227 – قارّة الأصل والنهاية
كان هناك ثلاث قارّات رئيسيّة في العالم الواهن، وبجانب القارّة العظيمة التي تحكمها الإمبراطوريتان الشعلة القرمزيّة والأمواج الهائجة والقارة المتوسّطة التي تسودها إمبراطورية الريّاح العاتية، توجد قارّة الأصل والنهاية، أكبر منطقة محظورة وعالم الوحوش السحريّة.
انقسمت هذه القارّة لخمس مناطق:
المنطقة الشرقيّة التي تمتّعت بخضرة شاسعة امتدّت لآلاف الأميال وشملت غابات متنوّعة وبعض الأنهار الباهية التي شقّت طريقها بين الجبال الشامخة. كان الشرق زاخرا بكلّ أنواع الثمار والأزهار والأعشاب الطبيعيّة منها والسحريّة، وبسبب هذا لم يكن هادئا بالرغم من أجواء طبيعته المنعشة.
كانت الوحوش السحريّة هنا تتقاتل دوما من أجل تلك الموارد حتّى تغدو أقوى، وبسبب هذا الشيء أصبحت قويّة بعد المعارك التي لا تنتهي فيما بينها.
وفي الغرب، كانت هناك صحراء تنقّل عبرها فيلة بأعداد كبيرة بينما تغرس مخاريطها في الرمال فتخرجها فجأة ملتفّة على بعض السحالي أو الديدان الضخمة ثمّ تقطّعها بتلك الأنياب المتعدّدة المصطفّة بثلاث صفوف. انتشرت الدماء وأحشاء تلك الوحوش السحريّة في كلّ مكان.
كان لهذه الفيلة أقدام بخمس أصابع ممّا جعلها قادرة على الجري بشكل سلس وسريع ولم يكن حجمها الكبير بمشكلة.
هجمت بعض السحالي والديدان الضخمة على هذه الفيلة لكنّ هذه الأخيرة ملكت جلدا قاسيا كان كافيا لكسر أسنان الأعداء.
كانت قوّة هذه الفيلة مرعبة وخصوصا بما أنّها تتحرّك دائما في جماعات هكذا، وبسبب كونها ملكت عنصر الأرض تكيّفت على طول العصور الماضية على هذه البيئة القاسية ولم تستطع الوحوش الأخرى منافستها.
ولكن، لم تكن كلّ الوحوش خاضعة لسيطرتها، فحتّى هذه الفيلة الشرسة لم تكن سوى وجبة دسمة لذلك الوحش الطائر الذي شيع عنه ذات مرّة كونه ملك قارّة الأصل والنهاية.
لقد كان ذلك طائر الرخّ العظيم، وطبعا لم يكن ملك القارّة كما اعتقد الناس قبلا، لكنّه بكلّ تأكيد حكم هذه الصحراء وغزا من حين إلى آخر المناطق الأخرى بحثا عن غذاء لتنمية قوّته.
قيل أنّ طائر الرخّ يحمل دم العنقاوات الرامدة من الأساطير، ولكن لم يكن لسكّان هذا العالم وسيلة لتأكيد مثل هذا الأمر.
ظهر فوق سماء الصحراء، فنهمت الفيلة وتملّكها الرعب، وبينما تركض بكلّ ما تملك من سرعة، نزلت عليها بعض الصواعق التي صدّعت جلد بعضٍ منها، فاستهدف طائر الرخّ تلك الفيلة المتضرّرة وغرز مخالبه في نفس الأماكن التي تصدّعت بسبب الصواعق.
حمل فيلين ثمّ طار بعيدا مختفيا عن الأنظار، لكنّ الفيلة جرت ولم تتوقّف حتّى عندما غادر طائر الرخّ، فهي علمت أنّ ذينك الفيلين كانا مجرّد وجبة لفتح الشهيّة.
