الفصل الثاني: بداية النهاية

بعد أن أنزلت رأسي بخشوع وقلت “أنا آسف ” للمرة التاسعة عشرة في ذلك اليوم ، أصبت بدوار ووقعت على الأرض. فقدت الوعي…

حدث هذا أثناء عملي بدوام جزئي في الحديقة. السبب واضح. أي شخص يفقد وعيه أثناء العمل تحت الشمس عند تناول قدر قليل من الطعام.

بعد أن دفعت نفسي للعودة إلى الشقة ، شعرت أن عينيّ ستخرج من جمجمتي ، لذلك قررت الذهاب إلى المستشفى.

أدى الاضطرار إلى ركوب سيارة أجرة لمستشفى الطوارئ إلى توجيه ضربة قاسية لمحفظتي الفارغة. علاوة على ذلك أخبرني مديري أن آخذ إجازة لبعض الوقت.

علمت أنه يجب علي خفض التكاليف ، لكن لم يكن لدي أي فكرة عما يمكنني خفضه أكثر من ذلك.

لم أستطع تذكر آخر مرة أكلت فيها لحوم. لم أقص شعري منذ أربعة أشهر ، ولم أشتري أي ملابس منذ أن معطفاً في الشتاء الماضي. لم أذهب أبدًا لزيارة أي شخص منذ أن دخلت الكلية.

لم أتمكن من الاعتماد على والدي ، لذلك كان علي أن أكسب نقودي بطريقة ما.

اضطررت للتخلي عن الأقراص والكتب مما جعلني أشعر بألم في قلبي. جميعها مشتريات مستعملة تم شراءها بعد تفكير متأني ، لكنها الأشياء الوحيدة في شقتي التي يمكن أن تجلب لي أي أموال، لم يكن لدي حتى جهاز كمبيوتر أو تلفزيون.

قررت على الأقل أن أستمع إلى جميع الأقراص مرة أخرى قبل أن أقول وداعًا. ارتديت سماعات الرأس واستلقيت على حصيرة ، ثم ضغطت على زر التشغيل.

——–

شغلت مروحة ذات ريش زرقاء من متجر الأغراض المستعملة وذهبت إلى المطبخ لشرب كوب من الماء البارد.

كانت أجازتي الأولى من الكلية. لكن لا أحد سيهتم بغيابي حقًا. قد لا يلاحظون حتى أنني أخذت أجازة.

تغيرت الموسيقى وتغيرت ذكرياتي.

في صيف العشرين من عُمري.

سأقتبس كلام بول نيزان ” لن أسمح لأي شخص أن يقول إن هذه هي أفضل سنوات حياتي’

[ المترجم : پول نيزان كاتب و سياسى و مترجم و فيلسوف و روائى و كاتب مقالات من فرنسا ]

” سيحدث لنا خلال الصيف بعد عشر سنوات من الآن شيء جيد، سنشعر في قلوبنا أننا سعداء بمعيشتنا ”

لم يكن كلام هيمينو صحيحاً. على الأقل من ناحيتي لم يحدث شيء جيد ، ولم يكن هناك أي علامات لأشياء جيدة قادمة. تساءلت عما أصبحت عليه هيمينو الآن. لقد غيرت المدرسة في الصف الرابع ، لذا لم نلتقي منذ ذلك الوقت.

لم ينبغي أن يكون الأمر هكذا، ولكن ربما الوضع جيد بطريقة ما. من خلال عدم وجودها في المدرسة الإعدادية والثانوية والكلية ، لم يكن عليها أن ترى تغيري إلى شخص لا فائدة منه مع مرور الوقت.

على الرغم من أنه يمكنك أيضًا التفكير في الأمر من ناحية: إذا ذهب صديق طفولتي إلى نفس المدرسة مثلي ، فربما لم يكن لينتهي بي الأمر هكذا.

عندما كانت بجانبي ، شكل ذلك ضغطًا كبيرًا عليّ. إذا فعلت شيئًا مخجلًا ، فستضحك علي ، وإذا فعلت شيئًا رائعًا ، فإنها ستلعنني.

ربما بسبب هذا التوتر الذي جعلني أشعر به ، كنت أسعى دائمًا لأكون في أفضل حالاتي.

