155 - تشخيص
مرّت بعض الأيام وساهمت شي يو وهيل الذي كان يرافق الإمبراطور شيرو في معالجة باسل أكثر. وبعد الكثير من المعاناة، تعافى باسل أخيرا ثم وقف على رجليه ثانية.
أحس بازدياد قوّته الجسمانية عمّا قبل وارتفاع قدرة تحمّل بحر روحه. فتلك الكمّيّة الهائلة كانت أكثر ممّا يستطيع هو في مستواه ذاك استقباله، لذا ما أخذ وقتا في الشفاء حقا كان بحر روحه، أمّا جروح جسده فتعافت بسرعة كبيرة خصوصا بعدما شرب إكسير العلاج وتداوى بسحر العلاج.
كان سحرة العلاج تقريبا بنفس ندرة سحرة التعزيز، لذا كانت لهم قيمة كبيرة للغاية. كانت عائلة كريمزون تمتلك نسبة كبيرة منهم مقارنة بالعائلات الأخرى وبعددهم الكلّيّ.
ساحران بالمستوى السابع معا قاما بعلاجه، فكانت الجروح الجسدية كأكل قطعة كعكة بالنسبة لهما. وكان التحدّي الحقيقيّ هو إعادة بحر الروح لاستقراره.
جلس باسل متربّعا متدبّرا ثم دخل لبحر روحه. تعمّق أكثر وبلغ حالة الصفاء الذهني والروحي بسرعة. أحاطت التعاويذ الذهنية الروحية بالجسد الأبيض بينما تدور حوله باستمرار. كأنها تعزّزه وتزيد من قدرة نقط الأصل الاستيعابية.
كان هذا سبب آخر للسحرة ليضعوا التعاويذ ببحر روحهم. فذلك، يستطيعون الاستفادة من الحكمة العظيمة التي تحملها معها، وقدرتها على تطبيق أحكامها وقواعدها على الوجود. فهاته الفنون نشأت على يد سحرة روحيّين أمضوا حياتهم في دراسة الحقائق الطبيعيّة والسحر إضافة للرّوح. وبذلك استطاعوا أخيرا إنشاء مثل هذه الفنون التي سمحت لهم باستخدام قدرات أخرى غير تلك التي منحها لهم السحر.
بعد التدرّب لأيّام أخرى، فهم باسل أخيرا الغصن الثاني من الفنّ القتاليّ السامي. عند هذا الغصن، أو ما يسمّى بالفرع الصغير، تتضاعف قدرة الفن مرّتين، وتنقص كمّيّة الطاقة السحريّة التي يحتاجها لاستخدام الفنّ. فعندما تُفعَّل التعاويذ الذهنية الروحية، تبدأ بامتصاص الطاقة السحرية من الساحر ثم تحوّلها لطاقة سحرية خالصة كلّيّا ممّا يجعل كمّيّتها أكبر ممّا كانت عليه.
فلهذا كان الكيميائيّون والحدّادون يبلغون المستويات المرتفعة بسهولة. فبما أنهم حوّلوا كلّ طاقتهم السحرية لطاقة سحرية خالصة، تكون لهم كمّيّة كبيرة منها ويخترقون للمستويات القادمة بسلاسة.
عندما تكون الطاقة السحرية غير خالصة فذلك يعني أنها تحتوي على عنصر. وعندما تتحوّل لخالصة، يُحوَّل العنصر بحّد ذاته ليصبح في الأخير طاقة سحرية خالصة إضافية. هكذا تزداد كمّيّة الطاقة السحرية عندما تصبح خالصة.
وما جعل الفنون تسيل لعاب السحرة كان هذه الحقيقة، إضافة لحقيقة أنّ التعاويذ الذهنية الروحية لا تستخدم قدرا كبيرا من تلك الطاقة السحريّة الخالصة لأنها تحتاجها فقط لتطبيق أحكامها على الواقع. كما لو كانت تلك الطاقة المدفع وكانت الفنون القذيفة.
والآن، بلغ باسل الفرع الصغير من فنه القتالي أخيرا. كان هذا مفرحا له بالطبع. كان فهمه للتعاويذ جيّدا حقا، لكنّ الإتقان كان مختلفا عن الفهم لوحده، إضافة لقدرة الجسد. أمّا الآن فقد أصبح جسمه أقوى عمّا كان عليه سابقا ودرجة إتقانه للفرع الصغير جدا بلغت ذروتها أخيرا مانحة له القدرة على استخدام الفرع الصغير.
بالطبع، كان الفن القتالي السامي بثلاث مراحل: المرحلة الأثريّة، والمرحلة الروحيّة، ثم المرحلة الساميّة والتي يصل بذروتها الساحر الروحيّ أخيرا للإتقان الكّليّ للفن الساميّ.
