165 – جدال
نظرت إليه أنمار مشاهدةً حسرته وإحباطه الذي شعر بهما أثناء مراقبته لِذيْنِك الاثنين. أحس بشعور مماثل للذي أحس به قبل خمس عشرة سنة من عجز ونقص قوّة. وقف ثم استمرّ في التحديق إليهما بنظرات طموحة. لقد قرّر مرّة أخرى من صميم قلبه أنّه سيصبح أقوى أكثر.
إضافة لهذا، تخيّل كم هي قوّة الشياطين الحقيقيّة بالضبط فقط. فظِلّ الشيطان حسب ما علِمه عبارة عن تابع لهم، ومع ذلك لديه كلّ هذه القوّة المهولة. تذكّر الماضي مرّة أخرى وعلم أنّهم لم يروا سوى جزء بسيط حقّا من قوّة تلك الوحوش المرعبة.
تذكر ابتسامة ونظرات ذلك الشيطان ذي القرون الذهبية مرة أخرى فشعر بالقشعريرة. لقد لعب معهم ذلك الشيطان لوقت قليل جدا فقط، ومع ذلك ترك انطباعا في قلبه لا يمكن إزالته سوى بإنهاء هذا الأمر تماما. ولن يحدث هذا سوى بقتل ذلك الوحش المهول.
عزم أكثر وحزم أمره. نظر إلى أنمار وقال: "أيتها الفتاة الشقراء، لنذهب لمساعدتهم ضد القدماء الكبار."
حدّقت إليه أنمار بهدوء ولم تجبه. لقد كانت تنوي فعل هذا بالفعل دون أن يخبرها. استدعت الأفعى الكوبرا المجنّحة من جديد، ثم ركباها معا ليصلا بأسرع ما يمكن ومستعدّيْن تماما. وبالفعل، أطلقت الكوبرا المجنّحة ريشها الأسود المائي السامّ، وتلاعبت أنمار بذلك الهجوم بعنصر الوهم، إضافة لقيامها بنفس الشيء للقبضات الذبذبية التي أتت منها عبر فنّها القتاليّ.
غلّف الجنرال رعد هجومها فجأة بعاصفة لم يعلم أحد من أين أتت، واصطحبت معها هذه العاصفة صواعقا كثيرة. لقد كان هذا هو أحد هجمات الجنرال رعد الفضلى. دمج لعنصر البرق مع عنصر الرياح الذي اكتسبه بعد بلوغه قسم مستويات الربط الثاني.
نزلت العاصفة الصاعقة على القدماء الثلاثة ولم يعلموا ما حدث حتّى كانوا قد حوصروا بداخلها تماما. كانت هذه العاصفة تستطيع محق الجبال وجفّ الأنهار. ابتعد عنها كلّ شخص خائفا من التورّط بدمارها.
تلاقت العديد من لكمات أنمار بدفاعات القدماء الكبار الثلاثة كما حدث المثل لهجوم الكوبرا المجنّحة. لقد كانت تلك العاصفة مدمّرة وفي نفس الوقت جعلت من هجمات أنمار ووحشها السحريّ تفاجئ العدوّ.
*بووم*
انفجرت العاصفة كلّيّا متبدّدةً كأنها لم تكن موجودة من قبل. وعندما أراد الجميع معرفة ما حدث، علِموا السبب بعدما شاهدوا القدماء الكبار الثلاثة.
لقد كان الكبير ديميور قد أصبح رجل عضلات ضخم من جديد فحملت كلّ لكمة منه قوّة تهزّ الجبال وتحرق الغابات في لمحة. وجعلت فضيلة كرم من الظلال مسكنا لها تستطيع استخدامها للتنقّل بحرية واستهداف المناطق الضعيفة. إضافة للأقدم الكبير زئير صاحب المستوى الثاني عشر، والذي استخدم فنّه القتاليّ الأثريّ إضافة لعنصر الرياح من أجل صنع عاصفة قاطعة جعلت من هجوم أنمار والجنرال رعد بلا فائدة.
كان القدماء الكبار الثلاثة أقوياء للغاية ولم يكن سحرة بالمستوى الثامن ندّا لهم على الإطلاق. فبالرّغم من وجود فنّ أنمار القتاليّ الآن، إلّا أنّ ثلاث قدماء كبار، اثنين منهم بفنّ قتاليّ أيضا، كانوا أكثر ممّا تستطيع تحمّله.
