250 - التحوّل الروحيّ الحقيقيّ

250 – التحوّل الروحيّ الحقيقيّ

كان الأسبوع الماضي مرعبا للغاية من الأسبوع الذي سبقه، إذ لاحظ الناس عالمهم يتغيّر حرفيّا وخصوصا عندما ازدادت قوّة تلك الجاذبيّة لدرجة تؤثّر فيها على التضاريس مثلما فعلت تلك الكوارث الطبيعيّة الأخرى، حتّى صار العالم الواهن مختلفا عمّا اعتادت عليه الأعين.

انقسمت القارّات وانهدمت الجزر وتغيّرت مواقعها فصارت خريطة العالم الحالية بدون فائدة. كان الشرق قد غدا غربا، والجنوب شمالا، وبدأ الناس يشكّون في حقيقة كون السماء فوقهم أم أسفلهم.

حدث كلّ هذا ولكنّ المصفوفات التي صنعها باسل جعلت الملاجئ منيعة ضدّ كلّ هذه التحوّلات والتغيّرات، فحتّى عندما انقلبت الجبال وزحفت القارّات وتساقطت المقذوفات البركانيّة وغرقت الأراضي تحت المحيطات، صمدت الملاجئ وحافظت على استقرارها ولم تتغيّر مواقعها.

فعندما غرقت المناطق المجاورة كانت الملاجئ بارزة فوق المياه، وعندما تحرّكت الأراضي تحرّكت الملاجئ معها محافظة على نفس البقعة التي كانت عليها كما لو أنّها تتكيّف مع كلّ تغيّر يحدث.

تدمّر العالم الواهن تماما بحلول اليوم الرابع عشر، وتوقّفت كل تلك الظواهر أخيرا مريحةً قلب الناس الذين اسودّت ملامحهم لمّا لاحظوا المصفوفات تختفي بدءا من مركزها في السماء وتبدّد في الهواء مندمجةً مع الجزيئات السحريّة.

ارتعب الناس لكنّ الجنرالات أكّدوا بعدما دقّقوا الملاحظة لوقت طويل: "لقد انتهى الأمر، لقد انتهت تلك الظواهر المخيفة."

وفي هذه الأثناء، في الأرض المسالمة المباركة، وقفت أنمار بحرص شديد بالقرب من البحيرة المباركة، برفقة قادة التشكيل والجنرال منصف والتاجر ناصر والجنرال رعد وبعض الكيميائيّين والحدّادين، وترقّبوا الشيء الأخير المتوقّع حدوثه.

ردّدت أنمار: "ستبدأ نهاية تحوّل العالم الروحيّ، أو يمكنك القول تحوّل العالم الروحيّ الحقيقيّ."

استغرب التاجر ناصر فسأل: "التحوّل الروحيّ الحقيقيّ؟ ما المقصود بذلك يا سيّدتي أنمار؟"

عبست أنمار وردّت بعد لحظات من الصمت: "الآن، سيتحوّل جوهر العالم السحريّ إلى جوهر روحيّ بشكل كامل، وبذلك يتجدّد العالم كما لو أنّه يُصلح ويعالج نفسه، وتبدأ بعد ذلك الوحوش السحريّة بقمّة المستوى الرابع عشر الاختراق إلى المستويات الروحيّة."

بلع العديد من الأشخاص أرياقهم عند التفكير في هذا الأمر، فبالرغم من أنّهم قضوا على معظم الوحوش السحريّة بذلك المستوى، إلّا أنّه ما يزال هناك وحوش أخرى وخصوصا بقارّة الأصل والنهاية، وسيأتي وقت وتُنعش فيه من جديد كلّ تلك الوحوش التي قضوا عليها.

أكملت أنمار: "الآن، ستختفي كلّ المصفوفات التي صنعها باسل، والتي بُنِيَ أساسها على أوردة الطاقة السحريّة التي ستتعرّض لتغيّرات بعد التحوّل روحيّ."

