و على الرغم من ضيق الوقت، و خطورة الضربة التي تعرض لها، الا ان سنو حمى فراي بدون تردد اخذا الضرر كله.

سنو ليونهارت وقف من جديد بالكاد بينما ظهرت على وجهه ابتسامة دموية جوفاء.

"نحن نموت يا فراي، آسف لكن لا أظن أن لنا مهربا من هذا هاها .." سنو ضحك بخفة، بينما حمل فراي مستعملا خطوة الفراغ من أجل الهرب.

"لا فائدة من خطوة الفراغ، فنحن لن نستطيع مغادرة هذه الجزيرة .." قال فراي، مبتسما هو الآخر غير آبه بالألم و وضعهم المزري.

كلامه كان صحيحا، فحتى لو استعمل سنو خطوة الفراغ للهرب إلى ابعد مكان، فهو سيصل بالنهاية لحدود الجزيرة .. ما يعني أن الهرب لم يكن ممكنا من الأساس.

"اعلم ذلك .. لكني أفضل المحاولة على الاقل بدل الجلوس مكتوف اليدين انتظر الموت ".

حاملا فراي فوق كتفه، سنو حرك جسده المصاب محاولا الهرب، لكن ضغط الاورا الذي احس به من خلفه اثبت له أن ذلك ليس ممكنا.

"لربما كنا سنتمكن من النجاة لو احضرنا داون معنا .. مع قدرة الناجي الخاصة به حتى بلاتير قد لا يتمكن من قتله " تحدث فراي من فوق كتف سنو، ذاكرا اسم صديقهم الذي تركوه خلفهم.

"هاها .. كان سيكون من الرائع لو كان هنا " وافق سنو هو الآخر .. مستعملا خطوة الفراغ بشكل متكرر.

لكن في النهاية هو توقف عن المضي قدما، عاجزا عن تحريك جسده، و عاجزا عن استعمال قوته.

مدركا أن بلاتير يقف خلفه.

سنو تجمد للحظة، قبل أن تتشكل ابتسامة لطيفة على وجهه.

"آسف يا فراي .. و شكرا لك، على كل شيء .. لقد سعدت بالقتال إلى جانبك .. حتى النهاية ".

سنو اخرج تلك الكلمات من فمه .. كلمات همسها بجانب اذن فراي.

ثم بمجرد انهاء لتلك الكلمات .. اظلمت اعين كل من سنو و فراي بالوقت ذاته .. عندما اخترقهما رمح بلاتير بطريقة وحشية جعلت المزيد من دمائهما تنسكب ارضا.

الرمح اخترق ظهر سنو، و دمر كل شيء بطريقه مخترقا فراي هو الآخر بنفس الطريقة.

بلاتير رفع رمحه ببطء، و بالمثل ارتفعت جثث كل من فراي و سنو اللذان ثقبا من خلاله.

"هذه هي النهاية .. لا مزيد من الحيل، و لا مزيد من المفاجآت .. فقط الموت".

بحركة سريعة من يده الحاملة الرمح، هو قذف كل من سنو و فراي بعيدا، تاركا حفرا دموية عملاقة بصدور كليهما.

بهذه البساطة، خسر كلاهما بعدما لم يستطيعا فعل أي شيء أمام الاسقف الذي خرج فائزا بالنهاية.

بلاتير فاز، و الانتصار العظيم الذي حققه للتو لم يكن سوى البداية.

بداية لعهد جديد، و كنيسة جديدة نوى تدشينها، و لم يكن هنالك من بداية افضل.

في تلك اللحظات القليلة من انتصاره العظيم .. وجد بلاتير نفسه يستدير دون وعي منه ناحية اتجاه معين .. نحو تلك الشجرة الذهبية التي توهجت بضوء أعظم بكثير، لدرجة انها بدت و كأنها مصباح انار السماء.

ضوء عظيم ابتلع الجزيرة بكل ما فيها، بما في ذلك بلاتير الذي وقف متجمدا لثواني طويلة، امام ذلك الضوء العظيم.

بعيدا عن ساحة المعركة، بالدقائق القليلة الماضية التي شهدت مطاردة بلاتير لكل من سنو و فراي.

كان هناك فتاة شاهدت النضال الاخير لاولئك الابطال من بعيد.

اوريل بلاتيني، بجسد مشوه بالحروف الدموية و الثقوب التي خلفتها تلك الانابيب .. هي عرجت بصعوبة متمسكة بالحائط على جانبها الايمن .. محاولة بلوغ مكان تستطيع منه رؤية المعركة التي جرت حاليا.

اوريل المبتهجة بالعادة قد اظهرت اليوم وجها متعبا، و متألما .. و مشوها.

