق ظهر دياني بشدة و انتشرت رائحة اللحم المحروق في المكان، استهلكت معظم هالتها لتدمير تشكيل عملاق البرق و لم يبقى لها ما تدافع به على نفسها.

صرت الفتاة على أسنانها و حتى بعد أن أصبحت رؤيتها ضبابية كانت تقاوم بشدة كي لا يغمى عليها ، فإن حدث ذلك فمن سيحمي الفتاة الفاقدة لوعيها

"ليان، أرجوك لم يبقى لدي قوة ......."

رفع الساحر يده للأعلى فأضاءت السماء بعشرات التشكيلات من الرماح النارية

"من الخسارة فقدان فتاة بجمالها، لكن عزائي أنني سأتخلص منك أيتها الساقطة"

أخفض يده و على وجهه إبتسامة شنيعة و ملامح ساخرة لتسقط الرماح كأمطار جهنمية على الفتاتين

*ههههه*

مع دوي الإنفجارات المتتالية ارتفعت ضحكات الساحر و كأن به مس من الجنون

"هذه النيران أعادت لي ذكريات سيئة، و قد أججت كل كرهي و حقدي على السحرة مرة واحدة "

من وسط دخان الإنفجارات، ظهرت ظلال الفتاتين و هما بأتم العافية.

اتسعت عيون الساحر كالفناجين، فكيف يعقل نجاتهما من وابل الإنفجارات، و أخيرا تلاشى الدخان لينكشف الجواب.

إحدى بتلات زهرة اللوتس تضاعف حجمها لتشكل درعا شبيها بحاجز المانا و إمتصت كل الهجمات .

بتلة زهر اللوتس أخذت تتوهج بلون أحمر ناري، في حين بتلة أخرى سقطت على جرح دياني و سرعان ما أخذت حروقها في الشفاء .

لم ينتهي الأمر هنا، فإثنان من بتلات الزهرة تغيرت لتصبح أجنحة على ظهرها

ارتفعت ليان إلى السماء و قد رفرف ثوبها و شعرها بفعل هالتها التي جعلت ركب الساحر ترتجف و هو يتمتم غير مصدق

" مسـ.....مستــــ .... مستحيل، كيف حصلت عليها "

حتى مع سحر الحماية التي ألقاها على عقله، بالكاد تمكن من الإقتراب من الزهرة ، لكنه لم ينجح في الحصول عليها.

" إن لم تكن الزهرة لي، فلن تكون لغيري، فلتمو....."

لم يكمل الساحر تهديده ، فقد رن في أذنه صوت طقطقة فجأة، و تدلى لسانه للخارج.

لم يتفطن لما حدث له إلا بعد أن أحس بالألم و قد انخلع فكه السفلي.

كاد يصاب بالجنون و هو يفكر كيف و متى هاجمته، أسرع بتفعيل سحر العلاج و عيونه لم تنزل من على المقاتلة ذات الجناحين

" فلتصبح رمادا "

تجمد الدم في عروق الساحر، و غرق جسده في العرق البارد، كيف لا و قد اختفت الفتاة من أمامه ليسمع صوتها من خلفه.

التفت سريعا خلفه لكن لا أحد كان هناك، راح كالمجنون يلتفت يمينا و شمالا لكنهلم يجد لهما أثرا لا في السماء و لا في الأرض.

طيران ليان كان سريعا حتى و هي تحمل دياني لدرجة أنهما اختفيتا قبل أن يرتد إليه طرف بصره، لكن السؤال هو، لماذا هربتا

و هو يجول ببصره باحثا عنهما، عرف الجواب و قد التقت عيناه ببتلة زهرة اللوتس التي صدت الهجوم الناري سابقا قد تقلصت و هي ترفرف نحوه.

الطاقة النارية من هجومه السابق لم تتلاشى، بل تركزت و تضاعفت داخل بتلة زهرة اللوتس، فقط من النظر استطاع الإحساس بقوة الإنفجار القادم.

لمعت البتلة بتوهج أحمر قبل أن تشتعل، النار الصغيرة اشتدت و تأججت لتنفجر إعصارا ناريا قادر على إذابة الصخور وصل عنان السماء .

بعد تلاشي الإعصار لم يبقى من الساحر الذي لم يتمكن من الصراخ حتى الرماد.

2019/07/25 · 1,041 مشاهدة · 1105 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024