لُقِّب الفنّ الذي مازال استخدامه في المرحلة الأثريّة بالفن القتاليّ الأثريّ كما هو الحال مع باسل الآن. وكان بها خمسة فروع، من الأضعف إلى الأقوى: الفرع الصغير جدا – الغصن الأول. الفرع الصغير – الغصن الثاني. الفرع المتوسّط – الغصن الثالث. الفرع الكبير – الغصن الرّابع. الفرع الكامل – الغصن الخامس.
أصبح الآن باسل في الفرع الصغير – الغصن الثاني، وهذا أتاح له استعمالا مريحا أكبر. يمكنه استخدام الفن لمدّة أطول وأقوى بضعفين. ويمكنه بمستواه الحالي جزر سحرة المستوى العاشر به بكلّ سهولة. كان هذا هو رعب الغصن الثاني من المرحلة الأثريّة من فنّ قتاليّ سامٍ.
انتهى باسل بعد أيّام أخيرا من التدبّر وتدرّب بعد ذلك على استخدام الفنّ. دائما التدبّر والتدرّب هما الطريقة الفضلى لتنمية قوّة الساحر. بالتدبّر ينمّي طاقته السحريّة ويزيد من قدرة استيعاب نقط أصله إضافة للرفع من قدرة تحمّل بحر روحه. وبالتدرّب يجعل لكلّ ذلك نتائج، إضافة لتضخيمٍ يأتي فقط عن طريق تجاوز الحدود.
مرّ شهر على هذه الحال. في أحد الأيّام، ظهر رجل عجوز ببيت عادي واقفا أمام فتاة صغيرة تناهز العشر سنوات. كانت الفتاة مستلقية على سرير باديةً كجنّية من أرض العجائب نائمةً بهناء.
كان شعر الفتاة الصغيرة كنهر من الطاقة السحرية الخالصة.، وكان لونه أزرقا فاتحا أقرب للأبيض، ونصاعة جسدها تركت الجواهر مظلّلة. كما لو كانت هذه الفتاة ابنة لحوراء ما، أو كما لو كانت روحا للطبيعة نفسها. فقط بالتحديق إليها تصبح النفس مرتاحة وتحس بالطمأنينة.
ولكن، بعد النظر لمدّة أطول وبشكل أعمق، تصبح الطبيعة ظلاما أبديّا، والنصاعة اسودادا، والطمأنينة فزعا. كان هناك شيء ما مختلط بنقاوة الروح الصغيرة بلا شكّ. ذلك الشيء تصارع بقوّة مع النقاوة كما لو كان يحاول أخذ زمام الأمور والسيطرة الكاملة.
كانت النقاوة تصارع ذلك الشيء الذي كان كعدوّها اللّدود – التلوّث. كما لو كانا يمثّلان الين واليانغ. تصارعهما ذاك شكّل تجاذبا بينهما خالقا توازنا غير مسبوق. لو حدث اختلال بسيط فقط في حالتهما فسوف يذهب ذلك التوازن.
نظر العجوز إلى الفتاة بدقّة متناهية حملت حكمة سياديّة جعلت الخفيّ مرئيّا والمطموس بارزا. استطاع الرؤية عبر الفتاة بكلّ سهولة واستنباط التغيّرات التي تحدث بها. فهم لمَ يوجد التلوّث ومن أين أتى، وكيف ظهرت تلك النقاوة لتصارع. علم عن سبب التوازن واكتشف ما يحافظ على ذلك.
كان هذا العجوز هو إدريس الحكيم بالطبع. نطق أخيرا بعدما شخّص حالة الفتاة الصغيرة: "تلوّث بحر الروح. يا له من شيء نادر حقّا هو هذا التوازن. ولكن ما هو أعجب هو مصدر النقاوة الذي يقاتل التلوّث ! "
كانت هذه الفتاة الصغيرة هي أخت أخوي القطع غايرو وكاي الصغيرة. استخدِمت كفأر تجارب لغرين شارلوت من أجل تحويل البشر لمخلوقات تحمل قدرات الوحوش وأسحارها. ولكن، كانت حالة هذه الفتاة خاصة حقّا؛ فعلى عكس كلّ التجارب السابقة التي فشلت، بدت تجربة هذه الفتاة في طريقها إلى النجاح. خصوصا بعدما كانت التجربة المقامة عليها باهظٌ ثمنُ متطلّباتها كونها شملت دم وطاقة حجر أصل وحش سحري بمستوى مرتفع للغاية.
ومع ذلك، حدث شيء غير متوقع في وسط الطريق واضطروا لإيصالها بأحد بقايا التجارب الفاشلة. كان أحد البقايا هذه هو الكائن الوحشيّ الذي قاتله باسل بعدما فرّت منه غرين شارلوت في لقائهما بمخبئها.
