" اللعنة على المستجدين ، لقد خرجت من التصنيف كل هذا بسبب معلمهم الــــ.........."


ضرب شاب من بين الحضور بقدمه و صرخ بكفر، منذ أيام كان في الرتبة السادسة و التسعين

مع ظهور المستجدين استمر في النزول حتى وصل الرتبة الأخيرة، و في هذه اللحظة طار خارجا من التصنيف.

لكن شعاع الموت البارد القادم من الشاب القصير و الذي كان كسهم إخترق قلبه جعله يتذكر الحكمة القائلة


** يستطيع المرء أكل ما يشاء، لكن لا يستطيع قول ما يشاء**


الحفاظ على لسانه من أن يقطع في هذه اللحظة أهم من التصنيف، فراح بسرعة يصحح خطأه


"الغامض، معلمهم الغامض لماذا حظي سيء و لا أحظى بمعلم رائع مثله "


كانت هناك إشاعات عديدة حول هذا المعلم الغامض، لكن الشيء المؤكد أنه ليس مشرفا و إنما أحد الطلاب.

أشار القصير إلى الفتى الغاضب أن ينخفض قليلا، كان المشهد غريبا شاب قارب طوله المترين مرعوب من فتى لم يتجاوز المتر و نصف المتر.

ربت القصير على كتف الطويل ، وهو يومئ برأسه


" أحسنت القول، أن تصبح تلميذا للسيد العظيم هو حظ وافر و بالتأكيد أحسد عليه ، ها ها ها "


' يبدوا أنني نجوت، هذا القصير يصبح مجنونا عند الإساءة لمعلمه؟'


بينما الشاب الطويل غارق في أفكاره ، راح الفتى يهمس له في أذنه

" إن كنت حزينا على رتبتك التي طارت، فما قولك أن أعرفك على سيدي ، بعض النصائح منه ستعيدك للتصنيف و بترتيب أعلى "


اتسعت عيون الشاب مع بريق من الحماس، لو قلنا أن تلاميذ المشرفين الخاصين كدوباي مثلا، هم تنانين بين أقرانهم و في مسابقة التصنيفات القادمة سيكون لهم وزنهم و يحتلون أعلى الرتب.


فلا يزال الكثيرين يؤمنون أن التلاميذ الخمسة الذين كانوا بالأمس من الفرع الخارجي هم نمور رابضة و سيحققون نتائج مبهرة، و فرصة مقابلة معلم الداو العبقري لأخذ النصائح منه هي فرصة لا تعوض.


حتى المشرفين بالمعهد يرغبون بمقابلة السيد الغامض و معرفة سر تقنياته في التدريب ،لدرجة أنهم حاولوا إغراءهم و قراءة ذكرياتهم لكن ذلك لم ينجح، لا أحد استسلم لإغراءاتهم كما أن عقولهم محمية بسحر قوي.


" بالتأكيد أنا مهتم بمقابل المعلم ، لكن ما المقابل؟ "


تساءل الشاب الطويل متشككا بالرغم من أن بريق عينيه يقول أنه على إستعداد لدفع أي ثمن، ليسمع الجواب


" لا شيء كثير في الحقيقة، أنت تنتمي لعائلة عريقة من التجار و لديها اتصالات و معارف في كل مكان ، نحن فقط نحتاج لمعرفة بعض الأمور، كأفضل المواقع للتدريب المنعزل و مواقع المزادات السرية و أشياء من هذا القبيل "


تلك المعلومات ليست بتلك السرية فالأثرياء يحصلون عليها مقابل المال، و هو سيقايضها مقابل رفع تدريبه، أومأ الطويل بالموافقة دون ذرة تردد.

ابتسامة رضى ارتسمت على وجه كيرا ، و راح يربت على كتف زميله الجديد ثانية.


" من اليوم نادني الأخ الأكبر..............إنخفض قليلا، فكتفك بعيد عن يدي "


" آسف أخي الأكبر" أحنى الشاب الطويل ركبتيه تاركا كيرا يربت على كتفه


' إلى متى سأبقى على هذه الوضعية '


----------------------


منذ خمس سنوات في مدينة جبل اليشم الأسود


إندلع حريق مهوول بقصر أحد أغنى الرجال المنطقة، قيل أن لصا تسلل إلى القصر و معركته مع الحراس تسببت في هذه الكارثة

بعد إزالة الأنقاض اكتشف السكان وجود قبو سري تحت القصر، عندما نزلوا إليه استقبلهم مشهد تقشعر له الأبدان، جثث متفحمة معظهم فتيات مقيدين بالسلاسل، حتى مع كل تلك الحروق، كانت آثار التعذيب لا تزال واضحة على أجسادهم.


النيران التي اندلعت لم تكن بسبب النزال بين الحراس و اللص كما اعتقدوا في البداية، فالدلائل تشير أن الشرارة الأولى إنطلقت من هذا المكان، بعد أن قررت إحداهن وضع نهاية لبؤسها و قامت بحرق نفسها.


القبو عبارة عن سجن للعبيد، إنه المكان الذي يحتفظ فيه تجار الرقيق ببضائعهم، و مالك القصر الذي نجى من الحريق اختفى في اللحظة نفسها التي تم كشف سره فيها.


