266- الملاك ملاك

لم تضع عنقاء الشفاء أيّ أحد في عين الاعتبار ولم تسمح لأّي شخص بالوقوف في طريقها قبل أن تقبض على هيل وتقيّده كما فعلت لشي يو بقيد روحيّ حولهما.

التفتت إلى جهة التنّين الصغير وإبلاس ثمّ همّت مغادرةً بعدما حقّقت هدفها.

صرخ تورتش: "انتظري أيّتها اللعينة! أين تظنّين نفسك ذاهبة؟ أعيديهما إلى هنا."

حاول الذهاب إليها لكنّ خليفة التيّار اللامحدود اعترض طريقه فصاح تورتش: "ماذا؟ هل ستعترض طريقنا مرّة أخرى؟ هل حقا تريد منّا المكوث هنا دون فعل شيء؟"

حملق خليفة التيّار إليه وقال: "لا يمكنني السماح بفقدان التوازن الحاليّ وإلّا ستموتون كلّكم هنا." أشار إلى إبلاس وقال: "لو سمحت لك بالمغادرة، فسيتلاعب ذلك اللعين بنا كما يشاء."

صرخ تورتش بعدما فقد رشده: "هل تظنّني أهتمّ بهذا الآن؟ ابتعد عن الطريق اللعين وإلّا أقسم لكم أنّني سأجعل حياة كلّ واحد منكم جحيما ولو مرّ على هذا آلاف السنين."

لم يتكلّم خليفة التيّار بعد ذلك وقيّد جماعة أنمار فقط منتظرا نهاية هذا الأمر.

غادرت الملكة الشريرة وخادمها بصحبة شيرايوكي، فصرخ الإمبراطور هاكوتشو: "ما الذي تفعلانه بأخذكما لأختي الصغيرة؟"

انطلق برفقة بعض السحرة الذي رافقوه إلى هنا، وبالرغم من أنّهم لم يكونوا جنرالات كانت مستوياتهم مرتفعة، إذ كان أضعف واحد منهم بالمستوى العاشر.

حملقت الملكة الشريرة إليهم ثمّ نظرت بعد ذلك إلى خادمها وفيّ الذي أومأ رأسه بعد رؤية عينيها وقال بعدما انحنى واضعا يده على صدره: "كما تتمنّين يا ملكتي."

التفت الخادم وفيّ إلى الإمبراطور هاكوتشو الذي يلاحقه برفقة الآخرين، وقال: "تراجعوا حالا. لا أضمن نجاتكم إن اقتربتم أكثر."

صرخ الإمبراطور هاكوتشو: "ما الذي تتحدّث عنه يا هذا؟ ما بالكم يا جماعة؟! كلّكم تتوقّعون منّا عدم رفع إصبع واحد بينما نشاهد أحبّاءنا يُخطفون!"

حدّق الخادم وفيّ إليه غير مهتمّ بكلامه، فلمحت شيرايوكي تلك النظرات على محياه فإذا بها تصرخ بكلّ ما تملك: "أخي الكبير، تراجع من فضلك! لا تأتِ، رجاءً!"

توقّف الإمبراطور هاكوتشو فجأة: "ما الذي تتحدّثين عنه؟ هل غسلوا دماغك ربّما؟ ما الذي فعلتماه لها يا أيّها..."

قاطعته شيرايوكي: "لم يفعلا شيئا يا أخي. لقد رأيت ما حصل للآخرين على يد ذلك الشيطان، وهؤلاء لا يختلفون عنه كثيرا. أنا لا أريد منكم أن تموتوا هباءً."

كان الإمبراطور حزينا للغاية. لقد كان كلام أخته الصغرى صحيحا، لكنّه لم يستطِع تقبّل الواقع: "ولكن..."

"أرجوك!" صرخت شيرايوكي: "لا أعلم ما الذي يريدونه منّي؟ لكنّني أعلم أنّهم سيقتلونكم لو اقتربتم أكثر. دع الأمر وشأنه. أرجوك استمع لي وعدّها أمنيتي الأخيرة لك."

نظر الإمبراطور إلى شيرايوكي لوقت طويل ثمّ أحكم القبض على سيفه الأثريّ ولم يقل شيئا. لم يستطِع أن ينبس ببنت شفة؛ لقد كانت أخته محقّة، لكنّه شعر أنّه عليه الذهاب إليها مهما كلّفه الأمر.

حدّق الخادم وفيّ إليه لبعض اللحظات قبل أن يستدير ليغادر.

صرخ الإمبراطور هاكوتشو: "تذكّروا كلّكم، سيأتي الوقت الذي ينتقم فيه عالمنا من كلّ شروركم اللعينة. تذكّرا أنتما، سأنقذ أختي الصغرى وأعيدها إلى هنا، وذلك بعد أن أدمّركما تماما. تذكّرا هذا، اللعنة!"