بالفعل، كان باسل قد استخدم الحكمة السياديّة ليجد هذه الأوردة، وأوّلها كان الوريد الذي تتبّعه انطلاقا من مدينة العصر الجديد برفقة العالم المجنون. كانت هذه هي الغاية من رحلة باسل، لكنّه لاحظ اتّصال ثلاث مناطق بمنبع ذلك الوريد ذاته الذي كان في نهر دم التنين، إذْ كانت المناطق الثلاث هي مدينة العصر الجديد والأرض المسالمة المباركة ووكر الوحش النائم.

أراد باسل في ذلك الوقت أن يكتشف حقيقة الوريد، لكنّه ظلّ بدون تأكيدات لقلّة الدلائل، واستمرّ ذلك حتّى اكتسب الرخصة من الوحش النائم وعلم عن السبب الذي جعل ذلك الأخير يضع وكره في ذلك المكان بالتحديد.

وبالطبع، اكتشف لمَ وضع معلّمه أساس أكاديميّة الاتّحاد العظمى في الأرض المسالمة المباركة، ومدينة العصر الجديد في ذلك المكان بالتحديد؛ كان ذلك لأنّ تينك المنطقتين، مثل الوكر، كانتا متّصلتين بشكل مباشر بمنبع الوريد في نهر دم التنّين.

ارتحل في العالم بعدئذ ووجد بعض الأوردة الطبيعيّة التي توجد في أيّ عالم، وربط المصفوفات التي صنعها بها حتّى يستمدّ منها الطاقة اللازمة، وبذلك كان قد انتهى من عمله بمساعدة أوبنهايمر فرانكنشتاين.

كان هذا ما عناه عندما سأله أوبنهايمر فرانكنشتاين عن سبب رحلتهم عند مغادرتهم لمدينة العصر الجديد وأجابه باسل: "ليس صعبا، سنبحث عن أشياء، ونضع أشياء، ثمّ ننتظر، وبذلك سنصنع أشياء."

حدّقوا بعد كلام أنمار إلى السماء والمناطق المحيطة بهم، ثمّ قال كين نبيل: "وماذا عن هذه المنطقة؟ فعلى عكس المصفوفات التي بناها السيّد باسل، هذه الأرض المباركة أصلا حصنٌ خام احتاج أن يُصقَل وذلك ما حصل عند بناء الأكاديميّة، ولكن ماذا سيحدث عند التحوّل الروحيّ الحقيقيّ؟"

ترقّب الجميع الردّ من أنمار، فلا أحد غيرها امتلك الإجابة في نظرهم، لكنّها تنهّدت وقالت: "هذا أمر مجهول أيضا. فهذه الأرض المباركة ستتعرّض للتغيّر بدون شكّ عند التحوّل الروحيّ الحقيقيّ، لكنّني لا أعلم كيف سيكون لك، وبالطبع باسل أيضا لا يعلم، وإلّا كان ليخبرنا بذلك."

حكّ الجنرال رعد ذقنه وقال: "إذن حال هذا مثل حال الكوارث التي حدثت في الأيّام الأربعة عشر الماضية. فحتّى لو علمنا أنّ التحوّل الروحيّ الحقيقيّ هو المرحلة الأخيرة، يبقى التغيّر الذي سيحدث لبعض المناطق يختلف من منطقة إلى أخرى."

أومأت أنمار إليه: "نعم، للأسف."

شبك تورتش ذراعيه على صدره بينما يضع يده اليسرى على ذقنه وقال: "ومتى سيحدث هذا بالضبط؟ أعني، قد مرّ الأسبوعان."

أومأت أنمار: "صحيح، قد مرّت الأيّام الأربعة عشر، لذا لن يطول هذا، وفي أيّ لحظ..."

لم تكمل أنمار كلامها حتى تزلزلت الأرض من جديد. شعروا كما لو أنّ صاعقة ما نزلت على رؤوسهم من الدهشة؛ لاحظوا أنّ هذا الزلزال مختلف تماما عن تلك الزلازل السابقة.