على مدى السنوات القليلة الماضية ، كنت أشعر بالندم باستمرار بسبب ذلك.

في ماذا سيفكر فتى العشر سنوات عندما يرى حياتي الآن؟

بعد قضاء ثلاثة أيام في الاستماع إلى معظم الأقراص الخاصة بي ، قمت بحشو جميع الألبومات باستثناء بعض الألبومات الأساسية في كيس ورقي و ملأت كيس آخر بالكتب ثم ذهبت إلى المدينة.

بدأت أسمع ضجيج في أذني وأنا أسير تحت الشمس. ربما سمعت أزيز حشرات أو ما شابه. لكن شعرت أن الصوت من أذني.

المرة الأولى التي زرت فيها هذه المكتبة كانت الصيف الماضي ، بعد بضعة أشهر من دخول الكلية.

لم أحصل بعد على فهم جيد لجغرافيا المدينة ، لذلك أضعت طريقي واضطررت إلى الاستمرار في التحقق من المكان الذي كنت أسير فيه.

بعد المرور عبر زقاق وصعود بعض السلالم ، وجدت المكتبة. حاولت الذهاب إلى هناك عدة مرات بعد ذلك ، لكنني لم أستطع أن أتذكر مكانها. حتى عندما حاولت البحث عنها. لطالما نسيت اسم المكتبة.

لذا فإن الطريقة التي عمل بها الأمر عادة هي أنه كلما ضللت الطريق ، سينتهي بي الأمر واقفاً أمام المكتبة، تقريبًا الطرق المؤدية إلى المكتبة غيروا أنفسهم باستمرار.

في هذا العام فقط تمكنت من الوصول إلى هناك دون أن أُضِل الطريق.

جذبني الرف الخارجي للمكتبة وواجهة المحل بدافع العادة ، راجعت أرفف الكتب الرخيصة للتأكد من عدم وجود أي شيء مختلف عليها ، ثم دخلت إلى الداخل.

بدا المكان فوضوياً داخل المبنى وتفوح منه رائحة الورق القديم.

تقدم عندما سمعت صوت راديو في الخلف.

مررت عبر ممر ضيق عن طريق إدارة جسدي جانبيًا ثم ناديت على صاحب المكتبة.

بعد ثواني خرج رجل عجوز ذو وجه مجعد من بين أكوام الكتب.

لن يبتسم الرجل العجوز الذي يمتلك هذا المكان لأي شخص على الإطلاق. عادة ما يبقي رأسه منخفضًا وينهي المعاملات بهدوء.

لكن اليوم بدا مختلفًا. عندما أحضرت الكتب لبيعهم، رفع رأسه ونظر في عيني.

بدا أن عيون الرجل بها أثر من الدهشة. حسنًا ، يمكنني تخمين السبب.

الكتب التي أتيت لبيعها من نوع الكتب التي تكمن قيمتها في الاحتفاظ بها للقراءة مرارًا وتكرارًا. يجب أن يكون التخلي عنها صعبًا لـ محبي الكتب.

سألني “هل ستنتقل من هنا أو ما شابه؟” بدا صوته كأنه يشعر بالدهشة.

“لا ، الأمر غير ذلك.”

قال وهو ينظر إلى الكتب المكدسة “حسنًا ، لماذا تفعل شيئًا كهذا؟”

” لا يصلح تناول الورق، ليس مغذياً للغاية “.

بدا أن الرجل العجوز فهم مزحتي. قال : “مشكلة مالية “.

أومأت برأسي عندما شابك ذراعيه معًا كما لو يفكر. ثم عندما حدد رأيه تنهد وقال “سيستغرق التقييم حوالي ثلاثين دقيقة” وأخذ الكتب إلى الخلف.

خرجت ونظرت إلى لوحة إعلانات قديمة في نهاية الطريق. لُصقت ملصقات المهرجان الصيفي ، ومراقبة اليراعات ، ومشاهدة النجوم ، ونادي الكتب.

من الجانب الآخر من السياج ، شممت رائحة البخور الممزوج برائحة الأشجار تذكني بذكريات الماضي .