اثقلها الذنب و الندم لدرجة انها مزقت وجهها الجميل ذاك باظافرها دون وعي منها، ما ترك وجها دمويا مؤسفا لا يسر الناظرين.

هي ارادت انهاء حياتها، و هذه الفكرة غزت عقلها طيلة الدقائق الاخيرة .. لكنها لم تستطع القيام بذلك .. ليس بعد.

ليس عندما عانى كل من فراي و سنو بسببها .. فهي كانت المسؤولة عن تلك القوة المهولة التي اكتسبها الاسقف.

بشكل غير مباشر، اوريل قتلت الملايين، و ساهمت بهذه الكارثة التي هددت بقتلهم اجمعين.

"هم سيموتون بسببي".

همست اوريل، بالغة حافة ما تبقى من الصرح العظيم الذي تواجد فوقه شجرة العالم.

من ذلك المكان، هي استطاعت رؤية مجريات المعركة من بعيد .. رغم أن تلك لم تكن معركة من الأساس.

فكل ما استطاع القيام به هو الهرب بيأس، بينما طاردهم بلاتير معولا على قتلهم.

عندما رأت اوريل ذلك المشهد من بعيد، هي شعرت بقلبها الممزق يهوي أكثر و أكثر نحو الظلمات.

لطالما تساءلت اوريل، لماذا قاتل فراي بتلك الضراوة بمعركته الأخيرة ضد بلاتير ؟.

هو امتلك اسبابه بكل تأكيد، لكن اوريل تذكرت بشكل خاص ذلك الوعد الذي جعلته يقطعه لها .. عندما طلبت منه أن يهب لإنقاذها عندما يحين الوقت.

و ذلك الوقت قد حان.

فراي لم يقل شيئا بشأن ذلك، لكن من الطريقة التي قاتل بها .. كان من الواضح انه اخذ ذلك الوعد بجدية تامة.

"فقط لو كنت أكثر شجاعة بذلك الوقت .. فقط لو امتلكت من العزم ما يكفي لأظل بجانبه .. لما حدث أي من هذا ..".

اوريل انهارت ببطء غير قادرة على الوقوف لوقت طويل، الطقوس التي استمرت لايام كثيرة قد استنزفتها بالكامل، خصوصا بعدما ساهمت بطقوس التضحية الأخيرة.

عجزها هذا لم يزد من شيء سوى حجب الذنب الذي شعرت به.

هي ندمت على العديد من الاشياء.

ندمت على اخفائها لكل مشاعرها الحقيقية خلف تلك الابتسامة المزيفة التي عاشت بها طيلة حياتها.

و ندمت على جعل فراي ستارلايت يقطع ذلك الوعد لها .. و الاهم من ذلك.

هي ندمت على عدم البقاء معه عندما حان الوقت و استدعتها الكنيسة رفقة يوراشا.

فقد كانت القديسة شيئا مقدسا لدى الكنيسة، فهي تعتبر العذراء التي ترافق البطل دوما.

القديسة تعتبر كيانا مباركا من لورد الضوء نفسه، لذا وجودها ضروري دوما.

لكن و منذ تضحية البطل الأول كازيس فالبيريون، القديسة الأولى اختفت تماما بدون أثر منذ ذلك الوقت، تاركة الكنيسة بدون القديسة الخاصة بها.

قيل انها ماتت بالحرب، و قيل انها هربت و انهيت حياتها بعيدا بمكان منعزل .. كان هنالك الكثير من القيل و القال، لكن الحقيقة لم تعرف ابدا.

الكنيسة لم تعد تملك القديسة، لكنهم و لحسن الحظ امتلكوا دماءها التي خزنت لديهم لوقت طويل.

فدماء القديسة احتوت على كم مهول من القوة المقدسة، و كثيرا ما تم إستعمال تلك الدماء لعلاج الناس.

في النهاية، اصبحت تلك الدماء الجزء الوحيد من القديسة الذي تبقى لديهم، و من أجل الحفاظ على مكانتهم.

بحث الكنيسة عن فتيات عذراوات بشكل مستمر .. فتيات نقيات يملكن تقاربا عاليا مع القوة المقدسة و منحوهن تلك الدماء حاقنين اياها بعروقهن.

هكذا ظهرت مرشحات القديسة، فتيات تم اخذهن من آبائهن و تبنيهن لخدمة الكنيسة.

دماء القديسة الاولى لم تكن كافية، لذلك تم خلطها بمياه الينبوع التي جاءت من شجرة العالم المقدسة، و النتيجة جعلت الكنيسة تحصل على قديسة جديدة بكل مرة.

لكن كل تلك التجارب و القوة الكبيرة قد كانت عبئا كبيرا على اجساد الفتيات بمقابل لم يختبرن اي شيء طوال حياتهن.

