نطق بصعوبة مخارج الحروف بصوته الذي صار خشنا جراء خوفه
-انا لا ازال حيا !! "
نظر بدهشة وعجب نحو يداه اللتان لا تزالان سليمتين رغم الخدوش والجروح الشديدة بهما .
-انا حقا بخير "
أومأ بارتياح بعد فحص نفسه ثم جفل وبحث حوله ليرى ثيودور الملقى قريبا بجانبه .
نهض بسرعة يعرج نحوه واستشعر نبضه للحظة .
-انه حي لكن حالته خطيرة جدا "
شعر بالقلق وأراد إسناده على كتفه ورَفعه لكنه غير رأيه ونهض فجأة ..
لقد اراد التحقق من مكانهم اولا!
مشى نحو ما بدى جرفا امامهم ولم يسعه سوى الصراخ بدهشة.
لم يكن في الواقع جرفا بل حافة نتجت بعد ان كشطت الكرة سابقا جزئا كبيرا من الغابة امامه
لقد اختفى كل عشب وشجر وحتى الارض في دائرة قطرها مئات الأميال لم يستطع سوى الارتجاف من قوة الرجل المقنع.
-بالحديث عن ذلك أين هو ؟ هل استسلم عنا بعد أن ادرك اننا مجرد نقانق صغيرة "
أمل هذا في نفسه ،إلا انه لم يلبث ان شتم تحت انفاسه مدى سوء تقلب الاحوال كلما حاول توقع شيئ جيد!
رأى خيال الرجل المقنع الذي يسير نحوهم ببطئ من بعيد.
عاد يركض نحو ثيودور وحمله يريد الهروب إلا أن سماعه بضع كلمات أوقفه ليستدير مدهوشا
-لم اتوقع أن تأتي هنا بسرعة .."
توقفت خطوات الرجل رافعا رأسه ينظر بهدوء نحو السماء فوقه .
-هل هذا بسبب العِقد ؟"
سأل وكأنه يعلم الإجابة بالفعل
اومأت الفتاة الشقراء بايجاب وهي تحلق في السماء دون أجنحة تجيبه
-عقد الانتقال بين الابعاد كان هدية منها .."
مدت يدها تسحب الرمح في حين قالت بهدوء
-التنانين تكره الشعور بالإمتنان ...، "كالساديان"استعد حان وقت رد الجميل.."
-تنين بدون اجنحة ؟..اتساءل الى متى يمكنك الطيران .."
تساءل بابتسامة على ثغره في حين ظهرت عشرات الكرات مثل السابق حوله
- اوه!! نحن ميتون بالتأكيد هذه المرة !!
تمتم شاتس بهذا لاشعوريا يشهد الشخصين امامه في رعب.
استدار بعد لحظة يركض مع ثيودور الذي يحمله إلا ان انفجارات الأثير من اصطدام الاثنين قد رمت بهما بالفعل.
تعثر شاتس وهو يسعل الغبار والدماء يحمل ثيودور بعناد بعيدا عن ساحة المعركة المجنونة خلفه!
°°°°°°°
-تحمل قليلا يا طفل !
نظر ببصره المشوش نحو الطريق أمامه، كاد يفقد وعيه عدة مرات حتى الآن وهو يقود العربة التي تركها المختطفون خارج الغابة سابقا .
كانت المدينة على بعد نصف ساعة لكنه احتاج عشرين دقيقة للوصول نحو كوخه السابق حيث وضع ثيودور أول مرة.
-لم يبقى الكثير !..!!!!!
سحب لجام الوحوش التي تقود العربة فجاة بعد ان كادت تصطدم بعربة اخرى مسرعة نحوهم .
تدحرج واقعا وقد كانت عظامه تصرخ جراء الألم .
كافح لابقاء عينيه مفتوحتان محدقا نحو الشكل الذي يتجه نحوه
-هل انت بخير ؟"
سأل القادم بقلق وقد تبعه رجل عجوز بشعر اشيب انخفض لفحصه
-الطفل ... علينا علاجه !"
تمتم شاتس بهذا ممسكا ذراع الشاب بشدة وهو يحاول بجهد الوقوف غير انه فقد وعيه بعد ذلك .