بعد الإنتهاء من التقييم وأخذ حوالي ثلثي ما كنت أتوقعه ، تحدث الرجل العجوز.

“مهلاً. أريد أن أتحدث معك عن شيء ما “.

“نعم؟”

“أنت تعافر لكي تكسب المال ، صحيح؟”

“ليس الأمر كما لو أن هذا غير واضح ” أجبته بشكل غامض.

أومأ الرجل العجوز برأسه ، ويبدو أنه يفهم.

“حسنًا ، لا يهمني أن أعرف كم أنت فقير ، أو كيف أصبحت فقيرًا. أريد فقط أن أسألك أمراً واحداً “.

توقف الرجل العجوز لثواني.

“هل تريد بيع جزء من عُمرك؟”

جاء ردي متأخراً بعض الشيء وخرجت مجموعة الكلمات غير الطبيعية.

“عُمري؟” سألت مرة أخرى بنية تأكيد ما إذا سمعته بشكل صحيح

“نعم ، عُمرك. لكنني لست من يشتريه، ما أعلمه هو أنها تدفع المال مقابل العمر “.

لا يبدو أن الحرارة جعلت عقلي يتلف.

فكرت للحظة.

لابد أن التقدم في السن أتلف عقل الرجل العجوز – هذا أول استنتاج توصلت إليه. تحدث الرجل العجوز وهو ينظر إلى وجهي.

“لا يمكن أن ألومك على التفكير أنني أمزح. أو التفكير في أن هذا الرجل العجوز تقدم في السن. ولكن إذا كنت تريد التأكد من هرائي ، اذهب وألق نظرة ، سأخبرك بموقع المكان وسترى أنني لا أكذب “.

سمعت شرحه ولكن لم أركز معه كثيراً. باختصار ، هذا ما قاله لي:

في الطابق الرابع من مبنى ليس بعيد جدًا عن هنا ، يوجد مبنى سيشتري عُمرك.

يختلف مقدار ما تبيعه من شخص لآخر ؛ سيزداد المال وفقاً لمدى رفاهية حياتك.

“أنا لا أعرفك ، لكن لا تبدو لي شخصاً سيئاً، وأعتقد أنك تحب الكتب. يجب أن يكون لها بعض القيمة ، صحيح؟ ” تذكرت درس المعلمة في المدرسة الابتدائية ، وفكرت كم بدا كل شيء مألوفًا.

وفقًا له ، إلى جانب العمر يمكنني أيضًا بيع وقتي وصحتي.

سألته “ما الفرق بين العمر والوقت والصحة؟”

“لست متأكدًا من الاختلاف بين العمر والوقت والصحة .”

”لا أعلم التفاصيل. ليس كما لو أني بعت أي شيء لهم. لكن المرضى يمكن أن يعيشوا عقودًا ، ويمكن أن يموت الأشخاص الأصحاء فجأة، ربما هذا هو الفرق “.

رسم الرجل خريطة على مفكرة وكتب لي رقم هاتف.

شكرته وتركت المكتبة.

كنت على يقين من أن “المبنى الذي يشتري العمر ” ليس سوى أحلام الرجل العجوز ليجعل نفسه يشعر بتحسن.

لابد أنه خشي اقتراب الموت وفكر في فكرة القدرة على شراء وبيع العمر والوقت والصحة.

أعني ألن يكون ذلك جيدًا جدًا لدرجة يصعب تصديقها؟

كان توقعي نصف صحيح.

الأمر بالتأكيد رائع جدًا لدرجة يصعب تصديقه.

لكن توقعي كان نصف خطأ.

هناك بالفعل مبنى يشتري العمر.

بعد بيع كتبي ذهبت إلى محل بيع الأقراص.

بدا انعكاس الشمس عن الأسفلت مروعًا ، وقطرات العرق تتساقط على وجهي بسبب شدة الحرارة. كنت عطشانًا ، لكن لم يكن لدي حتى نقود لشراء العصير من آلة البيع. علي أن أتحمل حتى أصل إلى شقتي وأشرب الماء.

