الفصل المئتان والثالث والأربعون: رسل الشمس
____________________________________________
لم يكن ميزان القوى في هذه المعركة متكافئًا قط، ولا أعداد المقاتلين متقاربة، فانتهى كل شيء في لمح البصر. لقد سقط الرعب الأكبر الذي خيّم على صحراء الغرب، وهلك الرهبان الغرباء عن بكرة أبيهم!
"هاهاها... هه... أهذا كل شيء؟ حثالة! مجرد حثالة!" علت ضحكات المستنسَخين الساخرة، وقد حلّقت أجسادهم في الأعالي، شامخة لا يطالها قيد. أطبقت أصداء الضحك على العالم بأسره، وكأنهم هم شياطين هذه الأرض الحقيقيون، أما ما يُدعى بالرعب الأعظم، فلم يكن إلا محض وهم.
لم يسقط أي من المستنسَخين في المعركة، بل كانوا لا يزالون يرتوون من نشوة القتال التي لم تكتمل بعد! فالقتال أمتع بكثير من التدريب الرتيب في فضاء النظام. لكن أسفًا، كان الخصم أضعف من أن يصمد، فانتهى الأمر في لحظات، وهذا يعني أن عودتهم إلى التدريب وشيكة، الأمر الذي أثار استياءهم قليلًا.
ورغم أن المشهد انقضى بسرعة خاطفة، إلا أنه لم يغب عن أعين بعض الكائنات الضعيفة التي تقطن الصحراء، والتي اجتذبتها أصداء المعركة. تجمدت تلك الكائنات في أماكنها وقد فغرت أفواهها ذهولًا، وعلت وجوهها نظرة من عدم التصديق المطلق! "أأنا واهم...؟" تساءل أحدهم بصوت خافت، "هل زال الرهبان الغرباء الذين لا سبيل إلى قتلهم هكذا ببساطة؟"
"انشروا الخبر! انشروه في كل مكان!" صاح آخر، "لقد مات الرهبان الغرباء، لقد قتلهم رسول الشمس!" أفاقت بعض الكائنات من صدمتها، وغمرتها موجة من الحماسة التي لا تفسير لها! أرادوا نشر هذه البشرى لترتاح خلائق العالم أجمع، فلا يعودون مضطرين لكبح جماح تدريبهم خشية مخالفة قواعد الرهبان الغرباء في إنقاذ الأرواح!
أما عند مدخل الكهف المظلم، فقد انهمك مستنسَخو فانغ يون في جمع الغنائم، محاولين إطالة الوقت قدر المستطاع لتأخير عودتهم. بدا أن أولئك الرهبان الغرباء ليسوا سوى مخلوقات محلية تم تحويلها على مر آلاف السنين، بالإضافة إلى قلة من قديسي تيان جياو الذين دخلوا هذا المكان بقصد التدريب. ورغم أن معظمهم قد تلاشى تمامًا بعد مقتلهم، إلا أن بعضهم خلّف وراءه الكثير من الآثار!
"سيدي، لقد خلّفت بعض الجثث المحترقة هذا النوع من البلورات! يُشتبه في أنها من بقايا بوذا المقدسة!" صاح أحد المستنسَخين وهو يلتقط بلورة سوداء بحجم بيضة. أخذها فانغ يون بين يديه، فشعر في الحال ببرودة قاسية تخترق روحه! ثم، دوّى في ذهنه فجأة ترنيم بوذي مهيب: "العالم ملآن بالشقاء والزيف، فلم لا تعتنق بوذا الشر الذي يخلّص العباد؟ اعتنق! اعتنق!"
تردد الصدى في عقله بعنف، وفي تلك اللحظة، شعر فانغ يون وكأن عينيه قد غشيتهما الظلمة. خُيّل إليه أنه أمسى قاربًا تائهًا تتقاذفه أمواج كارثة تدمير العالم! كان ضعيفًا، هشًا، معرضًا للتحطم في أي لحظة. وفي خضم طوفان الدمار، لمح هيئة بوذا ملك أسود، يقف ثابتًا في قلب الهاوية، كالصخرة الشامخة في وجه السيل الجارف، لا يتزحزح! بدا له أنه ما إن يقترب منه فانغ يون ويسجد له، حتى ينال حمايته في الحال، وينجو من كارثة فناء العالم!
"أعتنق رأس أمك!" عاد فانغ يون إلى رشده فجأة، ورسم على شفتيه ابتسامة ساخرة قبل أن يطلق شتيمته! لم يكن يؤمن إلا بنفسه الحقيقية، فما باله بإله طاوي أو بوذا؟ وفي اللحظة التالية، أشرقت راحة فانغ يون بضوء خماسي الألوان، فصدّت تلك الأفكار العاتية التي تحث على التحول.
حدّق فانغ يون في البقايا السوداء، وومضت في عينيه نظرة دهشة. 'كادت أن تسلبني عقلي... ليس سيئًا، ليس سيئًا أبدًا...' فليُعلم أنه الآن مجرد مستنسَخ، وهدفه الأسمى هو خدمة جسده الأصلي، ولكن مع ذلك، اهتز عقله، مما يظهر مدى الرعب الكامن في هذه البلورة!
علّق فانغ يون على الأمر، ثم لمعت فكرة في رأسه. 'في المستقبل، إذا لم يرق لي أحدهم، فسأهديه بقايا غريبة، تبًا... بل سأهديه "بقايا التحول"! وعندها، سيتحول الجسد الأصلي إلى بوديساتفا حقيقي وينقذه، أليس ذلك رائعًا؟!' ارتسمت على وجه فانغ يون ابتسامة ماكرة، ثم حثّ المستنسَخين على مواصلة البحث.
