158 – أوبنهايمر فرانكنشتاين
لاحظ الشابّ ابتسامتي الاثنين لكنّه لم يمنح ذلك اهتماما. كان شخصا كسولا في الواقع للقيام بذلك. لو لم يكن شيئا يتعلّق بالتجارب فلن يجذب نظره. حتّى أنّه تعلّم السحر فقط لمساعدته على القيام بالتجارب وليرى تأثيره عليه، وإلى أيّ مدى يمكن أن يصل إليه خصوصا وأنّ السحر مطلوب في العديد من التجارب التي يريد إجراءها.
كان شخصا لا يهتمّ أبدا بما يدور حوله، لذا كلّ ما كان يبقيه هنا حقّا هو نتيجة التجربة التي أجريت على الفتاة الصغيرة. كان مشابها لباسل نوعا ما، لكنّ اهتمامه اقتصر على التجارب فقط.
ومع أنّه نابغة، إلّا أنّه لا يهتمّ بذلك ولا يعتبر نفسه واحدا. قد يكون يعلم أنّه يملك مواهبا عظيمة بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين، لكنّه ظنّ أنّ المحيطين به هم الأغبياء فقط.
وفي الوقت الذي كان به باسل يستمتع بمحاولة فهم شخصية هذا الفتى الذي أمامه، كان إدريس الحكيم يحسب العديد من الأمور. وفي الأخير، هزّ رأسه ثم قال: "يا فتى، قد لا تكون لست مؤهّلا لتكون تلميذا مباشرا لي، لكنّك تستحقّ بعضا من الإرشاد. هل أنت مهتمّ؟"
رفع الشابّ يده أمامه وحرّكها يمينا وشمالا بينما يقول: "لا، لا، لا. من قال هذا؟ قد يكون السيّد الصغير يحبّ القتال والمعارك لاختبار حدوده والشعور بشيء مختلف جديد، أو السعي نحو الأفق لرؤية ما يوجد هناك، لكنّني مختلف عن ذلك. لا تقلق حولي يا عجوز واهتمّ بتلميذك فقط."
علم الشابّ حقّا القليل عن ما يجعل باسل يفضّل القتال أو لِمَ يتعلّم السحر فقط بمجرّد مرافقته لبعض الوقت. والأكثر من ذلك، استطاع تخمين هويّة العجوز بسرعة كبيرة. لقد كان يبدو إدريس الحكيم كعجوز خرف فقط، لذا لم يكن من السهل الإقرار بهذا خصوصا بما أن باسل وصل لمستوى مرتفع نسبيّا بالسحر.
حدّق إليه إدريس الحكيم ثم قال: "جيّد يا فتى، يمكنك أن تفهم بدون أن ترى. ليس هناك الكثير منك في الوجود. لكن لا تكن مخطئا؛ هناك القليل من الأشخاص الذين يستحقون تلمذتي. وبالطبع، أنت لست منهم كذلك. كلّ ما عرضته عليك هو إرشاد منّي. لكن إن لم ترد فلا بأس."
عبس الشابّ منزعجا كالطفل. لقد كان مخطئا بظنّه أنّ العجوز أمامه يعرض عليه تعليمه. تحدّث بعدما تناسى الأمر بعد هنيهة: "كلامك كبير منك يا عجوز. على كلّ، لست مهتمّا بأيّ إرشاد طالما كان بعيدا عن اهتماماتي." تحرّك الشابّ بعد ذلك محاولا مغادرة الغرفة.
ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "يمكنني إخبارك عن نتيجة هذه التجربة. ما تحتاجه لإنجاحها. ما ستبلغه يوما هذه الفتاة، وما ستصيره. وكمكافأة منّي، سأريك تجربة رائعة يمكنك إجراءها بكنزك الغالي ذاك."
توقّف الشابّ مصعوقا في مكانه بعدما سمع كلام العجوز. بدون شكّ، جُذِب اهتمامه كلّيّا وتماما. لم يعد خيار المغادرة متاحا عنده وكلّ ما أصبح في عقله هو إجابة كلّ تلك الأسئلة. وفي لحظة واحدة بعد كلام إدريس الحكيم، كان الشابّ قد صار يتحرّك كما يريد منه أن يفعل.
تكلّم الشابّ بوجهه الطفوليّ وبلهفة: "ما هي؟ وما هو؟ ثم ما هو؟ وماذا؟ وكيف؟"
قفز الشابّ على إدريس الحكيم بأسئلة كلّ واحد منها متعلّق بواحد من الاقتراحات التي أعطاها له إدريس الحكيم. كانت عيناه تلمعان وأشرق وجهه. غمر العجوزَ أمامه بجسده ملتحما به. سأل تلك الأسئلة بوتيرة سريعة للغاية كما لو أنّه يريد معرفة هويّة قاتل والديه.
