163 - المواجهة

"ما...ذا؟"

استوطن الرعب قلوب الحشد. لقد كان ذلك هجوما يمكنه اختراق أقسى الجبال، وبلوغ أعمق ما في البحار، وتسلّق أعالي السماوات. ولهذا لم يكن بيد من شاهد هذا الهجوم حيلة سوى الارتجاف وتمنّي عدم مواجهته أبدا.

ولكن، لم يكن الشيء المثير هو صدمة المشاهدين، وإنّما كان ارتعاد أولئك المقاتلين الثلاثة. هؤلاء المقاتلون لم يكونوا بجانب جيش الإمبراطوريات المشترك، بل كانوا المقاتلون الذين كانوا في هذه المعركة أنفسهم. لقد كانوا القدماء الكبار الثلاثة فضيلة كرم، والعجوز الحيويّ ديميور، إضافة للملول طايكوتسو.

كادت أوجههم تذبل من الارتعاب من المشهد الذي أصبح واضحا بعد انجلاء الغبار والدخان. وخصوصا وجه الملول طايكوتسو الذي لم يبدُ أنّ السبب الوحيد للتعابير الشاحبة التي تعتليه هو الصدمة. وبعد اتضاح كلّ شيء على المرأى، علم كلّ شخص موجود ما آلت الأمور إليه حقّا. فأصبحت الصدمة اثنتين، وكانت الثانية أقوى من الأولى.

لقد ظهر باسل سليما معافى محلّقا بالسماء كما لو أنّه لم يتعرّض لأيّ ضرر على الإطلاق من الهجوم المشترك للقدماء الثلاثة. كان هذا الشيء هو بداية الصدمة الثانية.

وبعد تلك اللحظة، لاحظ العديد من الأشخاص حالة الملول طايكوتسو. صرخ أحدهم دون أن يدري: "كيف له أن يكون في تلك الحالة بعدما كان صاحب الأفضلية بهجمته الصاعقة تلك؟"

كان الملول طايكوتسو ممدّدا على الأرض بجرح يمتد على طول جسده بمنتصفه. كما لو كاد يُقطع لنصفين بشيء ما. وعند التفكير في هذا الأمر، اقشعرّت الأجساد وهابت المجهول الذي لا يُهاب أكثر منه في هذا العالم.

لقد كان ذلك أقدما كبيرا بالمستوى الحادي عشر استخدم أقوى هجمة له على الإطلاق، والتي جعلت منه رصاصة يمكنها اختراق أي شيء. وهذا يعني أنّ جسده كان منيعا أمام كلّ ما يواجهه، ولم يكن ممكنا تعرّضه ولو لخدش واحد.

ولكن الواقع أمامهم جعلهم يحاولون التأكد من مدى واقعيته. لقد كان هذا أصدم شيء رأوه في حياتهم كلّها. لقد رأوا شيئا لا يصدّق ومستحيلا قد حدث لذا احتاجوا لوقت من أجل استيعاب كلّ ذلك. فبمرور اللحظات في الحرب، أصبحت معايير ومقاييس العديد من الأشياء التي كانت ثابتة لوقت طويل تتغيّر.

بعد رؤية حالة الملول طايكوتسو، عادت النظرات لتسقط على باسل المحلّق. وهذه المرّة حاولوا بذلك معرفة السبب وراء حال طايكوتسو. وأوّل شيء لاحظوه كان ما يمسكه باسل في يده. لقد كان يحمل رمحا خشبيّا غريبا.

تساءل كلّ شخص عن ماهية هذا الرمح الخشبي وحاولوا معرفتها لكنّهم لم يفلحوا. ومباشرة بعد ذلك، لاحظوا شيئا آخرا.

تكلّم أحدهم كان أوّل شخص أدرك هذا الشيء الآخر: "انتظروا، ألم يكن لدى الجنرال الأعلى عنصريْ النار والتعزيز؟"

ردّ آخر عليه: "لمَ تسأل عن مثل هذا الشيء الآن وذلك معروف؟"

ازدادت حدقتا الشخص الأول اتساعا لمّا تأكّد بالجواب، فرفع أصبعه مشيرا إلى باسل قائلا بشكل هيستيري: "إذن لمَ أرى رياحا ترفعه وليس عاصفة النار التي كانت تفعل ذلك قبلا؟ ! "

رُكِّزت كلّ الأنظار بعد ذلك التصريح على باسل، وبصر كلّ واحد منهم طفو باسل في السماء بفعل رياح مع أنّه مستخدم لعنصريْ النار والتعزيز. أُهدِر تفكيرهم وتوقّف عقلهم عن العمل كلّيّا.

