انجذنب ابصار الاثنين نحو الرجل الذي خلف هذا او بالاحرى ما كان بيده ،
نشاب صغير قد غادره سهمه منذ فترة قصيرة ، امتدت النقوش المميزة به لتزين جانبيه معطية اياه هالة غامضة
-آثار مختومة !"
تعرف الاثنان على الشيء فور رؤيته ولم يسعهما سوى الارتجاف ،
كيف لا ورتب هذه الآثار عادة ما تكون بقوة الشموس !
-لا انه متضرر "
نظر شاتس نحو السهم الوحيد المتبقي في يد كلاوس الجاثي على قدميه ثم الى النشاب مجددا
-توجد خدوش على مصفوفات الأثير ربما لا تتعدى قوة هذا السلاح النجم الثالث ."
-لكن لايزال هذا كاف لقتلنا ! هل كل مهربي البشر بالخارج يحملون الأثار ؟اذا كان كذلك فالافضل ان اعود لمنزلي !"
قاطعه ثيودور في تذكير وتذمر وقد مد يده الى حقيبته
-انه من المؤسف استخدامها هنا !
رد شاتس بحاجب عابس
-لا ليس من المفترض ان تكون الآثار شيئا يمكن لكل مهربي البشر منخفضي المستوى امتلاكه، في المقام الاول لن يستطيع استخدام قواها سوى شخص من نفس الرتبة ، واشك ان رتب الشمس يمكن ان تلهو وتلعب في كل مكان !! ربما كان أثرا حصل عليه بالصدفة عند اكتشافه لجزيرة مهجورة "
لم يكن اكتشاف جزر جديدة امرا غريبا مذ ان أمانيسيا تتكون من عشرات الآلاف منها، لكن الغريب هو ان كل اثر مختوم يتحكم بإحدى الجزر يستلزم الكثير من القوى لاستعادته ، لهذا كانت اغلب غارات المستكشفين في الاتحاد تتكون من فرق من سبعة اشخاص ! كان الامر بهذه الخطورة !
سعل كلاوس الدماء وجر يده النازفة إلا انها أبت التحرك مجددا ، رفع يده الاخرى وامسك بالسهم باسنانه في حين مدها لامساك النشاب .
اعادها قرب فمه وحاول بجهد تركيب السهم بها حتى نجح بعد ان كادت شفته شبه المقطوعة ان تنفصل عن وجهه .
نظر بكراهية للاثنين ووجه سلاحه نحوهما
-لن تستطيعا دفع ثمن استخدامي لهذا الأثر حتى بموتكما !"
-انت..!!"
صر شاتس على اسنانه بقلق وقلة حيلة من هذا الوضع كان يعتقد ان جسد كلاوس سيخور بعد أن أستخدم أثرا أقوى منه لقتل الوحش إلا ان الرجل امامه قلب كل توقعاته بوقوفه مجددا !
-كان يجب ان تبقى على الارض !!"
استدار شاتس في مفاجأة نحو الطفل بجانبه وقد صعد الأخير على قدميه واندفع نحو الرجل .
-ماذا تفعل !! "صرخ بهلع
-انا اهزم هذا الرجل !! "
هتف ثيودور بهذا اثناء تقدمه، كان يفهم انهما محاصران ولا يستطيع سوى المخاطرة لاخراجهما من هذا الموقف .
-موت !! "
ضحك كلاوس بجنون نحو الطفل المندفع نحوه ليضغط الزناد بعد ان دفع كل ما في جسده من أثير إليه .
انطلق السهم كالوميض قاطعا المسافة بينهما قي لحظة
أراد ثيودور مراوغته وقفز جانبا في حركة سريعة ،إلا انه كشط من خلال خصره تاركا جرحا عميقا ليستقر اخيرا في الأرض محدثا ثقبا بحجم متر كامل.
كبت ثيودور دموع الألم وجمع الاثير حوله ليدفعه نحو قطعة الزجاج المكسورة في يده.
