✦ الفصل الأول: نهايات... وبدايات
"غريبٌ أن تُولد مرتين... والأغرب، أن تتمنى لو أن الموت لم يُمهلك فرصة أخرى."
السماء كانت رمادية، ممزوجة برائحة المطر والدخان والوداع. لم يشعر بشيء حين توقفت دقات قلبه... لا ألم، لا ندم، فقط فراغ يشبه النهاية التي طالما سخر منها. اسمه كان عاديًّا، حياته أكثر من عادية، مجرد شاب يعاني من خيبات الحياة وسخرية القدر. الشوارع التي عبرها، الأحلام التي بناها، كلها تحوّلت إلى ذكريات باهتة بلحظة خاطفة. حادث سيارة؟ مرض مفاجئ؟ لا يهم... ما يهم أنه مات.
ثم... الظلام.
لكن لم يكن ظلامًا أبديًّا كما تخيله دومًا. كان هناك شيء آخر... صوت، مجرد همسات بعيدة... أنظمة تعمل، حسابات تُجرى: “التناسخ قيد التفعيل”، “مسار الروح: غير تقليدي”، “بسبب تأخر التفعيل، سيُمنح تعويض لاحقًا”...
هاااه... تعويض؟! ماذا يحدث؟؟َ!
ثم سُمع صوت آخر، رقيق، وشعر كما لو أن روحه تنجذب إليه. كان يقول:
"عِش هذه المرة كاملًا... لا تنسَ هدفك... سأكون دائمًا معك، كما كنتُ وسأكون... واعلم أن النظام دائمًا يتذكر."
... تكونين معي دائمًا؟! أي نظام؟!
ثم...
صرخة طفل.
فتحتُ عينَيّ للمرة الأولى من جديد. الضوء أعمى بصري، والهواء بارد غريب... أصوات كثيرة حولي: بكاء، تنفّس ثقيل، لم أفهم شيئًا... فقط رأيت وجهًا يتشكّل شيئًا فشيئًا أمامي. امرأة شابة، عيناها دامعتان، وجنتاها محمرّتان من المجهود، لكنها جميلة، دافئة بطريقة عجيبة.
ثم قالت بصوت خافت ومحب: "مرحبًا بك في هذا العالم، صغيري... كاين."
كاين؟ كاين؟ أهو اسمي؟ يبدو... لطيفًا نوعًا ما.
لكن مهلًا... وجهها... اسمها... صدى صوتها حين ناداها الطبيب منذ قليل: “رينيه، تنفّسي ببطء!”
رينيه؟ ذلك الاسم مألوف جدًّا...
في البداية، لم أكن متأكدًا من شيء. أنا طفل، رضيع. لا أستطيع حتى التحكم بجفوني، ناهيك عن لسان أو عضلات. لكن بداخلي... كان هناك وعي، ذكريات، شخص بالغ يتحرك في عقل صغير عاجز.
كنت أظن أنني انتقلت إلى عالم خيالي، أو عالم مختلف جذريًّا عن عالمي القديم، لكن... لا شيء هنا غريب. لا سماء بنفسجية، لا تنانين، لا أبراج سحرية... كل شيء يشبه عالمنا.
إلى أن سمعتُ اسمها. رينيه... رينيه. سوان؟
قلبي -إن جاز تسميته كذلك في هذا الجسد الصغير- كاد يتوقف. لقد كنت من عشاق سلسلة
Twilight
لا... لا يمكنني التأكّد بعد.
لكن كل يوم يمر، كانت الشكوك تتحول إلى يقين بطيء. رجل في منتصف العمر... شعره بني خفيف، وعيناه تشبهان عيني أمي. كنت أراقبه بصمت، رغم أنه نادرًا ما يتحدث. قالوا إنه أبي. هل يمكن أن يكون... تشارلي؟ تشارلي سوان؟
كان من الصعب الجزم، خاصة أنني لا أستطيع حتى الزحف، لكن شيئًا فشيئًا، بدأت الأسماء تتراكم، التفاصيل الصغيرة تتّضح. تأكدت... لقد كان حقًّا تشارلي! أنا في عالم توايلايت. وكانت هذه... مشكلة.