كان هذا الطائر من الوحوش السحريّة التي بلغت قمّة المستوى الرابع عشر، وبدأ يستهلك طاقات وأرواح الوحوش السحريّة لذا كان كابوسا للوحوش في هذه المنطقة. لقد كان طائر الرخّ هذا بالخصوص هو حاكم المنطقة الغربيّة، الصحراء الميّتة.
وفي ناحية الشمال، طغى على المنطقة بياض خلّاب ولم يترك مجالا لعشبة خضراء حتّى تنمو، وامتلأ المكان بأزهار جوهريّة عجيبة في جميع زواياه، وأشجار أثمرت فاكهة حمراء تشبه التفّاح لكنّها كانت غنيّة بسائل قرمزيّ بدا كالدم كما لو أنّ هذه الأشجار نمت بالتغذّي على المخلوقات الحيّة.
بدت جبالها الجليديّة كحصون طبيعيّة لبعض الوحوش السحريّة، واختلفت أشكالها فاتّخذ أقوى الوحوش أكبرها.
ومثلها مثل المنطقتين السابقتين، تصارع أقواها من أجل حكم تلك المتاهات التي صنعتها الجبال بالتقائها واندماج حصونها.
وفي الجنوب، كان هناك ضباب بأشجار ذات أوراق ميّتة وثمار قليلة، ولكن بدت تلك الثمار مشعّة كمصابيح الفضاء وسط ذلك الضباب، وبعثت روائح عطرة وغنيّة بطاقة العالم. كانت أرض هذه المنطقة حيّة لكنّها لم تكن مثمرة، كما لو أنّ حياتها تلك تُستنزف طوال الوقت غير سامحة لها بالازدهار.
زُلزلت الأرضية وتصدّعت فجأة ومن الشقوق العديدة انبثقت وحوش سحريّة بينما تحمل نية قتل تجاه بعضها، ومباشرة اختفى بعضها تحت الأرض من جديد فلحقتها البقيّة. كان واضحا أنّ الطرفين فريسة ومفترس، وكلاهما كان السبب في استنزاف طاقة هذه الأرض على ما يبدو.
ومن بين المناطق الخمس، كانت المنطقة التي تتوسّط المناطق الأربع المذكور آنفا هي الأكثر غموضا إذ لم تطأ قدم بشر فيها من قبل حسب التاريخ.
في هذه المنطقة التي شملت كلّ خواصّ المناطق الأربع، قطنت تلك الوحوش السحريّة المميزة التي كسبت قدرا كبيرا من الطاقة السحريّة وغدت مخوّلة أن تدخل لهذا المجال.
كانت هذه المنطقة محاطة بحاجز غريب يعزل ذلك المجال عن بقيّة القارّة والعالم ويبدو أنّه لا يقدر على دخوله إلّا من يبلغ قدرا معيّنا من القوّة.
قليلا ما عادت الوحوش السحريّة من ذلك المكان بعدما دخلته لأسباب معيّنة، من بينها نقاوة الطاقة السحريّة والأعشاب الأسطوريّة وأحجار سحريّة بمستوى مرتفع ولربّما أحجار روحيّة!
كان هذا هو المجال الذي زاره إدريس الحكيم سابقا، لكنّ العالم الثانويّ كان مختفيا في قلب المكان أكثر ولم تستطع الوحوش السحريّة الاقتراب منه حتّى. كان ذلك أكثر الأماكن غموضا في العالم الواهن ولم يعلم عنه أحد من سكّانه حتّى.
***
في الحملة التي قادها جنرالات العالم في الشهور الماضية من أجل القضاء على وحوش المستوى الرابع عشر، احتوت الفرقتان المخصّصتان للاعتناء بقارّة الأصل والنهاية على أكبر عدد من الجنرالات.
كان الجنرال منصف من بينهم وأخذ منصب الجنرال الأكبر المسؤول عن قيادة إحدى الفرقتين، بجانب جنرال آخر من إمبراطوريّة الأمواج الهائجة كمسؤول عن الفرقة الثانية كجنرالها الأكبر.