رمى بها بعد ذلك لتخترق حلق كلاوس المكشوف بين دروعه تاركة اياه جثة هامدة حتى قبل ان يستطيع الهرب ،
-اخيرا ! "
تنهد ثيودور ليسقط ارضا وقد نزلت دموعه الدافئة التي يمنعها طويلا ، لم تستطع يداه سوى الارتجاف ليس بسبب الألم اكثر من شعوره بالانزعاج وبعض الذنب.
تقدم شاتس وهو يعرج نحوه بعد أن تحقق من حالة الرجل الثالث .
-لقد اغمي على الآخر ، لا اعتقد انه سينجو في الغابة مع ساق مكسورة ، كان الاندفاع تصرفا متهورا منك ...!!
نزلت عيناه الخضراوتان لتحدق في ظهر الصبي الضئيل ،لم يسأل عن كيفية قتله للرجل كان لكل شخص اسراره تحدث بعد صمت لحظة
-ليس عليك ان تشعر بالذنب حياله ، لقد كان قاتلا وقد كنت تدافع عن نفسك !
رفع ثيودور بصره الضبابي نحو الاخير ليومئ نحوه في فهم
-انا اعلم ذلك ! لطالما قالت سيرينا انه في مواقف كهذه ، من يتردد للحظة سوف يموت !
-من هي سيرينا ؟"
-مربيتي .."
-انها مربية عظيمة ..وهي بالتأكيد محقة في هذا ! "
عزاه شاتس بربتة خفيفة على كتفه
-اوتش !!
صرخ ثيودور في ألم بعد ان كاد ينسى اصابته ،
لمس بيده مكان الجرح ليدرك انه اسوء مما كان يتوقع ، شعر بآثار هذا قريبا اذ ان الدوار بدأ يصل عقله بعد ان فقد المزيد من الدماء في كل لحظة
-سيء ! "
شحب وجهه وهو ينظر نحو شاتس
-هل لديك المزيد من تلك الاعشاب ..اعتقد ان نقودي تكفي لدزينة اخرى منها بالفعل!"
-ماذا تظن الاعشاب هي ؟ قطع حلوى لتوجد بكل مكان ! بالإضافة ان النقود كانت بالكاد تكفي لعلاجك المرة الماضية ! "
رغم انه صرخ بهذا إلا ان شاتس لا يزال يمد يده لجيوب سترته مجددا ويخرج ضمادات وبضعة اعشاب .
-لا توجد لدي مثل الٱولى، انها نادرة وبالكاد حصلت على البعض منها ، لكن من المفترض ان هذه ستكون كافية لك للصمود ريثما نصل المدينة .."
نظر ثيودور بإعجاب نحو سترة شاتس وقرر شراء واحدة ما إن يستعيد نقوده، غافلا عن أن الشخص الطبيعي لن يحمل معه الضمادات لكل مكان .
-لنبتعد عن هنا ..رينوسوروس وحش عال المستوى وستنجذب الوحوش قريبا ، قد يحدث حتى مد وحش بسبب هذا"
كانت دم الوحوش الاعلى مستوا مفيدة جدا للوحوش ناهيك عن البشر. ليستطيع الصمود في هذه الغابة حتى الآن كان رينوسوروس قويا جدا، لولا ان كلاوس امتلك احد الآثار المختومة لكان ميتا بالفعل .
استند الاثنان على بعضهما و ترنحا يتقدمان بصعوبة نحو الغابة عميقا فارين من هنا ..
لم يمشيا بعيدا جدا ليسمعا صوت ضجيج وصخب عال لم يكد المطر المنهمر يخفيه.
نظر الإثنان نحو بعضهما في شك ليتكلم شاتس بعد ان فحص حوله لبرهة
- لنذهب ونلقي نظرة ! هناك جرف صغير هنا ويمكننا معرفة سبب هذه الضجة، من الافضل ان ندرك المخاطر الأقرب منا قبل ان تصل نحونا !
