232 – تهديد

كانت الفنون القتاليّة أنواعا من القواعد والأحكام التي تغيّر قوانين العالم، وبسبب ذلك وجب على الشخص المرور باختبارات عند بلوغ مراحل معيّنة، وهذه الاختبارات مثلها مثل أيّ اختبار جدارة وُضِعت حتّى لا يكسب الشخص مثل تلك القدرات إلّا إذا كان جديرا بذلك.

لا شكّ في أنّ ثلاثة فنون قتاليّة كانت فائقة القوّة، لكنّها كانت سيف ذو حدّين، فكانت الاختبارات التي تنتظر مستخدمها مرعبة؛ فاستخدام ثلاثة فنون بذاته تطلّب الجدارة.

كان لباسل حاليا المعرفة الكافية لتعلّم حتّى المرحلة الروحيّة من فنونه، لكنّ جسده لم يصر قويّا كفاية، ولم يدخل إلى المستويات الروحيّة التي تُعدّ شرطا حاسما من أجل استخدام المرحلة الروحيّة.

وقبل كلّ ذلك، توجّب عليه المرور باختبار المرحلة الأثريّة الذي يأتي بعد إكمال الفرع الكبير –الغصن الرابع-، والذي لم يتجاوزه حتّى الآن، مع العلم أنّ المرحلة الأثريّة لديها سبع أغصان.

قيل أنّ ساحرا صاعدا بسلاح أثري في الدرجة السابعة يتحكّم فيه بشكل مثاليّ يمكنه أن يقارع ضربة من سيّد روحيّ، ولكن ذلك عنى أنّه يستطيع أن يصدّ، مثلا، ضربة سيف عادي من سيّد روحيّ لا غير.

والآن، باستخدامه لفنونه الثلاثة وقوّة مرحلة الصاعد وعنصر تعزيزه الذي تفوق طاقته السحريّة تلك المرحلة بكثير، استطاع باسل أن يمحق الوحوش السحريّة باختلاف مستوياتها دون ترك أيّ فرصة لها بالردّ حتّى.

كان قد قضى حتّى الآن على عشرة وحوش بالمستوى الرابع عشر وثلاثين بالثالث عشر وخمسين بالثاني عشر وستّين بالحادي عشر ومائة بالعاشر وما تبقّى بباقي المستويات.

لو قيل هذا لأحد لم يكن ليصدّق ذلك، وهذا الأمر لم يقتصر في الواقع على سكّان العالم الواهن، بل حتّى قاطني العوالم الروحيّة لم يكونوا ليأخذوا الأمر بجدّيّة لو سمعوه، فليس هناك صاعد في كلّ العوالم أمكنه فعل مثل هذا.

***

انتهت جنرالات الوحوش الأربعة من تشكيل هجومها الموحّد، فكان هناك ثقب أسود محاط بأشعّة بيضاء وبدا كأنّه يستطيع بلع العالم بأسره.

[فلتتذوّق عقابنا الوحشيّ أيّها البشريّ المنحطّ!]

تفرّقت جنرالات الوحوش الأربعة لكنّ هجومها استهدف باسل. كان هذا الهجوم مختلفا عن هجمات الوحوش الأخرى إذ كان يحمل قدرات أربعة وحوش بقمّة المستوى الرابع عشر وسحرها أيضا.

علم باسل مدى خطورة الهجوم لكنّه أطلق العنان لطاقة عنصر التعزيز وصرخ: "الامتداد الكلّيّ."

تشكّل أمامه نسخة منه من طاقة عنصر التعزيز، والتي بدت كضوء أزرق فاتح على شكل باسل بالضبط. ومباشرة بعدئذ، صارت النسخة اثنتين فتضاعفت إلى أربعة ثمّ إلى ثمانيّة ثمّ إلى ستّة عشر وأخيرا بلغ عددها اثنتي وثلاثين نسخة.

انتشرت النسخ في جميع النواحي ووقفت لتمنع أيّ وحش من المرور لجهة السحرة، وفي نفس الوقت كان باسل قد صار عملاقا ناريا كما فعل في الحرب الشاملة، إلّا أنّ ناره هذه المرّة كانت بيضاء.

شبك قبضته بوسط العملاق الناري ففعل هذا الأخير نفس الشيء كامتداد لجسد باسل، وبمجرّد ما ان ظهر الثقب الأسود بسرعة خاطفة أمامه لكمه.

