6 - في اللحظة الأخيرة: لقاء غير متوقع.

في عالم الموتى الأحياء، يبدو أن خيارك الوحيد هو: إما تقاتل أو تصبح طبق اليوم!

***

تردد صدى الخطوات المتسارعة بين الجدران الخرسانية، يتناغم مع صرير المعدن المتآكل وهدير الرياح الباردة التي تزحف عبر نفق المترو المظلم.

كان الضوء الخافت لمصابيح النيون المعلقة على الجدران بالكاد يكشف عن ملامح المكان، لكنه كان كافيًا لتوضيح ظلال شخصين يركضان بسرعة، أنفاسهما متلاحقة وسط رائحة الدم العفن والصدأ.

كانت عينا يون جي تراقبان المسار أمامها بحذر، في حين أنفاسها المتسارعة لم تمنعها من إلقاء سؤال، بدا كأنه بلا أهمية:

"من أي محطة أتيت؟"

كان صوتها ثابتًا رغم الركض، لكنها لم تكن بحاجة إلى إجابة فعلية، فهي تعرفها بالفعل. لكنها أرادت بدء محادثة معه، مع الشخصية التي طالما قرأت عنها، في داخلها، كانت تعتقد أنها قد لا تلتقي به لفترة طويلة بعد هذا الاختبار، فقد قررت مسبقًا أن تتجنب الاحتكاك بالشخصيات الرئيسية، وخاصة البطل.

لم يلتفت لي هيون سو نحوها، لكنه أجاب بنبرة لاهثة وهو يركض بجانبها:

” توكسيوم.“

رفعت يون جي حاجبها، تكتم أنفاسها المتسارعة للحظة، ثم تمتمت وهي تفكر بصوت عالٍ:

" محطة توكسيوم على الخط 2، والنقطة المشتركة بين الخط 2 و 5 هي محطة وانغسمني.. “

ألقى هيون سو نظرة خاطفة نحوها؟ قبل أن يعيد تركيزه إلى الأمام:

"وهل تعرفين أي خط نحن فيه الآن؟"

” ما زلنا على الخط 5، سنصل بعد دقائق قليلة إلى محطة تشيونغو، وهي نقطة التبادل مع الخط 6. علينا متابعة الجري على الخط 5 لنصل إلى محطة دونغدايمون، ومن هناك ننتقل إلى الخط 2..."

تنهد هيون سو بخفة، رغم أنه لم يتوقف عن الجري:

"هذا إن لم يعترضنا شيء آخر."

وكأن القدر سمع كلماته، إذ قُطع حديثهما فجأة حين ظهرت أمامهما مجموعة أخرى من الموتى الأحياء، تتمايل في الظلام، تتقدم نحوهم بأصوات غرائزية جائعة.

نظرت يون جي إليهم، ثم إلى هيون سو الذي كان قد استل سيفه دون تردد. ضغطت بقبضتها حول نصلها، تمتمت بتذمر وهي تراقب عددهم المتزايد:

"أليس هذا كثيرًا؟"

شدّ هيون سو قبضته على سيفه، انعكست لمعة سيفه على عينيه الحادتين كالنصل ذاته، بينما ابتسامة خفيفة تلوح على شفتيه رغم الموقف:

"فلنقلل العدد إذًا."

وفي اللحظة التالية، اندفع كلاهما في آن واحد. سيوفهما تلمع في العتمة. كان الموتى الأحياء أمامهم أكثر شراسة من المعتاد، أطرافهم الممزقة تتحرك كما لو أنها مسيرة بقوة خفية، وجلودهم المتعفنة تقطر بسائل أسود لزج. لكن ذلك لم يردع لي هيون سو، بل أشعل في عروقه غريزة القتال.

تحرك بسرعة خاطفة، سيفه ينطلق في الهواء كشبح قاتل. أول ضربة كانت سريعة لدرجة أن الظلال تلاحقت وراء نصل السيف، وعندما استوعب الموتى الأحياء الضربة، كان الأوان قد فات—فقد أربعة منهم أطرافهم دفعة واحدة! لم يسقطوا فورًا، تمايلت أجسادهم للحظات، ثم انهارت وسط بركة من الدماء السوداء.

