180 - مدينة العصر الجديد

180 – مدينة العصر الجديد

وقف باسل مبتسما، ثم قال: "حسنا. فلنذهب إذن."

استغرب جميعهنّ، فسألت لطيفة: "إلى أين؟"

رفع باسل يده ثم أشار بها إلى اتّجاه محدّد، قائلا: "إلى الشمال، حتّى العاصمة."

"هاه؟" استغربت لطيفة وسميرة من هذا الأمر: "ولكن..."

أجاب باسل عن تساؤلهما: "كلّ شيء في أهبة الاستعداد."

تدخّلت أنمار بعدما فهمت ما يحدث: "لا تقل لي."

اقترب باسل من باب الخروج قائلا: "نعم. وسيلة نقلنا هنا مسبقا."

تعجّبت الأمّان: "وسيلة نقل؟"

فتح باسل الباب، فطلّت الأمّان، فإذا بهما تتفاجآن بالمشهد أمامهما.

*صـــهـــيـــل*

قفز خيل ملكّيّ، وتطاير شعره فبدا كأنّه يحلّق فوق قوس قزح بسبب الألوان الطبيعيّة التي يملكها شعره. كان هذا الخيل يجرّ عربة كبيرة تتسع لأشخاص عدّة، وكان عدد الأفراس ستّة. كان المنظر أمام الأمّان مدهشا للغاية، ولم يعلما كيف لمثل هذه المخلوقات النادرة أن تكون أمام المنزل.

نزل شخص من العربة، ثم تقدّم نحو باسل وانحنى أمام باسل، قائلا بلهجة محترمة: "لبّى التابع النداء."

ابتسم باسل ثم قال: "شكرا لك يا تورتش. يبدو أنّك أعددت وسيلة نقل مريحة كما أُخبِرتَ."

رفع تورتش رأسه ثم نظر إلى أمّ باسل وسميرة، فصُعِقَ تماما، وبدأت الشكوك تتخلّله. هل حقّا هاتان المرأتان هما والدتا باسل وأنمار؟ لقد كانتا آيتان في الجمال ولم يستطِع إبعاد نظره عنهما لفترة طويلة. لقد كانت أمّ باسل صاحبة شعر أسود حالك، يجعل النفس تضطرب، وتشتاق للمسه. وكانت سميرة نسخة كبرى من ابنتها أنمار. كانت الاثنتان من أجمل نساء هذا العالم بلا شكّ.

عبس باسل ثم قال مبتسما نصف ابتسامة: "كيف تركت شي يو يا تورتش؟"

صُعِق تورتش مرّة ثانية فاستفاق من أحلامه، فهرع بعد ذلك إلى العربة مسرعا، قائلا: "سأقود يا سيّدي، على إشارتك."

ضحك باسل وأنمار بعد رؤية تصرّفاته. أخذت لطيفة وسميرة وقتهما في محاولة استيعاب ما يحدث، والتي باءت بالفشل ثم قالت أُوْلَاهما: "ما كل هذا يا بنيّ؟ لمَ يناديك بـ'سيّدي'؟ وألم يبدو شخصا مهمّا؟ أعلم أنّ الجنرالات فقط من يرتدون دروعا فضّيّة. ما الذي يحدث؟"

حكّ باسل ثم قال: "كيف أفسّر هذا يا ترى. لنختصر الأمر." رفع باسل أصبعه وأكمل: "ببساطة، لقد فعلت شيئا مذهلا وأصبحت الجنرال الأعلى."

"هــــاه؟" صُدِمت الاثنتان تماما.

أخذت أنمار جانبه ثم ارتسمت على محياها ابتسامة مشرقة، قبل أن تقول: "وأنا بعد أحداث عدّة، أصبحت أميرة عائلة كريمزون الجديدة."

"هــــاه؟"

صدمة بعد الأخرى، جعلت ذقنا الاثنتين يسقطان أرضا من الدهشة. قالت لطيفة بسرعة: "الجنرال الأعلى؟ أتعني الشخص الذي يتحكّم في جيوش الإمبراطوريّة بأكملها؟"

أكملت سميرة: "وماذا تعنين بالأميرة الجديدة؟" سبقهما باسل وأنمار إلى العربة ثم قال: "حسنا، حسنا. ستعلمان عن كلّ شيء في طريقنا إلى هناك. لدينا كلّ الوقت."

