161 – هجوم مشترك ضدّ أقدم كبير.
بعدما صُدِم الجميع بما حدث وانتظروا الحركة القادمة من المجسّم الضخم، تضاءل هذا الأخير بسرعة كبيرة للغاية ليظهر باسل على الأرض محاطا بلهب باهت.
حدّق باسل إلى يديه ناظرا إلى الهالة المحيطة به باهتمام ثم ابتسم. كان راضيا نوعا ما عمّا فعله قبل قليل. كما لو أنّه جرّب شيئا ما واستخلص النتيجة التي أرادها. لقد كانت تلك تقنية جديدة استخدمها.
حدّق إليه الأقدم الكبير زئير من بعيد ثم عبس بعدما لاحظ التقنية التي استعملها باسل قبل قليل. لقد كانت تلك تقنية يمكنها صدّ مثل ذلك الهجوم الذي عانى هو منه فيما قبل. لولا تقنية الخضوع الخاصة بعنصر الاستدعاء التي خوّلته قمع طائر الرخ لما استطاع ترويض مثل هذا الوحش السحري المرعب.
تكلم باسل بعد ذلك بأريحيّة: "كلّ القوات، استعداد."
ضخّم مكبر الصوت صوته فانطلق أمره عبر جيش مئات آلاف السحرة الذين لم يكن من بينهم ولا جنديّ طبيعيّ. أيّ شخص في هذه الحرب الشاملة حاليا كان ساحرا ولو كان بالمستوى الأول.
صدر صوت من الظلال من جهة العدو حاملا معه ثقلا مهيبا: "تراصٍّ ! "
نزلت قوات العدو قريبا من الشاطئ واتخذوا عدّة تشكيلات كل واحد منها بعث الرعب في نفوس الخصوم. كانت روحهم ضاغطة وتحمل معها عزيمة متناهية. كانوا كالحجارة المتراصّة التي كوّنت جبلا غير متزحزح.
كلّ تشكيل استوطن الرعب والفزع، جاعلا إيّاهما سلاحيه المطلقين أمام العدوّ. كلّ طبعة من أقدام الجنود تركت طابعا مهيمنا في قلوب سامعيها كالطبول السامية التي تستطيع بترددها توليد المصفوفات الصوتية وتدمّر ما بين السماء والأرض.
وفي الجهة المقابلة، تحرّكت القوّات بناء على أمر باسل وتشكّلت مجموعات عدّة، وفي مقدّمتها كان هناك تشكيل تكوّن من خمسين ألف ساحر أضعفهم كان بالمستوى الخامس. لقد كان ذاك تشكيل قاتل الدم القرمزيّ. لم يكن ذلك اسم التشكيل في الواقع وإنّما أطلِق عليه ذلك فقط لأنّه تشكيل باسل.
حدّق باسل إلى التشكيل ثم ابتسم راضيا. لقد فاق تطوّر التشكيل في العام الأخير توقعاته. فكلّ المواهب العظيمة بكامل الإمبراطورية اجتمعت بهذا التشكيل ليغدو هذا الأخير قوّة هائلة يمكنها مستقبلا عبور صحارى الأموات السوائر (السائرين) والتعمّق في بحار السُود السامية ثم ركوب سماء التنانين الإمبراطورية والعنقاوات الرامدة.
وبعد ثوانٍ، عمّ الصمت ساحة المعركة بالكامل كما لو أنّ كلا الطرفين يتقاتلان بنياتهما فقط جاعلين ذلك الهدوء مقشعَر منه. وكان ذلك علامة واضحة على الهدوء قبل العاصفة. استمر ذلك السكون لمدة تصل لحوالي ثلاث دقائق كاملة والتي مرّت عليهم كثلاثين سنة في الجحيم.
كلّ شخص هنا أحس بنيّة قتل مئات الآلاف من السحرة، وبعضهم ذوي المستويات المرتفعة التي طغت هالاتهم ونيات قتلهم فتلاحمت بوسط الساحة لتجعل من كلّ الأخريات معدومة. فقط الهالة والنيّة الأقوى من كانت قادرة على الصمود في وجه مثل هذا الاحتدام الروحي الشرس.
وبعد لحظات، سُمِع صوت همس آتٍ من بعيد يكاد لا يُسمع. وبعد ثوان أخرى ارتفع الصوت ليظهر أنّه همذ وهسهسة كان سببها جيش ضخم للغاية. اقترب هذا الجيش من خلف جيش إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة بسرعة كبيرة جدا حتى بلغه.
