185 – استفزاز وحش الأعماق
عاد إدريس الحكيم إلى هذا العالم بعد مدّة، ثم حدّق إلى باسل الذي كان يتّجه نحو ذلك المكان. شغّل نظرته السامية وبصر بها آلاف الأميال بعيدا. وفي ذلك المكان، كانت تقبع أنمار بينما تتدبّر فنّها القتاليّ. كانت قد بدأت تستنبط الغصن الثالث، ولم يتبقّ لها سوى القليل على بلوغ الفرع المتوسّط.
لقد كان الفنّ القتاليّ ذو الأصل السامي شيئا سيُسقِط لعاب كبار شخصيات العوالم. فعند إكمال كل الفروع، أي عندما ينتهي الساحر أو الساحر الروحيّ من استنباط وإتقان المرحلة الأثريّة، فسيُلقَّب عندها بالساحر الروحي الأثريّ. ولا يكون ذلك مجرّد لقب من فراغ. فالساحر الروحيّ الأثري له شأن كبير بسبب قوّته المرعبة.
كان الساحر الروحيّ الأثريّ صاحب فن بأصل سامٍ مختلف تماما عن ذاك الذي بفنّ لم يبلغ السموّ. فالفنّ القتاليّ يبلغ المثاليّة عندما يبلغ السموّ. غير ذلك، يبقى فنّا بثغرات لأنّه لم يبلغ الذروة حتّى يصير مثاليّا.
والآن، كانت أنمار تتدرّب على الفنّ القتاليّ السامي سحق الخلق. لو علم أيّ شخص من العوالم الروحيّة عن هذا فسوف يسقط فكّه السفليّ من الدهشة، ويصنع بركة من لعابه. سيريد أن يحصل عليه بأيّ طريقة ممكنة.
وفي تلك الأثناء، كان باسل قد بلغ هدفه. لقد كانت وجهته هي المكان الذي حرّم إدريس الحكيم عليهما عبوره – النهر الذي يفصل الجانب الشماليّ عن الجانب الجنوبيّ. لقد كان ذلك النهر مليئا بالوحوش السحريّة البحريّة، وانتقلت عبره أنواع مختلفة من الأسماك والمخلوقات البحريّة الأخرى.
معظم هذه الأسماك كان سحريّا، وكان هناك بالطبع أسماك عادية. كان هذا النهر يقطع مئات الأميال عبر السلاسل الجبليّة الحلزونية، وبدا كتنين مائيّ يعبر الأرض بعدما قرّر التخلّي عن السماء. كان هذا النهر غنيّا بطاقة العالم ممّا جعله يحمل أنواعا شرسة من المخلوقات البحريّة.
فالأسماك لوحدها هنا كانت قادرة على تهشيم سحرة المستوى السادس ببساطة. لذا غالبا ما ابتعد سحرة هذا العالم عن هذه المنطقة، أو بالأحرى، عن مركز السلاسل الجبلية الحلزونيّة.
وقف باسل عند النهر، ثم حدّق إلى الوحوش السحريّة التي تتبعه. ولكن عندما اقترب من ذلك النهر، توقّفت تحرّكات الوحوش السحريّة بتوقّف الزعيمان فجأة، ولبثت في أماكنها دون القيام بأيّ شيء. كان من الواضح أنّ هذه الوحوش السحريّة لا تستطيع الاقتراب من هذا النهر بأريحيّة.
ابتسم باسل ثم قفز على حين غرّة وغطس إلى أعماق النهر. كان ذلك جنونا بالنسبة لأيّ شخص من هذا العالم، ولو رآه أيّ شخص فستفشل ركبتيه من الرعب. لقد كان هذا النهر يُلقّب في هذا العالم باسم معيّن – نهر دم التنين.
كانت هناك أسطورة تقول أنّه في وقت ما قديما، انحدر تنين سامٍ إلى هذا العالم البسيط هاربا من شيء ما. فلبث بهذه السلاسل الجبلية لآلاف السنين، منتظرا إصابته البالغة تُشفى.
وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك مثل هذه السلاسل الجبلية الحلزونيّة، ولكنّها برزت بعدما ظهر هذا التنين العظيم. قيل أنّ سقوطه ذاك سبّب زلزالا هزّ العالم الواهن لعشرة أيّام متواصلة، فبرزت هذه السلاسل الجبليّة الحلزونيّة بسبب ذلك. وبالطبع، نهر دم التنين كذلك.