كان هناك هوس غير معقول بعينيّ الشابّ فبدا كأنّه سيفعل أيّ شيء فقط ليعرف هذه الإجابات التي يناشدها. لم يهمّ ما إذا احتاج للقتل أو النهب، سوف يبلغ هدفه ألا وهو نتيجة هذه التجربة التي تثير فضوله.
لم يكن هذا الشابّ في الواقع يهتمّ بأيّ شيء آخر. فهو لم ينقذ الفتاة الصغيرة أو اهتمّ بها. كلّ ما فعله هو التدخّل لرؤية نتيجة جزء الوردة الصغير باستخدامها بتلك الطريقة.
حدّق إليه إدريس الحكيم بعين واحدة ثم قال: "يا فتى، لا تكن متسرّعا. كلٌّ وبمقابل. أأنت مستعدّ للتضحية؟"
تكلّم الشابّ بسرعة كبيرة: "هذا لا يهمّ الآن ! أخبرني ولك ما تريد ! "
التفت إدريس الحكيم إلى باسل ثم نظر إليه للحظات قبل أن يتكلم: "أيها الفتى باسل. أريدني وحدي معه."
لم يقل باسل شيئا وغادر الغرفة. وبعد ذلك ذهب إدريس الحكيم مرّة أخرى إلى الفتاة ثم حدّق إليها قائلا: "أنا بنفسي أثارت حالة هذه الفتاة اهتمامي لحدّ ما، لذا أتفهمّ سبب حماسك هذا. ولكن، لو منحتني عهدا فلك جزء من إرشاداتي. لا، سأنيرك بكلّ ما لديّ من علم بالتجارب التي تحبّها. ما رأيك؟"
ما زالت عينا الفتى تشرقان. كان يريد الحصول على إجابته في أسرع وقت. ومع ذلك، بمجرّد ما ان سمع كلام العجوز أمامه حتّى أصبح أكثر حماسا وقال: "إن كنت ستعطيني علمك هذا الذي تدّعي امتلاكه لأستخدمه كما أريد فيمكنني التفكير في تقبّل كلّ ما تقترحه عليّ."
ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "لا تقلق، لن أطلب الكثير. هناك شيء واحد فقط أريده منك. عهد بسيط."
وفي هذه الأثناء، خرج باسل من الغرفة ثم ذهب للالتقاء بأخوي القطع غايرو وكاي. طمأنهما على حالة أختهما الصغيرة ثم جلس رفقتهما لقليل من الوقت. لم يعلما عن الشخص الموجود بداخل الغرفة لكنّهما كانا يثقان بباسل لذا لم يشكّكا في هذا الأمر على الإطلاق وظلّا يدعوان لنجاتها فقط.
كان أخوا القطع يتدبّران قبل مجيء باسل، وعندما انتهوا من الكلام عادا لإكمال التدبّر مع مرافقته لهما في ذلك. بقي باسل يفكّر في سبب طلب معلّمه مغادرته. ليس وكأنّ هناك شخصا آخرا يعلم بعضا من أسرار معلّمه كما يعلم هو. إذًا ما الحاجة من إبعاده عن الحوار؟ ما الذي ينوي المعلّم فعله؟
واصل باسل محاولة تخمين هذه الأشياء، لكنّه استسلم في النهاية عن فعل ذلك. ببساطة، لو كان ذلك شيئا يريد معلّمه أن يعْلمه فلم يكن ليغادر تلك الغرفة. تناسى الأمر وغمر نفسه في حالة الصفاء الذهنيّ والروحيّ متأمّلا.
مرّت مدّة طويلة منذ بقاء المعلّم لوحده مع الشابّ الغريب، ثم جاء ذلك الشابّ أخيرا إلى حيث يكمن باسل. حملق إليه بنظرات جدّيّة لوقت طويل كما لو كان يدرسه، ثم تنهّد قبل أن يكمل مسيره خارجا من المنزل.
لمح باسل لمرّة أخيرة ثم قال بوجه كسول: "أخذ وعطاء. قد يكون الأمر مزعجا لكنّه بفائدة تستحقّ. نعم، نعم، كلّ هذا يستحقّ."
ذهب الشابّ يكرّر نفس الكلام بوجهه الكسول ذاك وبدا كأنه يحاول إقناع نفسه بشيء ما. تنهّد ثانية وتمتم: "أظنّها ستكون حياة مزعجة حقّا. لقد علمت هذا دائما. امتلاكي لتلك الأمّ، وذلك الأب، أو مولدي بذلك المكان اللعين، كلٌّ على حد سواء. كان يجب أن أفهم من خلال كلّ ذلك أنّ حياتي برمّتها ستكون فوضى ولا مجال لأن تكون بذلك الهدوء الذي أتخيّله."