امسكه الشاب ليستدير نحو خادمه بقلق
-"سيلفاتور" تحقق من العربة ،يبدو ان هذا الفتى كان يحاول ايصال شخص ما لتلقي العلاج بالمدينة "
نظر للضجيج المتسرب من الغابة بعيدا وتمتم
-تبدو الامور خطيرة هناك ، ماذا حدث ؟"
قال حراس البوابة انهم رأو الطفل متجها هنا ...
عبست عيناه الزرقاوين بتردد للحظة فيما يجب فعله تاليا
-هذا ..!!!
انتفض على صوت خادمه ليسأل بقلق
-ما الأمر ؟"
-السيد الشاب عليك ان ترى هذا "
ساعد شاتس ليستلقي بشكل صحيح على الأرض في حين نهض ليتحقق من العربة التي دخلها خادمه.
هناك كان طفل صغير بشعر فضي اشعث وملابس ممزقة يرقد بلا حراك في غيبوبة عميقة
-آيس ..!!
اتسعت عينا الشاب على مصرعيهما في حين صرخ غير مصدق
°°°°°°°°°
لم يكن بيلوث سعيدا جدا ، تم افساد نومه والآن عليه سماع هذا الهراء من الرجل أمامه !
-اريد ان آخذ هذا الطفل معي ، هذا ثمن امتنانه ! "
رفع الخادم كيسا من بلورات القمر مقدما اياه لنائب صاحب دار الرعاية "بيلوث"
-اريد أن تجهز هويته في الحال ! "
رفع بيلوث عيناه الضيقتان بمكر محدقا في الشاب الهادئ ذو العيون الزرقاء والشعر البني ثم في خادمه وتردد للحظة قبل ان يجيب
-الطفل ليس مسجلا بمعهدنا "
-انت تسجله من اليوم ونحن نأخذه ، هذا لا يخالف شروط المعهد "
-اذن ماذا عن رقم الهوية ؟ "
-سجله بإسم "كلاود آيس دي بريتيا.."
اتسعت حدقتا "بيلوث" في صدمة ،كان استخدام اسم نبيل لمجرد طفل متواضع من معهد اجراءً غير مسبوق ، حتى انه قرر في لحظة ما ،أن يحتفظ بالصبي اذ انه قد يكون موهبة صادمة، وإلا فلما يكلف الشخصان كل هذا العناء لأجله !
كان قد رأى حالة الطفل الأشعث الذي ٱحضر مع شاتس هنا وكان واثقا انه مجرد متسول ، لو أنه من عائلة نبيلة او ذا صلة بالشخصين أمامه ، لما كلفا انفسهما عناء المرور بكل هذه الاجراءات وطلب هوية من دار الرعاية ..
نظر نحو الشاب الذي نطق بهذا الاسم وسأل بعد تضييق عينيه
-سيكون الأمر صعبا وخاصة صنع هوية بنفس يوم وصوله ، صحيح أن دار الرعاية تستقبل الأطفال دون ملجأ ، لكن يتم ذلك دائما بعد بعض التحقيق في هوية الطفل ومكان اقامته السابق . لا تنسى ،قد يكون هاربا من مستعمرات لأجناس ٱخرى ، ايضا تحتاج الى موافقته الشفهية قبل الكفالة .."
كانت إمبراطورية لونا متشددة جدا مع اجراءات هويات المواطنة ولن يتم صنع واحدة بسهولة من دون مستندات سابقة عن الشخص وبأنه ينتمي حقا لأراضيها .
صمت الشاب طويلا في تفكير قبل ان ينظر لخادمه.
فهم "سيلفاتور" إشارته لتظهر امامه عدة مستندات من اللامكان. وضعها بشكل نظيف على مكتب بيلوث في حين اجاب قائلا
- يمكنك صنع هويته استنادا على هذه ، يمكنك الكتابة في التقرير الخاص به انه نجى من اختطاف مهربي البشر وأننا استعدناه من معهدك ، اذا كنت خائفا من التورط في حادث ،افعل هذا بعد فحص دم الطفل وانه بشري بالفعل .."
