"إدوارد"
"إدوارد"
"إدوارد!"
دوى صراخ أنثوي في كل أرجاء منزل عائلة أغنيس المكون من طابقين حتى وصل صاحب الصوت الى غرفه صغيرة الحجم بالطابق الثاني و فتح الباب بقوة ليجد شخصا نائما على السرير يشخر و كأنه انفصل عن هذا العالم و دخل في عالم أحلامه الوردية...
طااااخ!
صفعه مدوية انهارت على وجه الشاب النائم على السرير و تبعه صراخ امرأة موبخاً " استيقظ! هل تعلم كم أخبرتك من مرة أن لا تفرط في السهر و تستيقظ من النوم لوحدك؟ انت بالفعل اصبحت في عامك السادس عشر هذه السنة ألا يمكنك أن تصبح مسؤولا عن نفسك قليلا؟!"
فتح الشاب عينيه بفزع و هو ينظر لأمه التي توبخه بشدة لكنه لم يسمع إلى بضع كلمات من ما قالته فالصفعه التي تلقاها ما زالت تؤلمه ألما شديدا و كأن وجهه يحترق، فهذه صفعه من يد فارس بعد كل شيئ...
لكنه ادرك ما يجري سريعا نظرا لأن هذا السيناريو يتكرر كل يوم تقريبا فجمع شتات نفسه و قال بصوت فيه نبرة من الألم و التضرع" ااه، امي انا اسف لقد نمت في وقت متأخر البارحه لاني انغمست في قراءة الكتب التي استعرتها من المكتبه"
فيدخل صوت أمه لأذنه مجددا بنبرة من الغضب " انت..! كم مرة قلت لك أن تنسى هذه الكتب العديمه الفائدة و تركز على تقوية جسدك بدلا من اللهو كل يوم في المكتبه؟ هل تريد ان تبقى عديم الفائدة حتى يوم مماتك؟" قالت أمه بصوت فيه لمحه من الحزن و الغضب
لقد كان ابنها الأكبر إدوارد مهووسا بالقراءة منذ صغره فأهمل تدريب الفرسان الخاص به حتى تجاوزه أقرانه منذ زمن بعيد..ليس هذا و حسب بل أيضا الاطفال الأصغر منه بسنوات عديدة اقوى منه...لقد حاولت هي و زوجها أن ينصحوه عدة مرات بأن يترك ما يظنونه لعب بالكتب و يقوم ببدأ طريقه في الفروسية ليجلب المجد و الفخر لهم لكن بدون جدوى
"انا لا ألهو بل أكتسب المعرفة! فقط بالمعرفة يمكنك اكتساب القوة..طريق الفرسان جيد لكنه ليس ما اريد، انا سوف اصبح ساحرا!" انزعج إدوارد من كلام أمه عن أنشطته في 'إكتساب المعرفة' فاعلن إعلانا جريئا أنه سوف يصبح ساحراً
نظرت أمه له بشفقة و حزن ثم تنهدت " يا بني..عائلتنا ليس فيها أي خط دماء للسحرة فكيف ستبدأ طريق السحرة؟ نحن نريدك أن تصبح فارسا متوسطا، إن وصلت لهذا المستوى فيمكننا انا و ابوك أن نموت برضى و سلام، فلتزل تلك الاوهام من رأسك و اصغ و لو لمرة واحدة لكلامنا!" أصحبت لهجتها حادة في اخر كلامها كأنها توحي أنها لا تقبل أي نقاش
"...لكن" إدوارد كان على وشك متابعه الكلام حتى قاطعته أمه" ليس هناك لكن!فلتذهب و اغتسل جيدا و انزل للطابق الاول لتتناول وجبة فطورك" بعد أن قالت له هذا تركته و أغلقت الباب بقوة من ورائها
"تنهد.." تنهد إدوارد فقد اعتاد على هذا كل صباح لدرجة أنه أصبح روتينا له
نزل من سريره و توجه للحمام فأخذ حماما سريعا، جفف نفسه بمنديل معلق في ركن من أركان الحمام، بعد ان انتهى من هذا نظر لنفسه في المرآة فوجد شاب ذو شعر أسود يتدلى حول كتفيه. عيناه الزرقاوتان تضفي على وجهه الشبابي مزيدًا من الجاذبية. مع جسر انف مرتفع و ملامح وجه قوية ومظهر محدد،و فك واضح مع حواجب حادة...
"ما زلت وسيما كعادتي، حتى إن لم اصبح يوما ما فارسا أو ساحرا فيمكنني أن اسقط عدة نساء فقط بوسامتي و اعيش مرتاحا بينهم هاهاها"أدلى بتعليق ساخر عن نفسه مع تلميح من الحزن و العجز لكنه كان يحاول أن يخفف من ما يدور في باله كل ثانية فصفع نفسه بخفة و هو ينظر للمرآة بتعبير حازم و مصمم
"لا! أنا حتما سوف اصبح ساحرا حتى ولو كانت هناك نسبة 1٪ فسوف أتابعها.. هذا هو طموحي، هذا ما سوف أسعى له!" بعد أن قال هذه الكلمات الجريئة لبس ملابسه و ترك الحمام
...