على عكس محل بيع الكتب ، وجدت مكيف هواء رائع في محل الأقراص. عندما فتحت الأبواب الأوتوماتيكية وغمرني الهواء البارد ، وجدت نفسي أرغب في التمدد والاستلقاء على الأرض.

أخذت نفسًا عميقًا وتركت الهواء يدغدغ مسام جسدي. شغل المتجر أغنية صيفية شهيرة ، والتي أعتقد أنها كانت لا تزال مشهورة كما كنت في المدرسة الإعدادية.

ذهبت إلى مكان البيع وناديت الشاب أشقر الشعر الذي يتواجد هنا عادةً ثم أشرت إلى الحقيبة الورقية في يدي اليمنى.

نظر لي نظرة شك وتغيرت تعابير وجهه تدريجيًا إلى عبوس. قال “كيف آل بك الوضع للتخلي عن هذه الأقراص؟”

بدا رد فعله نفس رد فعل الرجل العجوز من المكتبة.

سألني الشاب أشقر الشعر “لماذا تريد بيع هذه الأقراص؟” بدا في العشرين من عمره بعيون ضيقة، أرتدى تي شرت فرقة موسيقى الروك وجينز ضيق وحرك أصابعه بعصبية.

على غرار محل بيع الكتب ، شرحت سبب اضطراري إلى بيع أقراصي.

بعد سماع قصتي، صفق بيديه وقال “في هذه الحالة …”

“لدي خبر جيد لك. ربما لا يفترض بي أن أخبرك بذلك ، لكنني أحببت ذوقك في الموسيقى يا صديقي. لكن ليبقى الأمر سراً بيننا، حسناً؟ ”

بدا كلامه وكأنه محتال.

قال الشاب أشقر الشعر: “هناك مكان سيشتري عُمرك في المدينة!”

سألته: “عُمري؟” بالطبع أدركت أن هذا بمثابة إعادة صياغة للمحادثة التي أجريتها سابقًا. لكن علي أن أكرر السؤال.

“نعم ، العمر ” أكد بجدية.

هل باتت السخرية من الفقراء أمراً شائعاً؟ بينما كنت في حيرة عن كيفية الرد ، أوضح بسرعة.

القصة إلى حد كبير نفس قصة الرجل العجوز من المكتبة ، ولكن في حالة هذا الرجل ، يبدو أنه باع بالفعل جزء من عُمره. عندما سألت عن المبلغ الذي حصل عليه ، تهرب من القول “لا يمكنني إخبارك بذلك.”

رسم الشاب أشقر الشعر خريطة وكتبت رقم هاتف. ولا حاجة لذكر أن الخريطة مطابقة لخريطة الرجل العجوز.

قدمت شكري وغادرت المحل.

في اللحظة التي خرجت فيها تحت أشعة الشمس ، ألتصق الهواء الثقيل والساخن ببشرتي.

‘ لهذا اليوم فقط’ قلت لنفسي ،وأدخلت عملة معدنية في آلة بيع قريبة ، وبعد الكثير من التفكير اخترت عصير التفاح. بعد إمساك العلبة الباردة بكلتا يدي لفترة من الوقت ، قمت بسحب العلبة وأخذت وقتي في شربها.

انتشرت حلاوة المشروب البارد المنعش في فمي. لم أشرب أي مشروب ​​منذ فترة ، لذلك تسببت كل رشفة في ارتعاش جسدي.

بمجرد أن أنهيت المشروب ، رميت العلبة الفارغة في سلة المهملات.

أخذت الخرائط التي قدمها الاثنان من جيبي وحدقت فيها، يبدو أن المحل على مسافة قريبة من هنا.

بدا الأمر وكأنني سأذهب إلى هذا المبنى وأبيع عُمري أو وقتي أو صحتي.

بدا تفكيري غبياً جداً.

رفعت عينيّ ورميت الخرائط بعيدًا.

في النهاية وجدت نفسي واقفاً أمام ذلك المبنى.

مبنى قديم والجدران سوداء لدرجة أنه من المستحيل تخيل اللون الأصلي. ربما لم يعد يتذكر المبنى نفسه بعد الآن.

لم يكن واسعًا جدًا – شعرت أنه حُشِر بين المباني على كلا الجانبين.

