219 – قدرات فريدة
بالعودة إلى الحاضر، كان باسل ينتظر اتّضاح صورة أولئك الستّة حتّى يرى ما إذا كان قادرا على التعرّف على وجوههم، لكنّه لم يميّزهم عندما لاحوا واحدا تلو الآخر. استشعر قوّتهم وطاقاتهم السحريّة فعلم بسهولة مستوياتهم، بالرغم من أنّهم كانوا يحاولون إخفاء قدراتهم عنه.
حدّق باسل إلى الجنرال لورنس ثمّ الخمسة الآخرين وانتظر ردّة فعلهم فقط. لقد كان يريد أنت يعرف من يتربّص به فقط ولم يكن مهتمّا بما يخطّطون له.
اقترب الستّة بحذر شديد من باسل حتّى صارت المسافة بينهما حوالي العشرين متر فقط. لقد كان ذلك المدى كافيا لينفّذ أيّ واحد فيهم تقنياته الهجوميّة بفرصة كبيرة في إصابة العدوّ.
طالت مدّة التحديق إلى بعضهما بعضا، ولم يتحرّك منهم أحد. لقد كان الستّة يقيسون قوّة باسل على مهل كونهم أرادوا أن ينهوا الأمر مرّة واحدة ولا يتركوا له فرصة للهرب ما أن يرى موته يقترب. لقد كانوا عازمين على قتله دون شكّ، وما كانوا يفكّرون في التفاوض قطّ؛ لقد علموا أنّ ذلك لن ينجح أصلا.
ومع ذلك، كانوا جنرالات ومن عائلات نبيلة أصيلة، فتكلّم الجنرال لورنس: "أنا واحد من جنرالات إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، 'فاستريم لورنس'. ما أتيت اليوم إلّا لسبب واحد، ألا وهو إخبارك بالعدول عن جعل عالمنا منطقة محظورة والانتظار ريثما ينمو سحرته أكثر."
"أمم.." فكّر باسل للحظة وفهم ما يحدث بسرعة، فردّ: "فهمت. يبدو أنّ الكبير أكاغي بدأ التحرّك، جيّد." أومأ فأكمل: "ويبدو أنّكم هنا بسبب ذلك. بما أنّه ستّتكم فقط من أتى فلابدّ من أنّ هذا تصرّف مستقلّ، أليس كذلك؟ أو بما أنّك قدّمت نفسك كجنرال من الأمواج الهائجة يجب أنّ أعدّ الإمبراطوريّة ذات علاقة بالأمر؟"
حملق الجنرال لورنس إلى الشابّ أمامه وعبس؛ لقد كان سؤالا وجيها في الواقع. إنّهم مجرمون حاليا ولا يجب على أيٍّ منهم نعت نفسه بالجنرال حتّى، فما بالك بذكر الانتساب إلى إحدى الإمبراطوريّات العظمى؟
أغمض عينيه واستنشق فزفر. لقد حسم أمره تماما مسبقا: "أنت محقّ، لقد أتيت إلى هنا عازما، فاعذرني عن خطئي اللفظيّ، أنا لورنس ورفقائي الخمسة هؤلاء جئنا حتّى نثبت خطأك للعالم."
"هوه،" ابتسم باسل قبل أن يسأل بمرح: "أنّى لك ذلك؟"
أغمض لورنس عينيه مرّة أخرى وأجاب: "لو أوقفت العمليّة، فسنكون ممتنّين؛ حتّى نحن لا نريد لأحد أن يموت. غير ذلك، يجب علينا إجبارك فقط. وإذا لم ينفع ذلك أيضا، فإزالة السبب الرئيسيّ هو الحلّ المتبقّي."
كان يؤمن الجنرال لورنس والخمسة الآخرين أنّه إذا ما اختفى باسل -السبب الرئيسيّ- عن الوجود، فسيرى الآخرون جانبهم من القصّة بشكل أوضح ويقتنعون.
"فهمت." ردّ باسل بهدوء: "لكن، العمليّة لن تتوقّف."
"وا أسفاه!" تنهّد لورنس جدّيّا. لقد أراد حقّا لو قبل باسل طلبهم. برقت عيناه بوهيج مغمور بنيّة القتل، واتّخذ وضعيّة القتال مستعدّا، ثمّ قال: "فلتهلك إذا."