انهمرت الدموع من عينيه وخارت قواه بسبب الحقيقة القاسيّة؛ لقد كانوا ضعفاء للغاية مقارنة بهؤلاء.

اقتربت عنقاء الشفاء من الشرخ الفضائيّ الذي أتت منه، فتمتمت: "يبدو أنّ الممرّ ما زال مستقرّا حتّى الآن ولن يشكلّ خطرا كبيرا عليهما."

التفتت بسرعة كبيرة ثمّ دافعت بذراعها في آخر لحظة قبل أن تصدمها ذراع أخرى على وجهها.

قطبت عنقاء الشفاء وقالت: "هل تنوي التدخّل في أموري يا أيّها الشقيّ اللعين؟"

ابتسم إبلاس وقال: "لقد أخبرتك، لا أحد سيغادر هذا المكان إلّا بعد إذني، والذي لن أمنحه لأحد حتّى أكتفيَ تماما."

حملقت العنقاء إليه وقالت: "هل تظنّ أنّك قادر على منعي؟"

أمال إبلاس رأسه وأجاب: "لوحدك؟ لديّ تمام الثقة في ذلك."

أحاطها اللهب وتراقصت الشعلات حول جسدها وثارت طاقتها السحريّة واندفعت إلى السماء كبركان منفجر.

"لن ألعب معك لعبة المطاردة هنا." حملقت إلى إبلاس وقالت: "كن على استعداد للموت."

ابتسم إبلاس وقال: "لنفترض أنّه يمكنك قتلي، فهل يمكنك فعل ذلك بينما تحمينهما يا ترى؟"

ضاقت عينا العنقاء أكثر لمّا سمعت ذلك وحرصت على شي يو وهيل أكثر. لقد كانت تعلم كيف تسير ألاعيب هذا اللعين أمامها.

قالت بصوت بارد: "يبدو أنّ ملككم اللعين سيحتاج للبحث عن مدبّر حروبٍ آخر."

ردّ عليها إبلاس: "لا تقلقي، لا يمكنني رؤية نفسي أموت اليوم إطلاقا."

كانت رؤية إبلاس للأمور عميقة للغاية بسبب امتلاكه عيني الحقيقة، ولهذا كان لكلامه وزن كبير عندما قال أنّه لا يرى قدوم موته اليوم.

مرّت بعض اللحظات، وفقط عندما اقترب الاثنان من الاشتباك معا استشعرا، كما استشعر الآخرون، اقتراب شخصين يبعثان طاقة رهيبة عمدا كما لو أنّهما يخبران الجميع: "نحن قادمان."

حدّق إبلاس إلى تلك الجهة فاتّسعت عيناه الصفراوين وقال متحمّسا للغاية: "هذا... جيّد جدّا، جيّد جدّا!"

استطاع الآخرون معرفة هويّة الشخصين القادمين بعد لحظات، فقال التنّين الصغير: "هذا يا هذا♪ من كان يتوقّع ظهور شخصيّة كهذه هنا؟ وأنا الذي ظننت أنّه لا أحد من 'الطاولة المستديرة' سيظهر."

ترقّب الجميع وصل ذينك الاثنين، ولمّا ظهرت صورتهما علّق إبلاس: "هذا يوم عظيم! لقد كنت أريد مقابلتك حقّا في الآونة الأخيرة. إنّ هذا العالم الواهن رائع حقّا؛ ها أنا ذا ألتقيك أخيرا يا أيّتها الملاك ملاك."

كان ذلك الشخصان امرأة ورجل، وكان إبلاس يخاطب المرأة التي كان قوامها مثاليّا رفقة وجهها الناضر الذي أنار بجماله المكان الذي حلّته. كان شعرها الطويل يبدو كتدفّق من الحبر الأسود الذي لم تشُبْه شائبة.

لقد كانت هذه هي المرأة التي اشتُهِرت باكتسابها لمقعد في 'الطاولة المستديرة' بكلّ جدارة واستحقاق، وذاع صيتها كواحدة من بين أجمل عشر نساء في العوالم الروحيّة. تلك كانت الملاك ملاك!