فبعدما مرّ العالم بكلّ تلك الظواهر الكارثيّة وسُحِق تحت تأثير الجاذبيّة، لاحظوا أمام أعينهم الفضاء يتمزّق وينفتح كفم عملاق. بدأ ذلك يحدث في شتّى أنحاء العالم الذي سطع فأصبح الكوكب بكامله يبدو ككرة مشعّة من الضوء الأزرق الفاتح؛ صار يبدو كنجم أزرق في الفضاء الشاسع.

لم يفهم أيّ أحد ما كان يحدث، وغاب البشر عن الوعي قبل أن يفكّروا في ذلك حتّى، ولحقهم في ذلك السحرة حتّى المستوى السابع، وبالكاد حافظ السحرة من المستوى الثامن حتّى المستوى الثالث عشر على وعيهم فلم يقدروا أن يستوعبوا بعقولهم المشوّشة وأرواحهم المضطربة ما يحدث، وظلّ سحرة المستوى الرابع عشر صامدين أمام انكسار الزمكان.

وقفت أنمار صامدة برفقة الجنرالين رعد ومنصف، وقائديْ تشكيل بطل البحر القرمزيّ تورتش وشي يو، وبعض الحدّادين والكيميائيّين الذي بلغوا المستوى الرابع عشر، من بينهم الكيميائيّون الثلاثة والحدّاد سميث واثنين من معاونيه الذين علّمهم باسل تقنياته عندما قدم إلى عائلة كريمزون أوّل مرّة. وأخيرا، وقف أوبنهايمر فرانكنشتاين بعيدا عنهم بدون صعوبة بينما يقترب من صفاء الغائبة عن الوعي بين ذراعيه.

كان هؤلاء هم سحرة المستوى الرابع عشر الموجودين هنا واستطاعوا الصمود. فالجنرال رعد امتلك موهبة مدهشة مكّنته من مواكبة سرعة أنمار وتورتش وشي يو اللذين تعلّما على يد باسل وأنمار جنبا إلى جنب مع القادة الآخرين. أمّا الجنرال منصف فقد استهلك حبّة الولادة الجديدة السحريّة ولحقهم، بينما ظلّ الكياميائيّون والحدّادون في المستوى الرابع عشر منذ مدّة طويلة منتظرين تحوّل العالم الروحيّ حتّى يستطيعوا الاختراق إلى المرحلة التاليّة.

أمّا أوبنهايمر فرانكنشتاين، فقد كان شخصا ذو موهبة مرعبة، ولولا ضعف اهتمامه بالسحر مقابل اهتمامه الشديد بالتجارب والخيمياء وتطوّر المخلوقات لكان قد بلغ مرحلة الصاعد الحقيقيّ منذ مدّة طويلة، لكنّه كان يصرف وقته في تجربة العديد من الأشياء على جسده وعلى مخلوقات أخرى.

حدّقت شيرايوكي إلى أنمار بصعوبة بينما تجثو على ركبتيها وتتنفّس بصعوبة، محاولةً الحفاظ على وعيها في ظلّ هذه الظروف المتقلّبة حرفيّا.

فمهما حاولوا فهم ما يحدث لم يستطيعوا، فتارة كانوا يجدون الشخص الذين يرونه أمامهم خلفهم أو بجانبهم كما لو أنّ صورهم تنعكس وتختفي باستمرار.

شعروا بالغثيان الشديد وآلمتهم رؤوسهم فشعروا أنّها ستنقسم لأجزاء، وتغيّرت درجة حرارة أجسادهم حتّى اختفى إحساسهم بالحرارة وصاروا لا يفرّقون بين البرودة والسخونة.

ومع ذلك، حصل هذا فقط للسحرة بالمستوى الثامن وما فوق، ولم يتأثّر الأشخاص الغائبين عن الوعي، كما لو أنّ غيبوبتهم أنقذتهم من العناء الذي لم يكونوا ليتحمّلوه لو اختبروه.

