الفصل المئة وثمانية وسبعون: أساسٌ منبثقٌ من الذات

____________________________________________

[عادت السماء الصافية للظهور، وظلت الأرض الشاسعة راسخة كما كانت]

[تقدم أفراد قبيلة تشي مان وأحاطوا بالعنقاء السوداء من كل جانب]

["أيتها الكاهنة العظمى، ماذا حدث قبل قليل؟"]

["لقد كان المشهد مرعبًا، هل غضبت روح تشي مان العظمى؟"]

["أم أنها أنزلت وحيًا سماويًا؟"]

[أحاط رجال القبيلة بالعنقاء السوداء، يمطرونها بالأسئلة دون توقف]

[فهم لم يشهدوا قط رؤيا مرعبة كهذه]

[قالت العنقاء السوداء بنبرة هادئة: "لم تمنحني روح تشي مان العظمى أي استجابة روحية."]

[تملّك الهلع رجال القبيلة أكثر، ففي عالمهم، كل ما هو مجهول يجب أن يكون له صلة بروحهم العظمى، وإلا فهو نذير شؤم]

[عادت الضجة تملأ الساحة أمام الكوخ الحجري، وتناقل الناس بينهم شتى التكهنات]

[وبينما كان النقاش محتدمًا بين أفراد القبيلة، انفتح باب الكوخ الحجري خلف العنقاء السوداء محدثًا صريرًا خافتًا]

[التفتت العنقاء السوداء إلى الوراء]

[خرجت من الباب وقد اعتلى الهدوء محياك]

[في اللحظة التي وقعت فيها عيناها عليك، خفق قلب العنقاء السوداء بقوة، وشعرت لوهلة وكأنها ترى روح تشي مان العظمى متجسدة أمامها]

كانت طاقتك الروحية كامنة في أعماقك، كمحيط شاسع يبدو سطحه هادئًا، بينما يختبئ في قاعه طاقة مرعبة لا حدود لها. وبدأت هالة السماء والأرض تتجه نحوك خلسة، وكأنك مركز الكون.

نظرت العنقاء السوداء إليك بدهشة بالغة، وقد ارتسمت على وجهها تعابير حقيقية للمرة الأولى. توقف جميع أفراد القبيلة عن نقاشهم، والتفتوا نحوك بشكل غريزي.

ساد الصمت التام، وراح الجميع يحدقون فيك بذهول. لم يطرأ عليك تغيير يُذكر، لكنك بدوت مختلفًا تمامًا في الوقت ذاته. كنت تقف بهدوء عند مدخل الكوخ الحجري، وببساطة متناهية، أصبحت محور هذا الكون الفسيح.

نظرت نحو العنقاء السوداء، وقلت بصوتٍ صافٍ: "يا عنقاء، أما آن لكِ أن تحيّي السلف المؤسس!"

ظهرت علامات الحيرة على ملامح وجهها الجامدة، وسألت: "مؤسس؟ هل كانت الرؤيا التي شهدناها بسببك؟"

ترددت نظراتك للحظة قبل أن تجيب: "أية رؤيا؟ كل ما أذكره أنني غفوت قليلًا واستيقظت على هذه الحال."

"لقد كانت غفوة طويلة جدًا."

"كم نمت؟"

"عامين."

اتسعت عيناك قليلًا من الدهشة، وعلّقت قائلًا: "يا للدهشة، لم أكن أعلم أنني أستطيع النوم لهذه الدرجة، لقد تجاوزت مدة السبات الشتوي."

ثم ألقيت نظرة على الحشد المتجمهر حولك وسألت: "هل أنتم مجتمعون هنا لعقد مؤتمر ما؟"

أشارت العنقاء السوداء للقبيلة بالانصراف، فبدأ الجمع يتفرق ببطء، ولم يستطع الكثيرون منهم منع أنفسهم من النظر إليك مرة أخرى، وقد علت أعينهم نظرة مهيبة لم يدركوا هم أنفسهم مصدرها.

