الفصل الثاني: وجه في المرآة

وقف آدم في الغرفة الكبيرة التي كانت تشبه قطعة من التاريخ الحي، محاطًا بالأثاث الملكي والنقوش الذهبية، يحاول أن يستوعب ما يحدث. شعوره بالارتباك والتوتر ازداد مع كل لحظة تمر. حاول أن يقنع نفسه أن هذا مجرد حلم غريب، لكنه لم يستطع. الأصوات، الروائح، وحتى ملمس الملابس على جسده... كل شيء بدا حقيقيًا للغاية.

"كيف أتيت إلى هنا؟" قال آدم بصوت خافت لنفسه، لكن الصوت الذي خرج من فمه لم يكن صوته. كان صوتًا ناعمًا وهادئًا.

دخلت الخادمة من الباب بهدوء، تنحني باحترام وقالت بابتسامة: "أميرة فيكتوريا، هل تحتاجين اي شئ ؟ لقد بدوتِ شاحبة قليلًا اليوم."

تسمر آدم في مكانه، عيناه متسعتان، ويداه ترتعشان. "أميرة؟! فيكتوريا؟!" تمتم لنفسه، محاولًا أن يفهم. لم يعرف كيف يرد، فاختار الصمت. ابتسمت الخادمة برفق قبل أن تغادر الغرفة، تغلق الباب خلفها بهدوء.

بقي آدم وحيدًا. تقدم ببطء نحو المرآة الكبيرة في زاوية الغرفة. نظر إلى انعكاسه بترقب... وكان ما رآه صادمًا. لم يكن هو. كان وجه فتاة شابة، بشرة ناعمة، عيون واسعة مليئة بالغموض، وشعر بني ينساب بسلاسة على كتفيها. كانت ترتدي فستانًا ملكيًا مزخرفًا بتفاصيل دقيقة وألوان فاخرة.

اقترب أكثر من المرآة، يحدق في انعكاسه. "هذه أنا؟" تساءل بصوت مسموع، لكنه لم يجد إجابة. مرر يده على وجهه ليتأكد. كانت تلك الملامح غريبة لكنها جميلة. وجد نفسه مشدودًا إلى التفاصيل، إلى عينيها العميقتين، وشعرها الأنيق، والفستان الذي بدا وكأنه قطعة فنية.

"من تكونين؟" همس لنفسه، وكأن فيكتوريا في المرآة تسمعه.

فجأة، قطع شروده صوت طرق على الباب. قبل أن يرد، فتح الباب ودخل شخص بهدوء. عندما التفت آدم ليرى من هناك، وقع بصره على شاب وسيم للغاية. كان طويلًا، بشعر داكن مرتب بعناية، وملامح حادة ونظرة هادئة تنم عن ثقة كبيرة. كان يرتدي زيًا ملكيًا يعكس الأناقة والهيبة.

تسمر آدم مكانه، ولم يستطع إبعاد عينيه عن الشاب الذي اقترب بخطوات رصينة. وقف الشاب أمامه وقال بصوت ناعم ومطمئن: "فيكتوريا، هل أنتِ بخير؟ أتمنى أن تكوني سعيدة بوجودك في قصري. هذا المكان الآن هو منزلكِ."

شعر آدم بغصة في حلقه، ولم يعرف كيف يرد. "قصره؟" فكر في نفسه. "ما الذي يحدث؟ من هذا؟"

أخذ الشاب خطوة أقرب، وتابع حديثه بهدوء: "أعلم أن هذا الانتقال قد يكون صعبًا. لكنني أريدكِ أن تعرفي أنكِ هنا في أمان. هذه العلاقة بين مملكتينا هي خطوة نحو السلام."

وقعت الكلمات على مسامع آدم كالصاعقة. العلاقة؟ السلام؟ بدأ يفهم ببطء ما يحدث. "أنا لست فيكتوريا... أنا آدم!" صرخ داخل عقله، لكنه لم يجرؤ على قول ذلك.

نظر إلى الشاب مرة أخرى، محاولًا جمع شتات أفكاره. لاحظ تعبير الشاب الذي بدا محترمًا لكنه ليس مفعمًا بالعاطفة. "من هو هذا الرجل؟" تساءل.

"أنا ألكسندر، كما تعلمين،" قال الشاب بابتسامة هادئة، "خطيبكِ."

اتسعت عينا آدم بدهشة. خطيب؟! لم يستطع تصديق ما يسمعه. كانت الأمور تتعقد أكثر. حاول أن يبدو طبيعيًا، لكنه كان عاجزًا عن قول شيء.

"آمل أن تكوني مرتاحة هنا. إذا كنتِ بحاجة إلى أي شيء، فلا تترددي في إخباري." قال ألكسندر قبل أن ينحني برفق ويغادر الغرفة، تاركًا آدم يغرق في أفكاره.

عندما أغلق الباب خلفه، استدار آدم إلى المرآة مرة أخرى. "فيكتوريا... ألكسندر... قصر... خطوبة؟! ما هذا الجنون؟ كيف سأخرج من هنا؟"

لكنه في أعماقه كان يعرف أن هذا ليس مجرد حلم. كان عالمًا جديدًا تمامًا... وعليه أن يجد طريقة لفهمه قبل أن يفوته

: متاهة القصر

كان آدم لا يزال يحاول استيعاب ما يحدث. فبعد مغادرة الأمير ألكسندر، قرر أنه لا يستطيع البقاء في الغرفة دون أن يعرف أين هو وما الذي حدث له. عليه أن يستكشف هذا العالم الغريب.