في الطابق السفلي في منزل عائلة أغنيس إجتمع أربعه أشخاص حول مائدة طعام، كانو إدوارد، أمه،أخيه الصغير،و اخيرا رب البيت،أبوه
تتكون طاولة الإفطار من قطعه خبز مطلية بالزبدة و والعسل الطبيعي المحلي لكل واحد منهم. أما الأطباق الرئيسية فتضمنت بيضًا مسلوقًا بشكل مثالي ولوحة صغيرة من الجبن المشتق من الحليب الطازج، و لا يكتمل الإفطار بدون كوب ساخن من القهوة أيضا...
أكل إدوارد فطوره بصمت و هو يستمع لمحادثة عائلته
"دونكان متى سوف تذهب في رحلتك الدراسية لمتحف العاصمة؟" طرحت روز-أم إدوارد- سؤالا و هي تنظر أمامها إلى إبنها الصغير الذي كان يحشو قطعة من الخبز في فمه
توقف دونكان ذو الإثنا عشر سنة-أخ إدوارد الصغير- عن تناول وجبته و هو يجيب بصوته الطفولي"أعلن مدرس فصلنا أن نجتمع في قاعه المدرسة غدا و نجلب معنا توقيع أبائنا على ورقة الدعوة، لقد تركت الورقة في غرفتي بين كتبي سوف أجلبها ليوقع عليها أبي بعد الفطور"
بعد أن أنها حديثه إلتفت لأبيه الذي كان يجلس بجانبه و هو يبتسم له فرد عليه الأب بضحكة صاخبة"هاهاهاها حسنا حسنا... استمتع مقدما بوقتك في متحف العاصمة..انت تذكرني بأيام المدرسة يا بني هييبيه..."
إستمرت العائلة في تناول وجبة الإفطار أثناء تجذابهم أطراف الحديث في مختلف المواضيع
لكن إدوارد لم ينطق بكلمة منذ البداية، و بدى أن العائلة معتادة على هذا، فكان يشرب كوبه من القهوة و هو يفكر " تنهد..سوف أتوجه للمكتبة بعد أن انهي الفصول الدراسية لهذا اليوم و أكمل قراءة ذلك الكتاب"
ثم نهض من المائدة و غادر بصمت بين نظرات عائلته الغريبة له... متوجها للمدرسة
...
ذهب إدوارد لغرفته و يرتدي زي الثانوية الأسود المحدد بشعار المدرسة الذي هو عبارة عن نسر مهيب ذو نظرة حادة على الصدر
ثم وضع كل كتبه المدرسية في حقيبة جلدية سوداء و يحملها على كتفه و ينظر إلى المرآة للتأكد من أن شعره مرتب ومظهره مناسب ليومه الدراسي. يبدو متحمسًا لكن ليس بسبب المدرسة بل ما سيأتي بعدها -المكتبة-، أما الفصول الدراسية فقد كان واثقا أنه أكثر علما من معظم الأساتذة في مدرسته بسبب مداومته على المكتبة و الكتب، فأصبحت هذه الدروس بدون فائدة تذكر له...
كانت المدرسة تبعد قرابة الخمسة كيلومتر عن منزله، و بسبب جسده العادي الذي لا يختلف عن أي بشري أخر استغرق نصف ساعه ليصل..
بمجرد وصول إدوارد يظهر أمام مجال رؤيته مباني كبيرة تتجمع حول بعضها البعض و في الوسط هناك ساحة كبيرة فارغه...
كانت الساحه فارغه لكن عند الاقتراب قليلا يمكن رؤية تمثال حجري لشخص ينظر إلى السماء بعجرفة و هو مستل سيفه الطويل و كأنه يحارب أحدا،لكن,لم يكن هناك أحد...
"تمثال الفارس الأسطوري جاک ويلسون"قال إدوارد هذه الكلمات بلمحة من الرهبة و الاحترام
لقد كان هذا التمثال لمؤسس أكاديمية فرسان "القديس ويلسون"
لقد انشأ هذه الأكاديمية للفرسان قبل أكثر من 3000 سنة و توارث على إدارتها بعد وفاته جيل بعد جيل من أحفاده
بعد النظر قليلا الى التمثال الذي لا احد يعرف كم مر من الوقت على وجوده هناك لكن يمكن للمرأ تخيل قدمه فقط عن طريق الهواء القديم الذي يبعثه، يتوجه إدوارد إلى صفه و يبدأ سماع المحاضرات
"أول حصة هي حصة علوم أساسيات الفرسان كم هذا ممل.." أثناء جلوس إدوارد لوحده كان يفكر في أي كتاب يتوجب عليه قرائته بعد الإنتهاء من كتاب البارحه
أما لماذا كان يجلس وحده...فهذا طبيعي نظرا لشخصيته الغربية المنعزلة على نفسها فكلما حاول أحدهم الحديث معه استجاب إدوارد بشكل بطيئ لانه شارد الذهن في معظم الأوقات،و إن أرادو الخروج معه للتسكع يرفضهم بحجه أنه عليه الدراسة في المكتبة...
