233 - قدرة المخطوطات الثلاث

233 – قدرة المخطوطات الثلاث

نزل باسل على الأرض فاقترب منه السحرة والجنرالات. كان الحاجز الأثريّ قد شُيِّد من جديد، لذا شعر بالاطمئنان قليلا لكن وجهه ظلّ صارما لسبب ما.

تسابق الجنرال منصف مع نفسه وعانق باسل بعينين تدمعان بغزارة: "ماذا يسعني أن أقول؟ لا يمكنني ردّ جميلك هذا ولو لبقيّة حياتي."

قطب باسل كما لو وخزه أحد بإبرة برقبته لكن عبوسه اختفى دون أن يلاحظه أحد. ابتسم ثمّ وضع يديه على كتفيْ الجنرال منصف: "يا أيّها العمّ منصف، إنّك رجل ما زال عالمنا الواهن في حاجة إليه، مثلك مثل هؤلاء الأبطال هنا."

كان باسل يعتزّ فقط بأسرته الصغيرة التي تتضمّن أمّه وعمّته سميرة وأنمار، لكنّه وجد نفسه يعزّ آخرين بمرور السنوات والترحال حول العالم. حتّى هذا العالم الواهن الذي قرّر ذات مرّة حمايته من أجل أمّه، بدأ يريد حمايته لحبِّه له أيضا.

ضمّه الجنرال منصف إليه مرّة ثانية متصرّفا كالطفل: "لَنتبعنّك ولو عنى ذلك مقاتلة بقيّة العوالم كلّها!"

صاح السحرة كلّهم بعدئذ، وأعلنوا عن نهاية المعركة العسيرة، أخيرا.

"طيّب،" تنهّد باسل ووضع يديه خلف ظهره: "أريد الراحة قليلا، أهناك خيمة؟"

"حالا!" تحرّك الجنرال لورنس بسرعة بعدما سمع طلب باسل وأمر الجنود بتشييد خيمة وأثاث مريح بداخلها، وحرص على ألّا يزعج أيّ أحد باسل أثناء راحته.

دخل باسل إلى الخيمة وتأكّد من عدم وجود أحد بالجوار، فسقط على السرير بوجه شاحب وسواد تحت عينيه كما لو كان رجلا لم يحظَ بقسط من الراحة لأسابيع. لم يكن جسده متضرّرا من الخارج لكن كان واضحا أنّه مرهق لدرجة جعلته يتنفّس بصعوبة بالغة.

كان دائخا وشعر أنّ رأسه ينشقّ كما لو أنّ أحدهم يضربه بفأس دون توقّف، وعظامه تتداعى كما لو أنّ هناك جبالا لا تُحصى فوقه، ودورته الدمويّة تحرقه كما لو أنّه جرى لملايين الأميال، وروحه تهيج وتكاد تنفجر فوق كلّ ذلك.

"هوهو،" ضحك ساخرا: "هذا ما أحصل عليه لاستخدامي طاقة وقدرة ذلك السارق الخسّيس."

عندما تحدّث لنفسه عن هذا السارق الخسّيس، تذكّر قول الوحش الخفيّ "ساحر روحيّ"، فاشتدّ عبوسه وزادت آلام رأسه حدّة بسبب التفكير: "لو كان يعلم عن السحرة الروحيّين فلا شكّ أنّ له علاقة بالنيّة داخل ذلك العالم الثانويّ. لا يمكنني التفكير في سبب آخر. وإذا كان هذا صحيحا، فقد يمكن تفسير كسبه لحكمة مثل تلك بالرغم من أنّه وحش سحريّ فقط نظرا لغموض ذلك العالم الثانويّ."

رفع يده إلى الأعلى وأحكم شدّ قبضته وكزّ على أسنانه: "هل هذا أيضا جزء من خطّتك أيّها الخسّيس؟ تبّا لك، لربّما تظنّك تجعلني أسير على الخطى التي رسمتها، لكنّني سأريك من منّا يستغلّ الآخر في النهاية."

