235 - هدوء ما قبل العاصفة (2)

235 – هدوء ما قبل العاصفة (2)

"هل حقّا نحن عائدون يا أيّها الجنرال الأعلى؟ كيف ذلك وما زلنا لم ننهي عملنا هنا جيّدا؟"

كان ذلك الجنرال لورنس، إذ كان في اجتماع بقيادة باسل ويحضره جميع الجنرالات الموجودين في المخيّم.

كانوا يجلسون حول طاولة طويلة، والتي جلس باسل في أحد جانبيها العرضيين، ممثّلا القائد الأعلى لهذا المخيّم أيضا باعتراف من الجنرالين الأكبرين وباقي الجنرالات طبعا.

أجاب بنبرة هادئة: "لا، لقد حقّقنا الغاية المتطلَّبة هنا بالفعل، فليس وكأنّما أريد القضاء على جميع وحوش المستوى الرابع عشر. سيقترب العديد عمّا قريب من مرحلة الصاعد ويخترقون إلى المستويات الروحيّة، ولا أريد منهم ألّا يجدوا وحشا روحيّا ليستحوذوا على روحه."

كانت الوحوش السحريّة تأخذ وقتا من أجل التجدّد، وكلّما ارتفع مستواها طال وقت تجدّدها، إذ تحتاج طاقة حاجز الحماية السماويّة وقتا طويلا من أجل تجديد جسد وقوّة الوحش السحريّ. وبسبب هذا، لا يمكن للسحرة الذين سيخترقون في غضون شهور أن ينتظروا طويلة دون الاستحواذ على روح وحش روحيّ لأنّ لذلك عواقب.

فعندما يبلغ الساحر المستويات الروحيّة، يصير يملك روحا كاملة، لكنّها مع ذلك تبقى كاملة لمدّة محدودة قبل أن يظهر عدم الاستقرار فيها، ولهذا يحتاج عندئذ الساحر الروحيّ للاستحواذ على روح الوحش الروحيّ من أجل جعلها كاملة مكتملة.

أكمل باسل شرحه: "ما يهمّ الآن هو الحرص كلّ الحرص على نجاة سكّان هؤلاء العالم، فحتّى لو كان للسحرة القدرة على النجاة من الكوارث القادمة، فإنّ العامّة ليس لديهم فرصة دون حماية الملاجئ بحراسة السحرة."

"يُقدّر التعداد السكّانيّ في العالم الواهن بأجمعه بحوالي خمس مليارات نسمة، ولو قدّرنا عدد السحرة، فسنجد أنّ عددهم يصل إلى حوالي ثلاثة ملايين على الأغلب إذا لم نحسب السحرة المبتدئين في أكاديميّات السحر. وبالتالي، يجب توزيع القوى بشكل عظيم حتّى نستطيع أن نخرج من المصائب القادمة بأقلّ عدد الضحايا الممكن."

كانت جدّيّة الأمر والواقع القاسي المنتظر تسحق قلوبهم في كلّ مرّة يُذكر فيها هذا الموضوع. لقد علموا كلّهم عن الأحداث المتوقّعة عند التحوّل الروحيّ للعالم، وصعدت القشعريرة مع ظهور أغلبهم.

"هل هناك أيّ أسئلة أخرى؟"

رفع الجنرال كروز يده، كان هذا هو الجنرال الذي لم قادة الجنرالات الأربعة الذين لم يخونوا الإمبراطور أيرونهيد غلاديوس من أجل اتّباع الأقدم الكبير، شهاب جرم. كان هو الجنرال الذي اختاره إمبراطوره ليمثّل الرياح العاتية في أكاديميّة الاتّحاد المباركة بجانب الجنرال كاميناري رعد وأزهر زهير أخ الإمبراطور أزهر هاكوتشو الثالث.

"لديّ تساؤل يا حضرة الجنرال الأعلى، لقد ذكرت فيما سبق أنّ تلاميذ وتلميذات أكاديميّات السحر يجب أن يُعدّوا كالناس العامّة فقط، ولكن هل يجب أن يُطبَّق ذلك على طلبة وطالبات أكاديميّة الاتّحاد المباركة أيضا؟"

"كنت آتٍ على ذكر ذلك." تحدّث باسل: "من بين الملاجئ كلّها الموجودة المعروفة في العالم الواهن، فأكاديميّة الاتّحاد المباركة هي أفضل ملجأ على الإطلاق."

لقد اعتنى إدريس الحكيم بنفسه بتلك الأكاديميّة، وبالطبع باسل لم يبلغ مستواه في إنشاء المصفوفات ولو بالحكمة السياديّة، إذ لم يبلغ تحكمّه فيها مستوى مقبولا في الواقع، ولم يكن يستطيع تحمّل استخدامها لوقت طويل دون التعرضّ لآثارها الجانبيّة على بحر روحه وجسده.

أكملَ: "الطلاب والطالبات الذين يدخلون إلى تلك الأكاديميّة يمرّون باختبارات معيّنة، ويمكن القول أنّهم سحرة أكفاء كافية، لذا يجب عدّهم من السحرة وتسخير قدراتهم من أجل تحسين الأوضاع."