إستمر هذا حتى توقف الناس عن المجيء إليه و تركوه لوحده فهم يعتقدون أن هذا الشخص لديه خلل في عقله
فحتى بعد أن أتت أليه فتاة تريد الخروج معه في موعد غرامي ظن أنها تعرض عليه وجبة مجانية، فإنتهى الموعد بفتاة تبكي و رجل بمعدة ممتلئة...
إدوارد أيضا لا يهتم بهذه الأشياء أكثر من أهتمامه بالكتب و السحر فهذا شغفه منذ إن كان في رحم أمه
"إنتباه!"
صرخه أيقظت إدوارد من شروده و أسكتت الفصل الدراسي الذي كان يعج بأصوات المناقشات و ضحك الفتيات و صراخ الاولاد
"اليوم سوف نبدا بحصة علوم الفرسان، لا أريد أن أرى أي أحد منكم مشغولا بشيئ عدى الاصغاء لي!" أعلن المدرس بصوت حاد،كان رجلا في منتصف العمر ذو شعر اصفر و لحية خفيفة صفراء
"كما نعلم جميعا، الفرسان هم الأشخاص الذين ولدوا بروح أقوى من عامة الناس و يمكنهم تدريب أجسادهم على فنون الفروسية، بحيث تسمح لهم هذه الفنون بجذب و صقل جزء من الطاقة الروحية الموجوده في الهواء، و بعد صقل هذه الطاقة الروحية في أجسادهم يخضع الجسد لعدة تغييرات فيزيائية فيصبح أقوى و أصلب و أمتن،وأكثر رشاقة،" بدأ الاستاذ ريتشارد الشرح فسطعت عيون العديد من التلاميذ و على محياهم تعابير متحمسة،من الواضح أنهم تخيلوا أنفسهم و هم فرسان أشاوس في المعارك و الحروب يجلبون المجد و الثروة لعائلاتهم و أنفسهم...لقد سرحوا في أحلام اليقظة حقا، رغم أن ما قاله الاستاذ كانو قد عرفوه في بداية السنة التي كانت قبل شهر لكنهم لا يستطيعون منع أنفسهم من إبداء ردة الفعل هذه..
ما عدى إدوارد و بضعه أشخاص فإدوارد يسعى لمرتبة أعلى و أكثر قوة...و أكثر صعوبة أيضا
أحلام يقظته كانت أكبر و أكثر جنونا حيث كان يتخيل نفسه يلعب بكرات من النار عملاقة بحجم المدن و يرميها على الأعداء...أو يطير في الهواء و يقطع ملايين الكيلومترات في ثانية...
إستمرت أحلام اليقظة هذه حتى قاطعها صوت الأستاذ ريتشارد مجددا "عن طريق صقل القوة الروحية في الجسم يترقى الفرسان في المراتب، و هناك خمس رتب معروفة للفرسان و هي :
الفارس المبتدأ-الفارس المتوسط
الفارس المتقدم-الفارس النبيل
الفارس الأسطوري..
و طبعا لا ننسى أن نذكركم أن هذه الرتب تنقسم إلى أربع مستويات و هم منخفض-متوسط-متقدم-الذروة"
"هل لدى أحدكم اي سؤال ؟" بعد أن أنهى ريتشارد كلامه ركز على مجموعه المراهقين أمامه و هو يسأل
"انا لدي سؤال" رفع أحد. التلاميذ يده ثم اشار له الاستاذ أن يطرح سؤاله، فقال التلميذ " هل الفرق بين فارس مبتدأ منخفض المستوى و فارس مبتدأ متوسط المستوى كبير و هكذا إلى آخره كبير جدا ؟"
اجاب ريتشارد بدون اي تعبير " نعم الفرق بين المستويات قد يبدو بسيطا لكنه كالهاوية التي لا يمكن تجاوزها...طبعا الفرق بين الرتب أعظم من ما تتخيله" أشار للتلميذ أن يجلس بعد أن أنهى سؤاله..
"شكرا جزيلا أستاذ!" شكره التلميذ بإحترام و عاد لمكانه و هو يحمل تعابير متحمسة كبقية أقرانه
إستمرت حصة الأستاذ ريتشارد لكن إدوارد في هذه الأثناء كان نائما بسلام...