171 – الارتباط بإرادة بحر الروح
بدا باسل يصارع نفسه، واستخدم قدرا هائلا من قوّته الجسمانيّة حتّى يوقفها نفسها. كان كما لو أنّ جسده منقسم تحت تحكّم إرادتين، وكلّ واحدة تحاول التسلّط على الأخرى. صاحَب كلّ ذلك آلاما غير معقولة ببحر الروح. لقد كانت هناك نيّة سامية تحاول السيطرة على بحر روح باسل ثم تحويله إلى مستقرّ لها حتّى تستحوذ على الجسد، ولكن إرادة بحر روح باسل صارعت ذلك كما لو أنّها تحاول إزالة فيروس ما، ممّا سبّب عذابا كبيرا.
توهّجت القطعة الأرضية في بحر روح باسل وانبثق منها بخار ما. أحاط هذا البخار بالجسم الأبيض كما لو أنّه يحاول السيطرة عليه. وفي المقابل، تحكّم باسل في الجسم الأبيض الذي يمثّل جسده وقاوم هذا البخار الغريب.
وفجأة، ظهرت ثلاث أشكال من الضوء فوق الجسم الأبيض. كانت هذه الأشكال الثلاثة تجسيدا للمخطوطات الثلاث، والتي صعقت الجسم الأبيض ثم ضغطت عليه بحمل هائل مرهقة إيّاه. تألم باسل أكثر فأكثر وصرخ: "لا يهمّني من أنت، ولكنّك لن تسلبني شيئا."
استخدم باسل سحره وتعاويذه الذهنية الروحية، وقاوم ذلك البخار والمخطوطات الثلاث بجهد أكبر. ازداد توهّج القطعة الأرضية، وفجأة، ازداد حجمها فتضاعف بشكل واضح. عبس باسل عند رؤيته ذلك وفكر بصوت مسموع: "إنّه كما قال المعلّم. في العادة ستكبر القطعة الأرضية كما استنتجت في الأوّل عبر امتصاصها العناصر وتنقيتها، ولكنّ هذه القطعة الأرضيّة تكبر بعدما تسيطر وتملك سلطة أكبر على بحر روحي."
أصبح البخار المحيط بالجسم الأبيض غامقا أكثر وبدأ يتّخذ شكلا معيّنا. كان هذا الشكل لشخص ما، ولكنّ جنسه لم يكُن واضحا، بدا كظلّ متشبّث بالجسم الأبيض يحاول الاستحواذ عليه.
تقيّأ جسد باسل الكثير من الدماء ممّا جعل الجمهور متفاجئا كثيرا. حدّق إليه كلّ شخص بتعجّب ولم يعلموا ما يحدث له. فتحت أنمار عينيها أخيرا ونظرت إليه بعبوس، غير قادرة على تخمين ما يحدث له أيضا. ولكنّها تذكّرت تلك الطاقة التي استخدمها ضدّ الأقدم الكبير فالتشر.
كانت تلك الطاقة طاغية للغاية، وبدت كأنّها تعود لسلطان حكم ذات مرّة العوالم وأمر مخلوقاتها بطغيان غير متناهٍ. أوضحت تلك الطاقة السامية كم كان كلّ الخلق أمامها تافها ولا يسوى أيّ مخلوق في نظرها شيئا، ولم يكن حتّى حشرة ليستطيع التسبّب في بعض الإزعاج لها.
نظر هدّام الضروس إلى باسل في هذه الحالة لكنّه لم يتجرّأ على الاقتراب بينما مازالت تلك الطاقة موجودة. أحسّ أنّ حركة واحدة بتلك الطاقة السامية كافية لجعله في خبر كان.
ومرّة أخرى، ازداد الضوء الساطع من جسد باسل، حتّى اختفى هذا الأخير في وسطه تماما. وفي هذه الأثناء، كان باسل متربّعا في بحر روحه بتعابير مرهقة لحدّ كبير. وكانت القطعة الأرضية تكبر مع مرور الوقت، ومع كلّ لحظة كان وعي باسل يتلاشى ببطء.
وبعد مدّة من التحمّل والتركيز في وسط كلّ ذلك العذاب، لمعت عينا باسل أخيرا ثم أحسّ بالارتباط الكامل بالجسم الأبيض، وبإرادة بحر روحه.
توهّجت كلّ نقط الأصل الأربعة عشر بالجسم الأبيض، وفجأة، تحرّكت ذراعه، وفي تلك الأثناء، لم يعد هناك جسم أبيض وبقي باسل فقط، والذي بدوره اختفى من المكان الذي كان متربّعا فيه، وصار في محلّ الجسم الأبيض. فكانت ذراع باسل هي التي تحرّكت في الواقع وليست ذراع الجسم الأبيض.
تكلّم باسل بصوت هادئ في هذه اللحظة: "أنا رابط كلّ نقط الأصل، وكلّ ما كان عليّ فعله هو الارتباط بإرادة بحر روحي كلّيّا، وعلى ما يبدو، فلقد نجحت في ذلك أخيرا. أظنّ أن إرادة بحر روحي أيضا لم ترد أنّ تصبح تحت سيطرتك يا هذا."