قيل أنّ هذا النهر كان المكان الذي لبث التنين العظيم في أعماقه. وبسبب ذلك، فقد تغذى هذا النهر من دماء الوحش السامي طيلة آلاف السنين حتّى صار من أفضل ثلاث مواقع في العالم الواهن غنيّة بطاقة العالم. كانت هناك إشاعة على أنّ التنين العظيم ترك بصمة له كوريد تنين في أعماق هذا النهر.
لا يعلم احد إن كانت مثل هذه الأسطورة حقيقة أم لا، ولكن الشيء الأكيد كان هو غنى هذا النهر بالطاقة السحريّة. وبسبب ذلك، حمل في أعماقه أقوى الوحوش بهذا العالم على الإطلاق. قيل أنّه الوحش الذي يسكن في باطن هذا النهر هو أقوى وحش في العالم الواهن، وقيل أنّه لا يستطيع أن يكون أقوى من الوحوش السحريّة التي تتزعّم قارّة الأصل والنهاية.
اختفى باسل لوقت طويل، وبقيت الوحوش السحريّة تنتظر هناك بصبر. لم يتجرّأ أيّ وحش على الاقتراب أكثر من نصف ميل من البحيرة. كانت غريزة هذه الوحوش السحريّة حادة للغاية، وتجنّبت بسببها العديد من المخاطر، ولكن هذه المرّة لم يبدُ أنّها تتبع غريزتها فقط، وإنّما كان أقرب إلى تجنّبها هذه المنطقة المحرّمة لأنّها تعلم سبب ذلك.
وفي هذه الأثناء، كان باسل يستخدم فنّه القتاليّ لزيادة سرعته بداخل الماء، فانطلق كشعاع ضوء يخترق الأعماق. وصل إلى عمق حيث لم يعد هناك نور وبقي الظلام الحالك فقط. كان كلّ شيء يحيط به غير مرئيّ لعينيه.
وفجأة، أحسّ بنيّة قتل مرعبة آتية من خلفه، فأسرع بضرب عشر لكمات متتابعة دون توقّف، وفي كلّ لكمة ازدادت القوّة حتّى ولّد صدمّة داخل الماء كوّنت موجات عبرت طريقها إلى أن بلغت سطح النهر.
استخدم باسل حواسّه ثم واجه هذا المخلوق الذي لا يعلم عن شكله، ولكنّه كان قدّ مرّ بتدريبات متنوّعة من معلّمه حتّى يكون قادرا على القتال ولو بعينين مغلقتين. فلطالما كان واعيا، سيكون قادرا على القتال بنفس المردوديّة. وبالطبع، كساحر كان بإمكانه الرؤية قليلا في هذا الظلام، ولاسيما إن استخدم التعاويذ الذهنية الروحية، فسيكون قادرا على تعزيز نظره حتّى يصبح قادرا على الرؤية، ولكنّه لم يفعل ذلك واستغلّ الفرصة لشحذ حواسّه أكثر.
وبعدما قاتل باسل هذا المخلوق المجهول داخل النهر لوقت معيّن، علم عن طوله وعرضه، وعن قوّته القصوى أيضا، حتّى انّه استطاع تحديد شكله. لقد كان ذلك وحشا سحريّا بالمستوى العاشر، وبلغ طوله عشرة أمتار، وعرضه نصف طوله.
علم باسل أنّه عبارة عن حوت أعماق سحريّ، ولهذا لم يتخاذل أبدا واستخدم كلّ ما يملك من قوّة للهرب. لم يكن هدفه من الغوص عميقا هكذا هو القتال أبدا. لقد كان ذلك لتحقيق شيء آخر تماما.
لحق الحوت الضخم باسل إلى الأعماق بدون تردّد. لقد كانت هذه منطقته الخاصة، وموطنه، فلم يفكر لثانية قبل أن يتبع فريسته التي كان متأكّدا من قدرته على هزيمتها.
قابل باسل وحوشا سحريّة أخرى في طريقه، وبمجرّد ما أن كان يعلم أنّها بالمستوى العاشر فما فوق، كان يستفزّها ويهرب مرّة أخرى. وبعد مدّة، كانت هناك العشرات من الوحوش تتبعه في كلّ مكان.