كان يتقدّم هذا الجيش شخصان ارتدى واحد منهما درعا فضّيّا والآخر درعا ذهبيا. كان صاحب الدرع الفضّيّ ببشرة ناصعة وزهراء يمكنها عكس أشعة الضوء بإبهار رائع، وكلّ خطوة منه كانت تبيّن رُفعة مولده ومكانته بين من ورائه. كان هذا الشخص هو الإمبراطور أزهر شيرو.
أمّا الآخر، فحمل ضغطا معه كما لو كان وحشا برّيّا اتخذ شكل إنسان. همجيّته ونيّة قتله الطبيعيتين أوضحا علوّه عن باقي البشر الآخرين. كان يملك نظرات حادّة لا يمكن امتلاكها سوى بالمرور من الموت لعدّة مرّات قبل بلوغ مرتب عالٍ. كان هذا الشخص هو الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس.
كلا الإمبراطوريتان الأخريان انضمّتا أخيرا للمشاركة في الحرب. وبدونهما لم يكن ممكنا تسمية هذه المعركة بالحرب الشاملة. ولم يحوي جيشاهما رجلا طبيعيّا أبدا واقتصرا أيضا على السحرة فقط. ومن الآن فصاعدا، لن يكون هناك حرب يشترك فيها السحرة والناس الطبيعيّون معا.
كان هذا قانون يصنع نفسه ويثبت مكانته بين السحرة. فالناس الطبيعيّون لا يملكون أ]ّ قدرة في مواجهة السحرة، ولو كانوا بأعداد هائلة فسيكونون بلا حيلة أمام ساحر بالمستوى الخامس.
ففي العوالم الروحيّة ينقسم العالم لاثنين، أحدهما خاصّ بالسحرة ولا يشترك به الناس الطبيعيّين، والآخر خاصّ بالناس الطبيعيّين ويتدخّل فيه السحرة لأنّ لا جني منه وفائدة.
انتهى أخيرا الهدوء، فكسِر مرّة أخرى بتحليق من الرخ الضخم، ولكنّه هذه المرّة حمل معه مستدعيه – الأقدم الكبير زئير. معا اثنيهما كانت قوّتهما لا يمكن مقارنتها مع التي أظهرها الطائر لوحده سابقا.
وبالطبع، كلّ ما فعله الأقدم الكبير زئير هو كسر السكون بتحرّكه؛ فمباشرة بعد ذلك تحرّكت جبال العدوّ المتراصّة فجلبت معها وزنها العظيم لتسقط به على خصومها. وكذا فعل جيش الثلاث إمبراطوريات المشترك، هو أيضا رمى بنفسه على الجبال المتراصّة كالحِراب والنبال التي تستطيع اختراق صلب الأرض وبلوغ علو السماء.
اهتزّت الأرض من التصادم العنيف مشيرة إلى بداية المعركة الضارية الضَّروس. وبدأت موسيقى الموت تطلق بأنغامها عبر الساحة بدون توقّف. وكلّ ما كان يُرى بالأعلى كان اللون الأحمر لا زرقة سماء الصيف الحارقة.
تلطّخت الساحة بشلالات من الدماء بعد لحظات فقط من بدء القتال وسقطت صواعق وقنابل صوتية من طائر الرخ دعمتها عواصف أتت من زئير بدت كأسود مجنّحة تريد قطع كلّ ما في طريقها. فصُنِعت ضوضاء وضجّة لم يختبر أحد منهم مثلها من قبل.
كان تشكيل قاتل الدم القرمزيّ بالجبهة يأخذ القيادة باختراقه تشكيلا من العدوّ مكوّنا من آلاف سحرة المستوى السادس واحدا بعد الآخر متيحا بذلك الطريق للتشكيلات التي ورائه.
ولكن جيش الحلف كان يملك تشكيلات أقوى من التي يملكها الجيش المشترك عدا تشكيل قاتل الدم القرمزي؛ لذا مهما فتح هذا الأخير الطريق لحلفائه لم يستطيعوا التقدّم أبدا ودائما يجدون أنفسهم محاصرين ليحاولوا الاختراق من جديد.
وبالطبع، ما زاد الأمر صعوبة كان الأقدم الكبير زئير الذي اتخذ السماء طريقا والرخ مركبا. أصبحت المنطقة حوله سوداء حالكة فشحن طاقته السحرية لأوجها مطلقا العنان لكلا عنصريه. انطلق عنصر الرياح عبر سلاحه الأثري وعنصر الاستدعاء الذي أعطى للرخ طاقة كافية ليستخدم هجوما مدمّرا آخرا.