أومأ ثيودور في اتفاق وانتقل معه الى الاشجار القريبة .
عبراها ليتسع مجال نظرهما منتهيا بجرف بالكاد تخفيه الشجيرات القليلة به .
زادت حدة الضجيج واستطاعا بغموض تمييز بعض الكلمات
-اجلبها هنا !! "
- دع السيد ينظر ! "
-تحرك اقم الوليمة بسرعة !! "
زحفا ببطئ بين الاغصان الرقيقة التي تخدش وجهيهما ورميا بأبصارهما للاسفل
بعيدا عن أسفل الجرف قليلا استقر مخيم كبير يكفي مئة رجل .
كان عدة رجال يدخلون ويخرجون من خيامهم وهم يصرخون بنشاط ،
سحب البعض منهم عدة اقفاص كبيرة قد لمعت عدة عيون محمرة بجوع منها ،
في حين جرف البعض جثثا لعدة انواع من الوحوش يقومون بقطع لحومها.
-هل هذا مخيم مهربي البشر ! "
تشدد وجه ثيودور في قلق وهو يسأل
-لا عجب اننا التقينا بكلاوس قريبا من هنا ! لكن اليس جريئا منهم ان ينصبوا مخيما صاخبا في احد مستعمرات إمبراطورية لونا ؟ "
رغم أن ثيودور لم يغادر القصر غير ان ثقافته لم تكن منخفضة بسبب عدد الكتب التي قرأها ، كان يدرك ولو قليلا مدى كراهية الإمبراطورية لهذه المنظمة ، كان من المريب حقا ان يتصرفوا هكذا .
اعاد بصره للوحوش داخل الاقفاص وفهم اخيرا سبب اختفاءها !
-نعم انه بالفعل امر غريب للغاية "
تجولت عينا شاتس يحدق في اعضاء المخيم لتتجه اخيرا نحو خيمة حمراء نصبت وسطه ليشهق بعدها في رعب.
-ما الامر ؟ "
فجأة رفع شاتس يده لرأس ثيودور منزلا اياه أكثر في حين رد باقتضاب وفزع
- لنأمل ان مدى ادراكه لا يصل هنا "
اشار بحدقيتيه نحو المخيم تحديدا الى رجل بشعر اسود قصير وملابس مزينة وقد وقف يتحدث الى رجل ملتح يعرفانه، وهو ينظر نحو الأخير باحترام .
-من هو ؟"
- "كودا لابيلوس"رجل سيء السمعة جدا !! لا عجب ان مهربي البشر لا يخافون جنود الامبراطورية بالمستعمرة كان هذا الشخص بينهم !! "
-هل هو قوي !!؟ "
-يمكنك القول انه حتى لو جاء عمدة المستعمرة شخصيا فلن يكون واثقا لهزيمته !"
كاد ثيودور أن ينهض ويهرب من مكانه مسرعا ! كان العمدة رجلا يقترب بالفعل من شمسه الاولى وكان بالتأكيد يحمل معه أثرا مختوما والا لما كان قادرا على احتلال المستعمرة في المقام الاول .
لكن شاتس امامه الآن يقول انه بالكاد واثق من هزيمة "كودا "هذا !
ابتلع في حين رد على شاتس
-ماذا نفعل الآن ؟ كلاوس مات ليس بعيدا من هنا وربما يدركون اختفاءه قريبا ! هل يأتون وراءنا بعد ذلك ؟ "
لم يكن واضحا أكثر بشأن ما سيحدث لهم إن كان الرجل سيركض خلف حياتهم ! "
-يبدو انه وصل اليوم وهم يحتفلون به ، قد لا يلاحظون بالضرورة اختفاء احدهم"
حاول شاتس ان يمنح كلماته بعض القوة ليبدو واثقا إلا انه لم يستطع في قرارة نفسه الجزم باستنتاجاته
°°°°°°
-الوليمة ستقام قريبا يا سيدي .."