طفا باسل في السماء بهدوء أحاط به هذه المرّة، على عكس الضجيج الذي كانت تصنعه عاصفة النار عند رفعه، وحدّق إلى القدماء الكبار أسفله بانحطاط تامّ. لم ينبس ببنت شفة، وأطال حملقته فاستمرّ ذلك طوال الوقت الذي استمرّت فيه صدمة القدماء الكبار الثلاثة أيضا.

بدا كسلطان مستبدّ لا يمكن بلوغه. كانت نظراته شاخصة ولا تعرف معنى التردّد. كانت عيناه الحمراوان تبدوان كنجمين يمكنهما جذب الضعيف والقويّ، وجعل كلّ شيء يختفي بجاذبيتهما. كان شعره القرمزيّ يتطاير مع الرياح، فكان يبعث شعورا كالهدوء قبل العاصفة. كان يبدو كلّ شيء تحت سلطته، ويستطيع تقرير فنائه من بقائه.

هلعت فضيلة كرم ونظرت إلى الملول طايكوتسو مرّة أخرى. لقد كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بالفعل. فالجرح الذي امتد من رأسه إلى أسفله كان عميقا للغاية وبشعا جدا. لم يكن من السهل شفاء مثل هذا الجرح، هذا إن كان ذلك ممكنا بعد النظر إلى الطاقة السحرية التي تفيض منه. كانت هذه الطاقة السحرية بقايا لما أتى من باسل، ولم يكن مستواها طبيعيّا.

أرادت فضيلة كرم التحرّك للذهاب برفيقها طايكوتسو إلى أبعد مكان عن باسل من أجل إسعافه، لكنّها وجدت نفسها مقيّدة بسلطة باسل. استبداده جعل من عزيمتها خاضعة له ومقموعة.

ونفس الشيء حدث للكبير ديميور الذي بدأ كبره يظهر عليه بعدما كان يشكّك الشخصَ في عمره. حتّى أنّ جسمه تقلّص كما لو أنّ عضلاته انفشّت. وعلى عكس فضيلة كرم التي كان باستطاعتها التفكير في رفيقهما، لم يستطِع إبعاد نظره عن العدوّ الذي قلب موازين المعركة بينهم في لحظة واحدة.

كان يظنّ أنّ هذا الفتى له نفس عنصريه لذا أراد تحدّيه، لكنّه تفاجأ لمّا رأى رياحا ترفع باسل. ولكن للتدقيق، لم يكن في الواقع تركيز بصر الأقدم الكبير ديميور على باسل، وإنّما كان على الرمح الخشبيّ الذي يحمله في يده. لقد كان ذلك الرمح داميا، فعلِم أنّ هذا الرمح هو ما كان مسؤولا عن إصابة رفيقه.

تآكل عقله من أسئلته الخاصة به وعدم وجود أجوبة لها، فارتعب أكثر.

شهق باسل على حين غرّة ثم زفر. وفقط بفعله لذلك، جعل ضربات القلوب تتسارع. فكلّ حركة منه الآن أصبحت ثقيلة جدّا على الحاضرين وغدت تحمل معها هيبة عظيمة.

وعندما أراد أن يتحرّك باسل أخيرا نحو القدماء الكبار المفزَعين، انفجر صوت من بعيد فظهر مسبّبه عن قريب. ومباشرة بعد ذلك تصارعت هالتان مع بعضهما فجعلت الساحة كلّها مشوّشة كأنّها ستتحطّم بإرادتين متضادّتين.

تجلّت سلطة هذا الشخص ونافس طغيانه استبداد باسل، بل وَفَاق ذلك فغطّاه. لقد كان له هيبة لا تقاس وهيمنة لا تنافس. فاستطاع حكم كلّ ما تواجد وتمكن من اجتياح كلّ ما شاهد. لقد كان حاكما بالفطرة وبالجدارة، وبمكانةٍ متراصّة لا يستطيع أحد هزّها.

لقد كان هذا الشخص هو ظلّ الشيطان، رأس حلف ظلّ الشيطان، هدّام الضَّروس.

كان توالي الأحداث التي لم تأخذ سوى دقائق قليلة مرهقا للمشاهدين. ومع ذلك، كان تلاقي أقوى شخصين في هذا العالم شيئا لا يمكن تحمّله وخصوصا من طرف سحرة المستوى الخامس فما أسفل. كلّ شخص تحت المستوى السادس انهار وسقط على ركبتيه من شدّة الضغط الذي ولّده التقاء إرادتيْ ساحرين من مستوى أكبر من الخاص بهم بأكثر من الضعف.

