بعد أيام من المراقبة
*بوووم *
إنفجار ضخم هز السوق، تعتبر كاستينا المدينة التجارية لجزيرة الأسلاف فهي عبارة عن سوق ضخم يباع فيه كل شيء تقريبا، و مع سياسة الوباء الجديدة فحتى العبيد صاروا يباعون علانية.
الإنفجار حدث في منطقة تجارة العبيد، لا أحد تمكن من رؤية شيء هجوم خاطف أطاح بالحراس في لمح البصر.
الإنفجار في الحقيقة مجرد تمويه، لتغطية على هروب العبيد و لكسب الوقت.
" ليس سيئا سيدتي القديسة، لكن يبدوا أنك أغفلت شيئا مهمها"
لا زلت أراقب من بعيد محاولتها الجريئة في مخالفة القانون و تحرير العبيد، للتوضيح فقط العبيد ليسوا الأقلية من الأجناس غير البشرية، فأنصاف الوحوش و الجان رفضوا البقاء تحت حكم البشر و غادروا إلى أرض الأوريس، و حتى إن حدث و تم اختطاف أحدهم ليصبح عبدا ، فهم لن يسكتوا على إهانة كهذه و سيرسلون مغتالا ليقتل المختطف و البائع و الشاري و من كان حاضرا ساعتها.
كيف أعرف هذا؟، حسنا أنا أحد المغتالين المتعاقدين معهم، ماذا أقول غير أنهم بدفعون بسخاء، كما أن قتل بعض الحثالة يعطي شعورا جيدا.
و بما أن باقي الأجناس تتمتع بحس عالي لحماية أفرادها، فتجار الرقيق لجؤوا إلى بيع أبناء جلدتهم، فالبشر في النهاية هم أسوء الأجناس و أحقرها
لحسن الحظ أنا نصف بشري، و هذا يجعلني نصف حقير فقط.
" استمروا في هذا الطريق، هناك سفينة ستكون في إنتظاركم"
مع هذه العبارة غادرت قديسة الجناح، للتخلص ممن يلحقون بهم، مع سرعتها الجنونية يمكنها القضاء عليهم حتى قبل أن يعرفوا ما أصابهم.
المشكلة تكمن فيمن حررتهم، فبينهنم جاسوس متنكر على هيئة عبد، طوال الطريق و هو يترك علامات خلفه كي يتمكن رفاقه من تتبعهم
"ما العمل الآن، سيتم إمساك العبيد ثانية و ستتورط قديسة الجناح بتهمة تحرير العبيد"
يا له من عالم مجنون نعيش فيه، تحرير العبيد أصبح جريمة.
في النهاية لا يعتبر أحدهم مجرما إلا إذا خلف دليلا خلفه،و اليوم علي التنظيف خلف سيدتي الجميلة.
*سبلاش*
تسللت خلف الجاسوس و نحرت عنقه، ذلك الغبي كان يتأخر عمدا عن البقية ليترك أثرا خلفه، و هذا سهل من مهمتي.
هذه أول مرة أقتل شخصا دون أتلقى أجرا، بفعلتي هذه أنا أنقذت مجموعة العبيد و لن أسمع كلمة شكرا حتى.
"فعل الصواب يمنح شعورا جميلا، لكن الشعور بجيوبي الخفيفة يفسده"
بعد أن تأكدت أن العبيد وصلوا بر الأمان، عدت أدراجي لتفقد ما حصل مع القديسة، و كما توقعت
صائدوا العبيد بعد مواجهتهم القديسة، و فقدانهم للأثر الذي خلفه جاسوسهم، لم يكن أمامهم سوى التراجع مكرهين.
مع قوتها يمكنها قتلهم بسهولة لكن على ما يبدوا فإن الإشاعة التي مفادها أنها تعفوا عن خصومها و تتجنب سفك الدماء هي صحيحة، في رأيي هذا غباء، فهي بهذا تزيد من أعدائها.
رغم ذلك يبدوا أنه قد سقطت ضحية غير متوقعة نتيجة كونها في الزمن و المكان الخطأ
" أنا آسفة، أنا فعلا آسفة ...... أرجوكي لا تموتي و تتركي أطفالك"
استمرت القديسة في الإعتذار و التوسل بلا توقف و كلها حزن و أسى
'هل كان هناك عبدة تأخرت عن الركب، أم تراها مجرد جامعة أعشاب أوقعها سوء حظها في وسط القتال'
سألت نفسي و قد قادني فضولي لأقترب أكثر من اللازم
" من هناك؟"
قوة إحساسها مرعبة، خطوة واحدة أقرب من اللازم و ها قد تم اكتشافي
"سيدتي، هذا أنا..... لقد التقينا ثانية"
كنت لا أزال متنكرا في الشكل الذي رأتني به سابقا، تعرفت علي لكنها لم تقلل حذرها
" ماذا تفعل هنا؟"
"كنت أجمع الأعشاب عندما اندلع القتال، هل كل شيء بخير؟"
لسبب ما كانت سعيدة لرؤيتي و راح تسألني المساعدة
"لقد ارتكبت خطأ لا يغتفر، و قتلت خطأ أما لثلاث أطفال، ساعدني لأكفر عن ذنبي و أعني لأعتني بهم"
" اط...اط..اطفال"
كان فمي يلامس الأرض و قد جعل طلبها المفاجئ عقلي يطير من رأسي.