وفي لحظة، تكوّنت قبّة الإبادة السوداء، ولكنّها كانت مختلفة نوعا ما هذه المرة، فهذه المرّة شملت عنصر الرياح أيضا الذي جعل من الثقوب السوداء بالداخل أكثر قوّة أكثر فتكا بكلّ ما تلمسه أو تجذبه عنها بالرغم عنه لتمحيه من الوجود.
وفي هذه الأثناء، ارتفعت أفعى كوبرا مجنّحة للسماء حاملة فوقها خمسة أشخاص. قفز أربعة منهم كانوا شاحنين طاقاتهم لأوجها أيضا وشاحذين إيّاها بأسلحتهم السحرية. كان هؤلاء الأربعة هم الإمبراطور شيرو والجنرالات تشارلي، وبراون، وأخيرا الجنرال رعد.
رفع الإمبراطور شيرو سيفه الأثري ذو الدرجة الثالثة للأعلى ثم خبط به تجاه قبة الإبادة السوداء بكلّ ما يملك من قوّة وطاقة. انطلق موجات من المياه واحدة تلو الأخرى لتكوّن بعد ذلك رماحا عملاقة يمكنها المرور عبر كلّ شيء كما لو كانت الشيء الأحدّ. وفي الآن ذاته، عوت الكوبرا المجنّحة وأطلقت ريشها القاسي مغلّفا بالمياه التي كانت أكثر قوّة بكثير من تلك التي تكوّنت منها الرماح السابقة.
ولم يكن هذا الريش المائي مجرد ريش عاديّ، بل كان صلبا لدرجة لا تصدّق وبدا كسيوف سحريّة. وبعد ذلك مباشرة، استخدمت الكوبرا المجنّحة قدرتها فأصبح الريش فجأة هو والماء أسودين كالحبر.
ولم يتوقّف الأمر عند ذلك. أطلق الجنرالات الثلاثة معا هجومهم المزدوج الذي اختلط بالرماح المائية فصارت هذه الأخيرة فجأة صواعقا مغلفةً بدرع مائي يدور بسرعة كبيرة للغاية. كانت هذه الرماح قهّارة وغلّابة. وكذا الأمر مثله حدث مع الريش الأسود فأصبح كشظايا نيزك منطلق بسرعة البرق.
وحتّى بعد كلّ هذا لم ينتهِ هجومهم المشترك. تحرّكت أنمار أخيرا ثم أدارت التعاويذ الذهنية الروحية ومنحتها كميّة طاقة سحريّة خالصة كبيرة، ثم لكمت عدّة لكمات متتابعة تجاه القبّة، فانطلقت ذبذبات اهتزازيّة حملّت وزنا هائلا. كلّ تلك الاهتزازات كانت كضغط وجاذبية يمكن سحق أيّ شيء.
صرخت أنمار أخيرا ثم لكمت اللكمة الأخيرة التي انطلقت كقبضة عملاقة مخترقة الهواء باهتزاز يستطيع التهام وإبادة كلّ ما في طريقه. كانت هذه القبضة الاهتزازية قادرة على سحق الجبال. كانت هذه قبضة ناتجة عن استخدام للفنّ القتاليّ الأثريّ 'سحق الأرض' بقمّة الغصن الأوّل، وهذا الفنّ مستمدّ من الفنّ القتاليّ السامي – سحق الخلق.
جابهت هذه اللكمة قبّة الإبادة السوداء باحتكاك عنيف لا يصل لنتيجة، فبلغت بعد ذلك الرماح الصاعقة والريش الأسود البرقيّ ليزيدا من قوّة الهجوم. كان هذا الهجوم المشترك بين الخمسة والذي استطاع ذبح سحرة بالمستوى الثاني عشر حتّى. فمع الفنّ القتاليّ الأثريّ، كانت قوّة هجومهم لها تأثير كبير.
*بووم*
تفجّرت القبّة في السماء فجأة فصمّت آذان الحاضرين جميعا وتركت معظمهم مصعوقا. وبعد ذلك مباشرة، انطلقت دوامات من الانفجار فنزلت على ساحة المعركة جاعلة من قوات الجيش المشترك تتلقّى خسائرا كثيرة. وخصوصا تشكيل قاتل الدم القرمزيّ.
استغلّ جيش الحلف هذه الفرصة وتوغّل لصفوف عدوّه فشرع في قتل جنوده بسرعة كبيرة. لقد فتح لهم الأقدم الكبير زئير الطريق أخيرا بعدما كانوا يعانون من تشكيل قاتل الدم القرمزيّ. كانت تلك اللحظة المناسبة تماما لإعطاء العدوّ ضربة قاسية صعبٌ التعافي منها.