أحد القرويين لفت إنتباهه جثة لسيدة ترتدي دروعا تكورت على نفسها في أحد الأركان ، كان واضحا ، أنها اللص الذي تسلل للقصر بالأمس ما إن اقترب من الجثة حتى صرخ


" إنه حي............يوجد أحد لا يزال حيا هنا "


هرع الجميع إلى المكان الذي أشار إليه، و تحت الجسد المتفحم المتكور على نفسه و من بين الأذرع المتيبسة من قوة الشد،و بصعوبة بالغة تم إنتزاع طفل في العاشرة من جسد السيدة التي ضحت بنفسها لحمايته.


على وجه السيدة المحترق و بدلا عن ملامح الألم و الصراخ، كانت هناك ابتسامة ساحرة لم تستطع النيران تشويهها، إبتسامة أم سعيدة تمكنت من إنقاذ إبنها.


" أجل سيدي"

" آسف سيدي"


طيلة ثلاث سنوات في الميتم و بغرار هذه الجملتين لم ينطق الفتى بكلمة أخرى، الفتى الذي عاش طفولته في قبو للعبيد يعيش في حالة صدمة و لا أحد يعرف أو قادر على تصور حجم المعاناة و التعذيب الذي شاهده في صغره.


يستيقظ كل ليلة يصرخ بأعلى صوته ، ثم يتكور على نفسه في أحد الأركان حتى يطلع عليه الفجر.


سحر العبودية يفرض على العبد إتباع أوامر سيده، لكن مالك الزنزانة لم يمتلك هكذا قدرة ، فراح يعتمد على الطريقة الكلاسيكية، يختطفهم أطفالا، و يعذبهم زارعا الرعب في قلوبهم.


في وقت لاحق هو و رفاقه تم ضمهم إلى الفرع الخارجي، حيث بقي هناك لسنتين يقوم بكل ما يطلب منه في صمت تام.


------------------


" أنت دعني آراه"


يد قوية أمسكت بكتف الفتى و أوقفته، بينما كيرا أشار بإصبعه لنفسه مستغربا

" ليس أنت؟، ماذا أفعل بجبان مثلك، أتحدث عن الوحش النائم بداخلك، هيا أخرجه لأراه جيدا"

جين أحكم يده على رأس كيرا الذي كان يحدق فيه بحيرة، و فعل دائرة سحرية مقتحما عقله اللاواعي، فاتحا الباب لكل الذكريات المكبوتة أن تخرج مرة واحدة.


صور لا تعد من مناظر الضرب و التعذيب، أصوات لا تحصى من التوسل و الصراخ، كل شيء انفجر دفعة واحدة، كان قادرا على أن يشم رائحة الدماء التي نزفها العبيد، الإحساس بالأرضية الباردة التي نام عليه لعدة سنوات، آلام السوط الذي مزقت لحمه و حتى صوت من قام بتعذيبه


"قل سيدي، أعد ورائي .............أمرك سيدي........أجل سيدي "


كان السوط ينزل عليه بلا هوادة و صاحبه يردد بلا كلل نفس الجملة ، بينما جسده الصغير متكور على نفسه و قد غطى وجهه بذراعيه لا إراديا.


***آآآآآآه***


كيرا أطلق صرخة مرعبة قبل أن يغمى عليه، بعد ساعات استيقظ كالمجنون يصيح و يكسر الأثاث من حوله


" ياله من بركان غضب، كيف بقيت حيا و أنت تحتجز كل هذا بداخلك ؟ "


علق جين ساخرا منه، بينما كيرا يحدق فيه بعيون دامعة لينطق في الأخير بكلمة جديدة غير آسف سيدي و أجل سيدي التي كان ينطق بها طيلة سنين.

قلبه يتقطع حزنا و الكلمة أبت أن تخرج من فمه


"أ.......أ........أ................أمي"


ذكرى لحضن دافئ يعانقه، و قبلات حارة على جبهته لإمرأة يحترق جسدها في حين كانت تبكي فرحا برؤيته، لحظة واحدة كانت كفيلة للتعويض عن سنوات التعذيب التي عاشها.


بصوت اختنق بالدموع، لامست ركبتاه الأرض و راح يلعن قلة حيلته


" أريد ذلك بشدة، أريد الإنتقام لنفسي، أريد الإنتقام لأمي...........لكني مجرد جبان ضعيف"


جين وضع يده على الشاب القصير المنهار، ربت على رأسه بلطف و تحدث بصوت هادئ و عميق لامس قلبه المنفطر و روحه المحطمة.


" ليس بعد اليوم، ليس بعد أن رماك القدر في طريقي، لكن الآن عليك أن تبكي...........ابكي رثاءا قدر استطاعتك، ودع والدتك بالدموع، و بعدها إتبعني لتولد من جديد....."


بعد أن جفت دموعه فتح كيرا عيونه المتورمة ، كاشفا عن عزم لا ينثني و إرادة تهز الجبال


"أرجوك سيدي..............سأكون تابعك المخلص و لو طلبت مني مستقبلا أن أمشي في النار فلن أتردد، أرجوك..........خذ بيدي و ساعدني لأولد من جديد "


تأليف magicien



2018/09/01 · 1,712 مشاهدة · 1180 كلمة
magicien
نادي الروايات - 2024