بالطبع المصعد لا يعمل ، فاضطررت إلى صعود الدرج حتى أصل إلى الطابق الرابع. تعرق جسدي مع كل خطوة أخطوها وتنفست هواءً عفنًا بينما السلم مضاء بأضواء الفلوريسنت الصفراء.

لم أصدق قصة بيع عُمري.

بدلاً من ذلك فكرت في احتمال أن يكون الاثنان يستخدمان هذا الأسلوب للتلميح إلى عمل مُربح لم يتمكنوا من التحدث عنه مباشرة، كما لو يخاطرون بفقدان حياتهم.

لم يكن هناك شيء مكتوب على الباب الذي وجدته في الطابق الرابع. لكن بطريقة ما ، كنت مقتنعا أن هذا هو المكان الذي تحدثوا عنه.

حدقت في مقبض الباب لمدة خمس ثوانٍ دون أن أتنفس ثم أمسكت به ولففته.

مررت من خلال الباب لغرفة نظيفة بشكل لا يمكن تصوره ولا يمكن مقارنته بالمظهر الخارجي للمبنى.

لم أُظهر أي دهشة على وجهي.

في وسط الغرفة صفوف من واجهات المكاتب الفارغة وعلى الجدران أرفف فارغة، لكن بطريقة ما شعرت أن الأمر طبيعي، على الأقل بالنسبة لي. من وجهة نظر أخرى بدت الغرفة غريبة للغاية. مثل محل مجوهرات بدون مجوهرات ، محل نظارات بدون نظارات ، مكتبة بدون كتب.

هذه هي أنواع المقارنات التي فكرت فيها.

لم ألاحظ وجود شخص بجواري حتى صدر صوت.

“مرحبًا بك ”

التفتت إلى مصدر الصوت ورأيت امرأة جالسة ترتدي بدلة. نظرت إلي من وراء نظارات ذات إطار رفيع وكأنها تقيمني بصمت.

فشلت في السؤال “ما هو هذا المكان؟” لأنها سألت قبل أن أفتح فمي: “وقتكَ؟ صحتك؟ أم عُمرك؟ ”

لقد سئمت التفكير في السؤال حينها.

إذا كانت تريد أن تضايقني ، فلتستمر في ذلك.

أجبتها على الفور: “عُمري”.

اعتقد أنني سأترك الأحداث تأخذ مجراها. ما الذي سأخسره في وضعي الحالي؟

بافتراض أن لدي 60 عامًا، فقد قدرت حياتي بقيمة حوالي 600 مليون ين.

لم أكن مغرورًا كما كنت في المدرسة الابتدائية ، لكنني ما زلت متمسكًا بالاعتقاد بأنني أكثر قيمة من الشخص العادي. لذلك اعتقدت أن السنة ستباع مقابل 10 مليون..

حتى في العشرين من عُمري لم أتمكن من الهروب من فكرة أنني “مميز”. هذا الاعتقاد لم يكن مدعومًا بأي شيء. كنت أحاول فقط التمسك بالماضي.

ابتعدت عن الواقع الذي لم يُظهر أي لمحة عن التميز وأخبرت نفسي أنه يومًا ما، يوماً ما سأحقق نجاحًا كبيرًا يمكنه شطب هذه السنوات التي لا قيمة لها كما لو لم تحدث أبدًا.

مع كل عام أتقدم فيه في العمر ، زاد حجم النجاح الذي حلمت به. كلما أصبحت محاصرًا أكثر ، كلما أصبحت أكثر يأسًا لأن تتغير حياتي فجأة.

لكن هذا متوقع. عندما تكون في أسفل القاع فإن التضحية لن تفيدك بأي شيء. حتى إذا علمت أنك أكثر عرضة للفشل ، فلا خيار سوى التقدم للأمام لتحقيق هدفك.

بعد فترة حلمت بالعيش للأبد. اعتقدت أنه ما لم أحقق هذا النجاح الأسطوري الذي سيُعرف اسمي به من قبل الجميع ولن يُنسى أبدًا على مر العصور ، فلن أتمكن من إنقاذ نفسي المميزة.