كان هذا الشيء غير المتوقّع هو تلوّث بحر الروح، وإيصالها بأحد البقايا كان للحدّ من التلوّث عن طريق مشاركته معها. ومع ذلك، اشترى لهم ذلك بعض الوقت فقط، واحتاجوا لإيجاد حلّ ما فقط.
وفي ذلك الوقت أتى العالم المجنون لإصلاح المشكل بناء على طلب غرين شارلوت إذْ نشرت خبر احتياجها لعالم. ظهر العالم المجنون وعرض خدمته. لم تعلم عن نواياه أبدا لكنّه كان عالما مشهورا بعالم الإجرام الذي كان لها نفوذ كبير به.
فعلمت أنّه من المستحيل على عالم كهذا أن يحاول خداعها لأنّه يعلم ما سيحدث له آنذاك. سمحت له بالمشاركة في التجربة، وكانت نتائج عمله مدهشة للغاية. استطاع حقّا إيقاف انتشار التلوّث وجعْل حالة الفتاة مستقرّة.
وفي ذلك اليوم ظهر باسل ودمّر المخبأ ثم ذهب بالفتاة الصغيرة. وعندما سأل باسل العالم المجنون عن حالة الفتاة أخبره أنّه لا يعلم شيئا عنها.
واليوم، ظهر باسل جانب معلّمه قبل أن يسأل: "إذا أيها المعلّم، هل يمكنك إيقاظها؟"
مرّر إدريس الحكيم نظره إلى باسل ثم إلى الفتاة مرة أخرى قبل أن يتنهد أخيرا ويقول: "ذلك معقّد نوعا ما؛ فحتى لو أقظتها، سأجعلها تنهض لتموت بعد مدّة فقط."
صُدِم باسل بهذا الكلام وحدّق إلى معلّمه. هل حقّا حالة هذه الفتاة مستعصية لهاته الدرجة؟ لم يستطع تصديق ما سمعه حالا واحتاج لقليل من الوقت. لقد كان هذا العالم الواهن فقط ولم يكن به أيّ تقنيات أو حالات أو أيّ شيء آخر يمكن لمعلّمه أن يقول عنه معقّدا.
تكلّم المعلّم من جديد: "بالطبع، لو كان لديّ تلك الأداة فسيكون ذلك كلاما آخرا."
عبس باسل قليلا ثم قال: "أيّ أداة أيها المعلّم؟ وهلّا شرحت لي من فضلك ما الذي يحدث للطفلة أوّلا؟"
أجاب إدريس الحكيم شارحا: "لقد سبق ورأيت العديد من هذه التجارب على الكثير من الأشخاص، لكنّني لم أرَ مثل هذه الحالة فيما سبق. هذه حقّا حالة فريدة. فبعدما تشكّل بحر الروح بشكل إجباريّ عن طريق دم وطاقة حجر أصل الوحش السحريّ، استطاعت الفتاة دخول حالة الصفاء الذهني والروحي والمرور من جديد بمراحلها الثلاث لتجعل بحر الروح مستقرّا كما لو أنشأته بنفسها من الأوّل."
تفاجأ باسل بهذا كثيرا عندما سمعه. فتاة بهذا الصغر استطاعت القيام بمثل هذا الشيء. فقط ما هي الموهبة التي يتطلبها ذلك. لا، بل ما هي قوّة الإرادة التي يحتاجها الشخص لتحقيق ذلك. خلال السقوط بالهاوية، استطاعت الطفلة الحفاظ على أملها وتسلّقت خيطا رقيقا للغاية صاعدة من جديد.
أكمل المعلّم: "هناك بعض الأشخاص الذي استسلموا عن محاولة الدخول إلى عالم السحر بالطرق العادية فلجؤوا إلى طريقة أخرى أو استعمِلت عليهم. هذه الطريقة هي استعمال دم وطاقة حجر أصل وحش سحري لتشكيل بحر روح بشكل إجباري ومن ثم محاولة إعادة المراحل الثلاث لحالة الصفاء الذهني والروحي من أجل جعل بحر الروح هذا مستقرّا.
"...ولكن هذا يحمل مخاطرا كبيرة للغاية؛ فإن لم ينجح الشخص بالدخول حالة الصفاء الذهني والروحي ثم المرور بجميع المراحل مرّة واحدة بدون الفشل أبدا، فسيتلوّث بحر الروح كلّيّا ويصبح الشخص عبارة عن وجود لا بوحش ولا بإنسان."
فهم باسل أخيرا ما يحدث للشخص بالتجارب التي قامت بها غرين شارلوت وسبب وجود ذلك الكائن الذي قاتله فيما سبق بالمخبأ. لهذا استعملَتْ أنواعا كثيرة من الناس؛ كان ذلك من أجل زيادة عدد الفرص التي يمكن لأيّ شخص فيها أن ينجح. فلو نجح واحد منهم ستكون قد جمعت حينها معلومات كافية لصنع الكثير منه.
من تأليف Yukio HTM
الفصل الأول