186 – قتال مختلط

كان ذلك الوحش يشبه التمساح، ولكنّه كان مختلفا عن ذلك بكلّ تأكيد. فعندما حلّق إلى السماء، انبسط جناحاه الكبيران، واللذان بدوَا كذينك الخاصّين بالخفّاش، إلّا أنّهما كانا أكثر صلابة وضخامة؛ فبدا لوهلة كتنّين عتيق أتى من عالم سامٍ. وعندما حرّكهما، اهتزّ المكان وعصفت الأرجاء. وبزئيره، شلّ حركة الوحوش السحريّة كلّها. كانت له مخالب يمكنها اختراق كلّ ما تلمس، وجلد حرشفيّ قاسٍ لا يقدر أحد على اختراقه. اتخذ شكل التمساح، ولكنّه امتلك مواصفات تنينيّة أسطوريّة.

حتّى الأسد الشيطانيّ ونمر البرق لبثا في مكانهما غير قادرين على الهرب ولا على الهجوم. وبسبب ذلك، مرّ باسل بين الوحوش ببساطة دون أن يتعرّض للإعاقة قطّ.

حدّق إدريس الحكيم إلى الوحش السحري ثم قال باهتمام: "هذا مثير للاهتمام حقّا. يبدو أنّ هذا المكان مميّز بالفعل ! أن يكسب مثل هذه المواصفات المدهشة، يا له من تطوّر. أتساءل إن كان سيتحوّل إلى شكل أقرب إلى التنين عندما يتأصّل."

ابتسم بينما ينظر إلى باسل، وأكمل: "يبدو أنّه أغضب وحشا قد لا يستطيع التعامل معه جيّدا فيما بعد؛ فهذه السحلية حقّا مذهلة بصفاتها العادية، ولكنّها قد اكتسبت أخرى أسطوريّة. تمساح الأعماق الفولاذي. لا، سيكون التمساح التنينيّ إن تأصّل وحدث أن تحوّل بشكل كبير."

وقف باسل خلف الوحوش السحريّة، والتي كانت تقابل تمساح الأعماق الفولاذيّ في تلك الأثناء. كان الوحش العملاق غاضبا للغاية، حتّى أنّه صار غير قادر على تمييز أيّ شيء آخر سوى باسل. لذا عندما أراد أن يتّجه نحوه، حرث طريقه إليه والوحوش السحريّة التي أمامه تحت أرجله الأربعة. سحقت كلّ خطوة منه عظام الوحش الذي لقي نفسه تحت ذلك الوزن العظيم والمخالب المهيبة.

وحوش سحريّة بالمستوى العاشر كانت مجرّد حشرات أمام هذا الوحش العظيم، ولم تقدر على الحركة أمامه، ففشُلَّت وكان مصيرها السحق. حتّى أنّه شحن طاقته السحريّة، وشحذها بمخالبه، فصارت المخالب أمواجا قاطعة. كان سحره الوحش العملاق هو الماء، وعلى الأغلب، لقد كان أقوى وحش سحريّ بهذا العنصر في العالم الواهن. فقط بإدارته للماء بأرجله، كان باستطاعته تكوين أمواج وركوب بحر يستطيع السباحة فيه كما يحلى. كان هذا الوحش السحريّ يستطيع صنع حقل حيث يعيث فيه فسادا كما يشاء.

وفي تلك الأثناء، لاحظ باسل شيئا غريبا يحدث لم يسبق له وأن رآه. كانت هناك طاقة غريبة تحيط تمساح الأعماق الفولاذيّ. كان لونها أزرق فاتح، وكانت مألوفة نوعا ما. وعندما دقّق النظر، وجد أنّ هذه الهالة الزرقاء لا تحيط بالوحش العملاق في الواقع، ولكنّها تنجذب إليه. كان ذلك أمرا غريبا، وتذكّر باسل نفسه عندما تنجذب إليه طاقة العالم. لقد كان ذلك مشابها نوعا ما لحالته.

كان الوحش يتقدّم إليه بسرعة كبيرة، ولهذا لم يكن لدى باسل وقت ليحلّل به الموقف جيّدا. ففي لحظة كان تمساح الأعماق الفولاذيّ قد شقّ طريقه نحوه، وقضى على العشرات من الوحوش السحريّة بالمستوى العاشر.

