الفصل المئتان والأربعة

____________________________________________

على الرغم من أنهم لم يطأوا بأقدامهم لوح تاي يين السماوي قط، إلا أن صيته الذائع قد بلغ مسامعهم. كانوا يدركون تمامًا قدره وأهميته، وهو ما جعل مشاعر الحماسة والذهول تتملكهم في تلك اللحظة.

لم يمضِ وقتٌ طويل حتى استُدعي المعلم فو غوانغ، معلم شيويه يون. وما إن وطأت قدما الطاوي العجوز عتبة القاعة، حتى تسمّرت عليه نظرات عشرات الخالدين. كانت أعينهم تتقد حماسة، بينما ترتسم على وجوههم ابتسامات وادعة غريبة.

كانوا يدركون جيدًا أن السيد أشبه بالمعلم والأب، فكيف يمكن لعلاقة تبعية نظرية أن تفوق في أهميتها رابطة المعلم بتلميذه؟ ورغم أن نظرات الجميع كانت ملؤها الود، إلا أنها أصابت المعلم فو غوانغ بقشعريرة وتصلب في فروة رأسه، بينما اهتز عقله بعنف تحت وطأة هذا الضغط الروحي الهائل الذي انبعث من عشرات الخالدين.

'ما أشد قوة هؤلاء! ولِمَ يرمقونني بهذه النظرات الثاقبة؟' تساءل في قرارة نفسه وقد اضطرب فكره، 'هل يمكن أن يكون خبر إدراكي لقانون الضوء قد وصل إليهم؟'. وفي خضم هذه الأفكار المتلاطمة، سمع المعلم فو غوانغ بالخبر الأسطوري الذي حققه تلميذه شيويه يون، فشعر وكأن روحه قد حلّقت في عنان السماء.

صاح وقد طار صوابه: "آه! ماذا؟! أعد ما قلت على مسمعي...". ثم شهق مجددًا: "مؤهلات الإمبراطور العظيم؟ أ... أزاح أربعة أباطرة عظام...؟ يا إلهي!... آه! لم أعد أحتمل...".

احمرّ وجه الطاوي العجوز، وراح يرقص فرحًا ويهذي بكلمات غير مفهومة، فلم يمر في حياته الخالدة التي امتدت لآلاف السنين بمثل هذا الموقف المثير. وفي غمرة تلك المشاعر الجياشة، شعر بتيار يصعق جسده من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، قبل أن يسودّ العالم في عينيه ويسقط مغشيًا عليه من فرط السعادة.

ولكن حتى وهو فاقد للوعي، ظلت ابتسامة الرضا والسعادة مرتسمة على شفتيه، مصحوبة بضحكات خافتة: "هه... هه...". هز الخالدون رؤوسهم ضاحكين، بينما تملّكهم شعور ممزوج بالحسد والإعجاب. فلو كانوا هم من حظي بتلميذ عبقري يحمل مؤهلات الإمبراطور العظيم، فربما ما كان أداؤهم ليفوق أداء هذا الخالد الحقيقي الذي أمامهم.

عندما أفاقوا المعلم فو غوانغ، كانت أولى كلماته: "نعم، أنا معلم شيويه يون! وعلاقتنا متينة وقوية!". ثم أردف بفخر وعنقه مرفوع كعنق بجعة شامخة، ونظراته تتعالى على جميع الخالدين: "يعاملني شيويه يون كوالده، وأنا أراه كابني!". صحيح أنه مجرد خالد عادي، ولكن تلميذه هو الإمبراطور المستقبلي!

أما فانغ يون، القابع في جزيرته الخالدة المجهولة، فلم يكن على دراية بما يجري في العالم الخارجي. كان لا يزال يعيش حياةً هانئة مفعمة بالسكينة والكسل، كأنه خالد من عالم آخر، لا تشوبه شائبة من صخب الدنيا، ويحلق بعيدًا عن عالم البشر.

كانت أيامه تمضي في تأمل البحر، والاستمتاع بالنسيم العليل، وإطعام الأسماك ومداعبة النسور. ولكنه أضاف مؤخرًا إلى أنشطته اليومية دراسة متعمقة لمخلوقات عالم الخلود، مثل قطط الروح وأفاعي الظلام وثعالب الروح والطواويس.

كما أنه كثيرًا ما كان يتحول إلى فارس مهيب، يمتطي صهوة التنانين والعنقاء في رحلات ميمونة، أو يطلق العنان للحصان المجنح في مضمار السماء، وترافقه أميرة النجوم في كل حين. يمكن القول إن حياته كانت بسيطة، ولكنها غنية بالألوان وممتعة إلى أقصى حد.

