18 - ظل من الذاكرة-04-

استدار شاتس في عدة ازقة ليصل اخيرا لمحطة النقل بالمستعمرة .

على عكس المدن العائمة التي يتم النقل فيما بينها باستخدام البوابات البعدية ،لم تتوفر كل المستعمرات على مثل هذه الرفاهية وكانت ""سيڨ " احداها ،

اعتمد الانتقال نحو المحطات العائمة كليا هنا على الركوب على الوحوش الطائرة،

وكان طائر "بيرڨوس" الشبيه بطيور اللقلق البيضاء احدى افضل المطيات هنا .

سمح فمه الكبير بتخزين الأمتعة الملفوفة بالأثير في حين أن ظهره الواسع كان مناسبا تماما لبناء حجرة للراحة

نظر شاتس نحو المسافرين القادمين والذاهبين هنا وهناك يبحث عن مراده لكنه وللاسف لم يجده .

سأل احد حمالي المحطة المسؤول عن رعاية الطيور إن رأى شابا نبيلا وخادمه وثيودور وكانت اجابته انهم قد غادروا منذ فترة قصيرة قبل وصوله ، قال أنه تذكرهم لأنه من النادر ان ترى نبيلا يأتي بنفسه هنا، اضافة إلى أن وضع الخادم المرتبك وهو يحمل الطفل فاقد الوعي كان مضحكا له.

-لقد رحل "

شعر بالأسف لأن ثيودور كان أول صديق يصنعه هنا رغم ان صداقتهما لم تستمر ليوم حتى .

-اتمنى ان أراك بخير ثانية .."

دفع بخطواته عائدا غير أنه توقف لما لمح شيئا من طرف عينه .

-انه ..!!

تعرف على الشعار بملابسه البيض ليسارع خلفه.

كان الشخص يمشي بهدوء في حين تطاير رداءه بفعل الرياح لكن أحدا من حوله لم يلاحظ وجوده .

تميز شعار هلال القمر الذي يقطعه سيف ازرق على خلفية ردائه يلمع بخفة تحت الوهج اللطيف للغروب ،

كان من الغريب أن الدرع الثقيل الذي يرتديه لم يترك صوتا، وهو يمشي بثبات على الارصفة الحجرية.

ركض شاتس يتجاوز الزحام وقط الطريق يلحق بظله

-انتظر !! من فضلك !! "

وكأنه تفاجأ لاكتشاف وجوده ، توقفت خطوات الشخص واستدار ينظر نحوه .

لهث الفتى يمسك انفاسه وتردد قليلا فيما سيطلبه تاليا لكنه حزم أمره ،

رفع يده لصدره في قبضة في حين صرخ.

- انا "شاتس ويلين" ٱحيي سيف الامبراطورية وحارسها !

نظرت العيون العسلية الشابة بتلسية للواقف أمامها، سقط غطاء رأسها ليظهر شعرها الطويل ذو اللون الكستنائي المزين بخصلات حمراء .

تكلمت بهدوء مبتسمة وغير ذلك في مزيج غريب أظهر بعض انزاعجها

-لتعتقد ان أحدا سيتعرف علي في هذا المكان المقفر ، هل أنا سيئة في التخفي لهذا الحد كما قال ذلك المزعج .

تمتمت تحت أنفاسها لتنظر نحو الفتى باهتمام

-تكلم ماذا تريد يا طفل !"

ابتلع شاتس وهو يرى السيف العريض الموجه نحو حلقه، وكاد يختنق تقريبا من الخوف .

جمع افكاره المشتتة لينطق اخيرا

-اريد ان اسئلك طلبا "

-هوه ! طلب لرئيس الفرسان في أول لقاء؟ هذا مسلٍ حقا ، لكنه يعجبي ! حسنا تحدث مزاجي جيد اليوم. إن كان في مقدوري فقد انفذه.

-ٱريد ان أنضم لجيش الامبراطورية ! "

عبست لطلبه الغريب لكنها أومأت

-استطيع التوصية بك لكن من السخيف ان تسأل هذا عندما تستطيع رفع طلب الالتحاق وحدك"

اخرج بطاقة هويته من جيب بذلته ورفعها نحو ناظريها

- لقد حصلت عليها اليوم ! ظروف الأشخاص مثلي لا تزال صعبة واخشى ان الوقت سيفوتني ان كان علي العمل لاجل الإنتقال للمدن العائمة .

-اذن تريد مني اخذك ؟ "

- سيكون شرفا لي إن فعل سيف الامبراطورية هذا بالفعل، لكني ٱريد التوصية فقط لتقليل الصعاب في طريقي للاتحاق بأكاديمية الجيش"

-ارى ذلك .."

همهمت في موافقة على كلامه في حين نظر هو نحوها بتوقع .

لمفاجأته !عدلت وقفتها فجأة لتهوي بسيفها نحوه !

تراجع بسرعة في رد فعل إثر احساسه بموته الوشيك ،لمعت إحدى عيناه بلون ازرق جليدي في حين ظهر خنجران احدهما تغلفه هالة زرقاء في حين الٱخرى كانت خضراء باهتة .

رفعهما يصد السلاح ليُلقى به بعيدا مصطدما بواجهة احد المحلات .

سقط على الارض متألما وزحف واقفا بساقيه المرتجفتين.

تجمع الناس حولهما في ضجة وهم يتمتمون بشك .

-اليس هذا شاتس ، ايحدث المشاكل مجددا ؟ "

-انظر للطرف الآخر هل هذا شعار الامبراطورية !؟ "

-هل اساء شاتس لفارسة شفق ؟ هل هي احد الجنود التابعين للعمدة ؟"

علت الهمسات والهمهمات حولهم في تكهن حول سبب هذا الموقف .

