157 – العالِم المجنون
أطال باسل النظر إليه قبل أن يقول: "سألتك سابقا وأخبرتني أنّك لا تعلم شيئا عن حالة الفتاة. سأسألك ثانية سؤالا وسأنتظر منك الإجابة. طبقا لما تقوله سيتحدّد مصيرك."
تفاجأ العالم المجنون وقال بضحك: "ما الذي تقوله أيها السيد الصغير؟ هل تمزح معي أم ماذا؟ لقد أجبتك بالفعل..."
قاطعه باسل ولم يتركه يكمل كلامه أكثر: "أخبرني عن مصدر ياسمين الثلج النقيّ وكيف علمت عن الطريقة الصحيحة للعمليّة؟"
صار وجه العالم المجنون أسودا وكاد لا يصدّق ما سمعه للحظة. وفي الحال بدون أن يترك أيّ أحد يلاحظ اضطرابه ابتسم وقال: "ما الذي تتكلّم عنه أيها السيّد الصغير؟ لقد أخبرتك أنّني كنت أتبع الأوامر فقط ولا أعلم عن أيّ شيء..."
*وووش*
وفي لحظة، وجد العالم المجنون نفسه معلّقا بالحائط من عنقه مشدودا بقبضة باسل المحكمة عليه بشدّة. صعدت القشعريرة مع جسد العالم المجنون وأحس بنيّة قتل باسل المهولة. ومباشرة تكلّم: "انتظر... انتظر فقط. لنتحدّث قليلا وسنصل لتفاهم. السيّد الصغير شخص منطقيّ وذو صدر رحب. لمَ لا تعطيني فرصة لأدافع بها عن نفسي."
حملق إليه باسل ثم قال بصوت بارد: "خدعتني مرّة لافتقاري المعرفة. لديّ العلم الآن بحالة الفتاة جيّدا وأعلم أنّه لا محالة أن لا تعرف أنت العالم الوحيد الذي كان موجودا بذلك المخبأ آنذاك عن حالة الطفلة. لذا سبق وأعطيتك فرصة بسؤالي هذه المرّة وانتظار الإجابة منك. لقد حاولت التلاعب من جديد."
ارتعد العالم المجنون ثم قال بسرعة: "لا. انتظر..."
زاد باسل من قوّة قبضه وبدأ يعصر عنق العالم المجنون. وفي تلك اللحظة، صدر صوت هدّأه: "انتظر أيها الفتى باسل."
استدار باسل بعدما أطلق سراح العالم المجنون مباشرة. لقد كان ذلك كلام معلّمه لذا لم يفكّر لثانية واحدة قبل أن يزيل قبضته عن عنقه.
فرك إدريس الحكيم ذقنه ولحيته الطويلة ثم ضحك بينما يقول: "هذا مثير للاهتمام. لا شكّ في هذا الآن. إنّه أنت صاحب جزء وردة ياسمين الثلج النقيّ تلك."
هلع العالم المجنون أكثر ونظر إلى العجوز أمامه. لقد كُشِف كلّيّا ولم يعد يعلم ما الذي يجب عليه فعله. لقد كان حقا هو صاحب ذلك الجزء من تلك الوردة. فعندما عرض خدمته على غرين شارلوت كان قد فعل ذلك ليجرّب قوّة جزء البتلة الصغير ذاك على تلوّث من مستوى مرتفع كالذي حلّ بالفتاة الصغيرة. كان هو الشخص الذي صنع حالة التوازن هذه.
تكلم إدريس الحكيم بهدوء: "لديّ العلم بالعديد من الكنوز التي تغيّر مظهر الشخص، لكنّ الكنز الذي لديك نادر حتّى من بينها. هل ستكشف عن شكلك الحقيقيّ أم تريدني أن أدمّر كنزك الغالي؟"
صعدت القشعريرة مع جسم العالم المجنون ثم وقف في مكانه وقال بسرعة: "انتظر. سأفعل، سأكشف عن هويّتي الحقيقيّة. أنا فقط كنت أخفيها لأنّني سأقع في المشاكل إن علم أيّ شخص عنيّ."
توهّج جسد العالم المجنون ثم ظهر في لحظة واحدة شخص آخر بمحلّه. كان هذا الشخص عبارة عن شابّ. كان هذا صادما حقّا لباسل. لم يطرأ في باله أبدا أنّ العالم المجنون هو في الحقيقة شابّ لا يكبره عمرا بالكثير، لاسيما أنّ هذا الأخير كان يتقمّص الدور بشكل لا يصدّق.
تغيّر تصرّف العالم المجنون بعدما أصبح مجرّد شابّ ثم قال باسترخاء: "آه أه. وأنا الذي كنت أنوي البقاء متخفّيا ريثما أرى نتائج التجربة وأغادر بسلام."