كان الناس مجتمعين ببوابة القرية، بينما ينظرون إلى المشهد المذهل أمامهم. لقد كان هناك مئات الجنود ذوي المستوى الخامس أمامهم، والعديد من ذوي المستوى السادس. كان ذلك منظرا مدهشا جدّا بالنسبة لأولئك القرويّين. كلّهم حدّقوا إلى الجيش الصغير أمامهم، مرتعبين، متحمسين، منتظرين معرفة ما يحدث.

وفجأة، أتت عربة من خلفهم. كانوا قد سبق ورؤوا هذه العربة تدخل، ولكن لا أحد تجرأ على تبعها. والآن، بعدما شاهدوها من جديد، ترقّب الجميع رؤية راكبها ليعلموا من الشخص الذي أتى بهذا الجيش المدهش إلى أبوابهم.

أتى شخص مسرعا إلى البوابة بينما يصرخ: "ابتعدوا، ابتعدوا." كان هذا هو عثمان، الشخص الذي أصبح الآمر الناهي في القرية لأنّه غدا ساحر مستوى ثانٍ. جاء بسرعة لأنّه أراد أن يعلم من هذا الشخص المدهش الذي أتى. فإن كان حظّه جيّدا، فسوف تكون لديه الفرصة ليرتقي ويملك منصبا ذا نفوذ جيد بعد العمل تحت إمرة هذا الشخص المدهش.

مرّت بهم العربة حتّى خرجت من البوابة، وفجأة، توقّفت فنزل منها تورتش وذهب إلى أعلى البوابة. اقتلع رأس ملك الثعابين الشره وحرقه إلى رماد. فجعل ذلك عثمان يتجمّد في مكانه من الغضب. لقد كان ذلك رمزه وشعاره، وما فعله تورتش لم يعطه أيّ ماء وجه.

تقدّم عثمان إلى الأمام ثم خاطب تورتش بلهجة محترمة، فبعد كلّ شيء، كان من الواضح أنّ تورتش ساحر بمستوى مرتفع: "المعذرة يا سيّدي. أيمكنني المعرفة لمَ أزلت شعار قريتنا؟"

حملق تورتش إليه ثم قال: "ومن أنت؟"

حكّ عثمان يديه وقال بابتسامة متكلّفة: "أنا عثمان أبو عثمان، زعيم هذه القرية الحالي."

"هوو." ابتسم تورتش ثم قال: "ومن أعطاك هذا اللقب؟ هل أُجمِع عليه من أهل القرية؟"

"هذا..." تمتم عثمان وقال: "لا في الواقع، ولكنّهم لم يبدوا منزعج..."

"إذا لست بزعيم شرعيّ." قاطعه تورتش ثم أكمل: "سأجيبك، لا، سأجيبكم. كونوا فخورين. اليوم يوم سعدكم. اليوم، قرّر أقوى رجل في هذا العالم أن يمنح قريتكم حماية خاصة منه. إنه الجنرال الأعلى لإمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، والشخص الذي أصبح بطل العالم في الآونة الأخيرة، بطل البحر القرمزيّ."

لم يعلم الكثير من الناس معنى كلام تورتش الأخير، ولكن كلّ واحد منهم كان على دراية بلقب الجنرال الأعلى. لقد كان يُمنح هذا الشخص إلى أقوى رجل في الإمبراطوريّة فقط، والذي يُعتبر مؤهّلا لقيادة جيوشها كقائد أعلى.

تحمّس الجميع بعد قليل من الوقت استغرقوه في استيعاب كلام تورتش. لقد كان معنى ذلك أن قريتهم أصبح لها مستقبل زاهر لا محالة، ولن يمرّ وقت طويل حتّى تصبح مدينة عظيمة. فحماية الجنرال الأعلى لم تعنِ فقط حراستهم، وإنّما مساعدتهم في حياتهم وتجارتهم، ومعاونتهم على بناء مدينة عظيمة.

تقدّم عثمان إلى الأمام ثم قال بلهفة: "في الواقع، لقد سمعت بإنجازات الجنرال الأعلى المتتالية، وقد حلمت طوال الوقت الذي سمعت فيه عنه بخدمته. لقد سمعت أنّه شابّ يقاربنا العمر فقط، ولكنّه بلغ ما لم يبلغه أحد قبله. إنّه حقّا مفخرة لنا، وسأكون سعيدا للغاية إن استطعت الخدمة تحته. سيكون ذلك أشرف شيء في حياتي كلّها."