وبعد فترة وجيزة، تكدست لديهم مئات من "بقايا التحول". "سيدي، تبدو هذه المسابح البوذية السوداء التي كانوا يحملونها استثنائية. فبعد أن سحقناهم، بقيت سليمة!" بحث المستنسَخون في الآثار، فعثروا على غرض غريب آخر أطلقوا عليه اسم 'مسابح التحول!'.
"هاها، ليس سيئًا! اجمعوها! اجمعوها كلها!" غمرت السعادة قلب فانغ يون. فما يهم إن كانت غريبة أم لا، طالما أنها تُستخدم بالشكل الصحيح، فقد تفوق قيمتها كنوز الخلود المقدسة! بالطبع، كان فانغ يون يعلم أن على جسده الأصلي ألا يلمسها أبدًا.
فالمستنسَخون يتمتعون بنوع من قوة القوانين التي تمكنهم من مقاومة أشياء لا تُصدق. حتى لو حاول خالد ذهبي الاستحواذ عليهم، يمكنهم شن هجوم مضاد، مما يثبت مدى قوة تلك القوانين. لكن جسده الأصلي يختلف، فهو في النهاية كائن عادي ومصيره الفناء! أما عن قدرته على مقاومة تآكل الأفكار الغريبة، فلم يكن فانغ يون متأكدًا.
ولكن عدم اليقين لا يهم! كل ما عليه فعله هو ألا يلمسها. باختصار، الأمر خطير، فلا تفعله! ففي نظر فانغ يون، أن تعرف الخطر ورغم ذلك تقدم عليه، أليس هذا استدعاءً صريحًا للموت؟ أجل، هكذا هو، حذرٌ إلى أبعد الحدود!
في هذه الأثناء، أنهى مستنسَخو فانغ يون تنظيف ساحة المعركة، وحدقوا جميعًا في الحفرة السوداء التي لا قرار لها على الأرض! كانت الحفرة أشبه بفم هاوية شاسع حالك السواد، تمتد لمئات الأميال، ومجرد إلقاء نظرة عليها يبعث في النفس شعورًا بأن الروح تغوص فيها بلا نهاية. "سيدي، هل ندخل؟!" سأل المستنسَخون، وقد لمعت في أعينهم نظرة حماس!
بدا أن هذه الهاوية السوداء المرعبة في نظر الآخرين، لم تكن في أعينهم سوى فجوة سوداء تنتظر منهم أن يقتحموها، ثم يشنوا هجومًا كاسحًا ويسحقوا كل ما فيها! 'تبدو خطيرة بعض الشيء، ولكن! أنا مجرد مستنسَخ الآن!' كان فانغ يون يخشى الموت، ولكن ما علاقة ذلك بالمستنسَخين؟!
وبالتفكير في هذا، لوّح فانغ يون بيده وأطلق خطبته الحماسية: "نحن ولدنا في ضوء الشمس ونعيش في نسمات الربيع! كيف نسمح للرجس بأن يلطخ هذا العالم الجميل! اليوم، نحن رسل النور، وآلهة تمثل عدالة السماء! طرد الظلام! فمن غيرنا يفعل ذلك!! اقتحموا! وأعيدوا لهذا العالم صفاءه وإشراقه!".
رفع فانغ يون ذراعيه وصرخ، وفي هذه اللحظة، أشرقت الشمس فوق رأسه! كان المشهد كما لو أن العدالة قد هبطت من السماء! إله الشمس بشحمه ولحمه! وتحت وطأة كلماته المفعمة بالحماس، بدت الشمس الأبدية في السماء أكثر سطوعًا، وهبط شعاع من النور ليستقر على أجساد المستنسَخين!
"هه... هه!" "اقتلوا!" فاض الحماس في قلوب المستنسَخين، فانطلقوا أشرس من بعضهم بعضًا، وبدا أنهم يثبتون بأفعالهم أن من يخشى الموت فليس إلا حفيدًا جبانًا! اندفع عشرة آلاف مستنسَخ كالجراد... تبًا! بل كأبناء إله الشمس الأبرار، واقتحموا الهاوية المظلمة بلا خوف!
في أعماق الحفرة السوداء، بدا عالمٌ مظلم. كانت الهالة الغريبة كثيفة كالحبر اللزج، وجلس بوذا أسود ضخم متربعًا في قلب الهاوية. وعلى رأسه المليء بعقد بوذا، كان هناك سيف قديم مغروس بشكل مائل، غُرس من الجانب الأيمن لرأس بوذا، وبرز طرفه من صدغه الأيسر! بدا أنه قد مر عليه زمن سحيق، فقد تآكل نصل السيف القديم حتى لم يعد بالإمكان التعرف عليه، وكان جسده مغطى بخطوط سوداء وبقع من الصدأ، وكأنه سيتفتت في أي لحظة.
أما وجه تمثال بوذا الضخم، فمنذ أن قتل رجال فانغ يون العشرة آلاف الرهبان الغرباء، وهو يمر بتغيرات طفيفة مستمرة في تعابيره، من الدهشة، إلى الغضب، ثم إلى الصمت. وعندما رأى هذه المجموعة من الشياطين تتجاهل كرامته وتلتقط الغنائم بوقاحة، اشتعل غضب بوذا من جديد! لكن الآن، هؤلاء الشياطين العشرة آلاف المتغطرسون قد أتوا بالفعل لقتله؟
... هذا ما جعل بوذا الغريب... يغرق في صمت عميق مرة أخرى.