صرخ الجنرال رعد: "فليخبرني، أحد، عمّا، يحدث، اللعنة، هل هذا، من، المفترض، أن يحدث، هكذا؟"

لم يحصل الجنرال رعد على أيّ إجابة، وذلك لأنّه لا أحد قد فهمه أصلا، فكلامه في الواقع قد تجزّأ بطريقة غريبة.

فهو حقّا قال الكلام بشكل عادي، لكنّ بعضهم سمعوا جزءا من كلامه فقط بينما آخرون سمعوا الكلام معكوسا أو عشوائيّا كما لو أنّ الكلمات غير متّصلة لتكوّن جملا مفيدة.

عبست أنمار وحاولت التحدث: "هذه، التشوّهات، الفضائيّة، تحدث لأنّ، فضاء، العالم بنفسه، يتغيّر. فبعدما ينتهي، كلّ، هذا، لن يكون عالمنا، كما كان، عليه بشكل، كلّيّ."

بالطبع، بالرغم من أنّها حاولت الشرح، إلّا أنّ بعضا من كلماتها فقط ما استطاعوا استقباله.

كان هناك شخص آخر فهم الحالة جيّدا بدون أن يشرح له أحد، وأوّل ما فعله هذا الشخص عندما بدأ التحوّل الروحيّ الحقيقيّ هو الذهاب للاجتماع بـ"الشخص"... لا... بل للاجتماع بـ"الشيء" الأكثر أهميّة عنده حاليا.

كان ذلك أوبنهايمر فرانكنشتاين، والذي حمل صفاء وأمّنها عنده حتّى لا تفترق عنه ولو بتشوّه الفضاء.

لاحظت أنمار ذلك أيضا فاقتربت من شيرايوكي وحاولت إمساكها، لكنّها وجدت نفسها تمدّ يدها للفراغ فجأة، وعندما استدارت رأت شيرايوكي خلفها. لم تعلم ما إذا كان ذلك بسبب الهلوسات الناتجة عن الصداع الذي يشقّ رأسها أم بسبب تشوّه الفضاء جعل مسار تحرّكاتهم عشوائّيا.

استمرّت بالمحاولة حتّى نجحت أخيرا في إمساك شيرايوكي بالصدفة، فلاحظت أنّ لا تفترق عن صديقتها بالرغم من كلّ ما يحدث.

لاحظ تورتش ما حدث عندما كانت أنمار وشيرايوكي تختفيان في نفس الوقت، ففعل نفس الشيء مع شي يو، فلاحظ الآخرون الأمر وقلّدوهم بالرغم من أنّ ذلك استغرق وقتا طويلا، واستمرّ ذلك حتّى استطاعوا أن يتّحدوا كلّهم لتشرح أنمار ما يحدث من خلال ما فهمته.

كان معلوما أنّ العالم سيتوسّع بشكل عجيب عندما يتحوّل روحيّا، ولكن اختلفت طريقة حدوث ذلك من عالم لآخر، لذلك كانت أنمار تشرح لهم ما يحدث حاليا حتّى لا يهلعوا.

أصبح العالم مضطربا وساكنا في نفس الوقت، إذ غاب معظم المخلوقات فيه عن الوعي وظلّ قلّة فقط مستيقظين ليروا مدى عجزهم عن فعل شيء أمام القوة الغامرة التي تصحب التحوّل الروحيّ.

كان هناك سحرة اعتقدوا أنّ الغيب عن الوعي حاليا يُعدّ نعمة بدل مواجهة هذه العشوائيّة في الزمكان.

دار النجم الأزرق في الفضاء حول نفسه بسرعة كبيرة وبدا كما لو أنّه يكبر بينما يزداد ضوؤه إشعاعا، أو كما لو أنّ الفضاء حوله يتموّج بطريقة غريبة ويجعله يبدو أكبر ممّا كان عليه.

كانت هناك أراضٍ تظهر من تحت البحار وأخرى تنبثق في السماء، ولكن ذلك لم يكن بسبب الدمار، بل بدا الأمر كما لو أنّ تلك الأراضي قد نُقِلت آنيا إلى هناك بدون إحداث أيّ ضرر.