نظرت الملاك ملاك إلى إبلاس ثمّ قالت: "إنّه لأمر محزن أن ينجح أمثالك في الوصول إلى هذا العالم الواهن. ما الذي أتيت لفعله هنا يا شيطان اليأس؟ ألا يجب أن تكون منشغلا بدراسة ختم ملكنا الأصليّ برفقة ملككم اللعين؟"

ابتسم إبلاس وقال مستمتعا: "أنا في عطلة. ألا تسافرين في عطلك يا ملاك؟"

أغمضت عينيها وقالت: "اعفني من هذا يا هذا. ليس هناك خير في عطلك. دعني أسألك، ما الذي تنوي فعله؟ وقبل ذلك، ما الذي فعلته حتّى الآن؟"

ابتسم إبلاس وقال: "هل أنت حقّا بحاجة للسؤال؟ أليس ذلك واضحا؟ أنشر اليأس بالطبع."

بدا إبلاس مستمتعا بكلامه مع هذه المرأة، ونسي أمر عنقاء الشفاء كما لو أنّها لم تكن هناك أصلا، وعندما تذكّرها أخيرا لوّح بيده وقال: "آه، أنت... انصرفي، انصرفي. إنّني لست مهتمّا فيك بعد الآن."

حملقت عنقاء الشفاء إليه بحقد شديد قبل أن تهدأ عندما فكّرت في استغلال هذه الفرصة وتهمّ مغادرة كما فعلت الملكة الشريرة.

حاولت أنمار والآخرون فعل ما بوسعهم من أجل إنقاذ شيرايوكي والآخريْن لكنّ النتيجة كانت متوقّعة؛ لم يستطيعوا الفرار من قبضة مجموعة التنين الصغير التي كانت تحميهم وتمنعهم من محاولة حماية أعزّ الناس إليهم.

لم تتوقّف دموع الإمبراطور هاكوتشو بينما كان يرى أخته الصغرى تختفي في الأفق، وصر على أسنانه وعض شفّته السفلى وتذوّق دمه ثمّ صرخ: "اللعنة!"

كانت عنقاء الشفاء هي أوّل شخص يغادر هذا العالم، فصرخ تورتش والآخرون وعيونهم ممتلئة بالكره والحقد تجاه كلّ شخص هنا. لم يهتمّوا إن كانوا يفكّرون لمصلحتهم أم لا، فهؤلاء كلّهم لخبطوا حياتهم في فترة وجيزة للغاية.

بالفعل، كلّ هذا حدث في وقت لا يتجاوز الساعتين، لكنّه كان متخِما كثيرا.

نظر إبلاس إلى الملاك ملاك ثمّ قال: "حسنا، إليك آخر الأخبار. أترين تلك الفتاة الشقراء هناك؟ تلك الفتاة تلميذة لِـحكيم."

عبست الملاك ملاك مباشرة بعدما سمعت إبلاس ينطق الاسم 'حكيم' ثمّ قالت: "تلميذة إدريس؟ كيف... انتظر، هل يمكن أنّه كان هنا طوال الوقت؟"

ابتسم إبلاس وقال: "نعم كان، لقد كان هنا."

عبس القوّاس النجميّ بعد سماع هذا الكلام، وفعلت الملاك ملاك نفس الشيء، إلّا أنّ هذين الاثنين كانا يفكّران في شيئين مختلفين تماما.

تسارعت ضربات قلب القوّاس النجميّ وتذكّر عندما قال إبلاس تلك الجملة: "هل حقّا كنتم حلفاء؟"

لقد سمع إبلاس يكرّر نفس طريقة الكلام، إذ قال 'كان' كلّما تحدّث عن الحكيم السياديّ.

ولكن في الجهة الأخرى، كانت الملاك ملاك تظنّ أنّه يقصد أنّ إدريس لا يوجد بعد الآن في هذا العالم، وهذا ما ظنّه الآخرون أيضا.

قالت الملاك ملاك بنبرة متعالية: "أخبرني أين هو الآن؟"

بدا إبلاس كما لو كان يعلم موقع إدريس الحكيم، فأرادت أن تعلم أين، إذ غاب لسنوات بالفعل.

ضحك إبلاس وقال: "كيف يمكنني قولها؟ أممم... البرزخ؟"

فتحت الملاك ملاك عينيها على مصراعيهما وقالت بعدما ضيّقتهما من جديد: "لطالما أردت قول هذا لك يا شيطان اليأس؛ إنّ مزحك سيّئة للغاية. حاول أن تعمل على تحسينها ولربّما ستجد بعض المعجبين بك."

ضحك إبلاس أكثر فأكثر بدون توقّف لمدّة طويلة، بينما زادت سرعة ضربات قلب القوّاس النجميّ، واعتلت نظرات الاستغراب الآخرين.

قال إبلاس بعدما وازن تنفّسه بعد ضحكه الشديد: "بالطبع ستكون سيئّة، لأنّها ليس مزحة أصلا."

قالت الملاك ملاك واثقة: "إن كنت تحاول القيام بألاعيبك هنا، فلا تحاول أكثر من هذا. لقد فشلتَ."

