خبروني إذا كان في شيء غير مفهوم.
قراءة ممتعة💞
.
.
.
نادي الروايات~ترجمة: White.Snake
.
.
.
الحلقة 477 الجزء الثانى سلسلة هطول المطر الرمادي 9
.
.
.
الشمس توشك على الغروب.
في أطلال إله الشياطين،
كانت وجوه شياطين عشيرة الشجرة الرمادية، الذين يحرسون المكان، مشدودة للغاية.
قريبًا سيحلّ الليل.
وحين يحلّ، ستبدأ النبوءة.
كانت إحدى القواعد الصارمة في العشيرة أن تُعلَن نبوءة الكاهنة أمام الجميع.
والهدف من ذلك كان، في حال حلت كارثة غير متوقعة، ونجا واحدٌ منهم، وُكّل إليه نقل النبوءة للأجيال القادمة.
سَسَسَسَ~ (صوت حفيف الأوراق)
تراقصت أوراق الأشجار بفعل الرياح.
سَسَسَسَ~ (صوت حفيف الأوراق)
الأشجار الكثيرة التي تحيط بقرية عشيرة الشجرة الرمادية،
والأبراج الخشبية الأربعة التي تحرس أطلال إله الشياطين،
والأشجار المحيطة بها—
كل أوراقها بدأت تهتز بعنف.
"......"
رفع قائد المحاربين نظره - الذي حل محل الكاهنة الفاقدة للوعي مؤقتًا - إلى السماء.
"سيدي القائد، يبدو أن المطر قادم."
رغم أن السماء، وهي تكتسي بلون الغروب الأحمر، كانت صافية،
إلا أن الرياح القوية تنذر بسحب داكنة وأمطار غير عادية.
"... النبؤة تقترب."
أغمض قائد المحاربين عينيه ثم فتحهما، ونهض من مكانه على الفور.
"إنه قادم."
الشخص الذي أُطلق عليه اسم المخلّص من قبل الكاهنة.
كايل هينيتوس.
كان قد وصل لتوّه إلى الساحة الواسعة أمام المركز العلاجي.
"حين أعطي الإشارة، افتح البوابة."
قال قائد المحاربين ذلك لأحد أتباعه، ثم أسرع بالذهاب نحو كايل.
"كايل-نيم، يبدو أن الجميع كانوا بانتظارك."
قال كلوف، الذي كان يدفع كرسي كايل المتحرك،
لكن كايل لم يردّ عليه، وبدلًا من ذلك، التفت إلى قائد المحاربين الذي اقترب منه، وقال له.
"لنبدأ فورًا."
كان وقت الغسق الأحمر قصيراً جداً وعابراً مقارنة بليل الليلة الآتية.
وكان عليه إنهاء التطهير الثاني هنا قبل أن يحلّ الظلام.
"يبدو أن الاستعدادات قد اكتملت."
أخذ كايل ينظر حوله، وكانت نظرته تلتقط أفراد عشيرة الشجرة الرمادية.
كانت الساحة مليئة بالشياطين، وكل واحد منهم قد أعد نفسه للاحتفال، لكن بالطبع ما كان على وجوههم لم يكن حماساً أو فرحاً بالاحتفال، بل فقط قلق وخوف.
"نعم. سنفتحها على الفور."
ألقى قائد المحاربين نظرة حوله مثل كايل، ثم ابتعد عن كايل بوجه عازم.
أومأ كايل إلى الجنرال مول الذي جاء معه.
"......"
وبدوره، أرسل الجنرال مول إشاراته إلى الجهات المحيطة.
"......"
"......"
وخلال لحظات، كانت قوات الإقليم وجنود قصر ملك الشياطين قد طوّقت المركز العلاجي ومحيط عشيرة الشجرة الرمادية.
"همم."
"......!"
أظهر شياطين أفراد العشيرة قلقًا واضحًا عند رؤيتهم لهذا التصرف.
رغم أن كلّ شخص بالغٍ من العشيرة كان رامياً ماهرًا ومحاربًا لا يُشق له غبار، إلا أن مواجهة جيش كامل لا بد ان تجلب شعورًا بالضغط والتوتر.