ربما لكي يتم تصحيح مجرى حياتي ، سأحتاج إلى شخص ما لمرة واحدة يرفضني. مع عدم وجود مكان لأهرب فيه ولا وسيلة لحماية نفسي ، كنت بحاجة للتعرض للضرب حتى أبكي.

بالتفكير في الأمر بهذه الطريقة ، ربما بيع عُمري هو الحل.

عندها لن يتم محي حياتي السابقة فحسب ، بل مستقبلي.

بإلقاء نظرة فاحصة عليها ، بدت المرأة صغيرة جدًا. عندما سمعت صوتها توقعت أن تكون ما بين 18 إلى 24 عامًا. قالت “سيستغرق تقييمكَ حوالي ثلاث ساعات” وبدأت تكتب على لوحة المفاتيح.

اعتقدت أن الأمر سيكون مرهقاً، لكن يبدو أنني لم أضطر حتى إلى إعطاء اسمي. ناهيك عن قيمة شيء لا يمكن الاستغناء عنه مثل عُمر الإنسان الذي لا يمكن معرفته في ثلاث ساعات فقط.

بالطبع هذه القيمة تُحدد بدقة من قبلهم.

غادرت المبنى وتنقلت بلا هدف. بدأت السماء تظلم وساقاي تؤلمانني وكنت جائعاً. رغبت في أخذ قسط من الراحة في مطعم ، لكن لم يكن لدي أموال كافية.

لحسن حظي وجدت علبة سجائر ثمنها مئة ين على مقعد وسط الحديقة. نظرت حولي لكن لم أر أي شخص.

جلست ووضعت العلبة في جيبي ثم ذهبت إلى زقاق. وقفت بجانب كومة من الخردة ثم أشعلت سيجارة وأخذت نفساً عميقاً من الدخان. لقد مر وقت طويل منذ آخر مرة دخنت فيها ، لذلك سعلت لمدة قبل التعود على الأمر.

رميت السيجارة وتوجهت إلى محطة القطار. بدأت أشعر بالجفاف مرة أخرى.

جلست على مقعد في الساحة وراقبت الحِمَام.

جلست امرأة في منتصف العمر بجانبي تطعمهم.

بدت أزياءها صغيرة جدًا بالنسبة لعمرها ، والطريقة التي ترمي بها الطعام بدت فوضوية ؛ ملأني مشاهدتها بشعور لا يمكنني توضيحه.

بينما أراقب الحِمَام ينقرون على الخبز شعرت بكراهية وجوع. لم أكن جائعًا إلى حد كبير ، لكن كنت قريبًا من التمدد على الأرض وتناول الخبز مع الحِمَام.

… تمنيت لو يباع عُمري مقابل الكثير من المال.

كما يفعل معظم الناس عند بيع الأشياء ، حاولت التقليل من تقديري حتى أصل إلى التقييم الفعلي.

فكرت في البداية في 600 مليون ، ولكن لتجنب الاضطرار إلى المساومة للحصول على المزيد ، حاولت أن أتخيل أسوأ سيناريو.

فكرت في 300 مليون. عندما كنت طفلاً اعتقدت أن قيمة حياتي بحوالي 3 مليارات، لذا مقارنة بالثلاثة مليارات من صغري، كان ذلك تقديرًا متواضعًا إلى حد ما.

لكني بالغت في تقدير قيمة حياتي. تذكرت رد هيمينو عن متوسط ​​ راتب الموظف ، من 200 إلى 300 مليون.

رغم ذلك عندما كنت في المدرسة الابتدائية، وسمعت فتاة تصرخ “حياة الإنسان لا تقدر بثمن”. وقتها فكرت ” سأطالب بضريبة عند بيع عُمري! ”

عدت إلى المكان مبكرًا ونمت على أريكة حتى أيقظتني امرأة تنادي اسمي. يبدو أن تقييمي انتهى.

“السيد كوسونوكي” قالت المرأة.

لا أذكر أني أعطيتهم اسمي، أو أي تفاصيل عن هويتي. لكن بطريقة ما علموا بذلك.

لا أظن الأمرَ غريباً، بما أن عملهم ينافي المنطق.