انطلقت العاصفة القاطعة التي صنعها الأقدم الكبير زئير فبلغت أنمار والجنرال رعد، ثم مرّت بهما وجرحتهما عدّة جروح. ونتيجة لذلك، اختفت أفعى الكوبرا المجنّحة وبدأ يسقط الاثنان.
استخدم الجنرال رعد عنصر الرياح لرفع نفسه وأنمار، ثم اقتربوا من مجموعة الإمبراطور شيرو والآخرين. أصبحوا الآن كلّهم مجتمعين في مكان واحد من أجل مواجهة هؤلاء القدماء الكبار. كانت المجموعة مملوءة بالمجروحين فقط. فمع أنّ الإمبراطور شيرو كان قد عولج، وكذلك من هم مثله، إلّا أنّهم تلقّوا الإسعافات اللازمة من أجل العودة للقتال فقط.
وفي جهة أخرى، احتلّ التشكيل ساحة المعركة ولم يكن هناك جيش ندّا له. استطاع اجتياح كل تشكيلات العدوّ بسرعة كبيرة ولم يترك لهم الفرصة للتعافي أبدا. فهذه المرّة كان العدوّ يملك أيضا الإكسيرات، لذا كان من الأفضل التخلّص من العدوّ تماما قبل أن يعود من جديد.
وأخيرا، استطاع القادة تمهيد الطريق لباقي أتباعهم من أجل الذهاب لمساندة مجموعة أنمار. وبغرابة، لم يتجرّأ أيّ أحد من الجنود المتبقّين على إيقافهم أو طعنهم في ظهورهم. لقد كانت لهم هيبة عظيمة.
*بووف*
صدر صوت غريب فجأة كما لو أنّ ضغطا مركّزا أُطلِق على حين غرّة. ولمّا رأى الجميع ما ذلك، وجدوا أنّه في الواقع هدّام الضَّروس الذي كان يطفو في السماء. تعجّب المشاهدون من هذا الأمر ولم يجدوا له تفسيرا. كيف له أن يفعل ذلك بالضبط؟
قال واحد دون شعور: "كيف يمكن حدوث هذا؟ هل هو أيضا له عنصر الرياح كعنصر ثالث؟"
عمّ الصمت لقليل من الوقت قبل أن يجيب أحد آخر: "لا. ركز جيّدا. سترى أنّه لا يطفو بسبب الرياح ولكنّه يقف على شيء غير مرئي فقط."
حدّق الحاضرون إلى ذلك الشيء الذي يقف عليه ظلّ الشيطان في السماء متعجّبين ثم قال واحد منهم: "إنّه يبدو كزجاج ما."
تذكّر بعضهم ما فعله ظلّ الشيطان سابقا لمّا ضرب الهواء فكسره كالزجاج، ثمّ فهموا ما ذلك بالضبط. وبالطبع، فهم باسل أيضا أنّ ذلك فنّه القتاليّ الأثريّ.
تكلّم باسل مخاطبا ظلّ الشيطان بابتسامة هادئة تعتلي وجهه: "فنّ قتاليّ أثريّ أصله سامٍ. أأنا مخطئ يا هذا؟"
ابتسم هدّام الضَّروس ثم حدّق إليه بعين واحدة قائلا: "حتى لو كنت روحا منافقة، تبقى مؤهّلا. لديك عينان جيّدتان أيا فلان."
"هاهاها ! " ضحك باسل بصوت مرتفع ثم قال: "قد أبدو روحا منافقة في عينيك، فكلّ روح فقيرة تحتقر تلك الصامدة."
"هاهاها ! " بادله ظلّ الشيطان الضحك ثم قال بعدما فتح كلتا عينيه: "صامدة قلت. أهذا ما تسمونه بطريق الأقوياء بالمسار الروحي يا ترى؟"
تطاير شعره الأسود الطويل مع الرياح وأضاف: "تصنُّع الجمال وجعل المثالية المزيّفة وجها. ليس هناك طريق أقوياء ولا طريق أرواح صامدة،. أسمعتني أيا فلان؟ كلّنا نقتل، وننهب، ونتسلّط بحكمنا من أجل بلوغ غاياتنا، فلا داعٍ لتصنع المثالية أمامي."