كان في كلّ فرقة خمسين ألف ساحر تنوّعت مستوياتهم بدءا من المستوى الخامس إلى المستوى الثامن باستثناء الجنرالات. كان هناك خمسين ألف بالمستوى الخامس وثلاثين ألف بالمستوى السادس وخمس عشرة آلاف بالمستوى السابع وخمسة آلاف بالمستوى الثامن.
كانت المهمّة تقتضي التغلّب على أكبر عدد ممكن من وحوش المستوى الرابع عشر، وبعد شهور كانت المهمّة ناجحة فعلا، فاستطاعوا القضاء على العديد من الوحوش المستهدفة، ونجح كثير من السحرة في النموّ بشكل ملاحظ بينما واجه آخرون خطر الموت واضطرّوا أن ينسحبوا بجروح بالغة تحتاج لوقت طويل حتّى تشفى ولو بمساعدة سحرة العلاج.
وكما كان متوقّعا لكن ليس محبّذا، واجه عدد كبير منهم نهاية مأساويّة،. هناك من بقي منه شيئا ليدفن، وهناك من صار غذاء فقط للوحوش السحريّة.
كانت المعارك تجري كلّ يوم دون توقّف ولم يكن هناك وقت للرّاحة، فعدد الوحوش كان غير محدود وقبل قتل وحوش المستوى الرابع عشر اضطرّت الفرقتان إلى الإجهاز على العديد من الوحوش السحريّة تحت قيادة وحش المستوى الرابع عشر.
وفي آخر معركة، تعرّضوا لخسارة كبيرة إذ فقدوا نصف سحرة المستوى الخامس وربع سحرة المستوى السادس، وعدد كبير من سحرة المستوى السابع والثامن أُجبِروا على الابتعاد عن ساحة المعركة بداعي الإصابة البالغة.
لحسن حظّهم كان الجنرالات الذين عاقبهم باسل فيما سبق قد استرجعوا حيويّتهم بعدما كانوا قد أصيبوا في المعارك الأولى التي سمحت للفرقتين بنصب خطط واستراتيجيّات مبنيّة على المعلومات المكتسبة.
ومع ذلك، كانت تلك المعركة الأخيرة صادمة حقّا، فتلك كانت أوّل مرّة يرون فيها وحوش المستوى الرابع عشر متّحدة، وباتّحادها كان حشد الوحوش السحريّة المجتمع يصل إلى مئات الآلاف عددا.
لم يسع الفرقتان سوى التراجع والاختباء في الحاجز الذي بنوه بينما يستمرّون في دعمه بمساعدة الجنرالات حتّى لا يُكسر. كان عليهم انتظار التعزيزات بفارغ الصبر والأمل في النجاة حتّى ذلك الوقت.
ناقش الجنرال منصف الأمر في خيمة مقرّ قادة الفرقتين الذين بادلوا دور الاعتناء بالحاجز مع جنرالات آخرين.
"لقد أبلغت الجنرال الأعلى باسل بالأمر وقال أنّه في طريقه إلى هنا."
سأل الجنرال المسؤول عن الفرقة الأخرى والذي يجلس في المقابل: "وماذا عن أكاديميّة الاتّحاد؟"
"لا قلق،" أجاب الجنرال منصف: "لقد أخبروني أنّهم في منتصف طريقهم إلى هنا. لقد انتهوا من عملهم في منطقتهم قبل شهور بالفعل واحتاجوا لبعض الوقت من أجل التعافي والاستعداد قبل أن يتّجهوا إلى هنا."
تنهّد جنرال الأمواج الهائجة: "ذلك مطمئنّ، لكن لا يمكننا التراخي حاليا أو حتّى عندما يأتون."
عبس الجنرال منصف وتحسّر؛ ففعلا قد خسروا الكثير في معركة واحدة فقط، وفجأة بدا كما لو أنّ للوحوش السحريّة عقلا وحكمة تسيّرها على عكس عشوائهم السابقة.