ولكن على عكس المتوقّع، كان الثقب الأسود خلف بالفعل، وفعل ذلك مستخدما قدرة النمر الأبيض. سُمِّي هذا الوحش السحريّ بنمر الضوء الخاطف.

كانت تلك قدرته والتي نقلها إلى الهجوم المشترك، فاستخدمها الثقب الأسود قبل أن يستطيع باسل الردّ واستهدف ظهره.

كاد الثقب الأسود يخترق ظهر العملاق الناريّ، لكن شيئا غريبا حدث وبدا الأمر كما لو أنّ أخطأ الهدف.

ولكن في الحقيقة كان ذلك فنّ باسل القتاليّ الأثريّ الثالث، اختراق السماء، الذي مكّنه من تحييز منطقة صغيرة من الفضاء فحوّل بذلك اتّجاه الثقب الأسود إلى جهة أخرى.

ومباشرة بعد هذا الدفاع حان دوره فاستهدف الثقب الأسود بكامل طاقته السحريّة وفنونه القتاليّة على شكل ركلة صاعدة أمكنها اقتلاع جبل ورميه كحصاة صغيرة.

اندفعت الريّاح والنيران البيضاء المعززتان وغمرت المنطقة كلّها، وفي اللحظة الأخيرة، اختفى الثقب الأسود عن الأنظار تماما.

كان هناك العديد من السحرة الذين يشاهدون هذه المعركة باهتمام، فهذا المستوى من المعارك لم يحدث من قبل حتّى فما بالك بكلّ يوم.

فجأة ارتعب أحدهم صارخا: "احترسوا! هناك وحوش سحريّة تنوي استغلال الفرصة للقضاء علينا!"

ثبت السحرة في أماكنهم مستعدّين لحشد الوحوش السحريّة التي تستهدفهم، وعندما اقتربت أخيرا من المصفوفة التي توضع، ارتأى السحرة أنّ الوضع ما يزال سيّئا حقّا، ولكن فجأة رأوا أجساد الوحوش تتطاير في السماء.

"انظروا! أ ليست تلك أجساد الطاقة العجيبة التي صنعها الجنرال الأعلى؟"

اندهش السحرة ممّا حدث أمام أعينهم. كان هناك بالفعل الاثنتا وثلاثون نسخة من باسل وكانت تصدّ الوحوش السحريّة عن السحرة وعن المصفوفة الأثريّة التي تُصنع. كلّ لكمة من كلّ واحدة منها كانت قادرة على إرسال وحش بالمستوى الثامن محلّقا.

بدت النسخ كسحرة في المستوى الثامن أو التاسع، وبسبب كونهنّ مجرد طاقة سحريّة لم تشعر بالألم ولا بالتعب، ومهما قُطِعت من الوحوش السحريّة وقُضِي عليها كانت تُزوّد بالطاقة لتصحو من جديد.

لقد كانت النسخ كجنود خارقين لا يموتون حتّى لو قُتِلوا. كانت هذه تقنيّة باسل الجديدة، أو يجب القول المستوى الجديد لتقنيّة الامتداد الكلّيّ. كانت هذه تقنيّة استطاع إتقانها بعد مدّة طويلة من التدريب بعدما ألهمه القتال ضدّ هدّام الضّروس.

كان لديه حاليا كمّيّة غير معقولة من طاقة عنصر التعزيز، وهذه الكمّيّة هي تلك التي يستطيع جسده تحمّلها فحسب، لذا كلّما نقُصت هذه الكمّيّة واحتاج أكثر سمح لطاقة العالم أن تتوغّل في بحر روحه.

بعبارة أخرى، كان حدّه هو قدرة تحمّل جسده وبحر روحه هذه العمليّة المتكرّرة.

انتظر باسل لثوان فأحسّ بالثقب الأسود قادم من تحت الأرض بعدما اختفى؛ كانت هذه قدرة السلحفاة التنّينيّة التي سمحت لها بالعبور عبر الأرض كحوت يسبح في البحر.