أكمل بعدما أغمض عينيه: "ولكن، ماذا تتوقّع من عالم منافق. اقتل شخصا وستصير مجرما، اقتل الآلاف وستُشاد كبطل. أطريق الأقوياء الذي تتبعه هو هذا؟ أن تقتل أحدا باستخدام اسم العدالة، أو الحماية، أو السلام. ولكن كلّ هذا لا يغيّر أنّك قتلت. فما المختلف؟ لهذا دائما ما تجد الأرواح المنافقة تزيّف صورتها بشيء كطريق الأقوياء."
"هذا ليس مضحكا على الإطلاق يا هذا." عبس باسل ثم قال: "لا أعلم ما الحياة التي مررت بها لتحمل مثل هذه الأفكار. ولكن كلّ ذلك لا يهمنّي. أنا لن أقول أنّ طريق الأقوياء هو ذاك الذي لا خداع به، ولا قتل، ولا طغيان. ولكن، إنّه وبلا شكّ ذاك الذي لن تجد فيه روحا فقيرة سلّمت بأمرها لروح أخرى من أجل عبور المسار الروحيّ."
توهّج رمح باسل قليلا معلنا عن بدايته شحنه بطاقته السحريّة مرّة أخرى، ثم أكمل: "كيف لك أن تعبر المسار الروحيّ بروح لم تعد لك؟ أحقّا يمكنك القول أنّك تعبره حتّى؟ أوّل شرط بهذا المسار هو المحافظة على روحك من أجل ثباتها وصمودها أمام كلّ المصاعب والعقبات."
"...المسار الروحيّ لن يقبلك أبدا وأنت بلا روح. أسمعتني يا هذا؟"
حرّك ظلّ الشيطان يديه فرسم منحييْن ضوئييْن بسيفيه الهلالين ثم قال: "تظلّ تستخدم المسار الروحيّ كعلّة لكلّ شيء. إذن، أيمكنني فعل كل ما أريد طالما حملت روحا صامدة كما تقول؟ يا له من تناقض. لا، يا له من نفاق."
استمرّت طاقة الاثنين في الارتفاع أكثر فأكثر مع مرور الوقت، وقال باسل بعد هدّام الضَّروس: "أنا كشخص يحاول سير المسار الروحيّ، لا يهمّني ما إن كان شخصا جيّدا أم لا طالما لا يتدخل فيّ وفي أموري الخاصّة. لم يُسَمَّ المسار الروحيّ بهذا من فراغ. كل شخص يمكنه عبوره طالما يحافظ على روحه. ومن يحافظ على روحه يتبع طريق الأقوياء، ولهذا فقط الأقوياء هم من ينجحون في الصمود بالمسار الروحي.ّ"
"هذا ليس مضحكا أيا فلان." قال هدّام الضَّروس مجيبا بهدوء حادّ: "لنوفّر هذا. فشخص مثلك لم يعلم يوما ما معنى اليأس الحقيقيّ لن يرى صورة هذا العالم المخادع على حقيقته. كلّ ورأيه، فكلّ ومآله. وفي مثل هذا العالم، ليس صاحب الرأي الصحيح من ينجو، ولكنّه الأقوى. كن قويّا وسوف يكون رأيك هو الصحيح."
"هذا مضحك الآن يا هذا." قال باسل بعدما استعدّ للتلاحم: "روح فقيرة تتكلّم عن القوّة."
"هاهاها ! " ضحك ظلّ الشيطان كذلك وقال: "هذا مضحك كثيرا أيا فلان. روح منافقة تتصنع المثاليّة."
*زبووم* *زبووم* *زبووم*
وفي لحظة، كان الطرفين قد التقيا مع بعضهما وتبادلا ثلاث ضربات جعلت المكان يهتزّ وأوقفت المعارك للحظات. كانت الضربات الثلاث تحمل قوة سحرية عظيمة جدّا فأحرقت المكان كلّه وهدمته.
كان التحامهما هذا أقوى شيء سبق ورآه سكان هذا العالم. لقد استخدم الطرفان كلّ ما يملكان من قوّة في هذا الهجوم. فنّاهما القتاليّان وسحرهم بجميع العناصر التقوا فكسروا الهواء نفسه، وبدا كما لو أن السماء ستسقط في أيّ لحظة بسبب قتالهم.