حتى لو ظهرت قديسة جديدة بنجاح، جسدها لن يتحمل تلك القوة و لن يستطيع استعمالها بشكل صحيح بالمقام الاول.

لذلك لم تتجاوز أي قديسة الفئة SS+ منذ القديسة الاولى، و تميل معظمهن للموت قبل سن الثلاثين .. فذلك هو الوقت الذي تنهار فيه معظمهن.

و يوراشا كانت الضحية الاخيرة، قبل ان يتم نقل قوتها لاوريل بلاتيني التي قدر لها أن تعاني المصير نفسه.

"كانت يوراشا هي من علمني كيف ابتسم، و كيف اواجه هذا العالم دون اظهار ألمي و معاناتي ..".

اوريل بلاتيني لم تكن سوى فتاة بالسادسة من عمرها عندما تبناها الاسقف بلاتيني، و تم اخذها من والديها اللذان لا تتذكر عنهما اي شيء.

منذ سن السادسة، كان يتم جرح جسدها باستمرار و حفر تلك الرموز الدموية من فوق جلدها.

كما تم حقن الدماء الخاصة بالقديسة الاولى بداخلها، من أجل جعلها قادرة على استخدام القوة المقدسة التي لطالما اعتبرها الكثيرون نعمة.

اوريل عانت سرا، و اختبرت الالم منذ طفولتها، ألم بدون أمل، فجميعهم كن يعلمن أن الموت هو كل ما ينتظرهن.

بعض المرشحات قد امتلكن امانا اعمى يجعلهن يقبلن بهذا المصير، و البعض الآخر كان يعلم أن شيئا خاطئا كان يحدث، لكن لم يكن بيدهن فعل أي شيء.

اوريل بلاتيني عاشت حياتها بالكامل مختبرة ذلك الالم، مدركة انها لا تملك أي طريقة لتنجو بالنهاية.

رغم ذلك، هي امتلكت من قوة ضبط النفس ما جعلها قادرة على الابتسام بوجه العالم اجمع، و استطاعت العيش لبعض الوقت مثل الناس الطبيعيين .. و سنوات المعبد كانت اسعد ذكرياتها.

هناك كونت الكثير من الصداقات، و تمكنت من الابتسام بسعادة حقيقية بدل الابتسامة المزيفة التي عاشت بها .. و بنهاية سنواتها، هي التقت بفراي ستارلايت.

الشاب الغريب الذي ظهر من العدم، و بدا و كأنه يحمل اعباء تجاوزت تلك الخاصة بها.

رؤية معاناته و الطريقة التي قاتل بها جعلت اوريل ترغب بمساعدته، فهي شعرت بانهما متشابهان جدا .. لكن الفرق بينهما كان أن الاول اختار القتال و محاربة المصير الذي قدر له، و الثانية لم تفعل شيئا سوى انتظار الموت بهدوء.

فراي قاتل ضد مصير اسوء بكثير من ذلك الذي لعنت به، و رغم صعوبة طريقه، إلا أنه فاز دوما و لم ينكسر اطلاقا.

رؤيته يناضل بهذه الطريقة منحها بصيصا من الامل.

رأت به القوة التي افتقرت اليها بنفسها، لذلك هي لجأت اليه بالنهاية دون وعي منها، طامعة منه أن ينقذها.

كانت تلك انانية حقيقية منها .. انانية لا تغتفر.

"رغم علمي بمعاناته .. المعاناة التي تتجاوز خاصتي بكثير، إلا أنني تجرأت على جره معي طالبة منه انقاذي".

"اعين اوريل جفت من الدموع، و لم تعد تذرف شيئا بعد الآن".

فراي ستارلايت و سنو ليونهارت .. كلاهما كانا على وشك الموت بسببها.

لو استطاعت التضحية بنفسها لإنقاذهما .. لفعلت دون تردد .. لكنها لم تملك هذه القوة من الأساس.

"يفترض أني القديسة الآن .. لدي قوة اسلافي، و لدي هذه الرموز الدموية الملعونة !" صرخت اوريل، بينما مدت يديها نحو الامام .. تحديدا المكان الذي تواجد به سنو و فراي.

"القوة المقدسة .. الملائكة .. أي شيء ".

سابقا هي استطاعت السيطرة على كل الملائكة الموجودة بهذا الكوكب .. كانت تملك قوة من نوع ما داخل جسدها، في سبيل انقاذهما.

"أرجوك .. أنا اتراجاك، أمنحني القوة لإنقاذهما ".

اوريل نزفت من خلال تلك الحروف، محاولة تفعيلها.

"لورد الضوء .. أسلافي .. أرجوكم امدوني بالقوة ! حتى و لو كان ملاكا واحدا، حتى لو كان شيئا بسيطا .. أي شيء".