لم يكن لدى باسل الوقت الكافي للمراوغة بسبب سرعة قدرة نمر الضوء الخاطف، ففات الأوان وبمجرّد ما أن لمس الثقبُ الأسودُ العملاقَ الناريَّ حتّى فجّره وبدّده تماما، وباسل الذي حاول بجهد ليبتعد أصيب بجراح واضحة من جرّاء ذلك.

كان الهجوم يمزجّ قدرات الوحوش الأربعة كأساس وسحرهنّ كالقوّة اللازمة، فتدمّر كلّ شيء بسبب الثقب الأسود وتبدّد كما لو كان يُشفط إلى داخله.

[ما رأيك الآن بوضعك المزري يا بشريّ؟]

نفض باسل الغبار من على ملابسه ونظر إلى البعيد تجاه قلب القارّة وردّ: "عمّا تتحدّث يا هذا؟"

اختفت الجروح كانجلاء الغبار من على ملابسه، فتعجّب السحرة المراقبون أيضا ممّا حدث، وسكت صاحب الصوت لمدّة طويلة. لقد كانوا متأكّدين من أنّه لم يتعاطى لإكسير العلاج قطّ، أو لتلك الحبّة العجيبة من قبل.

بدا الأمر كما لو كان الوحش الخفيّ مصدوما ولم يستطع أن ينطق بشيء آخر، ومرّة أخرى بدا كما لو أنّه استعاد رشده فقال.

[وإن يكن، لنرَ إلى أيّ مدى يمكنك تحمّل مقاتلة هذا الهجوم والدفاع عن أولئك الحشرات.]

ابتسم باسل وتجهّز للجولة الثانية، والتي مرّت في لمح البصر مثل التي سبقتها. كان باسل ينشئ العملاق الناري كدرع لكنّه كان يتدمّر، ومع ذلك لم يبدُ عليه التعب، حتّى جراحه كانت تُشفى في وقت وجيز. وفي المقابل، كان هجوم الوحوش السحريّة يضعف مع مرور الوقت.

نظر السحرة إلى باسل فقال أحدهم: "هل طاقة الصاعد السحريّة بهذه الكمّيّة المرعبة؟"

تعجّب الجنرال لورنس من الأمر وصرّح: "هناك شيء غريب. حتّى لو كان في مرحلة الصاعد فلا يجب أن يكون لديه كلّ هذه الطاقة السحريّة، أو بالأحرى، يبدو كما لو أنّها تتجدّد كلّما تنقص."

بالفعل، كانت طاقة عنصر تعزيز باسل تتجدّد، لذا دائما اعتمد عليها في معاركه وعزّز طاقة هجمات عنصريه الآخرين بدل استخدام كمّيّة كبيرة منهما مرّة واحدة.

علم العالم عن امتلاك باسل ثلاثة عناصر ممّا جعل أسطورته تنتشر أكثر فقط، لكن لا أحد غير أنمار علم عن السبب وراء ذلك أو كيفيّة عمله.

[كيف؟ كيف لبشريّ أن يملك كلّ هذه القوّة؟ ليس وكأنّك ساحر روحيّ!]

ارتفع حاجب باسل وفكّر في بعض الأشياء: "قال "ساحر روحيّ" كما لو أنّه رأى واحدا، أو على الأقلّ كسب معرفة كافيّة عنه بالرغم من أنّنا في العالم الواهن."

تحرّك بخفّة بينما يقاتل الثقب الأسود ويرمي بعض الهجمات من حين إلى آخر على الوحوش السحريّة التي يواجه السحرة ونسخه مشكلة معها.

"أشكّ في مجيء ساحر روحيّ إلى هنا في السنة الماضية، وبالتأكيد لم يكن هناك ساحر روحيّ قبل ذلك بما أنّنا أتينا إلى هنا ولم يكن هناك وحش كهذا."

راوغ الثقب الأسود الذي كاد يصيبه بفنونه القتاليّة ولمح تحرّك الوحوش الأربعة تجاهه أخيرا.

ابتسم لمّا رأى الأمر يحدث فطار نحو نمر الضوء الخاطف ناويا قطعه.

كانت سرعته كبيرة لكنّ الثقب الأسود لم يكن أبطأ منه ولحقه.

استهدف باسل النمر لأنّه أراد أن يبطئ قدرته التي تعدّ الأكثر إزعاجا بالنسبة له. ما أن يتخلّص منه فسيكون الباقي في غاية السهولة.