"هل ما يزال لأحدكم تساؤل؟"

لم يجبه أحد فنهض من على كرسيّه وتبعه باقي الجنرالات بفعل المثل، فأنهى الاجتماع: "وبهذا، أختم اجتماعنا، والقرار النهائيّ هو مغادرة قارّة الأصل والنهاية بحلول فجر بعد غد."

كانت هناك استعدادات يجب الاهتمام بها قبل مغادرة القارّة، كترتيب الكنوز المجموعة، وتقسيم الفرق وإعداد الخطط المناسبة.

***

بعيدا عن قارّة الوحوش السحريّة، في جنوب إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، وبالتحديد في مدينة العصر الجديد.

كانت المدينة حيويّة كعادتها، فبالرغم من أنّها واجهت كارثة قبل أكثر من سنة، إلّا أنّه بفضل إدريس الحكيم لم يمت أحد منها، فنسي معظمهم ما حدث وأكملوا حياتهم اليوميّة بهناء.

تاجر التجّار، وزرع الفلاحون، وتدرّب السحرة، وكلّ شيء مرّ بوتيرته الطبيعيّة.

"أخبار عاجلة! أخبار عاجلة يا سادة!"

صاح أحد الناس وسط سوق المدينة الذي يعجّ بالناس، وبدا متحمّسا بشأن ما كان على وشك قوله.

انتبه له الناس مباشرة وأصغوا له باهتمام، فكان واضحا أنّه خبير في هذا المجال. ارتدى خبير المعلومات هذا عمامة عليها ريشة بجانبها، وبدا عمره في حاولي الثلاثينيات من عمره، بوجه شائع.

[أميرة إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، أزهر شيرايوكي، ستصل إلى هنا، إلى مدينة العصر الجديد، بحلول المغرب، وذلك من أجل زيارة أميرتنا، أميرة إمبراطوريّة الشعلة القرمزيّة، كريمزون أنمار.]

"أووه!"

تحمّس الناس عندما سمعوا هذا الخبر المسرّ. فعلا، كان مفرحا لهم إذ شاع في الأوقات الماضية عن العلاقة القريبة بين الأميرتين، وملحمتهما في الحرب الشاملة. كانتا تُلقَّبا 'زهرتا القمر والشمس'.

كان هذا الخبر موطن اهتمام العديد من الأنواع من الناس، إذ كانت هناك وليمة ستُقام بكلّ تأكيد، وبالتاليّ يجدها التجار والسحرة فرصة مثاليّة ليكوّنوا علاقات جيّدة مع النبلاء والشخصيات العظيمة، وخصوصا الأميرتان اللتان تنعزلان غالب الوقت من أجل تطوير نفسيهما في السحر.

"لقد سمعت أنّ الأميرة أنمار قد بلغت المستوى الرابع عشر بالفعل!"

"صحيح، ذلك ما سمعت أنا أيضا، يبدو أنّ الخبر قد تسرّب من تشكيل الجنرال الأعلى، باسل."

"ماذا عن الأميرة شيرايوكي؟ لقد سمعت أنّها لا تقلّ عبقريّة عن الأميرة أنمار."

"لقد شيع عنها كره الحرب ولم تكن تطوّر نفسها في السحر جيّدا، حتّى حدث ما حدث في الحرب الشاملة، وقرّرت أن تجتهد في هذا المجال أكثر على ما يبدو، ولكنّها أمضت وقتها في انعزال تامّ عن العالم لمدّة طويلة وخصوصا في الأشهر الماضية، ولا يعلم أحد عن مستواها."

"اتركونا من هذه الأمور الآن يا ناس، فقط وجود فرصة يمكننا فيها النظر إلى زهرتيْ القمر والشمس لشيء كافٍ حتّى يجعل مزاجي يتحسّن لأشهر قادمة."

"هيهيهي، معك حقّ يا صاح. ليس هنا العديد من الفرص يمكننا رؤية تينك الجميلتين اللتين تعدّان حاليا أجمل شابّتين في العالم."

تكلّمت شابّة: "يا حفنة المنحرفين، ألا تخشون أن يعاقبكم الجنرال الأعلى؟"

"هاهاها، لا تقلقي، لا تقلقي، الجنرال الأعلى شخص سموح وليس ضيّق الأفق. أم ماذا؟ هل تغارين يا ترى؟"

بقيت الأجواء على هذا الحال طوال النهار.

وباقتراب المغرب، تجمّع الناس بجانبي الطريق الرئيسيّة من مدخل المدينة حتّى مركزها، منتظرين قدوم الأميرة الناضرة.

رن الحرّاس الأجراس على البرجين بجانبيْ البوّابة، والتي فُتِحت في نفس الوقت لتسمح بعربة الأميرة التي يتقدّمها ساحران يرتديان درعا فضّيّا.

"انظروا، إنّه الجنرال 'تورتش' والجنرال 'شي يو' من قادة تشكيل الجنرال الأعلى."