اتّخذ الخمسة الآخرون وضعيّات استعدادهم للقتال، فجعلوا التنفّس في الجوّ المحيط صعبا. كان ليشعر أيّ شخص بالمستوى العاشر فما أقلّ بالوهن فقط بالوقوف بجوارهم. ومع ذلك، كان باسل يقف بأريحيّة بينما ينتظر حركتهم.
استغرب الستّة كثيرا، فقد علموا أنّه ما كان متهاونا وإنّما واثقا، لكنّهم لم يعلموا مصدر ثقته تلك. فعلى أقصى تقدير هو في المستوى الثاني عشر، وذلك ليس كافيا حتّى يجابههم مجتمعين.
ومع ذلك، ما جعلهم يتعجّبون من تصرّف باسل الخالي من الهموم كان ملاحظتهم أنّه في المستوى التاسع فقط بعدما استغرقوا وقتهم في قياس قوّته، وبالطبع كانوا يعلمون عن امتلاكه ثلاثة عناصر، وأنّ إحدى تلك العناصر بمستوى آخر تماما.
ومع ذلك، كانوا متيقنين من أنّ الأفضليّة عندهم، وفوزهم مؤكّد مع الاستعداد لبعض الخسائر. لقد رأوا قوّة باسل في الحرب الشاملة ولديهم فكرة عامّة عن تقنياته وفنّه القتاليّ، ولكن حتّى هم تدرّبوا على فنون قتاليّة أثريّة ورفعوا من مستوياتهم كثيرا.
لم يجد الجنرال لورنس تفسيرا لذلك، ففكّر: "للأسف، بلغ مستوى عال في عمر صغير وأقنع نفسه بأنّه لا يقهر، ولا يمكنه رؤية حتّى اختلاف المستوى بيننا. وا حسرتاه، يجب علينا خسارة هذه الموهبة العظيمة."
كانت تلك لحظات قصيرة مرّت على اللحظة التي أعلن فيها لورنس عن نيّته بقتل باسل، ومع ذلك مرّت طويلة بسبب الأجواء المهيبة.
أكمل الستّة شحن طاقاتهم السحريّة وشحذوها في سيوفهم الأثريّة ذات الدرجة الخامسة والسادسة، والتي تغيّرت أشكالها قليلا بعدما اتّصلت مع عناصرهم السحريّة بشكل وثيق. لم يكن لديهم تحكّما مثاليا لذا لم يستطيعوا دمجها كلّيّا مع العناصر السحريّة، لكنّها كانت في مستوى مقبول بالنسبة لجنرالات.
اهتزّت الأرض وتشكّلت تنانين مائية، وحلّقت طيور لهبيّة فوق رؤوسهم، وتشوّه الفضاء حولهم بشكل مستمرّ جاعلا إيّاهم يختفون ويظهرون في أماكن أخرى في نفس الوقت.
كان للستّة ساحران بعنصر الماء أحدهما لورنس، وعناصر الجليد والنار والأرض والوهم، وكلّهم جعلوا من خبرات حياتهم مسَخَّرة هاهنا، فنسّقوا تقنياتهم فيما بينهم حتّى أطلقوا هالة متكاثفة أوهمت الآخرين بكونها هالة لساحر في قمّة المستوى الرابع عشر، ولربّما شابهت هالة صاعد يحاول الاختراق إلى المستويات الروحيّة.
جعلهم تعاونهم الذي خلق هذه القوّة المدهشة واثقين، واقتنعوا بمقدرتهم على ردع باسل لا محالة. لقد كان ذلك الفتى مرعبا حقّا لكنّه لا شيء في مواجهتهم بتجمّعهم هكذا.
تفرقع الهواء في عدّة أماكن من شدّة الضغط وولّد قنابل صوتيّة جعلت الآذان تصمّ. كلّ ذلك كان بسبب الاحتكاك العنيف بين طاقات الجنرالات التي ترتبط فيما بينها وتجعل الطبيعة والقوانين العالميّة ترتعد.
كان باسل محاطا من كل جهة من المنظور السطحيّ، لكنّ الهجوم كان سيأتي من جهة واحدة بكلّ تأكيد بعدما دمجوا قوّاتهم هكذا، ولكن ذلك لم يكن مهمّا حتّى لو علمه، فسحر الوهم ذاك كان بمستوى مرتفع كفاية ليجعل الشخص يختبر ذلك الهجوم نفسه من جميع الجهات.