كان عذرا مقبولا خاصة بعد أن وجد الحراس صباح اليوم عدة آثار لمهربي البشر في الجوار ، كانت حادثة اختفاء غابة دريوتا في ليلة واحدة حديث المستعمرة بالكامل ورجح الكثيرون قول أن شخصيات قوية قد تقاتلت على ارض المستعمرة في حين قلق البعض من انه من فعل وحش ما !
-لكن .."
لم يكمل بيلوث اعتراضه حتى رمى "سيلفاتور" كيسان آخران من البلورات نحوه
-من الأفضل لك ان لا تدفع حظك بعيدا .."
ضيق الخادم عيناه وقد كادت هالته ان تسحق الأخير .
جفل بيلوث في رعب حين اومأ بامتعاض
-لدي صِلاتي ..يمكنني تجهيز هويته بحلول المساء .
رفع المستند من سطح مكتبه وأخرج الاوراق منه ثم نظر نحو صورة الطفل بها
-لا يزال ..كيف يمكنني تفسير تغير لون شعره ؟
لم يكن الفرق بين الأبيض والفضي كبيرا لكنه بالتأكيد سيكون ملحوظا لمفتشي قسم الحالة المدنية.
-مكتوب بالفعل في الاوراق ..يمكنك اخبارهم انه نتاج شفاءه من "اضطراب فراسموس"
اتسعت عينا "بيلوث" في صدمة ، كان "اضطراب فراسموس" اسما آخر ٱطلق على الأطفال الذين ولدوا بإضطراب الأثير ، كان مرضا نادرا ولم يُسمع عن حالات كثيرة قد شفيت منه. حتى ولو فعلوا فإنه من المستحيل عليهم أن يصبحوا فرسانا طول حياتهم ! هذا لأن الأثير في أجسامهم كان يطرد هالة الشفق وقد يتسبب الاصطدام بين الإثنين في انفجار الجسم .
شعر ببعض الشفقة لصاحب هذه المستندات السابق إلا انه لم يلبث ان طرد افكاره وأجاب
-حسنا هذا نادر لكنه يفي بالغرض .."
اومأ الشاب لبيلوث في اتفاق ونهض من مكانه بعد تعديل ياقته ، تبعه الخادم قبل ان يتوقفا لبرهة عند الباب .
استدار الفتى ينظر بحدة لبيلوث
-ايضا عن الطفل الآخر المسمى "شاتس" احدى الاكياس هي ثمن حريته كذلك ، آمل ان لا اسمع بحوادث ٱخرى قد تجري له بينما نحن بعيدا .
جفل "بيلوث" وكأن الشاب قد رأى من خلال حيله ليرتجف فمه مبتسما بتواضع
-بالتأكيد ..انه ابن صديق والدي لذلك لن يحدث له شيء وهو تحت عيناي ..
رفع بصره المحرج يشاهد الباب المغلق بعد ان خرج الاثنان وضاع في افكاره الفوضوية طويلا
°°°°°°°°
نزلت خيوط الشمس المودعة لتهبط على عينين كافحتا لتُفتحا بألم
-أوتش ! !
صاح بهذا بين اسنانه بعد ان حاول رفع نفسه عن السرير بصعوبة .
-اين انا ؟ "
تذكر بغموض انه وقع مغميا عليه بعد ان تدحرج من العربة
-صحيح الطفل ! "
نهض شاتس بسرعة من مكانه يبحث حوله عندما هبط بصره اخيرا على الرجل المتكئ على الباب القريب منه .
ابتسم بشكل مخيف وعبس في كراهية نحوه ليضحك بعدها
-اوه "بيلوث" هل اتيت لتتأكد اني لا زلت اتنفس حيا ؟ هل تسللت هنا تريد خنقي؟"
نظر الرجل النحيف باستياء بسيط نحوه ليتكلم بازدراء
-عد نفسك محظوظا هذه المرة ، كان من الرائع لك الالتقاء بهذا الشخص"
تفكر شاتس بحيرة فيمن يقصده ليتذكر بعدها الشاب ذو الرداء الباهض وخادمه اللذان اصطدم بهما البارحة
عادت ابتسامته لوجهه مبتسما بمكر
- هل لقناك درسا ؟ "
ضحك بشدة يمسك بطنه وقد سُعد بمصيبته ، كان النبلاء هم الحكام الحقيقيين لامبراطورية لونا ونَيل استياء احدهم يُعتبر أزمة كبيرة ،
لن تستطيع النجاة ان كنت هدفا لاشخاص يريدون نيل صالحِ نبيل ما بقتلك !