قال الرجل الملتحي "زيفر" باحترام لكودا لابيلوس وقدميه ترتجفان .
كان الرجل امامه معروفا بقسوته ودُعي بالجزار إثر سمعته السيئة بعد قتله لجميع خدمه والوحوش بغابة قصره بعد ان سمع احدهم يشير الى قلة موهبته مقارنة بأخيه الاصغر ! .
عُرف زعيم المهربين في القطاع الثاني عشر باسم "حثالة الحمالين" بين العامة، كان ذلك لأنه كان أحد العمال الهاربين من المناجم انضم للقراصنة فيما بعد ليصبح اخيرا مهربا.
اطلق الناس عليه هذا الاسم لأنه بزعم انقاذ إخوته من نفس منجمه السابق قام بمساعدتهم وتهريبهم من إمبراطورية لونا ليقوم ببيعهم لاحقا لأسوء المناجم في بلدان اخرى.
وقد ولد لهذا الرجل ذكران كان اكبرهما يُدعى عبقريا لوصوله شمسه الاولى في سن العشرين قبل ولادة أخيه الأصغر الذي قيل انه اطاح به وشلّه بعد ان تفوق عليه في مبارزة .
وأكبر الاخوين لابيلوس يقف هنا ينظر نحوه .
أعاد كلامه بعد شعر ان الرجل لم يسمعه
-سيد لابيلوس الوليمة تكاد تجهز"
-سمعتك بالفعل !!
زمجر "كودا " في وجهه باستياء بعد ان صفعه مرديا اياه ارضا .
-لا يكفي ان الاب منعني من التخطيط ضد ذاك الشقي ثانية لكنه قرر ارسالي الى هذه المستعمرة المتدنية !
ركل الرجل امامه وتمتم باستياء في فورة غضبه
كانت "سيڨ" بالفعل مستعمرة متوسطة في الاقليم الثاني عشر، لكن بالنظر الى ان الاقليم يحوي آلاف المستعمرات مثلها فقد كان من المنطقي ان يطلق عليها منطقة متدنية لرجل اعتاد الترف مثله ،
-فقط اطلب منهم الهدوء ، رأسي يؤلمني بالفعل بما فيه الكفاية ! "
نظر بعينيه الباردتين حول المخيم وتكلم بكلمات باردة.
هدأت الضوضاء فجأة وصمت الجميع محدقين فيه حتى الوحوش في الاقفاص بدت مرتعبة .
-هذا جيد ! ابقوا هكذا طول الليل لا اريد سماع اي ضجة اثناء استراحتي"
عاد بجسده للخلف يريد دخول خيمته إلا انه استدار بعد ان شعر بشيء.
نظر للأمام محدقا نحو صوت الخطوات الذي رغم وثوقه بكونه منخفضة كان بالفعل مسموعا لجميع الحاضرين هنا .
-من انت !؟ انا واثق بأنك لست واحد من هؤلاء المهرجين !
سأل بشك ينظر باهتمام نحو الوافد الجديد
-هل انت احد جنود عمدة هذه المستعمرة ؟"
لم يرد صاحب الخطوات بل استمر في مسيرته البطيئة يمر عبر الأشخاص وكأن أحدا لم يكن حوله.
كانت نيران الأثير حول المخيم بالكاد تستطيع توفير إنارة كافية وسط هذا الجو العاصف لتعكس للجميع لفتة عن هالة ضبابية فضية تحيط به تمنع المطر عنه ،
انعكس الضوء على رداءه الابيض الطويل ليضيئ اخيرا القناع الفضي المختبئ تحت قلنسوته .
لم تكن الرموز الشبيهة بندفة الثلج في اخر رداءه اكثر ٱلفة لثيودور من اي شيئ رآه قبل عامين في ذاكرته اكثر منها .
-إنه هو ..! "
تمتم بهذه الكلمات بعد نهض من مكانه لاشعوريا بصدمة !