كان قد طُلب منهم أن يستعدّوا للاحتفال الذي يلي طقوس التطهير،
فحاولوا تجهيز بعض الطعام والزينة على عجلٍ بما يستطيعون،
لكن مع وجود الجنود في كل مكان، لم يكن من الممكن إلا أن يشعروا بالقلق.
"أخي."
في تلك اللحظة، لمح أحد أفراد العشيرة جنديًا كان يتردد على هذا المكان كثيرًا.
"أنت—"
"أخي، سيكون كل شيء على ما يرام."
على عكس مظهره العسكري المسلح، كان وجه الجندي يعكس ابتسامة مليئة بالسلام والطمأنينة.
لم يكن هناك أدنى أثرٍ للخوف على ملامحه.
"هو من سيشفي الجميع."
عندما اتجهت أنظار الشياطين من أفراد العشيرة من حوله إليه، نظر الجندي إلى كايل وحده وقال.
"وستأتي السعادة أيضًا."
كان الجميع يرغب في سؤاله عن معنى كلامه، لكن لم يكن هناك الوقت لذلك.
وبإشارة من قائد المحاربين،
بدأ محاربو عشيرة الشجرة الرمادية في التحرك.
كلنك! (صوت فتح القفل)
باب المركز العلاجي، الذي كان مقفولًا بقفل، في الأيام القليلة الماضية لم يكن يُسمح لأي شخص غير مصرّح له بالدخول أو الخروج، وكان مغلقًا بإحكام بسبب أعمال الترميم، ها هو الآن قد انفتح على مصراعيه.
"!"
رغم أنهم تلقّوا تحذيرًا مسبقًا، إلا أن أفراد العشيرة ابتلعوا ريقهم لا إراديًا عند رؤية المشهد.
لكن المحاربين تحركوا دون تردد.
بل بالأحرى، أسرعوا.
كان لا بد أن يتم كل شيء قبل أن يحل الليل.
وبدأت كل النوافذ في المركز العلاجي، التي كانت قد سُدّت بالأخشاب والألواح المعدنية، تُفتح واحدة تلو الأخرى.
تشلكنغ. (صوت قفل حديدي يُفتح)
كونغ! (صوت سقوط شيء ثقيل)
تودوك— (صوت تفتّت)
كل الأشياء التي كانت تغطي نوافذ الطابقين الأول والثاني على طول الجدار الخارجي للمبنى إما تحطمت أو سقطت أو فُتحت.
كانت العملية سريعة، وكأنها خُطط لها مُسبقًا.
حينها، قال قائد المحاربين لأفراد العشيرة.
"انتقلوا إلى المواقع المحددة لكم."
وفقًا للإرشادات، بدأ الشياطين يملؤون الساحة الواسعة ومحيط المركز العلاجي.
ورغم أن عدد أفراد العشيرة وحدهم لم يكن كافيًا، لكن مع وجود عدد لا بأس به من جيش ملك الشياطين وجيش الإقليم، امتلأ المكان بسرعة بالشياطين حتى ضجّ بهم.
وفي خضمّ تلك الفوضى العابرة...
"همم؟"
توقف أحد أفراد العشيرة، الذي كان يفتح الباب الخلفي للمركز العلاجي، فجأة.
"ماذا كان ذلك؟"
رأى شيئًا يمرّ كلمح البصر بالقرب من قدميه ويدخل إلى المركز العلاجي.
لم يكد يصدق ما رأته عيناه،
ربما بسبب ارتباكه الشديد في تلك اللحظة، ولكن...
"ثعبان؟"
لم يكن قادرًا على تصديق أن ثعبان صغير، شفاف، رفيع كخيط، قد تجاوزه ودخل في غمضة عين.
نظر مباشرة إلى ممر المركز العلاجي،
لكن، لم يكن هناك أي أثر لذلك الثعبان.
"همم..."
"ما الأمر؟"
"لا، لا شيء!"
أقنع المحارب نفسه أنه ربما كان يتوهم.
لكن في الواقع، كان الثعبان صغير جدًا ولأنه كان شفاف، فقد جعل من الصعب ملاحظته.