اقترب الوحش العملاق من باسل، ولكنّ هذا الأخير لم يثبت في مكانه وانتظر الموت. شغّل تعاويذه الذهنيّة الروحيّة وانطلق مباشرة إلى جهة الأشد الشيطانيّ. كانت سرعة باسل مدهشة للغاية، وعندما شاهده إدريس الحكيم، ابتسم وقال: "لقد فاجأني سابقا بعدما رأيته بعد أيّام صرفها في ذلك الكهف وخرج بهذا المستوى."

شاهد المعلّم تلميذه ينطلق بخطوات خفيفة بحيث يكاد المرء لا يرى صورة القدمين عندما كان باسل يحرّكهما، ونتيجة لذلك كان يولّد قوّة دفع عظيمة. تكرّرت العمليّة في دائرة، فسُخِّرت قوّة الدفع التي تكوّنت سابقا لتزيد من سرعة الحركة، وهكذا استمرّ الأمر. وفي اللحظة الأخيرة قبل أن يبلغ باسل الأشد الشيطانيّ، سُخِّرت كل قوّة الدفع التي تراكمت وانطلقت مرّة واحدة كلكمة صاحبها صوت يشابه الرعد.

*بووم*

كانت لكمة باسل تلك تحمل قوّته الجسديّة، والتي كانت هي نفسها تلك التي يملكها صاعد. لقد كانت قوّة جسديّة لا يستهان بها أبدا، ولوحدها كانت قادرة على سحق سحرة المستوى الثامن والتاسع. والآن بعدما أضيف لها فنّ أثري بأصل سامٍ، أصبحت قبضة باسل تساوي جبلا بثقلها.

انطلق جسد الأسد الشيطانيّ محلّقا رغما عنه واصطدم بجبل بسرعة مرعبة. وفي اللحظة التالية، أحسّ باسل بنيّة القتل القادمة من خلفه، فاستخدم فنّه القتاليّ للهرب، ولكنّه كان متأخرا خطوة، فتعرّض لقبضة التمساح العملاق بمخالبها، وبرشّاش مائيّ يستطيع اختراق معادن العالم الأقسى بسهولة. كان ذلك الرشّاش لوحده قادرا على اختراق سحرة المستوى الثامن التاسع بدروعهم السحريّة.

*باام*

تبع باسل الأسد الشيطانيّ وارتطم به ثم بالجبل، ولم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ. بل اخترق باسل والأسد الشيطانيّ معا الجبل بسبب القوّة العظيمة، حتّى التقيا بجبل آخر. كان ذلك التمساح العملاق وحشا مرعبا حقّا.

"هوهوهو." ضحك إدريس الحكيم بينما يراقب، ثم قال مستمتعا بما يحدث: "لولا كونه صار يمتلك جسد صاعد، واخترق إلى الفرع الكبير _أيّ الغصن الرابع_ من الفنّ القتاليّ، لكان في عداد الموتى."

كان ما فاجأ معلّم باسل هو اختراق الأخير في الأيّام التي صرفها في ذلك الكهف. لقد كان ذلك استثنائيّا كثيرا، ويقترب من أن يكون غير عادل. فعلى عكس إدريس الحكيم في صغره، عبقريّة باسل لا حدود لها، وتنمو مع مرور الوقت ولا تضمحلّ.

نهض باسل بجسد مخدوش فقط، فوجد الأسد الشيطاني يشحن طاقته السحريّة كي يهاجمه. لقد كان ذلك فعلا وحشا سحريّا في المستوى الثاني عشر، ولم يكن من السهل قتله بذلك فقط.

التهب جسده وأصبحت ناره قادرة على حرق وحوش المستوى العاشر بسهولة. زئر ثم انقضّ على باسل بجسمه الصلب، وفي نفس الوقت، توهّج قرناه الأحمران، ثم فحّ ذيله الثعبانيّ قبل أن ينشطر فجأة إلى ثعبانين. انشطر الثعبانان بعد ذلك ليصبحا أربعة، وفي لحظة، تفرّق كلّ ثعبان عن الجسد الرئيسيّ ساحبا معه أسد شيطانيّ.

كانت هذه قدرة الأسد الشيطانيّ الحقيقيّة – الانشطار. أو يمكن تسميتها بالنسخ أيضا. لم يكن هناك العديد من الوحوش السحريّة التي تملك مثل هذه القدرة المدهشة، وحتّى لو امتلكها بعضها، لا تكون قوّة هذه النسخ كبيرة، لأنّ قوّة الأصليّ تنشطر أيضا بانشطاره.