همدت أمواج البحار فقط لتهيج في مكان آخر، كما لو أنّ الأمواج الهائجة استُبدِلت بالهادئة، أو بالأحرى، كما لو أنّ بحرا قد استُبدِل بآخر.

لم يستطع أحد تفسير هذه الأشياء مهما حاولوا، وفقط اقتنعوا بحقيقة تحوّل العالم لعالم روحيّ؛ كان مثل هذا الأمر لغزا محيّرا لهم، لكنّهم استسلموا عن محاولة فكّه؛ علموا أنّ هذا من ألغاز الكون التي لن يستطيعوا كشفها مهما مرّ الزمن.

كانت هذه أقوى عجائب الأساطير في العوالم الروحيّة، فليس هناك عالم روحيّ وإلّا اختبر أشياء لا يتقبّلها العقل عند تحوّله.

لماذا يتحولّ العالم إلى عالم روحيّ؟ لأنّه يستجيب لحاجة السحرة الروحيّين للطاقة الروحيّة. لماذا هناك سحرة روحيّون؟ لأنّ العالم ينتج الطاقة الروحيّة. كان وما زال هذا الأمر غامضا، وبسبب ذلك قد لا يكون هناك في كلّ العوالم ولو شخص واحد لا يزال يبحث ويحاول كشف الستار عن ذلك الغموض؛ لقد كان هذا يفوق قدرات السلاطين حتّى.

هل وُجِد العالم الروحيّ أوّلا أم كانت الأسبقيّة للسحرة الروحيّين؟

بالرغمّ من أنّ باسل قد وجد ذلك العالم الثانويّ واستطاع أن يستمدّ الطاقة الروحيّة منه، إلّا أنّه بدون ذلك حتّى فالعالم الواهن كان سيستجيب لرغبة الصاعد الحقيقيّ في بلوغ المستويات الروحيّة وينتج طاقة شبه روحيّة في بعض المناطق قبل أن يتحوّل إلى عالم روحيّ حتّى، وعندما ينقّي الصاعد الحقيقيّ طاقته السحريّة لدرجة معيّنة ويدمجها بالطاقة شبه الروحيّة سيُنتج الطاقة الروحيّة.

أمكن تسمية الطاقة شبه الروحيّة بالطاقة الروحيّة المزيّفة، لأنّها ليست طاقة روحيّة حقيقيّة بل مجرّد طاقة سحريّة نقيّة لدرجة نقاوة الطاقة الروحيّة.

ومع ذلك، يظل اللغز دائما محيطا بمن كانت له الأسبقيّة – العالم الروحيّ أم السحرة الروحيّون؟

مرّت مدّة لا يعلم أحد عن طولها، فتضاءلت سرعة دوران النجم الأزرق حول نفسه حتّى صارت غير ملحوظة، وبدأ الضوء الأزرق ينقشع كسحابة تبدّدها رياح عاصفة، فصارت السماء طبيعيّة من جديد، إلّا التضاريس التي كانت بشكل محدّد وأصبحت في شكل آخر تماما.

في هاته اللحظات، كان الكوكب يبدو أكبر بكثير عمّا سبق لدرجة لا يمكن فيها الغفل عن الفرق، فحتّى الأراضي والبحار التي كوّنته ذات مرّة اختفت بين أراضٍ جديدة وبحار أخرى.

طالت غيبوبة الغائبين عن الوعي، ورسّخ المستيقظون أقدامهم على الأرض ونظر بعضهم إلى بعض بأوجه بلهاء توصف درجة جهلهم بحالتهم.

بلع تورتش ريقه وقال: "هـ-هل انتهى الأمر أخير؟"

لم يجبه أحد لمدّة كونهم كانوا بمثل درجة اندهاشه وروادهم نفس السؤال، حتّى استطاعت أنمار التيقّن أخيرا: "هذا ما يبدو عليه."