الغريب هو أنه في الوقت الذي عدت فيه إلى المبنى ، كنت على استعداد لتصديق هذه القصة المشبوهة للغاية حول بيع حياتي.

يمكنني أن أقدم عددًا من الأسباب المختلفة لحدوث ذلك ، لكن السبب الأكثر تعقيداً هو تلك المرأة.

ربما يكون من الغريب أن يكون لديك مثل هذا الانطباع عن شخص ما من المرة الأولى التي تقابله فيها. لكن … شعرت أن أي شيء تقوله لا يمكن أن يكون كذبة.

مع عدم وجود أي علاقة بإحساسهم بالعدالة أو المنطق يكره بعض الناس بالخطأ أفراداً صادقين. وهذا هو نوع الانطباع الذي حصلت عليه عنها.

لكن بالنظر إليها ، أدركت أنه ربما لم يكن حدسي صحيحًا.

… دعونا نعود إلى التقييم.

بمجرد أن سمعت كلمة “ثلاثة” من فمها تشبثت بالأمل العميق في قلبي ، اعتقدت للحظة أن وجهي أضاء نوراً من الترقب وتقدير طفولتي بمبلغ 3 مليارات كان صحيحًا.

نظرت المرأة إلى وجهي وبدت محرجة وخدشت خدها بإصبعها السبابة. شعرت أنها لا تستطيع إخباري مباشرة ، نظرت إلى شاشة الكمبيوتر وسرعان ما نقرت على بعض المفاتيح ووضعت ورقة مطبوعة على المنضدة.

“هذه هي نتائج تقييمك. ماذا تريد أن تفعل؟”

في البداية اعتقدت أن الرقم “300.000” المكتوب في الورقة هو قيمة عام واحد.

إن عشتُ ثمانين عامًا ، فسيصير المبلغ 24 مليونًا.

“24 مليون” كررت المبلغ مرارًا وتكرارًا في رأسي.

شعرت أن كل الطاقة تغادر جسدي. ألا يبدو هذا السعر قليلاً جدًا؟

بدأت أشك في المكان مرة أخرى. ربما هذا إعداد لبرنامج تلفزيوني أو كاميرا خفية أو تجربة نفسية. لا ، ربما مجرد مزحة سيئة …

على أي حال علي أن أقبل الأربعة والعشرين مليونًا. هذا وحده تطلب قدراً كبيراً من الشجاعة.

لكن المرأة نظرت لي وأخبرتني الحقيقة القاسية.

“كما هو واضح ، قيمة السنة الخاصة بك هي 10.000 ين وهو الحد الأدنى الذي يمكن للفرد أن يحصل عليه. وبما أنه تبقت ثلاثون عامًا وثلاثة أشهر تعيشُها ، فبإمكانك المغادرة وبحوزتك 300.000 ين “.

ضحكت وقتها ليس لأنني أخذت كلماتها على أنها مزحة ، ولكن لأنني لم أستطع إلا أن أضحك على نفسي عندما رأيت الحقيقة الفظيعة.

كُتب في الورقة نتائجي ، مبلغ صغير أقل من توقعاتي.

“بالطبع هذا لا يشير إلى قيمة عالية” قالت المرأة كما لو تثبت ما كُتب.

قلت لها “أريد أن أعرف المزيد عن معاييركم” مما جعلها تتنهد بإنزعاج. لابد أنها سُئلت هذا السؤال مئات ،بل آلاف المرات.

“يتم إجراء التقييم الدقيق بواسطة هيئة مستقلة ، لذا فأنا لا أعرف التفاصيل. لكن عوامل مثل السعادة والإنجاز والمساهمة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على القيمة. … باختصار يتم تحديد القيمة بناءً قيمة ما تبقى من سنوات عُمرك، كيف لها أن تساهم في إسعاد غيرك، وكم من الأحلام تحققت، ومدى مساهمتها في المجتمع ، وما إلى ذلك. ”

أصابني ذلك بصدمة مرة أخرى.

إذًا أنا لن أكون سعيداً في سنوات حياتي المتبقية فحسب، بل لن أجعل أي شخص سعيد أو أحقق أي أحلام ولن أساهم في المجتمع.