كان صعبا كثيرا على الشخص معرفة المكان الذي سيأتي منه الهجوم الحقيقيّ، إضافة إلى أنّ تلك الهجمات الوهميّة تشبه الحقيقيّة ليس في شكلها فقط وإنّما حتّى في الآثار التي يمكنها تركها على روح وعقل العدوّ؛ حتّى لو لم تخلّف جروحا فعليّة على جسد العدوّ، فسوف يمرّ بآلام وعذاب يماثل ذلك الذي يمكن أن يسبّبه له الهجوم الحقيقيّ.
قيل ذات مرّة أنّه يمكن لساحر وهم عبقريّ في المستويات الروحيّة أن يقتل عدوّه دون جرحه حتّى. وفي الأساطير، قيل أنّ بعض الأشخاص يستطيعون جعل الوهم حقيقة، ولم يكن هناك تفاصيل أكثر بخصوص هذه المسألة.
من السماء ومن تحت الأرض، من جميع الزوايا، استهدف باسلَ تنّينٌ برأسين، أو للدّقة، كان عبارة عن تنّينيْن لّف أحدهما جسده على جسد الآخر حتّى التقى رأسيهما.
كان أحدهما تنّينا جليديّا مشبّعا بعنصر الماء الذي شكلّ تموّجات على جسده أمكنها محق أيّ شيء تحتكّ به، واتّخذ الآخر شكل تنّين حمم تكوّن بعدما اندمج عنصر النار مع عنصر الأرض، فبدوَا بعدما التفّا حول بعضهما كتوازن بين عناصر متناقضة في طبيعتها، ممّا جعلهما يكسبان قوّة مدمّرة بعد النجاح في خلق ذلك التوازن.
محق التنين الجليديّ الأعداء وأسكنهم الجمود الأبديّ، وأذاب تنّين الحمم كلّ من فرّ من التنين الجليديّ بدون رحمة. كان التنّينان مشبّعان بعنصر الوهم فكانا يبدوان أكثر وحشيّة ممّا هما عليه بكثير.
حدّق أوبنهايمر فرانكنشتاين بتركيز شديد إلى ما يحصل أمام عينيه وتطلّب الأمر منه جهدا حتّى يميّز الواقع من الوهم بعينيه المميّزتيْن، لكنّه كان مهتمّا في باسل الذي بدا كما لو أنّه لا يواجه أيّ مشكلة في تحديد ذلك ببساطة.
ومع ذلك، كان على المرء مواجهة تلك الهجمات الوهميّة التي تحمل عذابا قاسيا ولم يمكنه مراوغتها، فإمّا ينجح الشخص في ردعها بقوّته الشخصيّة وإمّا يتعرّض لعذابها.
ما كان يثير اهتمام العالم المجنون هو عدم محاولة باسل ردع تلك الهجمات الوهميّة، حتّى أنّه بدا مستعدّا للتعرّض لها عن صدر رحب، كما لو أنّ تلك هي غايته أصلا.
*هدير*
كلّ تلك التنانين من جميع الجهات اخترقت جسد باسل وجعلته في نفس اللحظة يمرّ بآلام لا يمكن للساحر الطبيعيّ أن ينجو بعقله سالما منها. أحسّ بروحه تحترق وعقله يتجمّد وجسده يتبدّد. شعر بكينونته تباد من الوجود شيئا فشيئا.
ومن بين تلك الهجمات كان الهجوم الحقيقيّ قابعا، والتنّينان الشرسان يفترسان، بتحكّم حسن من أولئك الفرسان.
أصابه الهجوم الحقيقيّ أيضا تأكيدا، وبسبب ذلك ترك لورنس والآخرين والعالم المجنون مندهشين من عدم محاولته حتّى الدفاع عن نفسه.
تمتم فاستريم لورنس لنفسه: "هل يمكن أنّه تخلّى عن المعركة عندما علم أنّه ليس هناك فرصة لفوزه؟!"
كان يعلم علم اليقين أنّ باسل ليس ذلك النوع من الأشخاص، ولهذا تصرّفاته تلك كانت محيّرة كثيرا. لقد تلقّى لتوّه هجوما يعذّب الروح والعقل والجسد مرّة واحدة، فما باله يا ترى؟
انجلى الغبار فنطق صوت جعل قلوبهم تتسارع ضرباتها: "نعم، هذا جيّد لكن ليس كافٍ، أهذا كلّ ما لديكم؟ هيّا فلتكونوا تحدّيّا مناسبا على الأقلّ."