انطلقت الكوبرا المجنّحة فحملت الإمبراطور شيرو والجنرالات الأربع معا ثم ارتفعت مرّة أخرة للسماء متّجهة نحو طائر الرخ بسرعة كبيرة. وفي المقابل، بقي الأقدم الكبير زئير على وحشه السحريّ بدون تحرّك منتظرا عدوّه بأريحيّة.
كان واثقا من نفسه للغاية ولم تكن ثقته هذه من فراغ. قفز الخمسة معا واستخدموا نفس الهجوم المشترك من قبل، لكنّ ذلك كان بلا فائدة بعدما استخدم خصمهم فنّه القتاليّ الأثريّ أيضا رفقة هجوم مشترك بينه وبين طائر الرخ. كان فنّه هذا يُستخدم بسيفين أثريّين معا. حرّكهما وصرخ: "فنّ السيف، التقاطع الأسود."
انطلقت هالة السيفين فتكوّن سيفان من التعاويذ الذهنيّة الروحيّة حملا معهما أحكاما طبّقت قواعدها على الوجود وغيّرت منه. اندمج السيفان مع سحره وسحر وحشه السحريّ ثم أصبحا سوداوان بعدما كانا شفّافان. فالتقيا أخيرا عند قبضة الاهتزاز الآتية من أنمار والمصاحبة للرماح الصاعقة والريش الأسود الحالك.
اختِرَقت القبضة التي يمكنها سحق الجبال ثم تشتّت الرماح والريش فبلغ التقاطع خمستهم بقوّة أضعف من التي كان عليها في البداية، لكنّها كانت كافية لقطع دروعهم والوصول للحمهم.
صرخ الأربعة إلّا أنمار التي حمت نفسها بفنّها القتاليّ بعد صفعها التقاطع مكوّنة حاجزا هزّاز. وفي ذلك الوقت، وجد الأقدم الكبير زئير نفسه فجأة يواجه أعدادا مهولة من الرماح الصاعقة والريش الأسود ولم يكن لديه وقت للدفاع ولا للهرب. تحتّم عليه تلقّي الهجوم وتمنّي النجاة فقط.
*ووووش*
مرّت الرماح عبره فجرحه بعضها والبعض الآخر تلقّى صدّا منه عن طريق سحره وطائر الرخ، أما الريش الأسود فاستهدف الوحش السحريّ نفسه ثم اخترقه بتراكم مهول من الريش الذي كان أسهم آتية من مئات السحرة.
اخترقته أسهم الريش هذه حتى بلغت عظامه جاعلة إيّاه يصرخ من الألم القاسي. وبعد ذلك مباشرة تفجّرت هذه الأسهم بداخله. انطلق سائل أسود كالحبر من جروحه بدل دمه ثم تجمّد في لحظة خروجه.
أصبح طائر الرخ كدجاجة مخترقة بإبر سوداء من جميع الأنحاء. لقد كان ذلك السواد الذي أحاط بالريش هو قدرة الكوبرا المجنّحة، وهذه القدرة خوّلتها التلاعب بمدى صلب ريشها أو عنصرها المائي، وفوق ذلك، كلّ شيء يصاب بهذا السواد يجد نفسه مسمَّما بسمّ قويّ للغاية.
بدأ الرخ يتساقط من السماء وضعُفت حالته كثيرا، وعندما ازداد وضعه سوءا وبدأ يقترب من الموت تبخّر مختفيا كما لو لم يوجد من قبل. ألغِيَ استدعاؤه لعدم قابليّة مستدعيه على الإبقاء عليه أكثر من ذلك، بالإضافة لاقتراب الوحش نفسه من الموت.
كلّ هذا حدث بسبب غفلة الأقدم الكبير زئير عن وهم أنمار. فهذه الأخيرة قامت بالتحايل عليه بجعله يظنّ أنّهم يقومون بنفس الهجوم ببساطة، لكنّه لم يتوقّع أنّ الرماح الصاعقة والريش الأسود الذي محاه كان في الحقيقة مجرّد وهم. أمّا الشيء الحقيقيّ كان متوجّها إليه بدون أن يعلم حتّى استطاع أخيرا الرؤية عبر وهم أنمار لارتفاعه في المستوى عنها بكثير، فوجد نفسه متأخرا عندئذ.
من تأليف Yukio HTM
آسف على التأخّر؛ فأنا في فترة اختبارات الآن. على كلّ، سأتأخّر في هذه الأيّام أيضا، ولكن إن وجدت تفاعلا محفّزا منكم فسأضغط على نفسي وأقدّم لكم ما أمكنني كتابته.
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.