لم يكن لدى يون جي وقت للتردد، قفزت بخفة فوق الجثث قبل أن تسقط على الأرض تمامًا، وحركت سيفها بحركة دائرية خاطفة، رؤوس الموتى الأحياء حلّقت في الهواء للحظة، قبل أن تهوي على الأرض مثل الفاكهة المتعفنة.

كان الموتى الأحياء هؤلاء ليسوا عاديين، فلم يكن قطع رؤوسهم أو أحد أطرافهم كافيًا لإنهائهم. كانوا يتحركون بفعل الاثير الاسود الذي انتشر بمجرد بدأ الأختبار الثاني. لذا ما دام هناك طرف سليم في اجسادهم فسيواصلون التحرك.

الطريقة الوحيدة للقضاء عليهم تمامًا كانت إحراقهم وتحويلهم إلى رماد، لكن مع ضيق الوقت واستمرار المطاردة، لم يكن ذلك خيارًا متاحًا. لذلك، كان الحل الأمثل هو بتر جميع أطرافهم مع الرأس، مما يجعلهم عاجزين عن الحركة، حتى تحت تأثير الأثير الأسود.

هذه كانت طريقة هيون سو، وقد التزمت بها يون جي دون اعتراض، رغم أنها تعرف هذا مسبقًا من الرواية. لكنها لم ترد أن تثير شكوكه مرة أخرى.

بعد دقائق قليلة، كان النفق ممتلئًا بجثث متقطعة لم تعد قادرة على الحركة. تقدم كل من يون جي وهيون سو، أنفاسهما متسارعة، حتى وصلا إلى محطة تشيونغو المشتركة، ومنها تابعوا إلى محطة دونغدايمون، حيث نقطة التبادل مع الخط 2.

لكن، قبل أن يتمكنوا من الوصول إليها، شق صوتهما صوت آخر—متقطع، مفعم بالذعر.

كان هناك شخص يستنجد.

”الـ-النجدة، سا- ساعدوني... أرجوكم.. “

توقف هيون سو للحظة، عينيه تضيقان بحدة، بينما استدارت يون جي نحو مصدر الصوت. بين الأضواء الخافتة والممرات الخرسانية، ظهر ظل متحرك يتعثر أثناء الجري، خطواته غير مستقرة، كأن ساقيه على وشك أن تخذلاه من شدة الرعب.

كان صبيًا، لا يتجاوز الخامسة عشرة، يتصبب عرقًا، وجهه شاحب وعيناه واسعتان بخوف واضح. خلفه، كان زومبي وحيد يطارده، جسده متآكل، سائل أسود لزج يقطر من فكه المفتوح، مخلّفًا خطًا لامعًا على الأرضية الرطبة.

حين لمح الصبي هيون سو ويون جي، تردد للحظة، الخوف تملّكه بالكامل. ظنّ أنه قد ركض مباشرة نحو مجموعة أخرى من الموتى الأحياء. لكن شيئًا ما في طريقة وقوفهم، في الطريقة التي أمسكوا فيها بأسلحتهم، جعله يدرك الحقيقة—إنهم بشر. إنهم أحياء!

"النجدة!" صرخ مجددًا، صوته هذه المرة أكثر يأسًا.

لكن لم يكن هناك حاجة لطلبها مرتين.

تحرّك هيون سو ويون جي في لحظة واحدة. في طرفة عين، كان كلاهما أمام الصبي، وبحركة خاطفة، مرّ نصل هيون سو عبر الهواء كسهم قاتل، قاطعًا ذراع الزومبي أولًا، ثم مفصل ساقه، ليتركه يتهاوى دون توازن.

في نفس اللحظة، استدارت يون جي حول الجثة المتهالكة، ووجهت ضربة حاسمة إلى رأسه، مما جعله يتدحرج على الأرض بينما يقطر السائل الأسود حولهما.

لم تستغرق العملية أكثر من ثانيتين.