كانت الآلام شديدة لدرجة أنّه يمكن للساحر العادي أن يفقد عقله أو يموت من جرّائها حتّى، لكنّ ما اعتلى تعبيرات باسل كان الغضب ولا غير. كان غاضبا بشدّة لأنّه يرى أن الأمور تسير في اتّجاه ما يريد السارق الخسّيس.

تنهّد بعدما أهدأته الحكمة السياديّة، وقال لنفسه: "لحسن الحظ، خُدِع ذلك الوحش بتمثيلي وتراجع، وإلّا حقّا كنّا لنقع في مشكلة عويصة. لقد بذلت ما في جهدي عمدا حتّى أرعبه وينفع تهديدي معه بعدئذ، لذا حقّا كنت محظوظا لأنّه حذرٌ في تصرّفاته."

"لقد كان ثمن استخدام قدرة السارق الخسّيس مرتفعا حتّى أنّ بحر روحي كاد ينشطر ويُكسر، ولكن بسبب تدريبي له على التحمّل مرارا وتكرارا حتّى أستخدم طاقة العالم بكمّيّة كبرى استطعت النجاة."

"قد يكون استعمال قدرة الخسّيس شيئا مريرا، لكنّي سأستخدمه جيّدا كما ينوي استخدامي. لن يسير كلّ شيء وفقا لخططك الخبيثة، فاستعدّ فقط لليوم الموعود."

انتفخت العروق في أنحاء جسده وبدا كما لو أنّ عنقه سينفجر وعينيه ستخرجان من مكانهما، بينما يتذكر السبب لكلّ هذا.

"يبدو أنّني لن أكون قادرا على استخدامها لوقت طويل الآن."

كان وضعه البائس هذا بسبب ما فعله حتّى اخترق الفضاء وظهر بسماء المعركة، فذلك لم يكن من قدراته الخاصّة إطلاقا.

بدأ يغلبه النعاس فتعاطى لإكسير علاج وبعض الأعشاب السحريّة ثمّ سرح بأفكاره بعيدا وأعاد الحدث الذي وقع قبل مجيئه إلى هنا في عقله.

عندما كان يحلّق إلى قارّة الأصل والنهاية بسرعته القصوى، تفاجأ باتّصال الجنرال منصف فعبس: (ماذا هناك أيّها العمّ منصف؟ هل حدث شيء غير متوقّع ثانيّةً؟)

بدا متعجّبا فجأة عندما سمع ردّ الجنرال منصف وتمالكه شعور غريب: (انتظر! ما الذي تتحدّث عنه أيّها العمّ منصف؟ لمَ تخبرني بهذه الأشياء الآن؟)

أنصَتَ إلى الجنرال منصف وأراد أن يسأل مرّة أخرى: (ما الذي...!)

ولكن بعدما فشلت مقاطعته لكلام الجنرال منصف، أكمل هذا الأخير ما أراد تبليغه، فاتّسعت عينا باسل من الدهشة وتوقّف في مكانه طائفا في السماء: (الهلاك؟ لا تقل لي...!)

انقطع الاتّصال بينهما فعلم باسل أنّ هناك ما لا تُحمد عقباه يجري بلا شكّ، وعندما فكّر في ما يمكنه فعله في هاته اللحظات بقوّته الخاصّة وجد الأمر مستحيلا؛ فحسب كلام الجنرال منصف، موتهم وشيك.

لم يفكّر بعد ذلك لثانية أخرى قبل أنّ يخرج المخطوطات الثلاث، وعض شفته ثمّ قال منزعجا: "يبدو أنّه لا يوجد خيار آخر. اللعنة، لم أتوقّع أنّني سأضطرّ للاعتماد على أشياء ذلك السارق الخسّيس الآن وهكذا."

تألّقت عيناه وتحوّل إلى طور الحكيم السياديّ وبدأ يهيّئ الأمور للعمليّة.

طفت المخطوطات الثلاث التي شعّت نقوشها الروحيّة أمام وجهه، فاهتزّ بحر روحه بسبب طاقة روحيّة لا يجب على بحر روح امتلاكها.