كان النمر حاليا في ورطة إذ كانت قدراته تُستخدم على هدف واحد، وبما أنّه يستخدمها على الهجوم المشترك فقد صار من دونها، لذا بشكل يائس سحب قدرته من الثقب الأسود وهرب بها في آخر لحظة.

لقد كان مرعوبا للغاية من باسل، أو يجب القول من سلاحيه الأثريين، إذ كانا بالدرجة السابعة ويُتحكّم فيهما ليس بشكل مثالي فقط بل بالتحكّم الحكيم السليم. كان هذا أحد الأسباب الذي جعل باسل يفعل ما يشاء ضدّ كلّ هذه الوحوش.

ابتسم كما لو كان يتوقّع حدوث ذلك فغيّر هدفه مباشرة إلى الثقب الأسود وقطعه بكلّ قوّته التي استجمعها عندما زيّف هجومه على النمر الأبيض.

*انفجار*

اصطدم الثقب الأسود بنصليْ باسل وصدر صوت كالصراخ من شدّة الاحتكاك، ولكن مهما حاول الثقب الأسود لم يستطع الفوز على ثلاث عناصر أحدها غمره بكمّيّته فقط.

انفجر الثقب الأسود وانجلى، فارتعبت جنرالات الوحوش الأربعة وتراجعت كما دون أن تُؤمر بذلك حتّى.

[اللعنة! فقط ما الذي يحدث في هذا العالم بالضبط؟ من أنت؟ لم يجب أن تظهر الآن دون وقت آخر؟ لم أنتظر عصورا ليأتي صعلوك بشريّ مثلك ويهدم ما بنيت.]

حدّق باسل إلى جنرالات الوحوش الأربعة بينما يستعدّ للهجوم التالي، وقال مجيبا الوحش الخفيّ: "لا أهتم بقصّة حياتك. أمامك خيارين، إمّا ترسل أعوانك حتّى أقضي عليهم كلّهم ويأتي دورك، وإمّا تنسحب."

لم يجب صاحب الصوت فأكمل باسل: "طبعا، سيكون ممتعا قضاء وقت طويل في تشريح الوحوش السحريّة، لكن لسوء الحظّ ستصل التعزيزات بعد ثلاثة أيّام وتنتهي متعتي عندئذ. فقل لي، ما رأيك؟"

كان سخرية باسل واضحة حتّى أنّه أدهش السحرة فجعلهم يتساءلون. هل حقّا يهدّد من كان يهدّدهم في الصباح الباكر؟

اقتربت الظهيرة الآن، وتغيّر الوضع كحال النهار، فصار السحرة يملكون اليد العليا الآن وكلّ ذلك بسبب شخص واحد. رأوه يأتي ليموت معهم، ثمّ شاهدوه يحميهم، وها هو الآن يطرد عدوّهم.

تحسّن وضعهم بتدرّج، وفي كلّ مرّة فتحوا أفواههم من الصدمة ونظروا إلى باسل باحترام أكبر. من كذّب الأساطير صدّقها ومن غار وحسد أقسم بالولاء في قلبه.

[هذه حرب يا بشريّ، فلك المعركة اليوم لكنّ الحرب ستكون لي.]

لوّح باسل بيده وابتسم ساخرا بينما يلاحظ تراجع الوحوش السحريّة: "إلى اللقاء."

لم يمر وقت طويل قبل أن تتوارى عن الأنظار كلّيّا، وحتّى الآن، كان السحرة لا يزالون مكذّبين لما يحدث.

"هل نجونا؟"

"لقد اختفت الوحوش السحريّة!"

"فعلناها!"

"فعلها بطلنا!"

"يحيا بطل الأبطال، باسل!"

"يحيا بطل الأبطال، باسل!"

تردّد صدى أصوات هتافهم في الأنحاء وشعروا بسعادة غامرة.

"هذا هو شعور تجنّب الموت، لقد مررت به كثيرا لكنّي لم أكن أسعد هكذا من قبل."

كلّهم تطلّعوا إلى باسل الذي يحلّق في السماء إذ كان كشمسهم التي تنير عالمهم. فكما أحلّ الجرم السماويّ بنوره على العالم وأعلن عن الفجر، حلّ هو بأمله على يأسهم وأنقذهم.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/10/15 · 643 مشاهدة · 1712 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024