ابتسم باسل بهذا الوقت واخترق بيده اليمنى صدر ذلك البخار، ثم توهّجت تلك اليد، فقال باسل: "لقد كنت وشيكا، ولكنّك ارتكبت خطأً فظيعا، لم عليك أبدا وإطلاقا مساعدتي في ربط نقط أصلي أو تحفيز إرادة بحر روحي. فلولاهما، ما كنت لأقاومك هكذا. والآن، أنا مستردٌّ جسدي." اختفت الأشكال الضوئيّة التي كانت مثل المخطوطات الثلاث من فوق رأسه بعد ذلك.
سطعت نقط الأصل بجسد باسل، ورُسِم عليه مسارها، ثم توهّجت عيناه كذلك، وبتفكير منه، امتدّ ذلك التوهّج الذي على يده إلى البخار ثم قشعه. تشتّت البخار حتّى أصبح لا شيء في بحر الروح، وفي اللحظة الأخيرة قبل أن يختفي تماما، تشكّل فم أسود بأسنان لونها كلون الحبر، ونطق: "كما قلت، إنّه جسدي وسيعود لي ذات يوم."
ابتسم باسل مرّة أخرى وقال: "احلم كما شئت، فلو لم أحمل هذه المخطوطات الثلاث أصلا، لم تكن لتحصل على الفرصة في الاتصال ببحر روحي حتّى."
ظهرت تلك الأسنان السوداء بعدما كان الفم مغلقا، وارتسمت بها ابتسامة عريضة، فصدر ذلك الصوت العميق مرّة أخرى والذي لم يكن واضحا أكان لامرأة أم لرجل: "إذن تظنّه محض صدفة حملك هذه المخطوطات الثلاث؟"
"هاهاهاهاهاهاها ! " اهتز بحر الروح بهذه الضحكة، وجعلت باسل يشمئزّ نوعا ما. وعندما توقّفت أخيرا تلك الضحكة الطويلة، أكمل الفم الأسود الكلام: "لا تقل لي أنّك تعتقد أنّ جسدك هكذا أيضا مجرّد صدفة؟"
عبس باسل ثم حدّق إلى الفم الأسود لوقت طويل. لم ينبس ببنت شفة وظَلّ صانعا ذلك الوجه المنزعج.
قال الفم الأسود مرّة أخرى: "ماذا هناك؟ أأكل القط لسانك؟"
ارتفع حاجب باسل قليلا قبل أن يتنهّد ويقول: "لا. فقط ضحكتك أزعجتني. أنصحك بالتدرّب على الضحك، فأنت فظيع به."
فتح الفم نفسه من الدهشة، وفي اللحظة التي أراد أن يتكلّم بها مرّة أخرى، أحكم باسل قبضته فاختفى كلّيّا. عبس باسل مرّة أخرى بعد اختفائه وفكّر لقليل من الوقت. ففي الواقع ما قال ذلك الفم الأسود أرّقه ولم يستطِع إبعاده عن تفكيره.
حدّق بعد ذلك إلى القطعة الأرضية فرأى أنّها توقّفت عن النموّ، ولكنّها لم تصغُر. كان ذلك معناه أنّ المستوى الذي بلغته النيّة في السيطرة على بحر روح باسل لم يتراجع وتوقّف عند ذلك الحدّ فقط، وعنى أيضا أنّ الاتصال مازال قائما بينهما.
وفي الخارج، اختفى الضوء الساطع المحيط بجسد باسل فجأة، واختفت أيضا المخطوطات الثلاث بما أنّ باسل أدخلها لمكعّب التخزين. جعل هذا الحضور يندهش من جديد. ولكن ما صعقهم حقّا كان ما حدث لجسد باسل. اختفت الجروح التي كانت تغطّي جسده تماما وأصبح جسده يلمع من النقاوة. عادت له حيويّته من جديد، وصار سحره مليئا بالطاقة من جديد.
حرّك باسل أصابعه ونظر إلى جسده بتعجّب. أحسّ بالمثالية، كما لو أنّه أصبح أخيرا في جسده، في جسد ملائم له تماما، جسد أقوة وأمرن، أحسّ أنّ له التحكّم الكامل في أيّ جزء منه.
كان ذلك شعورا رائعا للغاية. والأكثر من ذلك، شعر بنتيجة الارتباط بإرادة بحر الروح. أصبح يحس كأنّه في بحر الروح وفي الخارج بنفس الوقت. فهم باسل لمَ كان الدخول للمستويات الروحية شرطا أساسيّا حتى يكون الساحر الروحيّ قادرا على تقسيم وعيه. ففي ذلك الوقت يكون مرتبطا تماما بإرادة بحر روحه ويستطيع أن يكون في بحر الروح عبر إرادة هذا الأخير، وفي الخارج بإرادته الخاصة.