تنهّد إبلاس وقال: "هذا يؤلم حقّا يا ملاك. لقد ظننت أنّ كلماتي لها وزن."

ردّت الملاك ملاك عليه: "التفاهة لا تزن شيئا."

"ليس جيّدا، ليس جيّدا، كان حكيم ليصدّقني؛ لطالما صدّقني عندما صدق كلامي."

التفتَ إلى أنمار وقال: "حسنا، لمَ لا نجعل تلميذته تؤكّد الأمر؟"

حدّق الجميع إلى أنمار وانتظروا كلمة منها بفارغ الصبر، إلّا أنّها لم تقل شيئا ونظرت إلى الأسفل فقط بعدما تذكّرت موت معلّمها. لقد كانت حالتها مزريّة لكنّها أجبِرت على تذكّر أنّ الشخص الي أدّى إلى موت معلّمها هو نفس الشخص الذي قتل أعزّاءها، فلم يسعها سوى أن تُحبَط أكثر بينما تحاول حبس دموعها.

"هذا...!" قال التنّين الصغير بنبرة متفاجئة بعد استجابة أنمار بتلك الطريقة: "ما الذي يعنيه صمتها هذا؟ هذا غير معقول! هل... هل حقّا مات الحكيم السياديّ؟!"

تسارعت نبضات قلب كلّ واحد منهم، فقال شبح أرض الموتى: "متى؟ أين؟ كيف؟!"

صرخ أمير مملكة الصقيع: "ما الذي تعلمه عن هذا يا أيّها الشيطان اللعين؟"

ضحك إبلاس وقال: "ما الذي أعلمه؟ هذا مضحك حقّا. هل تدرك أنّك تسأل الشخص الذي قتل حكيم؟ ألم تستطِع فهم هذا من كلّ التلميحات من المحادثات السابقة؟"

صرخ خليفة التيّار: "لا تهرأ يا لعين! لم يكن ذلك العنيد ليخسر أمامك ولو بعد مليون سنة."

ابتسم إبلاس وقال: "للأسف، لقد خسر بالفعل."

ظلّت الملاك ملاك تحدّق إلى إبلاس بنظرات ممتلئة بالشكّ. لقد سمعت للتوّ خبرا صادما بالنسبة لها للغاية. لقد صُدِمت لدرجة لم ترد فيها التصديق فقالت: "هذا مستحيل. إنّك مخطئ لو لم تكن تكذب."

نظرت إلى أنمار وقالت: "وتلك، حتّى لو كانت تلميذة إدريس كما قلت، أنا متأكّدِة أنّها مخطئة فقط. إدريس حيّ لا محالة."

حملق إبلاس إلى وجهها البشوش الذي اعتلته نظرات الشكّ والتكذيب، وقال: "هذا يكفي. لقد حدث هذا بعد فسخ الاتّفاقيّة بين ملكنا العظيم وملككم المزيّف. زرت ها العالم فوجدت حكيم هنا، وبالطبع تقاتلنا كأيّ مرّة نلتقي فيها، إلّا أنّني كنت مقرّرا منذ زمن طويل أنّ المرّة القادمة التي سألتقيه فيها ستكون آخر مرّة بعدما يموت على يدي."

تنفّست الملاك ملاك بسرعة كبيرة واستمرّت في الصراخ: "توقّف عن قول الهراء. إنّك تفعل هذا فقط لأنّك تعلم عن علاقتي بإدريس. إنّك فقط تريد رؤية النظرات التي تعشقها تعتلي وجهي."

ردّ إبلاس: "بالطبع أريد رؤيتها، لكنّني أعلم أنّ الخدع لن تنطلي على شخص بمستواك. الحقيقة فقط ما يمكنها التأثير."

أكمل إبلاس بعد استراحة قصيرة: "لقد مات من أجل أن يحمي تلميذيْه. هذا من شيمه حقّا. أوه أجل، هناك تلميذ آخر أيضا، ويبدو أنّ حكيم يفضّله بشكل خاصّ."

كانت كلّ هذه المعلومات كثيرة للغاية على الملاك ملاك التي ظهرت لتوّها، وبالطبع لم تكن سهلة على الآخرين أيضا.

ولكن لا أحد من هؤلاء صُعِق بهذا الخبر مثل الملاك ملاك، إذ كانت علاقتها بإدريس الحكيم قريبة للغاية، حتّى أنّ العديد اعتقدوا أحيانا أنّهما كانا متزوّجيْن.

لقد كانت الملاك ملاك هي المرأة التي وقع إدريس الحكيم في حبّها.

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائيّة أو نحويّة.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2020/05/25 · 1,086 مشاهدة · 1813 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024