ابتسم تورتش وتقدّم إليه. ربت على كتفه فقال: "أوه، هكذا إذن، هكذا إذن. يبدو أنّك شخص مستقيم عكس ما اعتقدت. في الواقع، لقد كان سيّدي يريد لقاءك أيضا."

نزل شخص من العربة الضخمة فجأة، فسقطت عليه كلّ الأنظار. وبعد ذلك، بدأ العديد من الأشخاص يتمتمون: "انتظر، أليس ذلك باسل؟"

"لا شكّ في هذا. ليس هناك شخص بمثل تلك المواصفات."

"ما الذي يفعله في عربة الجنرال الأعلى؟"

"هل يمكن أنّه استطاع أن يصبح تابعا له؟"

"واااه، لو كان هذا صحيحا فذلك عظيم. لطالما ظننت أنّه سيكون شخصا عظيما."

استمرّت الهمسات، كما استمرّت خطوات باسل، مقتربا بذلك إلى تورتش وعثمان. بقي هذا الأخير فاتحا فمه من الصدمة، وفجأة، ومضت بعض الأشياء الغريبة في ذهنه جعلته يصاب بالجنون في لحظة واحدة.

"لا، ذلك مستحيل ! لا يمكن ! غير وارد ! محال ! كذب ! يجب ان يكون من مخيّلتي ! "

تذكّر بعض المواصفات التي وصلته: (إنّه فتى مراهق. شعره كالدّم لونا، وعيناه تسايران تلك الحمرة كالجمرة. ترافقه فتاة بشعر ذهبيّ، اتّضح أنّها الأميرة الجديدة، اسمها أنمار. اسمه باسل.)

"لا ! "

ربت تورتش مرّة ثانية على كتف عثمان، فجعل ركبتيه تفشلان بسبب ذلك. لقد كان يعلم تماما ما القادم من فم تورتش: "افرح يا عثمان أبو عثمان، فكما تمنّيت، ها أنت ذا في حضرة بطل البحر القرمزيّ، الجنرال الأعلى، باسل."

ارتجف عثمان في الأرض، وأراد أن يحفر قبرا ويدفن نفسه به.

وقف باسل أمامه ثم حدّق إليه بازدراء، قائلا: "ها أنا ذا هنا. إذن، تريد أن تخدمني يا صرصور؟"

أخذ باسل خطوة أخرى فوضع بها قدمه بين رجليّ عثمان، ثم أكمل: "اعتبارا لصداقتنا الطويلة، سأمنحك فرصة في ذلك."

كانت الخطوة التي خطاها باسل قويّة بشكل أكبر ممّا يمكن لعثمان تحمّله. فبلّل بنطاله من شدّة الرعب.

واصل باسل: "قف وتصرّف كما فعلت طيلة السنين الماضية أمامي، ولك ما تريد."

فزع عثمان أكثر، ونظر إلى عينيْ باسل فوجدهما تحملان كمًّا هائلا من الضغط. فقط نظراته كانت كافية لجعله يرضخ. لقد كان دائما يظنّ أنّ هذا الفتى القرمزيّ وحش صغير، ولكنّه تأكّد من ذلك اليوم، وعلم انّ الوحش الصغير قد نضج كثيرا عمّا كان عليه سابقا.

سقط بعد ذلك عثمان فاقدا الوعي كلّيّا، فاستدار باسل وغادر. لمحت عيناه أثناء ذلك فتاةً تقف بعيدا، لا تقدر على الاقتراب من مكانهم، فابتسم بعدما تذكّر صورة أنمار في عقله، وأكمل طريقه غير مهتمّ، ولكنّه تمتم: "أكنت سأقع في حبّ هذه؟ يا لها من مسخرة."

وقف باسل أمام العربة ثم تكلّم بصوت مرتفع: "من اليوم فصاعدا، لم يعد هذا المكان قرية منعزلة متعرّضة للخطر دائما. الآن بهذا المكان، أعلن أنّها تحت حمايتي. أنا باسل، أمنح هذا المكان اسم مدينة العصر الجديد ! "

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

وعيد مبارك سعيد

2018/08/21 · 1,121 مشاهدة · 1288 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024