وسرعان ما امتلأ محيط الباب الخلفي بالشياطين،
مما جعل المحارب يتراجع إلى الوراء.
قطرة...قطرة...
ولهذا لم يرَ المحارب قطرات الماء التي كانت تتجمّع وتتساقط من سقف الممر.
ولم يعرف أن تلك القطرة كانت مالحة.
"تفقد الداخل."
بناءً على أمر كايل، دخل تشوي هان إلى المركز العلاجي.
لكن، في تلك اللحظة، كانت القطرة قد تسرّبت بالفعل في مكان ما في شقوق السقف.
ششش— (صوت الرياح)
تسلّل صوت الريح إلى أرجاء المركز العلاجي المفتوح على مصراعيه.
أتُراه بسبب ذلك الصوت؟
سسسس— (صوت زحف خافت)
الثعبان الشفاف، الرقيق كخيط، زحف نحو جسد أحد المرضى، الراقد بهدوء في الطابق الثاني.
كان شيطانًا تفشّى المرض في جسده حتى بلغ أنفه،
وكان القيح يتساقط من جسده.
سسسس— (صوت زحف خافت)
اقترب الثعبان الشفاف من السائل ولمسه.
وكما حدث حين امتصّ قطرة الماء الرمادية الخاصة بكايل، بدأ جسد الثعبان يتحوّل تدريجيًا إلى اللون الرمادي، تمامًا كلون السائل.
وكبر حجمه قليلًا.
ثم تحرّك من جديد، بهدوء، متجهًا لمغادرة المكان.
لكنّه لم يستطع المغادرة تمامًا.
- أيها الإنسان! سأنقلك الآن!
ووييي~ (صوت هبوب الرياح)
هبّت نسمة رياح خفيفة، وأحاطت بجسد كايل.
ثم ارتفع جسد كايل، الذي كان واقفًا مستندًا إلى عصاه قبل لحظات، في الهواء.
- هل هذا هو المكان الصحيح؟
"همم."
ثم هبط كايل بهدوء فوق سطح المركز العلاجي.
سست— (صوت توقف الزحف)
توقّف الثعبان الخيطي عن الحركة.
سيّد المياه الرمادية...
لقد أدرك أنه فوق رأسه مباشرة.
لم يكن ذلك الثعبان، الذي لا عقل له، يعرف من يكون ذلك السيّد، لكنه كان يدرك، بغريزته، انه يجب أن يتجنب سيّد المياه الرمادية، كما أمره به سيّده.
"……."
من أعلى، كان كايل يحدّق في الأسفل.
بينما كانت جميع الرؤوس مرفوعة والأنظار متجهة نحوه.
تحت قدميه، كان جميع أبواب المركز العلاجي مفتوحة على مصراعيها، مما أتاح للشياطين رؤية ما بداخل الأبواب.
"……."
"……."
لم يستطع أحد منهم التحدث بسهولة.
ظل جيش ملك الشياطين وقوات الاقليم صامتين أمام المنظر المروع للمصابين النائمين.
أما الشياطين من أفراد العشيرة، فقد عجزوا عن الاقتراب من أفراد عائلاتهم وأصدقائهم الذين كانوا داخل المركز العلاجي، فغصّت قلوبهم بالدموع، ولم يستطيعوا سوى كبت غضبهم في صدورهم.
لكنّ خوفهم بدأ في التراجع قليلًا.
لأنهم أيقنوا أن من جاؤوا من أجلهم... هم هناك،
وان من هنا، جاؤوا لإنقاذ من يحبّون.
حين يحلّ الليل، يتحوّلون إلى وحوش...
أفراد عائلتي، إخوتي، أصدقائي، يتحرّكون نحوي ليؤذوني.
كانوا يعلمون هذا جيدًا.
لذلك لم يقتربوا من المركز العلاجي، ولم يجرؤوا حتى على النظر إليه طوال الأيام الماضية.
بالطبع، كان هناك من يرغب في رؤية وجوه أحبائهم ولو لمرة واحدة...
لكن حتى ذلك لم يكن أمرًا يسيرًا.
ولكن اليوم، تمكنوا من رؤيتهم،
وجهاً لوجه، دون أن يهربوا.