ولكن الحال كان مختلفا مع الأسد الشيطانيّ. فعندما انشطر إلى أربع، نقُصَت قوّته قليلا فقط، وكان يستطيع استخدام مقدار خمس وسبعين في المائة من قوّته الأصليّة بكلّ نسخة. وبالطبع، كانت هذه القدرة محدودة الوقت ولم يكن بإمكانه استخدامها لوقت طويل، ولكنّها لطالما كانت كافية ليتغلّب على المصاعب التي تواجهه.

حدث كلّ ذلك بسرعة كبيرة، ولم يكن لدى باسل وقتا ليردّ على هذا الهجوم المباغت.

*بووم* *بووم*

صنعت الأسود الشيطانيّة الأربعة حفرة منصهرة في المكان الذي كان يقبع فيه باسل، وتصدّعت الأراضي القريبة. كان الانصهار الذي حدث بسبب قوّة النار التي دُمِجت من النسخ الأربع، وكانت التصدّعات بسبب ثقلها. لقد كانت هذه النسخ قادرة على فرم خصومها بشكل سريع وبسيط – القوّة والنار العظيمان.

وثب باسل من إحدى التصدعات، محروق الذراع، ولكنّه كان لا يزال قادرا على تحريكها. فمهما حدث، يبقى صاحب جسد صاعد. حتّى لو احترق جلده كانت عضلاته وعظامه قويّة بشكل مذهل. حدّق إلى محيطه ثم ابتسم. لقد انحرف الأمر قليلا عمّا أراده، ولكن ليس لدرجة الخروج عن المسار الذي يجب أن تأخذه الأمور.

انتظر قدوم الأسود الشيطانيّة، وفي الوقت نفسه كان تمساح الأعماق الفولاذيّ آتيا بسرعة جنونيّة، وهذه المرة كان قادما محلّقا. حرّك جناحيه فاخترق بهما الهواء، ولوهلة، بدا كأنّه اخترق الفضاء نفسه. لم يعلم أحد ما حدث حقّا، إلّا إدريس الحكيم الذي كان يشاهد من الأعلى.

حكّ إدريس الحكيم لحيته ثم قال بعدما توهّجت عيناه حماسا: "مواصفات جنونيّة. كم من قرن، لا، كم من ألفيّة احتاج حتّى يكتسب مثل هذه الصفة المرعبة ويحوّلها لقدرة؟ هذا المكان مغرٍ حقّا، ولكن أظنّني سأتركه للفتى باسل."

"عندما يتحوّل هذا العالم السحريّ إلى عالم روحيّ، سنرى ما ستصل إليه هذه السحليّة. لا، قبل ذلك، لربّما تتأصّل أكثر من مرّة عند دخولها للمستويات الروحيّة مباشرة. إن حدث ذلك، فسيجب علينا العودة إلى هنا." تابع إدريس الحكيم قتال باسل باهتمام.

لقد أصبح باسل في الفرع الكبير الآن، ولم يتبقّ له سوى ثلاث مراحل حتّى يتقن الفنّ الأثريّ بالكامل، ولكن عند الوصول إلى الغصن الرابع، يصبح فهم واستنباط الأغصان الثلاثة المتبقية صعبا للغاية. لقد كانت تلك الفروع هي الأصعب في إتقان الفنّ الأثريّ، ولم يتجاوزها سوى القليل. فبعد كلّ شيء، يواجه الشخص اختبارا من الفنّ نفسه عندما يريد الاختراق، وهناك من يجد نفسه مقتولا بالتعاويذ الذهنيّة الروحيّة.

ظهر التمساح العملاق فوق باسل مباشرة، وبدا كأنّه انتقل عبر الفضاء، فوصل في لحظة واحدة فقط. لم تكن تلك مجرّد سرعة بسيطة، ولكنّها كانت تجاوزا للفضاء نفسه، ممّا سمح له بالانتقال لمسافات عديدة في وقت قصير جدّا.

رفرف جناحيّه، ثم استنشق الهواء، ونفثه مرّة واحدة، ولكن ما خرج من فمه لم يكن نفسه ما دخل من أنفه. لقد استنشق الهواء، ولكنّه زفر قنبلة اخترقت الفضاء بسرعة، وبلغت باسل في لحظة واحدة. كانت هذه القنبلة عبارة عن كرة من عنصر الماء، مركّزة بشكل خارق. كان شكلها الكرويّ يجعلها تبدو كجوهرة زرقاء تحمل قوّة سامية.