أحسّ باسل بأنّ بحر روحه يقترب من الاكتمال الكامل.
حدّق الشاب ذو الحكمة السياديّة عن بعد مئات آلاف الأميال وتعجّب: "بلغ مرحلة الارتباط بإرادة الروح بالفعل. هوهوهو، هذا مثير حقّا. يبدو أنّه قد لا يكون بحاجة لي للتغلّب على تلك النيّة."
ابتسم الشاب ذو الشعر الفضّيّ وأكمل تأمّله بينما يراقب المعركة في نفس الوقت. كان في هاته اللحظات يقوم بانقسام الوعي.
ابتسم باسل مرتاحا. كان لديه سيطرة كبيرة جدّا على بحر روحه، ورأى أفقا أبعدا. وكبداية، جرّب شيئا ما.
*ووووش*
ارتفعت طاقة عنصر التعزيز بجنون، وفي لحظة بلغت المستوى الرابع عشر، ومع ذلك، كان يشعر باسل براحة كبيرة للغاية، حتّى أنّه كان يتحكّم مثاليّا بها كأنّها بالمستوى السابع فقط. سمح لقدر أكبر هائل من الطاقة السحريّة الخارجيّة أن يتوغّل لبحر روحه، ففاق عنصر التعزيز المستوى الرابع عشر بكثير وعاد لما كان عليه في المعركة ضدّ هدّام الضروس.
ازدادت جدّية باسل لمّا رأى أنّه مازال بإمكانه بلوغ قدر أكبر بكثير، فتوغّلت طاقة أكبر مرّة أخرى إلى بحر روحه حتّى جعل بذلك الشابّ ذا الشعر الفضّيّ يفتح عينيه من الدهشة. صرّح الشابّ متفاجئا: "إنّها طاقة سحرية تصل لنصف ما يملكه سيّد روحيّ." جعله هذا الحدث يُصعق تماما.
وأخيرا توقّف باسل عند ذلك الحدّ، ولم تظهر عليه أدنى علامات التعب أو أيّة جروح ولو طفيفة. كان في كامل عافيته وحيويّته.
تمتم الشابّ ذو الشعر الفضّيّ مرّة أخرى: "ذلك المستوى لا يصله سوى من يكون في عمليّة الاختراق للمستويات الروحية. هذا غير معقول ! ساحر بالمستوى الثامن يملك كلّ هذا القدر من الطاقة السحرية ! "
أصبح جسد باسل بعد تلك المحنة قويّا جدّا كفاية ليتحمّل كلّ تلك الطاقة، فهو صار الجسم الأبيض نفسه الذي كان ببحر روحه، ممّا عنى أنّ جسمه ارتقى وصار أقسى. أصبح جسده الآن كالذي يملكه ساحر بقمّة المستوى الرابع عشر. وهذا إضافة لبحر روحه الذي أصبح تحت تحكّمه مثاليّا. وبذلك غدا قادرا على تهدئة وقرّ بحر الروح وزيادة قدرته الاستيعابية.
انذهل هدّام الضروس من كلّ الأحداث المتتالية والتي لم يجد لها تفسيرا. لقد استغلّ هو سابقا القرص الفضّيّ وطاقته الروحية السامية في معالجة نفسه، ولكنّه لم يفهم كيف فعل باسل ذلك. وحتّى أنّه صار أقوى عن ذي قبل وهذا أفضل ممّا حدث له بعد معالجة القرص.
أحس بشعور غريب نوعا ما، وعندما التقت عيناه السوداوان بعينيْ باسل الحمراوين، انتصب شعر جسده، وبدا لوهلة كأنّه سمع ضربات قلبه. لم يزح نظره عن باسل واستمرّ في التحديق إليه.
ابتسم أخيرا وتمتم: "لقد مرّت مدّة طويلة مذ شعرت بهذا الإحساس. لقد نسيته تقريبا. ليس سيّئا الشعور به من حين إلى آخر على ما أظنّ، إنّه يعطي شعورا بالحياة."
رفع رأسه نحو باسل، والذي قال بدوره بنظرات حادّة: "لقد قوطعنا في وسط معركتنا، ولا أحبِذ أن يفعل شخص ما ذلك. والآن، ما رأيك أن نكمل يا هذا؟"
استمتع هدّام الضروس بذلك الشعور لوقت أطول، ثم ابتسم قبل أن يجيب: "أيا فلان، قد لا نكون نختلف في كلّ شيء."
ابتسم باسل كذلك، ثم شغّل رمحه الخشبيّ، وفي لحظات من بدء شحنه، حتّى كان الرمح قد أصبح عبارة عن نصل ناريّ بطول اليد فقط. كان كشعلة نارية زرقاء مستقرّة ولهبها ثابت. وهذا الأمر جعل هدّام الضروس يحملق إلى باسل بعبوس. فلو كان هناك شيء يعنيه ذلك، فهو أنّ باسل تحكّم مثاليّا في الرمح الخشبيّ.
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.