وقف الصبي متجمدًا في مكانه، جسده يرتجف بعنف، وبؤبؤ عينيه متسعان على مصراعيهما. لم يصدّق ما رآه للتو—لم يكن هناك أي تردد، أي خوف، أي تراجع في حركاتهما. الطريقة التي قتلا بها الزومبي بهذه السرعة والسهولة... لم تكن شيئًا بشريًا. كان الأمر أشبه بمشهد سينمائي، لكنه أكثر واقعية، وأكثر رعبًا.

تراجع خطوة للخلف، لكنه شعر بشيء رطب يلتصق بخده. رفع يده المرتجفة، ولمس بقعة من السائل الأسود اللزج الذي تناثر عليه أثناء القتال. شهق بهلع، محاولًا مسحه بعنف عن جلده، وكأنه سيحترق من مجرد لمسه.

نظر إليه هيون سو للحظات قبل أن يعقد حاجبيه، بينما رمقته يون جي بنظرة متفحصة.

"كيف نجا فتى ضعيف مثله؟" تمتم هيون سو، عينيه تضيقان بريبة.

في داخله، كان يعلم أنه لا ينبغي أن يكون هناك ناجون آخرون. في حياته السابقة، لم ينجُ سوى قلة قليلة، وكل من لم يكن قويًا سُحق بسرعة. كيف تمكّن هذا الصبي من البقاء حيًا؟

أما يون جي، فقد عضّت شفتيها بتوتر. لم يكن هذا الصبي موجودًا في الرواية. لم يكن هناك مشهد يظهر فيه شخص يركض نحو البطل طالبًا النجدة. كان هذا خارج نطاق معرفتها بالكامل... وهذا جعلها تشعر بعدم ارتياح.

لكن قبل أن تستطع التعمّق في تساؤلاتها، شهق الصبي واستعاد صوته أخيرًا.

"أ-أرجوكم، ساعدوا نونا!"

توقفت أنفاس يون جي للحظة، بينما استدار هيون سو إليه ببطء.

"نونا؟"

هز الصبي رأسه بسرعة، وعيناه تتوسلان.

"نعم! إنها في الجهة المقابلة من النفق... تحارب الزومبي وحدها! وهي مصابة!"

شدّ الصبي قبضتيه، وارتجفت شفتاه بينما كانت دموع الخوف تتلألأ في عينيه تحت الضوء الخافت للمصابيح المهتزة.

"أرجوكم، عليكم إنقاذها! أرجوكم..."

ساد الصمت للحظات. لم يرد هيون سو فورًا. نظر إلى الصبي، ثم إلى يون جي، ثم إلى الممر المظلم الممتد أمامهم. كان الوقت ضدهم، أي تأخير قد يكون مميتًا، وأي خطأ قد يعني نهايتهم. من الناحية المنطقية، لم يكن يرى سببًا للمخاطرة، خاصة لإنقاذ شخص قد يكون ميتًا بالفعل.

لكن يون جي لم تستطع تجاهل الأمر.

شعرت بشيء ثقيل يضغط على صدرها. صحيح أن هذا لم يكن ضمن الرواية، لكن هذا لم يكن مبررًا للتخلي عن إنسان يستغيث. لم ترد أن تفقد إنسانيتها، لم ترد أن تصبح مجرد ناجية أخرى ترى البشر مجرد عقبات.

نظرت إلى هيون سو ثم قالت:

"سأذهب لإنقاذها. "

قطب هيون سو حاجبيه، نبرته جافة كالصقيع.

"قال إنها مصابة. ربما الآن قد ماتت بالفعل. ليس عليكِ الذهاب وأضاعة الكثير من الوقت؟ "

احنت يون جي نظراتها نحو الأرض وتمتمت بصوت مسموع:

"وان يكن، لا يمكنني تجاهل شخصٌ يطلب المساعدة، إذا أردت يمكنك الأستمرار لـو.. “

زفر هيون سو بضيق مقاطعًا حديثها، نظر بعيدًا للحظة، ثم مرر يده على نصل سيفه ببطء قبل أن يطلق تنهيدة ثقيلة.

"... انت مثيرة للمتاعب حقا، هيا تحركي"

رمقته يون جي باستغراب. "أنت ستأتي؟"

رمقها بنظرة جانبية، وكأنه يقيس ردة فعلها، ثم قال ببرود:

"ألم تسمعي بالمثل: كن قريبًا من أحبائك، لكن اجعل أعداءك أقرب؟ لا يمكنني ترككِ وشأنكِ بهذه السهولة."