"……."
"……."
خيمت مشاعر غريبة في الساحة وحول المركز العلاجي.
خوفٌ ورعب.
سعادةٌ وشوق.
ندمٌ وحزن.
ترقبٌ وحماس.
لحظة اختلطت فيها جميع المشاعر.
شوشوشوش— (صوت يشبه صوت الامواج او الرياح)
سمعوا صوت الريح... ومعها صوت الموج.
رفعوا رؤوسهم.
كانت السماء مضرّجة بلونٍ أحمر، أشدّ حمرةً من أي وقت مضى.
وتحت تلك السماء، وقف رجل ذو شعر أحمر، أشد احمرارًا حتى من لون السماء ذاتها، لون يُذكّر المرء بالدم.
وبالرغم من ان المشهد بدا يُوحي بنذير شؤم للوهلة الأولى، غير أن أصوات الرياح والأمواج المنبعثين من حوله حملت فيهم سكينة غريبة، تبعث الطمأنينة في النفوس.
"آه..."
ثم، من جسده... بدأ الضباب الرمادي يتسرّب.
لون يحمل في طيّاته دفئًا مألوفًا.
وفي لحظة، غمر ذلك الضباب الرمادي السماء، ليحجبها عن أعين الشياطين، ويُخفي لون الدم من الأفق.
"همم..."
"!"
ثم، بأعينهم رأوا، وبآذانهم سمعوا... شيئًا اشتاقت إليه أرواحهم.
ذكريات عزيزة، حملت بين طياتها الفرح والسعادة.
تفتّحت شذرات تلك الذكريات من قلوب الجميع.
"آه..."
"آه..."
تردّدت شهقات خفيفة في الأرجاء.
رأى أحدهم لحظة احتضانه لطفله الراقد داخل المركز العلاجي...
ورأى آخر منظر قريته الهادئة، كما عرفها يومًا، قبل أن يطالها الدمار.
وحتى العبير، عبير تلك اللحظات، تسرّب إلى الأنفاس.
كل شعور جميل ذاقوه ذات يوم، عاد يغمرهم ثانية.
التوتر الذي كان يلفّ أجسادهم بدأ يذوب شيئًا فشيئًا.
والرمادي الدافئ، كغطاء من حرير، غلفهم.
وكل وجهٍ على حدة، تسلّل إليه ذلك الحنين.
سسسس— (صوت زحف خافت)
تسلّل الثعبان الرمادي، هاربًا من الضباب، إلى باطن الأرض.
وفي حين كانت كل الأنظار مشدودة نحو الرجل ذو الشعر القرمزي القاتم، الذي أحاطه الضباب الرمادي،
كان الثعبان قد اختفى بالفعل، متجهًا لتنفيذ ما أُوكل إليه،
دون أن يشعر به أحد...
وربما كان هناك من يمتلك القدرة على إدراك وجود هذا الثعبان الخفي،
لأنه سبق أن رآه من قبل.
"آه، آآه... أمي—"
"همم."
لكن من سبق لهم رؤيته، كانو يقفون هناك مذهولين، وأيديهم وأقدامهم مقيدة.
المتجولان تشوا وريون.
كان تشو يحدّق في الفراغ، مستشعرًا ذكريات طفولته التي نسيها منذ زمن بعيد جدًا.
من بين أطلال ذاكرة تفيض بالبؤس والشدائد،
كان على تشوا أن يغوص عميقًا... عميقًا جدًّا، حتى يستطيع بالكاد أن يلمح شظايا تلك السعادة الباهتة.
لكن الآن، ها هو يستطيع أن يراها من جديد بوضوح…
يسمعها، يراها، يشمّ عبيرها، ويشعر بها كما لو أنها لا تزال حية بين طيّات روحه.
أخذ جسده يرتجف بأكمله.
أما ريون، فلم تكن قادرة حتى على الالتفات إلى حال أخيها، إذ كانت هي الاخرى مأخوذة تمامًا بالمشهد المنبعث من الضباب الرمادي.