في ذلك اليوم، ارتقيت رسميًا إلى المرحلة المبكرة من عالم تأسيس القاعدة، بعد أن أتممت بنجاح عملية تأسيس قاعدتك الخاصة المنبثقة من ذاتك. في لحظة الارتقاء، اهتز مصدر الأرض وجوهر الداو للحياة والموت داخل جسدك معًا، وكأنهما يهللان احتفالًا بإنجازك.

لقد نجحت في شق طريق لم يسبقك إليه أحد، ونلت استحسان السماء والأرض، فنشأت بينك وبين عالم يوان يانغ صلة خفية ودقيقة. في تلك اللحظة، وفي أعماق وعيك، وقفت شامخًا وحيدًا فوق السماوات العلى.

امتد تحت قدميك دربٌ مجيدٌ يخترق السماوات، وتدافعت على جانبيه السحب والضباب بعنف، وامتلأت السماء بوهج ذهبي، بينما ترددت في أذنيك أنغام سماوية عذبة لا تنقطع. لكن هذا الدرب كان ضبابيًا وغير واضح المعالم، يتلاشى تدريجيًا في الفراغ، إذ لم يكن قد تجسد بالكامل بعد.

كنت تقف عند نقطة البداية، وتنظر إلى نهايته البعيدة، لقد كان ذلك هو النموذج الأولي للداو الخاص بك. كان دربك يتمحور حول الذات والوجود، وهو أمر لم تستوعبه بالكامل بعد، لكنك كنت تعلم يقينًا أنه في اللحظة التي ستصل فيها إلى نهاية هذا الدرب، سيكتمل الداو الخاص بك تمامًا.

صارت حركاتك، مهما كانت بسيطة، تحمل في طياتها لمسة من التناغم مع نواميس السماء.

"لمَ تواصل رفع يديك وركل ساقيك هكذا؟" سألت العنقاء السوداء.

"لأن هذا يمنح المرء إحساسًا بالتناغم مع نواميس السماء."

"ومن أخبرك بذلك؟"

"لقد استنتجت ذلك بنفسي."

حدقت فيك العنقاء السوداء بملامحها الباردة، وصمتت طويلًا ولم تنبس ببنت شفة.

بعد فترة طويلة، نطقت العنقاء السوداء أخيرًا: "لقد عاد الناب الدموي اليوم، وقد انتهى من صنع نصلك."

"ولماذا عاد اليوم فقط؟"

"لقد أخبرته أنك ستعود لأخذه بعد شهر، لكنك لم تظهر، فعاد بمفرده."

"أليست رحلة العودة تستغرق نصف شهر فقط؟"

"في طريق عودته، اعترضه ملك النمور ذو العينين القرمزيتين، وهو وحش في المرحلة المتأخرة من عالم تأسيس القاعدة. ظل النمر يطارده لعامين كاملين، ولم أنقذه إلا اليوم."

"عامان من المطاردة؟ ما حجم هذه الضغينة؟ لا أفهم."

"لقد سرق الناب الدموي صغير ملك النمور الوحيد في الماضي."

"الآن يمكنني أن أتفهم مشاعر الأخ النمر."

توجهت بصحبة العنقاء السوداء إلى منزل الناب الدموي، الذي كان جسده مغطى بجروح مروعة، وعلى ظهره أثر لمخالب نمر غائرة كادت أن تشطره نصفين. كانت زوجته تضع على جراحه مختلف الأعشاب الطبية لتضميدها.

تأثرت قليلًا حين رأيت مدى خطورة إصاباته، ولكن ما إن لمحك الناب الدموي تدخل، حتى نهض واقفًا كالبرج الشاهق.

"هذا هو نصلك!"

مد الناب الدموي يده نحوك وقدّم لك نصلًا فضيًا طويلًا، كان رشيقًا كشعاع من ضوء جليدي متكثف، وتصميمه انسيابي يخلو من أي انحناءات زائدة. كان حده يلمع ببريق أبيض خافت، وحدّته الخفية ترتعش في الهواء برفق.