كان باسل يقف هناك كما لو أنّه لم يحصل شيء على الإطلاق، بجسده السليم والمعافى. لقد كان ذلك منافيا للعقل والحس السليم، ومبهما وصادما. كيف للشخص أن يخرج من كلّ ذلك بدون أيّ جرح حتّى؟
كان أكثر الأشخاص صدمة، على غير المتوقّع، هو أوبنهايمر فرانكنشتاين، حتّى أنّه وقف في مكانه وأحكم قبضتيه بينما يحاول اختراق باسل بعينيه كي يرى ويعرف ما الذي فعله.
لقد صُعِق تماما لأنّه علم أنّ باسل لم يستخدم قدرة تلك الحاجز كما فعل سابقا مع زعماء القبائل، وحتّى أنّه لم يُفعِّل طاقته السحريّة أو ما شابه. لقد جابه كلّ ذلك بشكل مباشر.
"مباشرة؟" تعجّب العالم المجنون من هذه الفكرة التي طرأت في باله وحاول دحضها بكلّ الوسائل، إلّا أنّها تبدو الوسيلة الوحيدة لتفسير ما حدث؛ التفسير الوحيد لما حدث هو أنّ باسل كان قادرا على الصمود أمام كلّ تلك الآلام والعذاب بروحه وعقله وجسده وتجاوزها دون التعرّض لأيّ إصابة.
"مستحيل!" كان العالم المجنون مرعوبا من مقدرة باسل على تجاوز كلّ ذلك بهاته السهولة. فكّر لو كان في مكانه فكيف كانت لتكون النتيجة؟ على الأقلّ سيضطر لردع الأوهام واستخدام قدراته حتّى يخرج من الهجوم الحقيقيّ سليما.
فكّر بشكل أعمق: "هل جسده قويّ؟ أم لديه سرعة شفاء ذاتيّ فائقة؟ أم هما معا؟ وما العقل الرزين والرصين الذي يملكه؟"
كانت الاحتمالات تشغل باله كثيرا لكنّه لم يعلم أيّها صحيح، وفقط ظلّ منتظرا فرصة أخرى ليحلّل الموقف.
وفي الجهة الأخرى، كانت أفواه فاستريم لورنس والآخرين متّسعة من الدهشة ولم يستطيعوا تحليل ما حصل حتّى؛ لقد كان ذلك شيئا يفوق فهمهم ولم يشهدوا مثيلا له في حياتهم.
كان باسل ينتظر خطوة الستّة القادمة ولم يتحرّك من مكانه قطّ، فكما قال، هو أراد تحدّيّا مناسبا لاختبار جسده وكانت هذه فرصة مناسبة. وكما استنتج العالم المجنون، قد كانت نجاة باسل بسبب جسده وسرعة تعافيه معا، لكنّه لم يعلم كيف حصل باسل على مثل هذا الجسد.
كان باسل قد وُلِد من جديد بعد إمضاء عام كامل في بيضة طاقة غامضة، وأخذ بعد ذلك رخصة وسلطة الوريث الشرعيّ التي غيّرت فيه أشياء، إضافة إلى حصوله على فرصة بإمضاء الوقت في عالم 'حياة'، بدون الإشارة إلى تمر الحياة الجديدة الذي لا يُمكن تصوّر قيمته الحقيقيّة.
لقد كان جسده في مستوى آخر تماما عن مستواه السحريّ، وكانت قدرات تشافيه مميّزة حتّى أنّها جعلت أوبنهايمر فرانكنشتاين ذا الجسد الغريب يستغرب.
لم يسع فاستريم لورنس ومن معه سوى أن يبلعوا أرياقهم مرتعبين، محاولين تجاوز هذه الصدمة بأيّ طريقة ولو عنى ذلك خداع أنفسهم بمقدرتهم على هزيمة باسل؛ وإلّا ثُبِّطت عزيمتهم وكانت تلك نهايتهم.
***
من تأليف Yukio HTM
السلام عليكم يا شباب، أعتذر عن تأخّري المتواصل وعدم رفعي الفصول لمدّة طويلة، لكنّني حقّا أفعل ما بوسعي للاستمرار في كتابة الرواية وعدم التوقّف نهائيّا، حبّا فيكم وفي الرواية.
أتمنى منكم التفهّم، مع العلم أنّني أتفهّم الملل الناتج عن متابعة رواية تتوقّف باستمرار.
ملاحظة: لا تقلقوا، لقد تعلمت من توغاشي – سينسي (مؤلف هانتر x هانتر) عن فنّ التأخر والسحب، لذا حتّى لو تأخّرت فسأعود دوما ^^
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.