في تلك الأثناء، كان تشوي هان، مع ارحابين، مشغولين بمراقبة محيط المركز العلاجي،
يرصدان أي تسلّل محتمل من أتباع الإمبراطور الثالث،
إلى جانب مراقبة الوضع داخل المبنى.
"……"
وكان كايل يتفقد السماء التي يكسوها الشفق، والمصابين داخل المركز العلاجي، منشغلًا بتسريع وتيرة عملية التطهير.
'تبًا.'
رغم أن لون الشفق لا يزال واضحًا، إلا أنه رأى السماء تُظلم من بعيد.
إنها غيوم المطر،
كانت غيوم مطر داكنة تزحف من الأفق، كأنها تسبق الليل ذاته.
'يجب أن أسرع.'
شوشوشوش— (صوت يشبه صوت الامواج او الرياح)
بدأت جزيئات رمادية صغيرة تتصاعد في الهواء.
وبين الغروب وتلك الغيوم الداكنة البعيدة،
بدأ الرمادي يتصاعد فجأة أمام أعين الشياطين جميعًا.
تلألأت أعين الشياطين، كأنهم يرون بصيصًا من الأمل انبثق وسط نبوءةٍ ثقيلةٍ باليأس.
"……."
جاء رون متأخرًا بعد أن كان يتفقد مدينة ميدي، لكن ما إن وصل حتى توقف فجأة.
تك. تك. (صوت خطوات)
اقترب أون وهونغ منه،
ثم فتحت أون فمها بحذر وقالت.
"أعتقد أنني رأيت شيئًا."
"همم؟"
توجهت أنظار رون، هونغ، وراون نحو كايل، الواقف فوق سطح المركز العلاجي.
وعلى الارجح كان راون، كعادته، في وضع التخفي، واقفًا بجانبه أيضًا.
"أظنني رأيت ثعبانًا رماديًّا يخرج من المركز العلاجي ويتغلغل في الأرض."
كانت أون تراقب الضباب الرمادي الذي صنعه كايل بانتباه شديد.
نظرا لأن كايل لم يكلّف أون وهونغ بأي مهام خاصة، قررت أون مراقبة كل ما يجري بعناية وتركيز، من فوق شجرة تُطل بوضوح على المركز العلاجي.
'الضباب.'
ضباب رمادي مليء بالفوضى.
أسر هذا الضباب نظر أون.
لم يكن مجرد ضباب عادي.
كان ضبابًا مميزاً يذكّر المرء بذكريات ثمينة، كان له وقعٌ خاص.
كانت أون ترغب في إطلاق ذلك الضباب بنفسها، لذا اختارت أن تراقبه أولًا.
لذلك خرجت عمدًا مع هونغ إلى خارج نطاق الضباب لتراقب ما يحدث.
وبفضل ذلك، رأت شيئًا يسقط من النافذة متجنبًا الضباب.
كان ذلك الشيء ثعبانًا.
و،
"كان ماءً."
تحول الثعبان إلى سائل يشبه الماء، وتسرب بهدوء إلى الأرض.
كانت أون قد تعلّمت من رون ألا تفوّت ولو أدقّ التفاصيل.
أن تراقب كل ما يحيط بها بعين حذرة ويقظة،
فكلّما كنتَ أضعف، ازداد وجوب أن تكون أكثر حذرًا.
وإن رغبتَ في أن تمدّ يد العون لرفاقك، فعليك أن تبذل كل ما بوسعك.
كلّ ما علّمه إيّاها رون، كانت أون تردّده في نفسها مرارًا، وتحرص على تطبيقه دائمًا.
"ماء، إذًا—"
فتح رون فمه، منصتًا إلى المعلومات التي أعطته إياها أون.
"هونغ."
"نعم!"
نظر هونغ إلى رون بوجه مليء بالجدية.
"سأذهب أنا وأون للبحث عن ذلك الثعبان المائي."
ثم أضافت اون.
"لقد رأيت الاتجاه الذي تسرب فيه الماء."
قال رون لهونغ.
"بمجرّد أن تنتهي طقوس السيّد الشاب، قوم بإبلاغ المعلومات التي سمعتها الآن."
لم يكن من المسموح قطع الطقوس تحت أي ظرف.