كان الشابّ متحسّرا لانكشاف الغطاء عن هويّته. حدّق إليه باسل ثم قال: "من أنت؟ ولمَ احتجت للتّخفّي؟"
ابتسم الشابّ ببراءة بوجهه المستدير ذاك كالطفل ثم قال: "يمكنك القول أنّني مجرد عالم يحبّ التجارب، لكنّني لست عالما مجنونا. هذا شيء أنا واثق منه، لنركز على هذا الأمر جيّدا، اتّفقنا؟"
جلس الشابّ على السرير الذي تستلقي عليه الطفلة كما لو كان في غرفته الخاصة يتكلم مع أحد أصدقائه: "لقد كنت أتقمّص دور والدي في الواقع. لقد كان عالما مشهورا في عالم الإجرام والسوق السوداء. لقد احتجت لإجراء تجاربي لذا كان وجهه الطريقة الفضلى لذلك. ولحسن الحظّ كان لديّ كنز جيّد لتحقيق ذلك."
بقي باسل يحملق إليه لفترة طويلة. لقد تغيّر تصرف هذا الشخص كلّيّا بعدما تحوّل لهذا الشابّ. كما لو كان شخصا مختلفا تماما.
أكمل الشابّ: "لقد جمع والدي ثروة جيّدة حقّا من أعماله. حتّى أنّه حصل على بعض الكنوز من بينها هذا الكنز الذي يغيّر هيأتي. إضافة لذلك الجزء الصغير من النبتة. إضافة لأبحاث كثيرة حول عمليّة الغدوّ ساحرٍ بالإجبار.
"...احتجت لرؤية نتيجة هذه الأبحاث وصدف أنّني سمعت أنّ تلك الأميرة تحتاج لمساعدة عالم حتّى بلغ الطلب والدي. فاستغللت الأمر وذهبت بنفسي لإلقاء نظرة. كان التلوّث سيقتل هذه الطفلة في الواقع لولا مجيئي."
ابتسم الشابّ ثم قال ببراءة: "يمكنك شكري على ذلك في وقت لاحق."
نظر إليه باسل ثم قال: "وأين والدك هذا؟ لمَ لمْ يذهب هو بنفسه للقاء تلك العاهرة؟"
"آه، هذا..." قال الشابّ بوجهه الطفوليّ ذاك محافظا على الابتسامة البريئة: "لقد كان ميّتا آنذاك. لا، للدّقة، كنت قد سبق وقتلته."
تفاجأ باسل من قول الشابّ الذي أتى منه هذا الكلام وهو يحمل تعبيره ذاك. لو رأى أيّ شخص آخر هذا الشابّ سيعتقد أنّه مجرّد ولد مدلّل لعائلة غنيّة ما. كانت شخصيته مختلفة كلّيّا عمّا يبدو عليه.
أكمل الشابّ: "كانت الأبحاث تعود لشخصية أسطوريّة حسب فهمي. فتلك الأبحاث وذلك الجزء الصغير جدا من الوردة تعتبر شيئا لم أره من قبل في عالمنا أو سمعت عنه في أيّ مكان. لم أعلم من أين حصل عليها والدي، لكنّها وصلته على الأغلب عن طريق مواصلاته."
حملق إليه باسل ثم سأل بجديّة: "لمَ كذبت عنّي. لمَ قلت أنّك لا تعرف حالة الفتاة؟"
أغمض الشابّ عينيه ثم قال: "لا، لا يمكنني القول أنّني كذبت عليك. صحيح أنّني علمت أنّ الفتاة دخلت في حالة غريبة من التوازن، لكنّني لم أعلم كيفيّة معالجتها. يمكنك القول أنّه بسبب افتقاري للمعرفة جيّدا. فأنا كلّ ما فعلته هو اتباع إرشادات تلك الأبحاث."
في هذه اللحظة، تدخّل إدريس الحكيم: "يا فتى، إنّك مثير للاهتمام حقّا. قلت أنّك اتبعت إرشادات تلك الأبحاث. الأمر ليس بهذه البساطة، فتلك الأبحاث كتبت على الأغلب بلغة أخرى. كيف لك أن تفهمها؟"
أجاب الشابّ ببساطة تعلو وجهه: "لقد حللتها. لقد تعلّمت تلك اللّغة. فهي لم تكن صعبة لتلك الدرجة."
فرك معلّم باسل لحيته ثم قال: "همم... هذا جيّد. لا، إنّه مذهل. لأيّ مدى بلغ فهمك لتلك الأبحاث؟"
وضع الشابّ سبّابته على ذقنه كما لو كان يفكّر ثم قال: "حسنا، يمكنك القول جميعها."