استغرب الجنرال رعد لمّا هدأت الاوضاع ورأى الوضع حوله، فانتبه الآخرون أيضا لمحيطهم لتعتليهم نفس التعبيرات. قال بينما يتحسّس الجوّ بيديه: "ما هذا الضباب الغريب؟"

كان يحاول اكتشاف سبب امتلاء المنطقة حولهم بذلك الضباب الذي غطّى مدى شاسع للغاية.

"هذا؟!" حتّى أنمار تعجّبت: "نحن بالتأكيد ما زلنا في نفس المكان الذي كنّا فيه قبل أن يبدأ ما حدث. هذه أرض الأكاديميّة من دون شكّ، فأنا ما زلت أستطيع الشعور بالأكاديميّة والبحيرة المباركة والمناطق المحظورة التي تحيط بهذا المكان. ولكن هذا الإحساس...!"

اقتربت شي يو من أنمار لتسألها عن الإحساس الذي شعرت به: "هل سبق لكِ أن مررت بمثل هذه التجربة؟ أعني هذا الضباب."

"لا أعلم..." كانت أنمار متفاجئة للغاية من الفكرة التي طرأت في بالها: "هذا الشعور، هذا يذكّرني بالإحساس الذي يراودني لمّا أحلّق في السماء وأخترق السحب بوحشي المستدعى."

"ماذا؟" فتح الجنرال عينيه على مصراعيهما وقال: "معك حقّ. الآن بعدما قلتها، حقّا هذا يبدو مثل المرّة التي حلّقنا فيها بوحشك المستدعى."

هزّ يده في الهواء كما لو أنّه يحاول إزاحة الضباب وقال: "إذن... هذا... هل هذا ممكن؟"

نظرت أنمار إلى شيرايوكي التي ما زالت تجد صعوبة في الوقوف ثمّ إلى الآخرين قبل أن تقرّر: "سأذهب لأتحقّق من شيء ما."

"انتظـ..."

أراد الجنرال أن يوقفها حتّى يعرف ما نيّتها، لكنّ أنمار كانت قد رحلت بالفعل واختفت بعيدا.

تجاوزت الأرض المسالمة المباركة ودخلت إلى المناطق المحظورة التي تحيط بها. استطاعت أن تدخل إلى المناطق المحظورة كالعادة لكنّها لم تضِع وقتها هناك لترى الاختلافات التي حصلت بما أنّها كانت مستعجلة.

لم يكن هناك ذلك الضباب في بعض المناطق التي مرّت بها لكنّه كان موجودا في مناطق أخرى.

لم يبدُ على أنمار أنّها تنوي التوقّف بالرغم من أنّها قطعت مسافة طويلة جدّا. بدا الأمر كما لو أنّها تريد أن تصل لمكان ما لكنّها لا تعلم أين هو. جرت وجرت لمدّة طويلة وقطعت مسافة طويلة للغاية، لكنّها لم تلمح شيئا غريبا.

كانت ملامحها جادّة، وأصبحت حادة عندما لمحت شيئا ما أخيرا. بدت كما لو أنّها بلغت ما أرادت، فتحوّلت نظراتها الجادّة والحادّة ببطء إلى نظرات تعجّب تامّ.

أمام عينيها، لم يكن هناك أرض لتجري فوقها، كما لو أنّها تقف عند جرف، إلّا أنّه لم يكن بجرف فعلا نظرا لانعدام الطرف الثاني من الأرض أمامها، كما لو أنّها وصلت إلى حافّة العالم.

كانت تقف هناك بينما تحّدق إلى الضباب الذي يحيط بها من كلّ جهة، فبلعت ريقها ونظرت إلى الأرجاء من جميع الجهات لتتيقّن أخيرا من شكّها.

"هذا...! لقد حدث فعلا. هذا الضباب، إنّه ليس بضباب في الواقع وإنّما سحاب!"

بلعت ريقها وصرّحت لنفسها الحقيقة المذهلة: "الآن، قد أصبحت الأرض المسالمة المباركة والمناطق المحيطة بها عبارة عن جزيرة عائمة في السماء!"

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2020/02/20 · 627 مشاهدة · 2332 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024