ظهر الاثنان بعد هذا التصادم العنيف. كان باسل مغطّى بجروح خفيفة، أما ظلّ الشيطان، فلم يصبه أذى. حدّق هدّام الضَّروس إلى رمح باسل الخشبي بتعجّب كبير، وزاد من حذره كثيرا.
قال باسل فجأة: "عنصر الدمار حقّا مدهش. فلقد أنجاك من موت وشيك يا هذا."
عبس ظلّ الشيطان ثم قال هو الآخَر: "يبدو لي أنّك تحوز رمحا مثيرا للاهتمام. فلولاه لكنت جثة منشورة حاليا أيا فلان."
*باام* *باام* *باام*
اندلعت انفجارات عدّة فجعلت الاثنين يلقيان نظرة عليها، وإذا بهما يجدان القدماء الكبار الثلاثة قد اخترقوا مجموعة أنمار وجعلوا من غالب أعضائها قريبين من الموت.
*بووف*
اخترق باسل الهواء وانطلق نحوهم فجأة بسرعة كبيرة. فكل ما صار بعقله الآن هو إنقاذهم من القدماء الكبار الثلاثة قبل أن يبدؤوا في فقدان حياتهم واحدا تلو الآخر.
*انكسار*
*بووم*
وفجأة، وجد باسل نفسه محلّقا لآلاف الأمتار مبتعدا عن مجموعة أنمار بدل الاقتراب منها. لم يعلم ما حدث فورا حتى وجد هدّام الضَّروس يلاحقه في السماء عبر قفزات تكسر الهواء وتجعله يحلّق بسرعة لا تضاهى.
ولم يرتح باسل حتّى بلغه هدّام الضَّروس الذي كانت قبضته مشحونة بكلا عنصريه. فلكم بها باسلَ على الوجه تماما جاعلا إيّاه يحلّق أبعد أكثر.
صرخ باسل بجنون ولم يعد هادئا. فبالرغم من أنّ ظلّ الشيطان قد لكمه إلّا أنّ نظراته لم تُزح أبدا عن مجموعة أنمار التي كانت في خطر محدّق. ولكن لم يكن هناك ما بيده فعله في هاته الظروف. لقد كان هدّام الضَّروس يقف أمام طريقه ولم يكن سيسمح له أبدا بتجاوزه في الوقت المناسب لإنقاذهم.
تقدّم الأقدم الكبير زئير ثم قال: "سأبدأ بكم أولا." أشار إلى بكلامه إلى أصحاب الهجوم المشترك السابق ضدّه وأكمل: "لأذبحنكم ذبحا."
صرخ باسل من بعيد بينما تغطيه الدماء: "أنمار ! "
*باام* باام* *باام*
انفجر الهواء خلفه ثم انطلق مسرعا مرّة أخرى بكل ما يملك تجاه مجموعة أنمار. صرخ مرّة أخرى: "ابتعد عن طريقي ! "
ابتسم ظلّ الشيطان وقال: "فلتفعل ذلك عبر طريق الأقوياء الخاص بك. أو أنّ كلّ ذلك بعد كلّ شيء مجرّد نفاق ولا شيء آخر؟"
سخر هدّام الضَّروس من باسل ثم شحن طاقته السحرية ومنعه من المرور عبر حاجز من عنصريْ التعزيز والدمار.
رفع الأقدم الكبير زئير في تلك اللحظة سيفه المشحون بطاقته، ثم أدار التعاويذ الذهنيّة الروحيّة مستعدّا لتدعيم هجومه بفنّه القتاليّ. ابتسم بشكل عريض وصرخ: "موتوا ! "
"توقف ! "
وفجأة، ظهر شخص أمامه جعله يتوقّف عما كان يحاول القيام به. توقّف الأقدم الكبير زئير في آخر لحظة بعدما كاد يقسم هذا الشخص إلى اثنين. تعرّق بعد مشاهدة من أمامه، وتوقّف عن التنفّس من شدّة الخوف. بكلّ تأكيد، ظهور هذا الشخص جعله يرتعد كلّيّا.
نظر هدّام الضَّروس إلى الأقدم الكبير زئير ثم حاول رؤية من أمامه. فإذا بحدقتيْ عينيه تتسعان مباشرة بعد رؤيته هذا الشخص وقال: "أيا زئير، تراجع ! "
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.