وضع سبّابته على ذقنه ثم توقّف عن التحرّك قبل أن يقول كأنّه اكتشف شيئا ما: "انتظر، أليس كلّ هذا يحدث فقط لأنّني أحبّ التجارب؟ نعم، هذا صحيح. ألا يعني هذا أنّه سيمكنني العيش في هدوء إن تخلّيّت عن كلّ هذه الاهتمامات فقط؟"
أنزل إصبعه ثم حدّق إلى السماء وابتسم مستسلما للأمر الواقع: "حسنا، هذا محال."
أكمل سيره بينما يحادث نفسه: "ربّما أنا مجرد غبيّ بعد كلّ شيء. لا، لست غبيّا مثل ذلك الأب على الأقلّ. حسنا، لنقل أنّني أحمق. نعم، الغبيّ هو ذاك الأب. لنترك هذا على هذا الحال للآن."
كان الشابّ يتكلّم بالعديد من الأشياء الغريبة والتي لا تهمّ حقّا. وبالنظر إليه وهو بهذا الشكل، لا يمكنك سوى مناداته بالأحمق.
ابتعد عن المنزل شيئا فشيئا، لكنّه سمع نداءً من بعيد. استدار وكان يعلم من المنادي، فكانت نظراته كسولة للغاية ومنزعجة: "يبدو أنّ هذه هي بداية حياتي المزعجة."
كان المنادي هو باسل الذي صاح: "لقد أنقذت الطفلة مهما كان دافعك. عندما تريد ائت إليّ وسأعلّمك طريقة الاختراق."
حدّق إليه الشابّ من البعيد ثم قال: "عندما أصبح مهتمّا بذلك مرّة أخرى." استدار وغادر.
"أيّها العالم المجنون ! "
سمع الشابّ صياحا آخر من باسل فاستدار بسرعة: "لقد قلت أنني لست بعالم مجنون. ألم أخبرك بذلك فيما سبق؟ لا تناديني بذلك ثانية."
صرخ الشابّ محاولا تصحيح كلام باسل كما لو كانت حياته تعتمد على ذلك. لقد كان ذلك أكثر شيء يكرهه. ومع ذلك، لم يسبق له أن صرخ هكذا سوى عندما شعر بالألم عندما كان في منزله الذي كان سببا في كرهه لذلك اللقب أصلا.
تنفّس الشابّ بهدوء ثم صرخ: "اسمع جيّدا. سأقول اسمي بوضوح وأريدك أن تستخدمه من الآن فصاعدا. فحتّى لو كان ممنوحا لي من والدي اللعين يبقى اسمي الخاصّ وأفضل من العالم المجنون. اسمي هو أوبّنهايمر فرانكنشتاين."
عمّ السكوت لحوالي عشر ثوانٍ قبل أن يتكلم باسل مرّة أخرى: "المهمّ، حسب توقّعي، هناك عاصفة قادمة في هذه الأيّام القريبة. أريدك أن تشاركنا قوّتك. ستكون دعما جيّدا."
بقي فرانكنشتاين يحدّق إلى باسل لوقت طويل ثم تنهّد أخيرا. مع أنّه حاول بكلّ جهد توضيح كيف يريد أن ينادى إلّا أنّ باسل لم يلقِ لذلك بالا واعتبره شيئا غير مهمّ. كان هذا في الواقع شيئا مزعجا للغاية بالنسبة له، لذا ازداد إزعاجه أكثر ثم غادر بسرعة.
"سيكون البقاء هنا ألما في المؤخرة فقط."
غادر فارنكنشتاين بسرعة كبيرة للغاية مختفيا عن الأنظار بدون إجابة باسل. أمّا هذا الأخير فعاد للداخل للتكلّم مع معلّمه قليلا حول مآل الفتاة الصغيرة. وبعد المناقشة لبعض الوقت، فهم أنّه يجب وجود أداة معيّنة قبل أن يقوم إدريس الحكيم بإزالة التلوّث.
فعندما سيزيل التلوّث سيبدأ العدّ التنازلي الذي ستحتاجه الفتاة لبلوغ المستويات الروحية. ولكن بما أنّ النقاوة التي بها قويّة للغاية فستكون المدّة المتاحة لها أصغر من عام الذي يكون في الحالات الطبيعيّة.
إضافة لحاجتها لهذه الأداة عندما تريد أن تخترق للمستويات الروحية، فبدون تلك الأداة سيكون هذا مستحيلا. وفي النهاية ستموت من النقاوة عندما ينتهي العدّ التنازلي.
لذا كان الخيار الأكثر حكمة هو ترك التلوّث بما أنّ الفتاة الآن في حالة من التوازن. والبحث عن هذه الأداة ثم إيجادها في أسرع وقت ممكن قبل أن يحدث للطفلة شيء غير متوقّع.
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.