كان سبب الاهتزاز هو القطعة الأرضيّة في بحر روحه التي كان حجمها أكبر بضعفين من الذي كانت عليه في نهاية الحرب الشاملة؛ كان ذلك بسبب فقدان باسل السيطرة على جسده وبحر روحه لصالح تلك النيّة في قتال معلّمه ضدّ شيطان اليأس.

ولكن كان هناك شيء مختلف هذه المرّة؛ هذه المرّة كان هناك ثلاث كرات مكوّنة من قوانين كونيّة أمكنها حساب جميع الاحتمالات وصنع حاجز حول القطعة الأرضيّة كسجن لا يمكن الهرب منه أو إحداث أيّ ضرر به.

كانت تلك هي الحكمة السياديّة، إذ حرصت على عدم نموّ تلك القطعة الأرضيّة أكثر، وقمعت النيّة التي تسكنها كروحها. كانت تعمل كختم ما.

صحيح أنّ القطعة الأرضيّة نمت عندما كسبت سيطرة أكبر على بحر روح باسل، لكن ذلك عنى فقط أنّها تكسب المقدرة على امتصاص طاقة أكبر وتحويلها لطاقة روحيّة وليس أنّها تكبر بلا شيء، ولكن هذه الخاصّيّة قد توقّفت تماما بعدما ضحّى إدريس الحكيم بنفسه.

مدّ باسل ذراعيه تجاه المخطوطات الثلاث وكفّيه مبسوطيْن عموديّا، فدارت الكرات الثلاث حول محورها وحول رأسه من فوقه حتّى بدت كشريط ضوئيّ دائريّ من سرعتها، وارتفع الضغط على جسده وبحر روحه فجأة.

في هذه الأثناء، كان باسل يرخي وثاق ختم الحكمة السياديّة على القطعة الأرضيّة، وذلك إلى أن يستمدّ الطاقة الروحيّة منها كفايةً من أجل تنفيذ ما ينوي عمله.

وفعلا، توقّفت الحكمة السياديّة عن تطبيق قمعها فاختفى الحاجز حول القطعة الأرضيّة، وعندئذ تزعزع بحر الروح وهاجت طاقة عناصره.

أزال باسل الختم عن القطعة الأرضيّة لكن النيّة التي تسكنها قد ظلّت محبوسة بدون وسيلة للفرار.

انتقلت الطاقة الروحيّة بعد ذلك من خلال يديه نحو المخطوطات الثلاث كالساحر عندما يمرّر طاقته إلى سلاحه السحريّ أو الأثريّ، فتحرّكت المخطوطات الثلاث وشكّلت حقلا من الطاقة الروحيّة على شكل مثلّث كانت هي رؤوسه.

"يبدو أنّني أحتاج لوقت أطول حتّى تتفعّل قدرة المخطوطات."

استمرّ في تزويدها بالطاقة الروحيّة حتّى لاحظ أنّ الوقت قد حان عندما ظهرت نقطة سوداء في حقل الطاقة أمامه.

"الآن!"

كان حتّى هذه اللحظة يشعر بآلام فظيعة، لكن عندما تفعّلت التقنيّة أخيرا أحسّ أن بحر روحه سينهار في أيّ لحظة، وبسرعة أعاد ختم الحكمة السياديّة على القطعة الأرضيّة واستخدم التحكّم الحكيم السليم حتّى يحافظ على استقرار بحر روحه ورصانته.

"لم أستخدم سوى طاقة هذه المخطوطات الروحيّة الخاصّة في المرّات السابقة، لكن بعد اكتسابي للمعرفة من ذلك الخسّيس، يمكنني الآن أن أفهم كيفيّة عملها والطريقة الصحيحة لاستخدامها."

استخدم قدرات الحكمة السياديّة الثلاث وتحكّم في النقطة السوداء التي ظهرت في ذلك الحقل، ثمّ حرّك يديه في مسارين دائريين متعاكسين، وفجأة بدأت النقطة تكبر حتّى صارت تبدو كبقعة سوداء، وأكملت نموّها بينما يعاني باسل من هذه العمليّة ويشعر بمختلف الآلام.

انتشر السواد على حقل الطاقة حتّى أصبح داكنا بالكامل، وعندئذ اقتربت المخطوطات من بضعها بعضا مغلقةً بذلك المثلث حتّى التقت، لتتفرّق بسرعة خاطفة من جديد ولكن هذه المرّة محدثة صريرا وانفجار صوتيّا.