كان باسل لا يزال في السماء، أمّا ظلّ الشيطان فكان في الأرض أمام القدماء الكبار الثلاثة. حدّق إلى باسل بعينيه السوداوين ثم قال بصوته العميق الهادئ: "أنا ظلّ الشيطان، رأس حلف ظلّ الشيطان، وريث السادة العظماء، سلطان المستقبل، وحاكم التاريخ، أنا هدّام الضَّروس."

بادله باسل النظر ثمّ قال: "أنا باسل. هل يجب أن أكون مشرَّفا بلقائك؟"

"مشرَّفا؟" لم يتغيّر تعبير هدّام الضَّروس أبدا وأجاب بهدوئه الذي يهدِّئ العواصف ويروّض الوحوش السامية: "يمكنك اعتبار حالك ما تشاء، فالمصير مقرّر."

قال باسل بعد ذلك بنفس الهدوء: "لا أحب الاتفاق مع الأرواح الفقيرة في شيء، لكنّ المصير فعلا مقرّر."

استعمر السكون المكان من جديد للحظات بدت أبدية لوهلة، فكسرها أخيرا ظلّ الشيطان: "أخبرني، من مرشدك؟"

لم يجب باسل في الحال بعد السؤال، وأخذ بعضا من الوقت متبادلا فيه النظرات مع عدوّه. تكلّم أخيرا: "الأفضل ! "

"الأفضل؟" تعجب ظلّ الشيطان من السؤال فابتسم قبل أن يقول: "لا تجعلني أقول شيئا مبتذلا كأنّك ضفدع في قاع بئر أو أنّك لا تعرف اتساع السماوات والأرض."

بادله باسل الابتسام وقال: "لنترك ذلك للمصير. سنرى ذلك ولو كان متأخّرا."

قال ظلّ الشيطان محافظا على ابتسامته: "لا أحبذ الاتّفاق مع الأرواح المنافقة، لكنّنا فعلا سنرى."

كان الجوّ بينهما هادئا للغاية، واعتلت وجهيهما تعبيرات مرتاحة مريحة، فظهرا كأنّهما صديقان يمازحان بعضهما لوهلة. ولكن كلّ ذلك التوتّر المتولّد من كلماتهما وإرادتيهما لم يسمح أبدا للقلوب أن تهدأ وزاد فقط من هلعها. لقد كانت هذه المحادثة بينهما أوّل قتال لهما ضدّ بعضهما بعضا.

حدّق الطرفان إلى بعضهما بعضا لفترة من الوقت مرّة أخرى، وانتظر كلّ شخص خطوتهما التالية.

*بووم*

*باام*

لم يعلم أحد عمّا حدث بالضبط حتّى كان الالتقاء قد حدث مسبقا بينهما، وكان باسل قد طار لعشرات الأميال محلّقا، ثم ارتطم بتلّ تحوّل لحفرة عميقة بعد ذلك.

لم يعرف أي شخص غير أولئك الذين بلغوا قسم مستويات الربط الثاني فقط. لقد حدث الأمر بسرعة كبيرة جدا. فاتتْ أغلبَ الحاضرين بدايةُ القتال الحقيقيّ. وعلى عكس باسل الذي طار لعشرات الأميال بعيدا، لم يتزعزع هدّام الضّروس من مكانه فكان كجبل لا يمكن زعزعته.

لاحظ الجنرال رعد ما حدث فقال مرتعبا: "بدون شكّ، لقد كان ذلك عنصر التعزيز. ولكن، ما كان العنصر الآخر؟"

حملقت أنمار بهدّام الضّروس وحدقتا عينيها متّسعتين، ثم قالت بصوت متردّد: "ذلك... باتباعنا الوصف، فذلك يصبح مؤكّدا."

حدّق إليها الجنرال رعد ثم قال بارتعاد: "لا تخبريني أنّ... ! "

عبست أنمار ثم شدّت قبضتها قبل أن تقول بصوت مندهش جدا: "إنّه عنصر الدمار ! "

انبثق باسل فجأة بعد ذلك من بعيد وقال: "إذا هذا هو عنصر الدمار ! يا له من قدر. أنْ أحظى بفرصة لرؤيته خصوصا وهو عنصر نادر جدا في عالمنا بحدّ ذاته فما بالك ببقيّة العوالم التي لم يسبق لها أن حظيت به. مثير للاهتمام ! وكثيرا ! "

فشلت ركاب العديد وسُحِقت عزيمة معظمهم. فبعدما علموا الآن بظهور مثل هذا العنصر في هذا العالم، لم يستطع الكثير منهم التصديق بوجود أيّ أمل بعد الآن. ولكن، لا يمكن لومهم. فحسب التاريخ العتيق، كلّ من اكتسب هذا العنصر صار حاكم العالم الواهن أو على الأقل اقترب من ذلك.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/06/29 · 956 مشاهدة · 1440 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024