كان هذا مدى تأثيرهم على بقية المجتمع في " لونا ".
-هاها ! اتمنى بشدة ان يكون نبيلا رفيع المستوى مع أن هذه امنية مستحيلة !"
في الامبراطورية وحتى بدون قرار رسمي من الإمبراطور . تم بالفعل تقسيم النبلاء لمراتب مختلفة ، كان هذا شيئا عاديا اذ ان النبلاء منخفضي المستوى يقدر عددهم بالمئات . مقارنة بعدد السكان ،كان الرقم ضئيلا جدا ولكن بعد ازياد عدد الممالك التي تنهض كل يوم في اقليم "لونا" قام النبلاء الرفيعون برسم خط غير مرئي بينهم وبين النبلاء الجدد من العامة.
يعود كل هذا المشكل الى دستور سنه الامبراطور ليونيد السادس عشر، بعد ان قرر أنه من حق الفرسان الذين استطاعوا تحقيق مآثر كبيرة بأمانيسيا واستعادة عدة جزر بحكمها على انها اراضيهم الخاصة،
وتم منحهم رتبة بارونيت او بارون حسب المساهمة .
تسبب هذا في استياء وازدراء كبير من الطبقة العليا لهذه الفئة الصاعدة وسرعانما صارت ارقام القطاعات حاجزا كالهوة يفصل بينهم .
لوى "بيلوث"فمه في استياء ثم جعد فمه بمكر
-اتساءل ما المسافة التي يكون قطعها صديقك الآن ؟"
عاد شاتس لرشده عند سماع هذا وأوقف ضحكه مزمجرا
-"بيلوث" ان لمست شعرة منه أعدك اني ساجعلك مجرما يُقطع رأسه في الساحة العامة غدا !!
-همف لقد فات الاوان بالفعل ، حتى انا لا استطيع الوقوف في وجه نبيل مابالك انت !"
-ماذا تقصد ؟ سأل شاتس بعدم تصديق ليوسع عيناه في شك
-هل قمت ببيعه !! "
كاد ينهض على قدمه مهاجما الرجل لولا جراحه
-حسنا لم اكن ٱريد هذا في المقام الأول، كان الطفل يبدو واعدا .
تابع بانزعاج وهو ينظر نحو المدينة من خلال امتداد النوافذ امامه ثم للسماء البعيدة فوقه
- للأسف يجب أن يكونوا في طريقهم لمحطات النقل الآن.."
عاد ببصره لشاتس قبل أن يرمي بشيء نحوه
امسكها الفتى وقرأ محتوى البطاقة بصدمة
-"شاتس ويلين " كان هذا اسمه الذي يستخدمه حاليا ولقبا لم يتعرف عليه .
-كيف ؟ "
-لا تنظر هكذا نحوي. دفع الشاب النبيل ثمنها ، كان إيجاد مستندات مزورة مطابقة لحالتك صعبا جدا ، انه اسمك من الآن فصاعدا اتمنى ان لا تفضح نفسك قريبا .."
-ماذا عن الأدلة عن براءة والدي ؟"
تحدث "بيلوث"بكراهية
-لقد كذبت ..المستندات ٱحرقت منذ فترة طويلة
-ماذا !! "صرخ شاتس بغضب
-همف لماذا تعتقد انني اكرهك وجدك كثيرا !! كانت تلك المستندات هي السبب في نهاية والدي ، هل تظن حقا أن شخصا بقوته سيموت بشكل سخيف في حريق بقصره .
صمت شاتس تماما وصدم بكلماته لكنه لم يستطع دحضها أو الوثوق بها.
نهض بصعوبة واخذ قبعته وارتداها كما يفعل عادة ، كان من حسن حظه انها لا تزال سليمة .
فتح الباب مغادرا ثم همس
-انا آسف ثانية لما حل بوالدك نيابة عن عائلتي ..تابع بعد برهة
-سأتأكد من الانتقام له ..! "
شخر بيلوث على كلماته مستهزءا في شفقته البالية بالبنسبة له ،في حين خرج الاخر من دار الرعاية واختفى بين الأزقة!