لقد نادى باسل آملا في الحصول إجابة تنقذهم بما أنّهم يواجهون شيئا مجهولا. كان يعلم أنّ جنرالهم الأعلى مشغول بأمور أخرى لكنّه لم يرد أن يخاطر بحياة من تبقّى من الأتباع هنا بسبب فخره وعناده.
لقد أخّر طلب المساعدة حتّى ارتأى أنّ معرفة باسل هي الحلّ الوحيد في هاته الحالة؛ ماذا لو قدمت التعزيزات وكانت بلا فائدة؟
ليس هناك ما هو أكثر إخافة من المجهول.
"هل لمح أحدكم السبب وراء تعاون هاته الوحوش؟"
تكلّم أحد جنرالات الريّاح العاتية: "لا يزال السبب الرئيسيّ مجهولا حتّى الآن، وكلّ ما نعلمه هو اتّباع وحوش المستوى الرابع عشر نمطا يبدو كاستراتيجيّة حربيّة. كما لو أنّ هناك عقلا مدبّرا وراءهم."
نطق أحد جنرالات الشعلة القرمزيّة: "هل... ربما، قد يكون أحد تلك الوحوش الروحيّة التي أخبرنا عنها؟"
"لا." أجاب الجنرال منصف: "لقد أكدّت الأمر من الجنرال الأعلى وجلالته أكثر من مرّة حول هذا الشأن، ولكن يجب على ساحر ما من العالم أن يغدوَ ساحرا روحيّا، حتّى يستجيب العالم لذلك ويصبح روحيّا، فتخترق الوحوش السحريّة بعدئذ إلى المستويات الروحيّة حسب مستواها."
أكمل بحسم: "هذه قاعدة لا يمكن خرقها. هناك الكثير ما زلنا لا نعلمه، ويجب فقط أن نأمل أنّ السيّد باسل لديه فكرة عمّا يدور."
*تقرير عاجل*
صرخ أحد الجنود خارج الخيمة، فاستأذن ودخل بسرعة ثمّ ركع على ركبة واحدة قبل أن يعلن: "ظهرت بعض علامات الضعف على الحاجز الأثريّ، وقدّر الجنرالات المسؤولين عن الحراسة حاليا الوقت الذي قد يُكسر فيه تماما."
صدم الجنرالات في الخيمة فوقفوا جميعا. أحكم الجنرال منصف قبضتيه وسأل: "وماذا عن الفرق المتخصّصة في ترميم الحاجز؟"
عبس الجنديّ وقال بحسرة: "حتّى بمعاونة الجنرالات في تزويد الطاقة اللازمة، لم يستطيعوا الاستمرار أكثر وبقي أقلّ من ربعهم، لكن حتّى هذا الربع بقي له على الأكثر أسبوع قبل السقوط غائبين عن الوعي."
ضرب الجنرال منصف على الطاولة وقال: "اللعنة، تحتاج التعزيزات عشرة أيّام على الأقلّ حتى تصل إلى القارّة، فكيف يمكننا الصمود ثلاثة أيّام كاملة ضدّ ذلك الحشد؟"
صمت الجميع ولم يقدر أحد على إبداء رأيه، فالمسألة كانت أكبر منهم بكثير.
سأل أحد جنرالات الشعلة القرمزيّة، يائسا: "مـ-ماذا عن الجنرال الأعلى باسل؟"
عضّ الجنرال منصف شفته وأجاب: "لقد كان في البحر العميق عندما استنجدته، وقد مرّ على ذلك ثلاثة أيّام، لكنّه ما زال يحتاج إلى حوالي أسبوعين على الأغلب حتّى يصل."
اسودّت أوجههم وفشُلت ركابهم فجلسوا على كراسيهم دون إرادتهم، ويئسوا وفكّروا في نفس الشيء: "بئس المصير!"
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.