كان المثلثّ الذي أنشأته عبارة عن ثقب في الفضاء نفسه.

توقّف باسل عن إدارة يديه وثبّتهما كما كانا في المقام الأوّل، حتّى ارتأى أنّه الوقت المناسب فسحب المخطوطات الثلاث وأعادها إلى مكعّب التخزين، ثمّ نظر إلى الشرخ في الفضاء قبل أن يقفز داخله.

وبمجرّد ما أن دخل حتّى خرج فوجد نفسه فوق ساحة المعركة، ولحسن الحظّ أو لسوئه كانت المعركة تقع في مخيّم السحرة، والذي علم باسل عن موقعه بالفعل من الجنرال منصف فيما سبق فاستطاع الحضور مباشرة لقلب الحدث.

***

مرّت ثلاثة أيّام بسرعة خاطفة دون أن يزعج أحدهم باسل، وقدمت التعزيزات كما كان متوقّعا، فرحّب السحرة بأعوانهم ولم يسعهم سوى أن يبدؤوا في التحدّث مباشرة عن مغامرتهم.

حكوا عمّا صار بالتفصيل فاندهش المستمعون وكادوا لا يصدّقون الأمر. اجتمع الرفاق والأصدقاء من مختلف المناطق وتبادلوا الحديث بينما يأكلون ويشربون في هناء كما لو أنّهم في عطلة وليس في أرض العدوّ.

كان ذلك بسبب كون التعزيزات الهائلة التي تحصّلوا عليها، إذْ كان بها جنرالات أكاديميّة الاتّحاد المباركة ومائة ألف ساحر كانت مستويات جنودها كالمائة ألف التي أتت إلى هنا في المرّة الأولى.

لاحظ السحرة في الأيّام الأخيرة أنّ بعض الوحوش السحريّة تأتي وتذهب بينما تحتفظ بمسافة آمنة، فعلم الجنرالات أنّ هذا استطلاع من الوحش الغامض، لذا بُنِي حاجز أثريّ آخر وشُدِّدت الحراسة أكثر ممّا كانت عليه.

مرّت بعض الأيّام ولم يسمع أحد أيّ خبر من باسل، لكن الجنرالات انتظروا بفارغ الصبر ولم يجرؤوا على إزعاج راحته التي طلبها.

استفاق باسل بعد مرور عشرة أيّام من نومه العميق، ولحسن حظّه كان يمتلك الحكمة السياديّة التي تكلّفت بجعل واعيا حتّى في نومه من أجل صدّ طاقة العالم عن جسده وبحر روحه.

كان أوّل ما فكّر فيه عندما استيقظ هو حاجته إلى زيارة ذلك العالم الثانويّ في قلب القارّة.

تربّع وجلس يتدبّر.

"لقد مرّ أكثر من عام على زيارتي الأخيرة لذلك العالم الثانويّ مع أنمار ومعلّمنا، لكنّنا لم نتحصّل على أيّ إجابة في ذلك الوقت. هذه المرّة سيكون الأمر مختلفا، مختلفا للغاية."

ومضت بعض الصور من الماضي في عقله، منها صور تماثيل عملاقة ومصفوفات لا ينتهي تعقيدها في ذلك المجال العجيب، وصور معلّمه حينما كان يريه كيف يحلّلها ويفكّ شفراتها: "يا معلّمي، يا أبي الروحيّ، لن أنسى معروفك تجاهي ما حييت، فبسببك يمكنني الاستمرار في المسار الروحيّ حتّى أحمي من وما أريد وأحقّق أهدافي. بسببك علمت عن الكثير واستطعت السيطرة على الخسّيس الذي يحاول سرقتي فعلمت مرّة أخرى بما يجهله العديد."

"لذا حتّى لو حدث ونستك العوالم يا معلّمي، فسأقول في كلّ مرّة وبكلّ فخر برأسي مرفوع، أنّني تعلّمت من الأفضل."

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/10/17 · 652 مشاهدة · 1649 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024