"يبدو أنّهما خرجا ليقابلا الأميرة الناضرة في الطريق إلى هنا."

"لقد سمعت أنّهما بالإضافة إلى باقي قادة تشكيل الجنرال الأعلى قد بلغوا المستوى الثاني عشر بالفعل، وأصبحوا جنرالات كلّهم مرّة واحدة."

"لا يمكننا توقّع شيء أقلّ من قادة أقوى تشكيل."

كان تورتش وشي يو يركبان حصانين مدرّعين، وجذبا الأنظار إليهما قبل أن يتحوّل مسار هذه النظرات إلى العربة الإمبراطوريّة التي يقودها ستّة أفراس من الخيل الملكيّ.

"إنّها أميرة القمر!"

"الأميرة أزهر شيرايوكي!"

"الأميرة الناضرة!"

بدأ الناس يهتفون لها، فكلّهم علموا عن الخطّة المحبكة التي قادتها أنمار من أجل إنقاذ الأميرة شيرايوكي من أيدي العدوّ، حلف ظلّ الشيطان، وأيضا علموا عن التضحيّة التي قامت الأميرة الناضرة بها في المقابل في الحرب الشاملة من أجل إنقاذ حياة "صديقتها".

فكما كانت أسطورة بطل البحر القرمزيّ منتشرة في العالم، كذلك كانت قصّة زهرتيْ القمر والشمس. أحبّ الناس هاتين الصديقتين، أو الأختين وتطلّعوا إلى اكتساب شيء مثل علاقتهما.

طبعا، لم يعلم هؤلاء عن كيفيّة سير الأحداث بالضبط، فأنمار كانت قد ذهبت لتنقذ الأميرة شيرايوكي لأنّها أرادت أن تخفّف العناء على باسل كونها علمت أنّه سيذهب لإنقاذها بسبب الإمبراطور شيرو.

وبسبب هذا، أحسّت الأميرة شيرايوكي بدين عظيم تجاه أنمار، وكانت أكثر ميولا للتضحيّة بأبيها الذي رغب في ذلك من أجل أنمار التي كانت تُعدّ في الحرب الشاملة من الأوراق الرابحة ولا يجب خسرانها.

ولكن بعد تلك الحرب، تحسّنت العلاقة بين الاثنتين حتّى صارت علاقة تزور فيها الأميرة شيرايوكي أنمار. كانت الأميرة الناضرة هي التي واست أنمار في العام الذي ظلّت فيه بدون باسل، وبسبب ذلك تقرّبتا من بعضهما بعضا أكثر.

لربّما لم تكن علاقتهما بدأت بسبب الملحمة التي ألّف الناس حولها قصصا، ولكنّها بالفعل كانت علاقة صداقة في الوقت الحالي.

في هذا الجانب، هتف الناس للأميرة الناضرة، وفي الجانب الآخر، في مركز المدينة، أحاطوا بالأميرة الذهبيّة، وكلّ شخص واحد منهم نظر إليها باهتمام شديد إذ كانت هذه المرة الأولى التي ظهرت فيها بعد مدّة طويلة.

اقتربت عربة الأميرة شيرايوكي من مركز المدينة، فتحمّس الناس لظهورها.

توقّفت العربة واختلطت ألون شعر الخيل الملكيّ بأقواس قزح النافورة المائيّة، وزادت من جماليّة المنظر الذي كان مبهرا فقط بظهور الأميرة شيرايوكي.

توقّع الناس مقابلة رسميّة تكون فيها الأميرة شيرايوكي ضيفة الأميرة أنمار، لكن على عكس ما توقّعوا أسرعت الأميرة شيرايوكي إلى أنمار وعانقتها، قائلة: "اشتقت إليك يا أنمار."

ابتسمت أنمار بهناء ورفعت يديها بعدما تردّدت قليلا، لتضعهما على ظهر الأميرة شيرايوكي في نهاية المطاف كما وضعت رأسها على كتفها، فاعلةً نفس ما فعلت الأميرة الناضرة معها.

"وأنا كذلك يا شيرايوكي."

لو كان باسل يواجه مشاكل في تكوين العلاقات كما قال الجنرال رعد، فأنمار ليس لديها مثل هذا المشكل بتاتا، لكنّها كانت شخصا يتبع باسل في الأرجاء دائما ممّا جعلها تهمل نفسها وعلاقاتها الأخرى، لكن ذلك لم يزعجها إطلاقا.

وفي السنتين الماضيتين، تكوّنت علاقة بين هاتين الاثنتين يمكن القول عنها علاقة صداقة. فعندما مرّت أنمار بوقت عصيب كانت شيرايوكي هي الشخص الذي واساها دون ملل أو كلل، وذكّرتها دائما بالتحلّي بالأمل والصبر.

طبعا، كانت أنمار تثق في عودة باسل حتّى بدون كلمات شيرايوكي، لكن فقط وجود شخص بجانبها في مثل عمرها ومكانتها ويعلم عن درجة ألمها جعل قلبها يرتاح.

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/10/24 · 651 مشاهدة · 1481 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024