أليست هذه خطوة مبكرة،و قفز لكل المراحل فنحن لم نتواعد حتى، و فوق كل هذا أهتم بأطفال، ماذا عساي أعلمهم فنون الخداع و الإغتيال.
*عاووو*
عواء الجرو الصغير الذي ركض فجأة إلينا
أعاد لي تركيزي، أملت رأسي لأتبين أخيرا حقيقة الموقف
" أهذه جثة كلب أبيض مجنح؟، أهي من تقصدين بالأم التي قتلتها؟"
الكلاب المجنحة هي وحوش غير عدائية و يمكن إستئناسها، أسرعت القديسة لإغلاق أذان الجرو بيديها و صاحت في وجهي بكل حدة
"كيف تقول ذلك أمام الصغير، ألا تعلم أن الكلاب المجنحة تعرف لغة البشر
؟، لا أريده أن يعلم بالأمر و يكرهني"
' هل هي طفلة، لتؤمن بهكذا خرافة؟'
"الصغار لن ينجوا بلا أمهم، أنت تجيد الإعتناء بالوحوش عليك مساعدتي"
" لماذا تعتقدين أن لدي إطلاع بالوحوش المستأنسة؟"
" أنت من الأوريس،و قومك يعرفون الكثير عن الغابة و الوحوش و تعيشون بانسجام مع الطبيعة"
'هؤلاء الجان من قد وصفتهم للتو و ليس الأوريس'
فكرت في ذلك لكني لم أستطع أن أصحح لها، و هي ترمقني بهذه النظرة المتفائلة.
" شكرا على المساعدة، كان الشعور بالذنب يقتلني و لم أعرف ما علي فعله"
" لا مشكلة، فأنا مدين لك بحياتي"
في النهاية وجدت نفسي أمشي خلفها و أنا أحمل ثلاث جراء صغيرة
'بحق الجحيم ما الذي يحصل معي، كيف يعقل أنا السادس المغتال حاصد الأرواح و الوجه الثاني للوباء أصبحت مربيا للكلاب!؟'
*اعووو*
على ما يبدوا فإن الجراء أحست بإنزعاجي، فراحت تعوي و هي ترمقني بعيونها الكبيرة الدامعة و تلعق يدايا بود.
" اوه..... إنها في غاية الظرافة، لطالما أحببت الكلاب"
"ظننت الفتيات يفضلن القطط"
"القطط ظريفة، لكنها لا تمتلك ولاءا ، و هي رفيقة الساحرات و تستخدم للشعوذة"
'القطط رفيقة الساحرات، و الكلاب تفهم لغة البشر، أتصدق ما جاء في قصص الأطفال'
بصراحة لم أستوعب إن كانت تمزح أم هي جادة في كلامها، لكني وجدت هذا الجانب الطفولي من شخصيتها ظريفا.
" لا أصدق أنا ليان أطلب المساعدة من ساحر"
من نبرة صوتها يبدوا أنها لا تهوى السحرة، تنهدت و أضافت
"أريدك أن تلقي علي سحر الوهم، فقد ساعدت بعض العبيد و أصبحت مطلوبة للعدالة في هذه المدينة"
لو قتلت الحراس لما احتجنا للتنكر، لكن ذلك غير مهم بالنسبة للمتمرسين، فيمكنهم كسر سحر الوهم بسهولة، لكن ليس خاصتي فأنا أستخدم دوائر سحرية مرسومة بدم الشخص المراد التنكر على هيئته، و أنقشها على خواتم ذات معدن خاص.
أخرجت بضع خواتم و رحت أتفاخر
" سحري من الدرجة الأولى، فما هو مطلبك، رجل بدين، متسول، جندي.. ..."
"لا أريد أن أصبح رجلا، سآخذ هذا ،من هالته لا شك أنه يعود لإمرأة"
"لا.... إلا هذا؟"
صراخي كان متأخرا، فقد بدأ الدخان الأبيض يخرج من مسامها و يلتف حولها لينقشع على جسد أكثر إمرأة أمقتها
" اوه، ياله من جسد مثير و ياله من لباس فاضح، من هذه الفاتنة هل هي حبيبتك؟"
من كل الأوهام، لم تجد غير جسد الرابعة المجنونة، و تسألني إن كنت حبيبها
"أفضل أن أواعد رجلا قبل الوقوع في حبالها، رؤيتك في شكلها تصيبني بالغثيان، خذي هذا سيكون مناسبا أكثر"
نظراتي وحدها أوصلت الفكرة، فاستبدلت تنكرها إلى فتاة من العامة و أعادت الخاتم قائلة
" أنت ذلك النوع من الرجال، لا بد أن حياتك صعبة فلا يتقبل الجميع هذا النوع من الحب"
رفعت إبهامها و أضافت
"حظا موفقا"
"ما الذي تظننينه بي يا حمقاء؟، أنا لست شاذا"
" لا بأس ، لا بأس، أنا لا أصدر أي أحكام هنا"
هذه المجنونة جعلت الدم يغلي في عروقي، لم تسمح لي كرامتي بتجاهلها فلم أجد نفسي إلا أضع الجراء أرضا، و يدي تمتد إلى خصرها و تسحبها نحوي، أصبح وجهي قريبا من وجهها و قد فاجأتها خطوتي فلم تجد وقتا لردعي
"ما رأيك أن أثبت لك و فورا، بعدها أصدري حكما كما تشائين "
لم تدم دهشتها طويلا، لتنهال علي بالصفعات، أو ربما لكمات فكل ما أذكره هو إنفجار هالة بيضاء و هي تصرخ أيها المنحرف.