اوريل لم تهتم، ما دام قادرة على إنقاذهما، فهي لن تتردد برمي حياتها جانبا.

هي دعت لورد الضوء، و دعت كل اسماء اسلافها القديسات اللواتي تواجدت قوتهن بداخلها.

دعت و دعت باستمرار، لكن دون فائدة.

مهما حاولت، لم يلبي أي أحد النداء.

استمرت المحاولات اليائسة لدقائق معدودة، لكن كل شيء قد انهار، عندما لمحت اعين اوريل ذلك المشهد الذي هدد بكسر روحها.

مشهد عكس ذلك الرمح العظيم الذي اخترق كل من سنو و فراي دفعة واحدة .. مدمرا كلاهما دفعة واحدة، جاعلا اياهما يفقدان الضوء من أعينهما.

لقد انتهى الامر، و لم يعد هنالك من شيء يمكن انقاذه بعد الآن.

"لا ..." خرج صوت اجوف من فم اوريل، بينما انتشر صوت ضحك بلاتير بالجزيرة باكملها بعدما قتل خصومه.

اوريل انهارت بالارض، بينما غمرت اعينها الدموع التي ظنت انها جفت بالفعل.

"لم اقدر على فعل أي شيء .. حتى النهاية، أنا لم افعل أي شيء .. بقيت عاجزة إلى أن خسرت كل شيء".

"أنا من قتلهما .. بهذه اليدين .. انا قتلتهما ".

ارتعشت اذرع اوريل المنقوعة بالدم، محملة نفسها مسؤولية ما حدث.

مدركة لحجم الكارثة التي تسببت بها، و خسارتها لكليهما.

اوريل عولت على انهاء حياتها.

"فراي .. سنو .. الجميع، أنا آسفة ".

اعتذرت اوريل بلاتيني، بينما توهجت الرونية فوق جسدها.

هي ارادت انهاء حياتها، و وضع حد لهذا العذاب الذي اضطرت لتحمله.

لقد خسرت كل من اهتمت لامره يوما، و اقترفت بيديها من الذنب ما لم تستطع تحمله ولا العيش حاملة اياه.

لذلك اختارت الموت ببساطة.

لكن حتى الموت نفسه سلب منها، فهي لم تستطع تفعيل قوتها مطلقا لتقتل نفسها.

مدركة لذلك، اوريل بغضب امسكت برقبتها، ممزقة اياها باظافرها بوحشية محاولة الموت حتى النهاية.

يمكن القول أن الجنون قد نال منها بشكل كامل باخر لحظات حياتها، فالعبئ الذي تحملته كان كبيرا جدا ليتحمله شخص واحد.

هي مزقت رقبتها بشكل مرعب و وحشي، و كادت تنهي حياتها.

لكن ضوءا ذهبيا غريبا قد انبثق بالنهاية مانعا اياها من توجيه الضربة الأخيرة.

ضوء ذهبي عظيم لم يكتفي بايقافها، بل عالج رقبتها المشوهة ببطء مانحا اياها دفئا عجيبا.

"هذه ليست غلطتك ".

رفقة الضوء الذهبي، صوت رقيق و لطيف همس بجانب اذن اوريل، جاعلا إياها تلتفت ناحية الشجرة الذهبية من خلفها.

فإذا بها تتفاجأ برؤية ما لم تتوقع حدوثه مطلقا.

فمن داخل الشجرة، خرجت اورا شديدة النقاء ملتفة حول نفسها، إلى ان تشكلت على هيأة شكل امرأة.

سيدة نبيلة بهالة مقدسة لم ترى لها مثيلا من قبل بحياتها، بشعر اشقر طويل، و وجه جميل لم يبرز منه سوى انفها و فمها الذي عكس ابتسامة لطيفة.

اما اعينها اخفاها بواسطة غطاء اسود طرزت من فوقه رمز ذهبي عكس شيئا ما لم تفهمه اوريل.

هي ارتدت ملابس الراهبات الخاصة بالكنيسة، ما جعل اوريل تدرك بأن تلك السيدة كانت شبيهة بها.

لكن الضغط الصادر منها قد تجاوز حدود الخيال، قوة و ضغط مشابه لذلك الذي ابرزه امثال بلاتير و فراي ستارلايت.

بل لربما تجاوزها.

بضوءها المقدس، تلك السيدة انارت الجزيرة باكملها، جاعلة كل الانظار تتوجه إليها.

قوة مقدسة، و هالة نبيلة .. اوريل لم تتعرف عليها، لكنها استطاعت أن تحزر ما كانت عليه.

"القديسة؟".

تلك لم تكن سوى القديسة الاولى التي اختفت من سجلات التاريخ .. و نسي العالم اجمع وجودها.

2025/09/24 · 229 مشاهدة · 2109 كلمة
Song
نادي الروايات - 2025