ولكن إذا لم أكن سعيداً و لم أجعل أي شخص سعيداً و لن يتحقق أي حلم من أحلامي و لن أساهم في بناء المجتمع … فأني لي التطلع إلى الخلاص…؟

علاوة على ذلك مُت بعد مرور ثلاثين عامًا. ربما أُصبت أن بمرض خطير أو وقع حادث لي؟

سألتها “لماذا عُمري قصير جدًا؟” معتقداً أنني سأحاول المساومة قليلاً.

قالت المرأة وهي تخفض رأسها قليلاً: “أنا آسف للغاية ، لكني قد لا أفشي أي معلومات أخرى لأي أحد باستثناء العملاء الذين باعوا وقتهم أو صحتهم أو عُمرهم ”

فكرت لبرهة ورفعت حاجباي.

“اسمحي لي أن أفكر قليلاً”

أجابت: “خذ وقتكَ” ولكن من نبرتها بدت وكأنها تريدني أن أتخذ قراري الآن.

في النهاية بعتُ عمري كاملاً ما عدا ثلاثة أشهر.

حياتي التي تمثلت في التنقل بين الوظائف بدوام جزئي ومحل بيع الكتب ومتجر الأقراص قد أشعرتني بقدر من الدفء بداخلي.

بينما طلبت مني المرأة تأكيد كل تفاصيل العقد ، إلا أنني في الغالب ظللت أتحدث عن كل شيء دون تفكير. حتى عندما سألت إذا كان لدي أي أسئلة ، قلت لا.

أردت فقط إنهاء الأمر والخروج من هناك. خارج هذا المبنى. خارج هذه الحياة.

قالت المرأة: “يمكنك إجراء ثلاث معاملات، وهذا يعني أنه يمكنك بيع عُمرك أو صحتك أو وقتكَ مرتين لاحقاً ”

غادرت المبنى مع مبلغ 300.000 ين.

على الرغم من عدم وجود أي إشارة أو أي فكرة عن كيفية حدوث الأمر، إلا أنني شعرت أنني فقدت عُمري. شعرت أن ما يزيد عن 90 في المائة من شيء ما في جسدي قد تركني.

يقولون أن الدجاجة يمكنها الركض لبعض الوقت ورأسها مقطوع، ربما الأمر مشابه، ربما وصفي الآن بجثة سائرة أدق من بشري ينتظر وفاته.

شعرت أني سأموت دون أن أرى أي شخص.

لم أفعل أي شيء لأني توقعت الحياة لـ 80 عاماً، لكن الآن أصبحت الثانية الواحدة أهم من أي وقت مضى.

وفكرت أيضًا دون وعي في حجة ” لا يزال لدي ستين عامًا متبقية”. لكن مع بقاء ثلاثة أشهر فقط هاجمني شعور بداخلي، كما لو علي أن أفعل شيئًا.

ومع ذلك أردت العودة إلى المنزل والنوم. كنت متعبًا من التجول في كل مكان. رغبت في التفكير فيما سيحدث عندما أكون مرتاح البال وأشعر أنني بحالة جيدة.

في طريقي إلى المنزل ، مررت برجل غريب. بدا أنه في أوائل العشرينات من عمره ، وسار بمفرده بابتسامة بدت وكأنها تغطي وجهه بالكامل ، كما لو أنه لا يهتم إلا بنفسه.

لقد استفزتني للغاية.

توقفت عند محل لبيع الخمور في منطقة التسوق واشتريت أربع علب بيرة ، ثم خمس قطع من الدجاج المشوي وظللت آكل أثناء عودتي إلى المنزل. بقيت ثلاثة أشهر. لا جدوى من القلق بشأن المال.

لقد مر وقت طويل منذ أن تناولت الكحول. لقد هدأني ، لكن ربما لم تكن فكرة جيدة.

شعرت بالدوار في وقت قصير وقضيت ثلاثين دقيقة في التقيؤ بمجرد وصولي إلى المنزل.

هذه هي الطريقة التي بدأت بها الأشهر الثلاثة الأخيرة.

بأسوأ طريقة ممكنة.

2024/01/18 · 0 مشاهدة · 3629 كلمة
Mohamed
نادي الروايات - 2025