ضحكت بسخرية، عابثة به. "لم أكن أعلم أنك تعتبرني من أحبائك."

عقد هيون سو حاجبيه بانزعاج، ورمقها بنظرة وكأنه رأى شيئًا مقززًا.

"كنتُ أمزح،" قالت بابتسامة خفيفة، قبل أن تلتفت إلى الصبي، "أين هي أختك؟ أرشدنا إليها."

أومأ الصبي برأسه بسرعة، وجهه مشرق بالأمل، "نعم! اتبعاني!"

وانطلقوا جميعًا عبر النفق، أقدامهم تدوي على الأرضية الخرسانية الرطبة، بينما المصابيح المعلقة على الجدران تهتز بخفوت مع كل خطوة، تلقي ظلالًا طويلة تتراقص كالأشباح. كان الصبي يلهث وهو يقودهم، جسده الصغير يتحرك بسرعة رغم تعبه، بينما خطواتهم تتسارع، القلق يتصاعد في أعماقهم.

لكن ما لم يتوقعوه، هو ما كان ينتظرهم في الجهة الأخرى.

كانت رائحة الدم في الهواء كثيفة، ثقيلة كأنها سحابة خنقت المكان. وعندما انعطفوا عند نهاية النفق، فوجئوا بالمشهد أمامهم—فتاة بشعر أسود طويل وعينين بنيتين، تقف وسط الظلام، تقاتل بجسد جريح، يدها تمسك بعصا فولاذية، تتصدى بها لهجوم اثنين من الموتى الأحياء، بينما تحمي امرأة راكعة وطفلة تبكي بين ذراعيها.

صرخت الفتاة وهي تحاول صدّ أحدهما:

"ابتعدي من هنا! بحق الجحيم، لماذا تقفين هناك متسمّرة؟ أتريدين الموت؟!"

لكنهم لم يستطيعوا التحرك حتى بسبب خوفهم.

من ناحية اخرى، اتسعت عينا يون جي بصدمة، وجسدها تصلّب كما لو أن صاعقة ضربتها في مكانها. كان عقلها عالقًا في فكرة واحدة، فكرة اجتاحت كل تفكيرها، تقرع في رأسها كناقوس خطر:

’لماذا… هذه الفتاة هنا؟!‘

الفتاة الشابة التي كانت تتصدى بشراسة لأولئك الموتى الأحياء، لم تكن غريبة عنها. لا، بل كانت تعرفها جيدًا، أكثر مما تعرف نفسها ربما. لأنها لم تكن مجرد فتاة عادية. بل كانت أحدى الشخصيات الثانوية المهمة في الرواية التي قرأتها. لكن ما أثار صدمة يون جي ليس مكان تواجد الفتاة بل توقيت ظهورها—لم يكن هذا الوقت الذي من المفترض أن تظهر فيه.

شيء ما كان خطأ. خطأ كبير.

العالم الذي كانت تعرفه، الحبكة التي كانت تظن أنها تفهمها جيدًا، كانا ينهاران أمامها… وهذه الفتاة كانت الدليل الأول على ذلك.

أما هيون سو، فقد تجمد في مكانه، عيناه تومضان بمشاعر معقدة.

أجتاحت رأسه عدة ذكريات لفتاة بنفس الملامح! نصف وجهها مغطى بالدماء، وثقب كبير قد اخترق صدرها تاركاً حفرة سوداء عميقة، بين ذراعيه كانت انفاسها تتلاشى في شهقات متقطعة. شعر بملمس جسدها البارد، بالسائل الدافئ الذي غطى يديه وملابسه. تلك الذكرى لم تبهت أبدًا، كانت محفورة في أعماقه… وكانت السبب في خفقان قلبه بعنف الآن.

لقد كان يتذكرها جيدا بل انه قد شهد موتها من قبل أمام عينيه وبين ذراعيه. لكن ها هي الآن، على قيد الحياة أمامه.

2025/02/22 · 7 مشاهدة · 1666 كلمة
Rafil
نادي الروايات - 2025