كان ينتقل من مكان إلى آخر، بينما يستفز الوحوش السحريّة أكثر فأكثر بين حين والآخر. كلّ ذلك زاد من غضب الوحوش السحريّة، وتبعته بأكبر سرعة تملكها. ومع ذلك، كان باسل يستخدم فنّه القتاليّ لمدّة طويلة الآن، لذا كان قد بلغ ذروة سرعته، ولم يكن بمقدور حتّى هاته الوحوش السحريّة المائية أن تلحقه في بيئتها الخاصة.
وبعد وقت طويل، استطاع باسل أخيرا أن يحدّد الاتجاه الذي يريد أن يأخذه. فبعدما حاول كثيرا، لاحظ أنّ الوحوش السحريّة تنقص تدريجيّا عندما كان يأخذ هذا الاتجاه، وكانت الوحوش السحريّة تنقص بشكل تصاعديّ حسب المستوى. فكلّما قطع مسافة أكبر في هذا الاتجاه، اختفى وحش بمستوى أرفع.
تأكّد تماما من أنّ المسار الذي يأخذه هو الصحيح. وبعدما تعمّق كثيرا، اختفت كلّ الوحوش السحريّة التي كانت تتبعه، ولم تشأ أن تفعل ذلك مهما استفزّها.
تعمّق لمئات الأمتار أكثر، فأحس عندها بضغط كبير. لم يسبق له أنّ شعر أبدا بمثل هذه الهالة والنيّة القاتلة من أيّ وحش سحريّ. بدون شكّ، لقد هذا الوحش القابع هناك هو أقوى وحش سحريّ سبق وواجهه.
لا عجب في عدم جرأة الوحوش السحريّة على اللحاق به. لو اقترب أيّ كائن من هذا الوحش السحريّ فسيجد نفسه ميّتا قبل أن يعلم حتّى.
ابتسم باسل في الأعماق، وحافظ على استخدام تعاويذه الذهنية الروحية باستمرار حتّى يبقى فنّه القتالي في ذروة استخدامه، ثم قطع مئات الأمتار المتبقيّة في لحظات وجيزة.
وأمام باسل، كان هناك شيء عملاق. استخدم باسل نظر الساحر وزاد من قدرة ذلك بالتعاويذ الذهنية الروحية، فأصبح قادرا على رؤية ما أمامه. كان هذا الشيء الراقد هناك يبدو كأنّه لم يتحرك لمدّة طويلة جدا، حتّى أنّ الطحالب قد نمت على جسده.
كان باسل يبعد عنه بعشرات الأمتار فقط، لذا كان قادرا على استشعار هيبة هذا الوحش المرعبة. كلّ شيء في هذا العالم كان مجرّد نمل مقارنة بهذا الكيان المدهش. حتّى أنّه بلع ريقه عندما فكّر في نسبة تحقيق مراده. هل سيستطيع النجاة وتحقيق مراده؟ أم سيقضي عليه هذا الكيان المرعب قبل ذلك؟
شدّ عزيمته، ثم تحرّك في دائرة لمدة قبل أن ينطلق نحو الوحش السحريّ بسرعة مجنونة.
*بووم*
اصطدمت قبضة باسل بالوحش السحريّ، فكان ذلك بمثابة طفل يلكم رجلا بالغا بكامل قوته. فحتّى لو كانت مؤلمة، لم تكن قاتلة أبدا أو أمكنها ترك جرح بالغ. وبسبب ذلك، استيقظ الوحش السحريّ من سباته العميق والطويل، وبالطبع، كأيّ أحد آخر، كان غاضبا للغاية. لم يكن هناك أيّ شخص أو حيوان أو وحش سينهض بمزاج جيّد بعد إيقاظه بمثل هذه الطريقة المؤلمة.
*غواااااه*
صرخ الوحش السحريّ، وفتح عينيه في نفس الوقت ثم نظر إلى ما سبّب له ذلك. رأى باسل يطفو أمامه، فازداد غضبه عندما علم أنّ مخلوقا صغيرا كهذا سبّب له ذلك الألم.
أمّا باسل، فقد حدّق إلى الوحش العملاق أمامه، ثم أشار بقبضته تجاه الوحش السحريّ العملاق، وابتسم متكلّفا، ممّا جعل الوحش العملاق يهيج ويصل غضبه إلى قمّته. وفي لحظة، انطلقت هالته ثم جعلت النهر كلّه يرتجف. هربت جميع المخلوقات بهذا النهر إلى أبعد مكان يمكنها بلوغه.