توجه نحو باب الغرفة بحذر، وفتحه ببطء. فور خروجه، وجد مجموعة من الخدم مصطفين أمام الباب. انحنوا له باحترام وهم يقولون بصوت موحد: "صباح الخير يا أميرة فيكتوريا."

شعر آدم بالارتباك الشديد، لكنه حاول أن يخفي ذلك بابتسامة صغيرة، على أمل أن يبدو تصرفه طبيعيًا. "ماذا أفعل الآن؟ هل يجب أن أقول شيئًا؟" فكر في نفسه، لكنه اختار أن يصمت ويمضي.

بدأ يتجول في الممرات الطويلة، وعيناه تتنقلان بين التفاصيل الفاخرة للقصر. الجدران مزينة بلوحات ضخمة، الأضواء تنعكس على الثريات الكريستالية، والأرضية مغطاة بسجاد مزخرف بدقة. كان كل شيء يضج بالفخامة والجمال، وكأنه في حلم مستمر.

بينما كان يسير، لم يستطع منع نفسه من النظر إلى السقف المزخرف، إلى التماثيل المنتشرة في الممرات، وإلى النوافذ العالية التي تطل على حدائق شاسعة. كان مشدودًا بجمال القصر لدرجة أنه بدأ يمشي للخلف، مستغرقًا في تأمله... حتى اصطدم بشخص.

استدار بسرعة ليجد الأمير ألكسندر واقفًا أمامه. كان ينظر إليه بعينين مليئتين بالدهشة والفضول.

"ماذا تفعلين هنا، يا فيكتوريا؟" قال ألكسندر بصوت هادئ ولكنه يحمل نبرة استغراب.

شعر آدم بالارتباك الشديد وحاول أن يجد مبررًا سريعًا: "أنا... أنا فقط كنت أتجول. القصر جميل جدًا."

ابتسم ألكسندر قليلاً، لكنه بدا متفحصًا. في داخله كان يشعر أن هناك شيئًا مختلفًا في فيكتوريا اليوم. لم تكن كعادتها. تصرفاتها، كلماتها، وحتى نظرتها بدت مختلفة تمامًا.

"حسنًا،" قال ألكسندر بلطف، "هل ترغبين في اكتشاف المزيد من القصر؟"

رد آدم بسرعة، "نعم، بالطبع!" دون أن يفكر، فقط أراد أن يستغل الفرصة لفهم المزيد عن هذا المكان.

ابتسم ألكسندر، ثم مد يده لآدم. للحظة تردد آدم، لكنه قرر أن يمسك يد الأمير. مشى معه عبر ممرات القصر، حتى وصلا إلى الحديقة الملكية.

عندما دخل الحديقة، توقف آدم في مكانه مذهولًا. كانت الحديقة مبهرة بجمالها؛ الأشجار العالية، الأزهار الملونة التي تملأ المكان برائحة عطرة، والنافورة التي تتوسطها مياهها البراقة تحت أشعة الشمس. كل شيء بدا وكأنه لوحة فنية حية.

نظر آدم إلى الحديقة وقال في نفسه: "لقد رأيت هذا المكان من بعيد... كنت أصوره. لكن الآن، أراه عن قرب... إنه أجمل بكثير مما كنت أعتقد."

بينما كان يحدق في المناظر الخلابة، شعر فجأة بصداع حاد وآلام في رأسه. وضع يده على رأسه وهو يتنفس بصعوبة. كان الألم يزداد قوة، وبدأ يشعر بدوار شديد.

ثم، قبل أن يتمكن من قول شيء، فقد وعيه وسقط على الأرض.

في الأحلام

وجد آدم نفسه في ذكريات قديمة. كان صغيرًا، يلعب على الشاطئ مع عائلته. كان يشعر بالسعادة، يضحك ويمرح مع أبيه وأمه وأخته الصغيرة. كان كل شيء مثاليًا.

لكن فجأة، بدأت أمواج البحر تشتد. شعر بشيء يجذبه نحو الماء. حاول المقاومة، لكنه لم يستطع. كان يغرق، والماء يبتلعه شيئًا فشيئًا.

العودة إلى الواقع

استيقظ آدم ليجد نفسه في الغرفة الملكية مرة أخرى. كان مستلقيًا على السرير، محاطًا بالخدم الذين ينظرون إليه بقلق. بجانبه، كان الأمير ألكسندر جالسًا، وعيناه مليئتان بالقلق.

"هل أنتِ بخير؟" قال ألكسندر بصوت هادئ ولكنه جاد.

نظر آدم حوله، يحاول أن يستوعب ما حدث. ثم همس: "أنا... لا أعلم. فقط شعرت بدوار."

قال ألكسندر: "يبدو أنكِ متعبة. يجب أن تستريحي. لا أريدكِ أن تجهدي نفسك."

بينما كان يتحدث، لم يستطع آدم أن يتجاهل شعورًا غريبًا يراوده. شيء ما في هذا المكان، في هذا القصر، وفي هذا الأمير، كان يحمل أسرارًا أكثر مما يبدو. "عليّ أن أفهم ما يجري. ولكن كيف؟" ذالك !!..

-------

2025/01/16 · 13 مشاهدة · 1077 كلمة
نادي الروايات - 2025