— الفصل الأول: ظلال اللاشيء —
كان الظلام مختلفًا هذه الليلة. لم يكن مجرد غياب للضوء، بل كان شيئًا آخر… كأنه كيان يراقب، ينتظر بصمت.
كانوي وقف هناك، على سطح المبنى المهجور، محاطًا بهدوء غير طبيعي. الهواء لم يكن يتحرك، وكأن العالم قد توقف للحظة، متأملًا وجوده. عيناه السوداوان كانتا تراقبان المدينة بالأسفل… مدينة صاخبة، مليئة بالحياة، لكن بالنسبة له، كانت مجرد صورة باهتة، كأنها انعكاس في مرآة مكسورة.
رفع رأسه إلى السماء. كانت النجوم هناك، لكنها لم تكن كما يراها الآخرون. بعضها كان يبدو كما لو أنه يختفي للحظات، ثم يعود للظهور وكأنه يحاول الهروب من شيء غير مرئي. كانت هناك تشققات… أو ربما لم تكن تشققات، بل تمزقات في نسيج العالم نفسه.
"هذا ليس طبيعيًا…" همس لنفسه، رغم أنه كان متأكدًا أن لا أحد غيره يمكنه رؤية هذا المشهد.
لطالما شعر بأنه مختلف. البشر حوله يعيشون حياة بلا معنى، يركضون خلف أشياء لا يدركون حقيقتها. كانوي لم يكن مثلهم. لم يكن يريد أن يكون مثلهم. كان يشعر أن هناك شيئًا خاطئًا… أن هذا العالم ليس كما يبدو.
لكن المشكلة لم تكن في العالم نفسه، بل في حدوده.
لطالما تساءل: لماذا البشر محدودون؟ لماذا يقبلون العيش داخل إطار واحد فقط؟ لماذا يخافون مما هو خارج فهمهم؟
الأساطير… الخرافات… "اللامعقول"… كلها كانت مجرد أسماء أطلقوها على الأشياء التي لا يستطيعون استيعابها.
لكنه لم يكن مثلهم.
هو لم يخشَ المجهول.
هو كان يبحث عنه.
وفي تلك اللحظة، سمع الصوت.
"لقد حان الوقت."
لم يكن صوتًا عاديًا. لم يكن صادرًا من مكان معين. بل كان وكأنه ينبعث من داخله… من داخله هو.
تجمد للحظة. لم يندهش، لم يرتعب، بل شعر بشيء آخر… شيء يشبه الترقب.
نظر إلى يديه، إلى جلده، إلى أصابعه. للحظة، بدا وكأنها لم تكن يديه، بل كانت مجرد قشرة… غلاف يخفي تحته شيئًا آخر، شيئًا لم يكتشفه بعد.
"لقد كنت تنتظر هذا، أليس كذلك؟"
الصوت لم يكن يسأله، بل كان يخبره بحقيقة يعرفها مسبقًا.
رفع رأسه ببطء، وحدق مرة أخرى في السماء. التشققات أصبحت أكبر. النجوم بدت وكأنها تذوب داخل الفراغ. العالم كله بدأ يفقد اتزانه، كأنه يدرك أن هناك من توصل إلى حقيقته.
"إذا كان هذا هو الوقت، فأنا مستعد."
وبمجرد أن قال تلك الكلمات، حدث شيء لم يكن يتوقعه.
الأضواء في المدينة انطفأت جميعها في لحظة واحدة.
الصوت البشري الذي كان يملأ الشوارع… اختفى.
لم يكن هناك شيء سوى الصمت.
صمت… وعيون خفية تراقبه من العدم.
ثم… فتح العالم عينيه.
— يتبع…
ما رأيك بهذه