"هوهوهو." قهقه إدريس الحكيم قبل أن يقول: "يا فتى. هل هناك شيء آخر تعلّمته؟"
وقف الشابّ ثم قال: "علمت بعض الأمور غير المكتشفة في هذا العالم عن السحر. وتعلّمت ما يسمّى بالنقش الأثريّ ودرست النقش الروحيّ. حتّى أنّني وجدت بعض الوصفات غير المكتملة للإكسيرات."
تفاجأ باسل حقّا. لو كانت وصفات الإكسيرات مكتملة لكانت قد سبق وانتشرت بسبب هذا الشابّ لو أراد نشرها. وكان ذلك سيدمّر كلّ شيء خطّط له سابقا.
حدّق باسل إليه ثم قال: "لِمَ لمْ ينشر والدك هذه الأشياء إذًا في عالم الإجرام؟"
تحدّث الشابّ بصوته الرقيق: "ذلك لأنّه لم يرد فعل ذلك. لقد كان شخصا جشعا لذا يمكنك التفهم. ولكن مهما حاول لم يستطع فهم تلك الأبحاث. عندما أرى أنّني احتجت لثلاث سنوات فقط لأستنبط تلك الأبحاث بينما استغرق هو وقتا طويلا بدون أيّ نتيجة، أجد أنّه حقّا كان غبيّا. أليس كذلك؟"
قال الشابّ كلمة "غبيّا" بطريقة ظريفة مستهزئا بوالده. أمّا باسل فقد استمر في النظر إليه كما لو كان يدرس هذا الشابّ العجيب أمامه. لقد كان غريبا للغاية.
حدّق إدريس الحكيم إلى الشابّ ثم استعجب من أمره. هل حقّا يظنّ أنّ أباه غبيّ؟ ألم يخطر له أنّه هو النابغة؟ ما هذا الشابّ بالضبط؟ نابغة أحمق؟ كان الشابّ غريبا حقّا سواء من ناحية شخصيته أو من جهة عبقريته.
تكلم إدريس الحكيم: "يا فتى، أزل تأثير الكنز بالكامل."
تفاجأ الشابّ مرّة أخرى ثم قال بنظرة جدّيّة كما لو كان شخصا آخرا: "يا عجوز، إنّك مذهل حقّا. من أنت؟"
ابتسم إدريس الحكيم بتغيّر تصرّف الشابّ ذو الوجه الطفوليّ. علم أنّه لم يقصد سوءا بمناداته بالعجوز، فهو ناداه بذلك فقط لأنّه يبدو كذلك حقّا. قال معلّم باسل: "من أنا ليس بالمهمّ لك. أنا لا أحتاجك أن تزيل مفعول الكنز كما تعلم. أريد للفتى باسل فقط أن يرى الأمر بعينيه."
"حسنا، حسنا." تنهّد الشابّ وأوقف تأثير الكنز.
وفي لحظة، تغيّر الجوّ حوله كلّيّا فأصبح يبدو حوله ضغط رهيب. وعندما شاهد باسل هذا الأمر صعِق حقّا. فاجأه تماما هذا التغيّر الذي حصل للشابّ. لقد بدا حتّى الآن كشابّ طبيعي لا غير. ولكن بعدما أوقف تشغيل الكنز تماما، تحوّل لشخص آخر كلّيّا مع الحفاظ على مظهره.
كانت هالته مرتفعة وطاقته السحريّة صادمة، فحتّى الآن كان يبدو كشخص بلا سحر. فقط مجرد عالم مجنون يحب التجارب. وبعد ذلك صار شابّا، ثم بات على هذه الحال.
تمتم باسل غير مصدّق: "المستوى السابع؟ وبقمّته؟"
ابتسم الشابّ ثم قال: "بعدما ظهرت تلك الإكسيرات. أكملت الوصفة كلّها من عندي بعدما قمت ببعض التجارب. كنت آنذاك في المستوى الخامس. حاليا أنا في ذروة المستوى السابع."
وضع الشابّ سبابته مرّة أخرى على ذقنه كما لو تذكر شيئا وقال بعدما وجّه نفس الإصبع نحو باسل: "آه. أيها السيّد الصغير، لمَ لا تعلّمني أنت كيفيّة الاختراق للمستوى الثامن؟"
ابتسم إدريس الحكيم وتعجّب من أمر الشابّ. أمّا باسل فقد استغرب منه أكثر. لا يزال يناديه أيضا بالسيّد الصغير. ما بال هذا الشابّ بالضبط؟ كلّ تصرّف منه لا يلحق الذي سبقه ولا يليق بكلامه. كانت شخصيته معوجّة كثيرا.
لم يعلم باسل ماذا يفعل مع هذا الشابّ فابتسم بدون شعور.
من تأليف Yukio HTM
هذه الثلاثة فصول هديّة منّي على تأخّري في الأيّام السابقة.
أتمنّى أن تعجبكم الفصول. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.