سقطت الجوهرة الزرقاء على باسل، ولكنّ هذا الأخير كان مستعدّا تماما بالرغم من سرعة الهجوم عليه. اختفى بعدما خلّف حفرة كبيرة وراءه نتيجة لإقلاعه القويّ، وفي المقابل، وجد الأسد الشيطانيّ الذي كان يتقدّم نحوه نفسه محاصرا في الدمار الذي صنعته الجوهرة الزرقاء.

فعندما لامست الأرض، محت محيطا قطره نصف ميل، وصنعت حفرة عمقها لا يرى. لقد كان ذلك هجوما من وحش سحريّ فاق كلّ توقّعات باسل. لقد كان وحشا سحريّا بقمّة المستوى الرابع عشر. لذا جعلت واحدة من أفضل هجماته فقط هذا المكان في حالة يرثى لها.

وبسبب هذا، كان مصير النسخ الأربع الموت، إلّا أنّ النسخة الأصليّة ضحّت بالثلاثة الأخريات ونجت بروحها. ومع ذلك، لم ينجُ الأسد الشيطانيّ بجسده معافى. قُتِل ذيله الثعبان، وتحطّمت بعض عظامه. كاد يُقتل حقّا.

وفي تلك الأثناء، كان باسل قد وصل إلى نمر البرق. وبمجرّد ما بلغه، حتّى فعل له نفس ما قام به للأسد الشيطانيّ سابقا. لكمه فجعله يحلّق، ولحقه بينما يتجنّب صواعقه التي كان يطلقها بالرغم من أنّه يطير بسبب قوّة الضربة.

عبر باسل من بين الصواعق كأنّ شيئا لم يحدث، واستمرّ في الاقتراب من النمر الذي كان يطير بسرعة كبيرة، ولكنّ سرعة تحليقه كانت أبطأ من سرعة باسل الذي يلاحقه، لذا شعر بضغط رهيب قادم من باسل الذي لا يتأثر بهجماته اليائسة.

وفي وسط هذا الضيق، قرّر النمر الأبيض والمخطّط بالأسود استخدام ورقته الرابحة.

*زززن*

ارتجف الهواء أسفل أقدامه، وفجأة تجمّعت هالة متموّجة حولهما. انكمش نمر البرق على نفسه، وبعدما مرور لحظات وجيزة واقتراب باسل أكثر حتّى صار بينهما حوالي خمسة أمتار فقط، انبسط بسرعة فائقة وضرب بأقدامه الهواء، فطنّ وولّد صوتا يصمّ الآذان. بدا كما لو أنّه استخدم الصوت كوسيلة يغيّر بها مساره الذي لم يكن لديه تحكّم فيه.

*بووم*

عُكِس مسار نمر البرق مباشرة بعد ذلك بسبب القوّة الهائلة التي أنتجها بفرقعته الهواء، وفوق ذلك، كان يحلّق بسرعة هائلة تجاه باسل. شحن بعد ذلك طاقته السحريّة، وامتدّ البرق على جسده، فبدا كنمر سامٍ يمكنه تحدّي التنانين الأسطوريّة. كانت تلك صورة وهمية فقط، ولكنّها لم تكن خاطئة كلّيّا. في المستقبل البعيد، قد يتطوّر أحد نمور البرق هذه بعدما يتأصّل إلى الأصل الحقيقيّ ويصبح ساميا.

بعدما أصبح نمر البرق اسما على مسمّى، التفّ حوله نفس الهالة المتموّجة السابقة، وبعدما قطعه متران بسرعته الخارقة فقط، كان قد أصبح ينطلق بسرعة الصوت، وثقب الهواء صانعا ضجّة كبيرة كالرعد.

ابتسم إدريس الحكيم من الأعلى البعيد، وتمتم: "أفضل هجوم لدى نمر البرق. نمر الصاعقة الرعدية. يبدو أنّنا سنشهد تحوّلَ عالم سحريّ إلى عالم روحيّ ممتع. لم يسبق لي أن رأيت ذلك، لذا سيكون هذا محمِّسا حتّى بالنسبة لي. العالم الواهن، هاه. سنرى بشأن ذلك."

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/10/17 · 1,080 مشاهدة · 1751 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024