في تلك اللحظة، كان فانغ يون مستلقيًا على كرسيه المريح، يتأمل المنظر الساحر لجبل الخلود والبحر الممتد أمامه. كانت عيناه النجميتان شاردتين قليلًا، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه. فتاة التنين تدلك كتفيه، بينما تدلك 'إلهة الشمس' ساقيه، وأشعة شمس الظهيرة الدافئة تبعث على الاسترخاء، فيما يحمل نسيم البحر العليل رائحة الملح المنعشة.

رفعت 'إلهة الشمس الحقيقية' وجهها البديع الفاتن، ونظرت إلى فانغ يون بابتسامة ساحرة، وسألته بصوت رقيق: "سيدي، هل هذا مريح؟". كان وهج الشمس يشع من جسدها، فتبدو كإلهة مجيدة هبطت لتوها من السماء.

أومأ فانغ يون برأسه بارتياح وقال: "جيد جدًا، جيد جدًا..."، ثم مد يده وربت على شعرها الأسود الطويل تشجيعًا لها.

إن سلالة عشيرة إله الشمس هي الغراب الذهبي ثلاثي الأرجل، وهي سلالة تتربع على القمة تمامًا مثل سلالتي التنانين السماوية والعنقاء السماوية. ولكن الطرق العظمى التي تألفها تختلف عن تنوع وتعقيد سلالتي التنين والعنقاء، فهي لا تألف سوى طريقًا واحدًا: طريق الشمس الأعظم! وهو طريق جبار ومتسلط إلى أبعد الحدود.

علاوة على ذلك، تتمتع سلالة الغراب الذهبي ببنية جسدية خاصة، وهي جسد إله الشمس، الذي يمنحها قوة فطرية هائلة في الهجوم والدفاع، وحتى في قدرتها على الاستيعاب. يمكن القول إن سلالة الغراب الذهبي هي أقوى سلالة دماء يمتلكها فانغ يون في مستنسَخيه حاليًا.

صحيح أن قوة المستنسَخين تماثل قوة الجسد الأصلي تقريبًا، ولكنها ليست متطابقة تمامًا. فهذا التشابه يقتصر على مستوى العالم، وجوهر الخلود، والقدرات السحرية. إلا أن القدرة القتالية الشاملة لكل مستنسَخ تختلف بناءً على خصائص وقيود سلالته العرقية.

على سبيل المثال، لو أطلق مستنسَخ 'إلهة الشمس' العنان لكامل قوته، فسيكون بالتأكيد أقوى من شيويه يون. وهذا هو الفرق الفطري بين الأعراق.

نظر فانغ يون إلى 'إلهة الشمس' التي تخدمه، واتسعت ابتسامته تدريجيًا: 'إذا كان شيويه يون قد احتل المرتبة السادسة على لوح تاي يين السماوي، فلا بد أن يتمكن مستنسَخ الغراب الذهبي من التقدم قليلًا في الترتيب على الأقل، أليس كذلك؟'. ثم تساءل في نفسه بزهو: 'المرتبة الأولى؟! هه'.

لا أحد يعلم مدى عبقريته الحقيقية، حتى هو نفسه لم يكن يدركها تمامًا. ففي الوقت الذي كان فيه الجميع يعتقدون أن شيويه يون هو أقصى حدود القوة، كان فانغ يون قد حطم هذه الحدود سرًا مرارًا وتكرارًا.

لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن إظهار مستنسَخ الغراب الذهبي لن يكون بنفس سهولة إظهار شيويه يون. فلو اكتشفت عشيرة إله الشمس وجود أعداد كبيرة من سلالتهم في العالم الخارجي، بل وأكثر من أعداد أفرادهم، فإن العواقب ستكون وخيمة ومثيرة إلى أقصى درجة. حينها، سيسعون بالتأكيد للقبض عليه حيًا وتشريحه لدراسته.

مرت عشرة أيام كلمح البصر، وبينما كان فانغ يون منشغلًا بتدريباته اليومية، تلقى فجأة رسالة من التنانين الخمسة العظام بقيادة هوو فانغ.

"سيدي، لقد أتت الإلهة العظيمة ومعها شقيقها، ابن إله الشمس!". ثم تساءل هوو فانغ بنبرة متحمسة: "أنا أفهم أن للإلهة مكانة خاصة، ولكن هل يجب أن نقتل ابن إله الشمس؟".

عند سماع هذا، انتفض فانغ يون من مكانه، ثم وبخه قائلًا: "ماذا تقصد بقتله! ماذا أعلمكم عادةً؟ نحن أناس طيبون، فهل يعقل أن نفعل مثل هذه الأمور الشريرة؟". ثم أضاف بنبرة مختلفة تمامًا: "اقتلع كليتي ابن إله الشمس وأعطني إياهما لأجدد بهما طاقتي، وسيكون ذلك كافيًا... حاول مجددًا، وانظر إن كان بإمكانك أن تقتلع المزيد منه...".

2025/11/09 · 126 مشاهدة · 973 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025