"فهمتُ! فقط اتركوا الأمر لي!"
ردّ هونغ بحماسة وهو ينظر إلى شقيقته أون،
التي كانت قد أنهت استعدادها بالفعل وأومأت له بخفة.
وفيما تبادل الأخوان نظرة صامتة تحمل تحية قصيرة،
تقابلت عينا رون مع شخصٍ ما،
كان تشوي هان.
تحرّك كل من أون ورون على الفور باتجاه النقطة التي تسرب فيها الماء إلى باطن الأرض.
"ما الأمر؟"
وعندما اقترب تشوي هان وسأل.
"رأت ثعبانًا مائيًا."
كان ذلك الجواب من رون أكثر من كافي.
"الاتجاه نحو مدينة ميـدي، لكنه تسرب إلى باطن الأرض، لا يمكننا معرفة إلى أين ذهب الثعبان المائي بالضبط."
ثعبان مائي.
تصلب وجه تشوي هان فور أن خطر بباله الإمبراطور الثالث.
"...سأتوجه أنا إلى مدينة ميكا."
أنهى تشوي هان كلماته، ثم انطلق في الاتجاه المعاكس عن أون ورون.
وفيما كانت أون تركض، رفعت رأسها ونظرت إلى السماء...
سحب رمادية داكنة، كثيفة، غطّت الشفق، وبدأت تزحف لتغطي السماء شيئًا فشيئًا.
دُرْدُشْ دُرْدُشْ. (صوت قطرات المطر)
ومن السحب التي لم تصل بعد إلى موقع الآثار، بدأت تتساقط بعض قطرات المطر القليلة.
فأسرعت أون في خطواتها أكثر.
"أون."
في تلك اللحظة، سمعت صوت رون.
"كلّما كنتِ في عجلة، كان عليك أن تكوني أكثر هدوءًا."
كان ذلك درسًا آخر جديدًا.
في اللحظة التي غلفت فيها لمعة غريبة عيني أون،
سمعت من خلفها صوت الريح.
شوشوشوش— (صوت يشبه صوت الامواج او الرياح)
صوت ريح منعشة ونقية.
ومن خلال تلك الريح، سمعت أون صوت كايل بشكل خافت.
"—فَلْنَعُدْ إِلَى هَيْئَتِنَا الأَصْلِيَّةِ."
ومرة أخرى، انبعث سيلٌ من درب التبانة الرمادية من جسد كايل، وأمتد ليغمر المركز العلاجي بأكمله.
كانت الأبواب والنوافذ مفتوحة على مصراعيها،
ومن خلالها، كان بأمكان الشياطين رؤية جيرانهم ومعارفهم وعائلاتهم وهم يطفون في الهواء تاركين أجسادهم تنجذب نحو درب التبانة الرمادي.
قطرة... قطرة...
قطرة. قطرة...
كانت قطرات الماء الرمادي تتساقط واحدة تلو الأخرى.
"آه."
حتى عيون الشياطين الذين كانو يراقبون المشهد... سالت منها قطرات من الماء.
كان جسد الطفل يُطهَّر بالكامل.
"أخي، ألم أقل لك ألا تشعر بالقلق؟"
قال جندي من قوات الإقليم بابتسامة خفيفة، بينما كانت نظراته صافية وواضحة.
"هذا صحيح. لا داعي للقلق فعلًا."
رغم أن نبوءة الكاهنة الأخيرة بدت وكأنها تنذر باليأس، لكن الآن، أمام أعيننا، وقعت معجزة على يد من وصفته الكاهنه بـالمخلّص.
ألقى الشيطان نظرة على من حوله.
لم يظهر في أعين الجنود، سواء كانوا من جيش ملك الشياطين أو من قوت الاقليم، أي الخوف لا من قدوم الليل ولا من الغيوم الداكنة.
فقط السعادة والفرح...
أولئك الذين احتفظوا بتلك الذكريات الثمينة في قلوبهم، لم ينسوا تلك المشاعر بعد.
حتى أنهم تناولوا وجبةً دسمة.
كانوا مليئين بالقوة البدنية والنفسية أكثر من أي وقت مضى.