مرّت السنوات، بطيئة، ثقيلة. كبرت... أو بالأحرى، جسدي كبر. أما أنا، فقد كنت حبيسًا فيه. طفل بذكريات شاب ميت... أو بالأحرى، ضباب ذكريات لا أستطيع تذكّر كيف متّ، وكلّما حاولت التذكّر، جاءني ذلك الألم اللعين ليمنعني. لكن يمكنني تذكّر باقي التفاصيل الأخرى بشكل طبيعي. كنت رجلًا في الثلاثينات، أعزب، أعمل كمهندس برمجيات. قالوا عني إنني ناجح... ناجح لدرجة أنني تُوّجت بجائزة نوبل عام 2050. يمكن القول إنني كنت عبقريًّا لعينًا. ومع ذلك، كان اسمي كاين أيضًا. وهذا... غريب نوعًا ما. لكن كل هذا من الماضي. يجب أن أركّز في حاضري. عالم
Twilight
كنت كبقيّة أطفال هذا العالم "الطبيعيين" على الأقل. لا شيء خاص بي. لا قوى، لا أنياب، لا تحوّل غامض. فقط جسد بشري... هشّ، وضعيف.
وكل يوم... كنت أنتظر. أين النظام؟ أين فرصتي؟ أين تعويضي؟ ألم يُقال إن شيئًا سيظهر؟ متى؟
لقد كان الانتظار عذابًا صامتًا. كل لحظة تمر كانت تثقلني أكثر. كنت أعيش حياة مزدوجة: طفلًا في نظر الناس، ورجلًا يترقّب ضوءًا وعده القدر ذات موت. أصبحت أستيقظ وأخلد إلى النوم على أمل سماع ذلك الصوت... صوت النظام. لكن لا شيء. سنوات طويلة، وأنا أُقنع نفسي بأن التفعيل لم يُنسَ، فقط... تأخّر.
على الرغم من هذا، كان مظهري في جسدي الجديد جذّابًا للغاية. شعر أسود كسواد الليل، مع خصلة زرقاء واحدة منذ ولادتي، وعينان زرقاوان كالبحر، ووجه لطيف، وجسد شبه مثالي. طولي 1.80 م، ووزني 75 كغ.
اليوم: الخامس من سبتمبر.
لقد عشت حياة طبيعية حتى الآن. لا نظام، لا غش... وأيضًا، لا مصاصي دماء. وهذا، في حد ذاته، أمر جيد… إلى حدٍّ ما.
علاقتي بعائلتي الجديدة في هذا العالم كانت… طبيعية إلى حدٍّ ما. بعد انفصال والدينا، بقيتُ أنا مع والدي، "تشارلي"، هنا في فوركس، البلدة الصغيرة التي تغفو تحت المطر وتستيقظ على الضباب. أما بيلا، فقد نشأت مع والدتنا، "رينيه"، في فينيكس المشمسة.
لم نكن قريبين… لا بسبب كراهية أو خلاف، بل فقط لأن الحياة أخذت كلًّا منا في طريق مختلف. نلتقي أحيانًا، نتحدث قليلًا، ثم تعود كلّ الأمور إلى صمتها المعتاد.
ثم، قررت بيلا العودة لتعيش معنا. لكنني أعلم أنها لم تفعل ذلك عن رغبة حقيقية… زوج أمها، "فيل"، لاعب البيسبول، بات يسافر كثيرًا، وتنقلاته جعلت من الصعب عليها أن تظل معه ومع والدتنا في استقرار. لذلك، ولأجل راحة والدتها، قررت بيلا العودة إلى فوركس.
هذه المرة، وعلى غير ما حدث في القصة الأصلية… انتقلت في بداية الفصل الدراسي، لا في منتصفه. وكأن القدر يمنحنا بداية متكاملة، لا مجرد محاولة للانضمام متأخرة إلى حياة لم تعد كما كانت.
لم يكن الأمر سهلًا عليها. الانتقال من مدينة دافئة إلى بلدة رمادية لا تعرفها منذ الطفولة، بيت لم تألفه، وأخ بالكاد تعرفه.
أما أنا؟ فأنا كاين… في السابعة عشرة من عمري. اليوم تبدأ المدرسة الثانوية من جديد.
قالت لي أمي ذات مرة: "كل بداية جديدة هي فرصة، حتى لو لم تبدُ كذلك." لكن... هل أؤمن بذلك؟ أم أنني فقط أكرر كلماتها كي أواسي نفسي... في عالم لا ينتمي لي؟
وقبل أن أخطو تلك الخطوة الأولى إلى مصيري... حدث شيء. توقف الهواء. وتوقّف الزمن ذاته.
رأيت الناس يتباطؤون كأنهم في لقطة سينمائية. العصافير توقّفت في الجو. أصوات السيارات اختفت. نبضي نفسه صار صامتًا.
ثم...
[دينغ!] [نظام التطور – التفعيل المتأخر]
🌀 نهاية الفصل الأول
✦ الفصل التالي:
"فتح البوابة... واستقبال الهبة"