الفصل الثاني: بين الوهم والحقيقة
استيقظ كانوي فجأة وهو يلهث، جفنه يرمش بسرعة بينما تتلاشى آثار الحلم في ذهنه. تحسس جسده، ثم تنهد بعمق وهو يغمغم:
— "ما هذا؟ هل كان حلمًا؟ لا... ليس مجرد حلم، بل لغز جديد يُضاف إلى سلسلة أحلامي الغامضة."
نهض ببطء، وما زال ذهنه مشوشًا بما رآه. توجه إلى الحمام ليغسل وجهه، وبينما كان ينظر في المرآة، تجمد في مكانه. للحظة، رأى شيئًا غريبًا في انعكاسه—يدًا ليست يده، ذات لون باهت كأنها شبحية، لكنها اختفت فور أن طرف بعينه. ارتجفت يداه، لكنه تمتم بصوت هادئ:
— "لا يهم... أنا متأخر على المدرسة."
ارتدى ملابسه بسرعة، وأخذ حقيبته وخرج مسرعًا. في طريقه، كان الشارع مكتظًا بالمارة، لكنه لم يكن يركز على شيء. ذهنه عالق بين الحلم والواقع، بين ما رآه وما اختفى في لحظة.
عند وصوله إلى المدرسة، دخل الفصل وألقى التحية على المعلمة ثم جلس في مقعده بجوار صديقه سيلفين. مرر عينيه بسرعة في أرجاء الفصل، حتى توقفت على الفتاة التي يعجب بها، لكنها لم تلاحظه. ابتسم بفتور، ثم التفت إلى الدرس محاولًا التركيز.
لم يكن الأمر سهلًا، خاصة عندما بدأ بعض الطلاب في المزاح والشتم بصوت عالٍ. أحدهم، ماكس، كان من أكثر المتنمرين في المدرسة، ولم يكن ليسمح لليوم أن يمر دون إزعاج أحد. التفت إلى كانوي بابتسامة ساخرة:
— "أيها الخنزير، لماذا تنظر خلفك؟"
رفع كانوي حاجبًا ببرود، ثم ردّ بصوت هادئ لكنه حاد:
— "وما شأنك أنت، أيها الحشرة؟ ليس لدي وقت لأضيعه معك، على عكسك."
تعصب ماكس واحمر وجهه غضبًا، لكنه لم يتمكن من الرد لأن المعلمة تدخلت قائلة بحدة:
— "اصمت يا ماكس! لا أحد يستطيع فهم الدرس بسببك. هل تريدني أن أتصل بوالديك؟"
انكمش ماكس في مكانه وقال بامتعاض:
— "حاضر يا معلمة..."
انتهى الدرس، لكن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد. بينما كان كانوي يغادر الفصل، أوقفه ماكس وأصدقاؤه في الممر. اقترب منه ماكس بابتسامة خبيثة:
— "أنت تخبر المعلمة عني، يا حقير؟"
كانوي همّ بالرد، لكن سيلفين تدخل وقال بحدة:
— "اذهب من هنا، لسنا فارغين لهذه التفاهات."
لكن صديق ماكس، ماركس، قاطعه بغضب:
— "وما دخلك أنت، يا ابن الكلب؟"
لم تمر لحظة حتى وجه كانوي لكمة قوية إلى وجه ماركس، أسقطته أرضًا وهو يصرخ. حاول ماكس توجيه ضربة إلى كانوي، لكن كانوي رأى يده تتحرك ببطء غريب، كأن الزمن قد تباطأ. تفاداها بسهولة، وقبل أن يحدث المزيد من الفوضى، خرجت المعلمة إلى الشرفة وصاحت:
— "إن لم تذهبوا الآن، سأتصل بوالديكم فورًا!"
استدار ماكس ورفاقه متذمرين، بينما غادر كانوي وسيلفين إلى مقهى قريب. جلسا معًا وبدآ يتحدثان عن مواضيع مختلفة، قبل أن يقول كانوي فجأة:
— "تخيل لو أن جميع البشر اهتموا بحياتهم بدلًا من السعي وراء السلطة."
أجاب سيلفين مفكرًا:
— "سيكون العالم أكثر سلامًا بالتأكيد."
ابتسم كانوي، لكن ابتسامته كانت تحمل إحباطًا خفيًا،
— "وتخيل لو أن هذا العالم مجرد وهم صنعه البشر."
توقف سيلفين قليلًا قبل أن يسأل:
— "هل تقصد عقل؟"
لم يجب كانوي، بل اكتفى بنظرة غامضة، قبل أن يقول بصوت خافت:
— "ربما..."
---
في وقت متأخر من الليل، كانوي يجلس في مكانه المفضل—شارع هادئ ينتهي بمقعد خشبي يطل على البحر. كان الليل قد حل، والسماء مليئة بالنجوم التي تعكس نورها على المياه المتحركة. أغمض عينيه للحظة، مستمتعًا بالسكون... لكنه فتحهما بسرعة عندما شعر بشيء غريب.
هناك... في عمق البحر، رأى ظل مخلوق عملاق، حجمه يكاد يكون بحجم جزيرة. شكله كان يشبه الكاركن الأسطوري، لكن... هل هذا حقيقي؟
حاول كانوي تهدئة نفسه، ركز على تنفسه، وانتظر. مرت دقيقتان، ثم... اختفى كل شيء. وكأنه لم يكن هناك أي شيء أصلًا.
وقف كانوي بسرعة، وشعر بقلبه ينبض بعنف. قرر العودة إلى المنزل فورًا. وفي طريقه، لمح امرأة مسنة تتحدث مع شاب بدا أنه ابن أختها. كانت تحكي له عن ابنها الذي سرق ذهبها وهرب مع زوجته خارج البلاد.
نظر كانوي إلى المرأة وهو يتخيل كيف شعرت بالخيانة، كيف عاشت تبحث عن ابنها حتى ماتت دون أن تجده. عض على شفتيه، ثم خطى نحوها وقال:
— "هل تريدين العمل؟ أعرف شخصًا يحتاج لسيدة تجيد استخدام آلات الخياطة."
نظرت إليه العجوز بعيون تملؤها الدهشة، ثم وافقت فورًا. أعطاها رقم مايكي، أحد معارف والده، وأكمل طريقه نحو المنزل.
---
عندما وصل، تناول العشاء مع عائلته—والده، والدته، أخوه، وأختاه. لعبوا بعض الألعاب، ضحكوا وتحدثوا، حتى انتهى اليوم وحان وقت النوم.
دخل كانوي غرفته المظلمة وقفز إلى سريره، مرهقًا من أحداث اليوم. لكنه لم يستطع النوم فورًا، فقد تذكر حلمًا قديمًا، حلمًا رآه عندما كان صغيرًا... وكان أكثر الأحلام رعبًا في حياته.
(إلى هنا ينتهي الفصل.)
---