كان لديهم ما يكفي من القوة لتحمّل هذا الليل الذي يوشك أن يحلّ.
والأهم من كل ذلك—
"عشيرة الشجرة الرمادية تُطلق عليه لقب المُخلِّص، أليس كذلك؟"
"أجل."
هذا الشخص الذي يُطلق عليه اسم المُخلِّص قرر أن يُجري طقوس التطهير طوال الليل.
فممّ سنخاف إذًا؟
دُرْدُشْ دُرْدُشْ. (صوت قطرات المطر)
"هاه؟"
"هممم؟"
الشياطين الذين أحاطوا بالمركز العلاجي، سرعان ما بدأوا يتلقّون قطرات المطر المتساقطة من السحب التي غطّت الشفق.
لكنهم لم يتزحزحوا من أماكنهم، واكتفوا بالتحديق في تلك القطرات والابتسام،
لأن هذا المطر لم يشعرهم بالبرودة على الإطلاق.
دُرْدُشْ دُرْدُشْ. دُرْدُشْ دُرْدُشْ. (صوت متتالٍ لقطرات المطر)
وحتى كايل كان يتلقى هذه القطرات.
- الذراع تقريبًا تم تطهيرها بالكامل. لم يتبقَّ إلا الأكتاف والجزء العلوي من جسدي!
شرح سوبر روك الوضع بسرعة. [*هوا مو كأن ذي مهمة العجوز الباكي؟ ليش انت اللي عم تشرح؟؟]
- إنه خانق. أريد شيئًا منعشًا.
وفي اللحظة التي عبّرت فيها الكاهنة الشرهة عن رغبتها في شيء منعش—
"..."
شعر كايل أن القطرات التي لامست بشرته، والتي عادت من اللون الرمادي إلى لونها الشاحب، كانت باردة على نحو خاص.
وسرت قشعريرة في كامل جسده—
لا، بل تحديدًا شعر ببرودةٍ غريبة عند مؤخرة رأسه.
"ثعبان مائي رمادي اللون، قلت؟"
"نعم، كذلك!"
كان هونغ قد صعد إلى السطح ليُبلّغ كايل، الذي أنهى للتوّ الطقوس.
"اللعنة..."
تشوهت زوايا عيني كايل.
ثعبان مائي رمادي.
لم يكن مجرد ثعبان مائي عادي.
الرمادي—
هو إمّا تطهير أو تلوّث.
كان لا يعني إلا أحد هذين الأمرين.
وكان كايل متأكداً أنه تلوث. [*عارف حظه هههخ]
- كايل، إن انفجر ذلك الثعبان—!
كان يعرف أن العدوى تنتقل عبر اللعاب، أو القيح، أو السوائل الأخرى.
وإن كان ذلك الثعبان المائي حقًا من مياه بحر الإمبراطور الثالث...
"سأجنّ حقًا!"
الآن، فهم كايل ما هو المتغير الذي قد يقود إلى تحقق نبوءة الكاهنة.
"راون! انقل هذا إلى رون، وأون، وتشوي هان! "
هناك أمر أهم من كل شيء آخر—
"حتى لو عثرتم على الثعبان المائي، لا تلمسوه أبدًا!"
لا يمكنه أبدًا تحمل رؤية رفاقه يُصابون بالعدوى.
و،
"الجنرال مول! بلّغ المدينة أيضًا! أخبِرهم أن يبتعدوا عن الثعبان المائي الرمادي، وعن المياه الرمادية!"
وبعد أن أوصل الرسالة إلى الجنرال، انطلق كايل فورًا نحو مدينة ميدي.
شووووووووو—— (صوت هطول المطر بقوة)
كانت زخّات المطر تزداد شدة لحظةً بعد أخرى.
ومع انقضاء الغروب ومجيء الليل، أظلمت السماء تمامًا بسحب المطر المظلمة الكثيفة.
'اللعنة!'
لماذا، من بين كل اللحظات، جاء هذا المطر مع ظهور الثعبان المائي الرمادي؟
كان كل شيء يقول لـ كايل إن هذه الليلة لن تكون سهلة على الإطلاق.
.
.
.
نادي الروايات~ترجمة: White.Snake