وفي نفس الوقت، ضرب باسل بقبضته فوصل تأثيرها إلى الوحش السحريّ، وبالطبع، لم يكن لها أيّ تأثير جسديّ عليه، وكانت مزعجة أكثر فقط لا غير. كلّ ذلك جعل من الوحش السحري العملاق يريد التخلّص من باسل بأسرع وقت، ولكن بأبطأ طريقة.
وفي اللحظة التالية، اختفى باسل من أمام الوحش السحريّ العملاق واتّجه نحو الأعلى، نحو سطح النهر. وعندما رأى الوحش العملاق باسل يهرب بعدما أغضبه لهذه الدرجة، زاد هيجانه أكثر، ثم تبع باسل بسرعة مجنونة. وفي لحظة، وجد باسل الوحش العملاق خلفه مباشرة وفمه مفتوح على مصراعيه مستعدّا لقضم باسل.
وفي الواقع، كان باسل من تعمّد ترك الوحش العملاق يلحقه. وعندما كان أن يُعضّ، زاد من سرعته أكثر فقضم الوحش السحريّ الماء فقط، ممّا زاد من غضبه إلى درجة مخيفة. لم يعد هناك أيّ شيء يستطيع إعادته إلى رشده غير القضاء على ذلك المخلوق الدنيء الذي تجرّأ على مضايقة سباته.
قام باسل برمي بعض اللكمات في طريقه إلى الأعلى، وذلك جعل الهائج ثائرا فقط. ازدادت سرعة الوحش السحريّ بدرجة مخيفة على حين غرّة، فلاحظ باسل أنّه يستخدم سحر الماء من أجل أن يزيد من سرعته. توقّف باسل عن استفزازه أكثر وانطلق بأقصى سرعة يملكها.
قطع آلاف الأمتار، وأصبح أخيرا في الجانب المضيء من النهر.
كان إدريس الحكيم يطفو بعيدا في السماء، وعندما أحسّ بهالة الوحش السحريّ في المرّة الأولى، تفاجأ أيضا. لم يكن يظنّ أنّ هذا الوحش قد بلغ مثل ذلك المستوى في الواقع. لقد كان ذلك غير متوقّع. ظنّ أنّه سيكون في قمّة المستوى الثاني عشر على الأكثر، ولكن ذلك كان مختلفا.
شعرت الوحوش السحرية خارج النهر بما كان قادما، فبدأ العديد منها يهرب بالفعل ولم يهتم للزعيمين بعد ذلك. كان الكيان الذي يقترب أكثر إخافة من الأسد الشيطانيّ ونمر البرق بالنسبة لها.
تناقص عدد الوحوش السحريّة بكثير عمّا سبق، فانخفض من عشرات الآلاف إلى الآلاف، ومع مرور الوقت، صارت مئات فقط. وبعد مدّة أطول، لم يتبقّ سوى حوالي المائة فقط.
كان ذلك منظرا غريبا للغاية. تفرّقت جميع الوحوش السحريّة في جميع الأنحاء. كان ذلك مشابها نوعا لما حدث عندما أتى إدريس الحكيم إلى هنا أوّل مرّة وأرعب الوحوش السحريّة فجعلها تخلي المنطقة بمحيط ألف ميل.
وبعد مدّة أخرى، انطلق شيء ما من النهر، فجعل الوحوش السحريّة تزيد من حذرها بسبب رعبها. كان هذا الشيء هو باسل الذي بلغ علوّا في السماء، وبعدما نزل إلى الأرض، نظر إلى عدد الوحوش السحريّة المتبقّية ثم ابتسم وتمتم: "لقد كانت النتيجة أكبر مما كنت أتوقّع ! "
حدّق إلى الوحوش السحريّة، كما فعلت هي الأخرى تجاهه. تقدّم خطوة إلى الأمام، فجعل بذلك الوحوش السحريّة تهلع. كانت غريزتها تخبرها أنّها عبثت مع الشخص الخطأ.
وفي اللحظة التالية، انفجر النهر فجأة، وظهر مخلوق عملاق جعل الوحوش السحريّة المتبقيّة ترتجف تماما. وقبل أن يكون هناك أيّ وقت لها للهرب، كان باسل قد اتّجه نحوها بسرعة كبيرة، فتبعه المخلوق العملاق، مّما أدّى إلى التصادم بينه وبين باقي الوحوش السحريّة بسبب باسل الذي دخل بينها.
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.