صُنع هذا النصل من فضة الروح البيضاء، وهي إحدى المعادن السماوية الثلاثة النادرة، ومُزج مع أكثر من عشرة أنواع من المواد الثمينة الأخرى، مما جعله يتفوق على نصل إيقاظ الروح بمراحل عدة.

"يا له من نصل رائع!" هتفت وأنت تمسك به. سيصبح هذا النصل أداتك الروحية المصيرية، وستحتفظ به داخل جسدك لتصقله وتغذيه باستمرار.

نظرت إلى الناب الدموي، ورأيت على وجهه ابتسامة رضا صافية بالرغم من جراحه، فقد كان مفعمًا بالإحساس بالإنجاز.

"هل لهذا النصل اسم؟" سألت.

أدرك الناب الدموي مدى إعجابك بالنصل، فأجاب: "سمّه أنت."

"أنا رجل متواضع بطبعي، لذا سأختار له اسمًا متواضعًا."

"وما هو؟" سأل الناب الدموي.

"نصل دفن السماء!"

حك الناب الدموي رأسه، ثم نظر إلى العنقاء السوداء بتردد وسأل: "أيتها الكاهنة العظمى، هل يبدو اسم 'نصل دفن السماء' متواضعًا؟"

"ليس متواضعًا أبدًا."

وضعت نصل دفن السماء جانبًا وقلت: "أنتم لم تتلقوا تعليمًا، لذا لن تفهموا، وأنا لا ألومكم على ذلك."

أخرجت ثلاث قوارير من أقراص الشفاء وأعطيتها للناب الدموي قائلًا: "هذا دواء لجروحك."

كان الناب الدموي يعلم مدى فاعلية أقراصك، فأخذها وكان على وشك أن يفرغها كلها في فمه. لكنك مددت يدك وأوقفته بسهولة قائلًا: "أيها الأبله الضخم، حبة واحدة تكفي."

أمسكت بذراعه برفق، فلم يستطع حراكًا، وظل على حاله حتى أومأ برأسه في ذهول، عندها فقط أفلتَّه.

نظر إليك الناب الدموي بدهشة، فلم يكن يتخيل قط أنك، بجسدك النحيل، تمتلك مثل هذه القوة الهائلة.

"تناول القرص أولًا، وبعدها خذني إلى ملك النمور ذي العينين القرمزيتين."

ابتلع الناب الدموي قرصًا واحدًا، فبرقت عيناه وقال بحماس: "حسنًا! أعلم أنه رزق بصغير جديد، لنذهب ونسرقه مرة أخرى!" كان سعيدًا بحصوله على فرصة للانتقام، وفرصة أخرى لإثارة غضب ملك النمور.

بدأت جروح الناب الدموي تلتئم وتتعافى بسرعة مذهلة، وفي غضون لحظات، اختفت تمامًا وعاد جسده سليمًا كما كان. تملكت الدهشة الناب الدموي، فلم يكن ليتصور أن جروحه التي تحتاج عادة إلى أسابيع لتشفى، ستلتئم في الحال.

حدّق فيك بعينين مليئتين بالذهول.

ابتسمت قليلًا وقلت: "أنت مخطئ في تعبيرك، نحن لن نذهب لنسرق الصغير."

سأل الناب الدموي: "ألن نسرقه؟"

"بل سنذهب لنتبنى صغير ملك النمور ذي العينين القرمزيتين بدافع من طيبة قلبنا."

"ولماذا نتبناه؟"

"عندما يموت ملك النمور، سيصبح صغيره يتيمًا، ألن يحتاج حينها إلى من يرعاه من أهل الخير؟"

نظر إليك الناب الدموي بحيرة شديدة وسأل: "يموت ملك النمور؟ ومن سيقتله؟"

"أنا، بعد ثلاث ثوانٍ من الآن."

2025/11/23 · 106 مشاهدة · 1152 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025