تقدمت الشابة بسيفها الضخم نحوه وقد افسح جميع العامة مجالا كبيرا لهما خوفا من التورط .

قالت بصوت بارد وغير مكترث وهي تنظر لشعر شاتس الطويل الذي الذي انسدل خلف ظهره بصورة اشعث بعد سقوط قبعته .

-من السيئ ان تكذبي يا طفلة ! اكثر من ذلك تزوير هويتك...حسب القانون الإمبراطوري انها جريمة تعاقب بالموت !"

انت جريئة بما فيه الكفاية لتُظهري ذلك لرئيس الفرسان، انا معجب بشجاعتك لكن ..."

مدت يدها في الهواء وكأنها تجذب شيئا ،

طار كيس بني من جيب سترة شاتس التي صرت أسنانها ، ليصل نحو اصابعها في لحظة

فتحته ملقية نظرة على الشعار الكرستالي المزين بهلال القمر الفضي والسيف بالاضافة لثلاث نجوم صغيرة داخله.

-لكي تحملي هذا معك هذه مفاجأة حقا ، ٱراهن على انك لم تكوني تريدين مني ان أراه "

شخرت في تسلية وأعادت ربط الكيس لترمي به نحوها

-اذن ما اسمك يا طفلة ؟

-كورال .."

-لا.. قاطعتها الشابة مبتسمة

-اعني اسمك الجديد "

فهمت كورال ما تقصده لتنهض وقد أعادت شعرها الاسود الطويل للخلف، لمعت عيناها الخضراوتين بحزم في حين تلت تنظر نحو رئيس الفرسان.

-انا "شاتس ويلين " أعد بصفتي فارسا بحماية بلدي وشعبي ، وأن أكون مخلصا للعلم والعرش الامبراطوري واحميه حتى اخر نفس ."

صمتت لتتابع وهي تشد على الكيس بيدها في قوة

-وأن التزم باسمي هذا حتى أستعيد شرف وفخر عائلتي ! "

-هاها أحسنتي! ..سأنسى تزييفك السابق ، من اليوم انت تلميذي حسب الاتفاق بين العائلتين .."

نظرت الفارسة بفرح نحوها ، لم تمانع في محاولة خداع تلميذتها لها سابقا كانت تعلم انها ارادت شق طريقها بمفردها وعدم الاعتماد عليها خاصة بعد ما حدث في الماضي .

تقدمت نحوها تربت على رأسها قائلة

-لدي عمل الآن ساغادر ،في صباح الغد يجب ان تكوني قد حزمت اغراضك للمغادرة معي .

اومأت لها كورال لا بل الفتى شاتس بإيجاب في موافقة بعد ان استجمع قواه،

في حين اختفت الفارسة الانثى من امامه في لحظة تاركة جميع المتفرجين في ذهول بعد ان لم يستطيعوا سماع اي شيئ او فهم الموقف بداية من وقت ما ...

°°°°°°°

- يالها من فوضى !..

نظرت الفارسة بعيون وامضة متقصية المكان حولها .

كان تحتها حفر كبيرة امتدت عشرات الأميال بدل الغابة التي من المفترض ان تكون سابقا .

عبست وهي تشعر بشيء

-"هالة تنين " ، هل هذا "كالساديان" ؟

همهمت في سؤال وأطراف فمها ترتجف في سخط .

-هل علي أن أكون شاكرة لأن الاثنان لم يبالغا ويسقطا هذه المستعمرة .

تذكرت الفتاة ذات الشعر الاشقر الطويل لتتمتم في حيرة

-لكن ما الذي دفع التنين بدون اجنحة ليتخذ إجراءا الآن ؟ هل لها عداوة مع هذا الشخص ايضا ؟

استهزأت وهي تهبط بقدميها في إحدى الحفر

-هل يجب أن اقول انه متوقع مُذ انه بالفعل عدو لنصف الامبراطوريات والممالك ،إضافة شخص آخر للمخطط ليست بالشيء الجديد "

فحصت الدماء الذهبية التي تدفقت لتشكل بركة كبيرة

- ٱصيبت حقا ؟ هل استعاد الرجل قوته لهذه المرحلة !"

قطبت حاجبيها وقد شعرت بخطورة الوضع

-حسنا ، لا فائدة من التكهنات مالم ٱوجه سيفي نحوه "

نظرت نحو الاُفق لتسأل بضحكة

-ألا تعتقد ذلك أيضا ، ..وجه السمكة ؟ "

تجمعت قطرات الماء من شقوق الارض لتشكل هيئة رجل بحراشف زرقاء .

لم يجبها الأخير بل مد يده نحو البركة الذهبية ممتصا كل الدماء الى جسده.

-يوو! لا تزال مقززا كالعادة ..."

قالت في اشمئزاز وهي تنظر نحوه،

رفعت سيفها بغتة بحماس واندفعت إليه مهاجمة اياه تقطع جسده لقسمين ،

-اذن بما ان الشخصيات الرئيسية في هذه المسرحية قد غادرت بالفعل منذ وقت طويل ،لماذا لا نحظى ببعض المرح كذلك ؟"

لا يزال لا يجيبها في حين عاود جسده المنقسم الاتصال وهو يكمل عمله المتمثل في امتصاص الدماء امامه .

أعادت قطعه اكثر من مائة مرة غير ان الأخير لم يكترث لها ابدا.

-تشه ممل !! حسنا أخبر رئيسك ازرق الرأس أن يطلب الإذن في المرة القادمة قبل إرسال أحد جنوده لأراضينا ،حتى وان كانت هذه مستعمرة متدنية"

تذمرت بهذا واستعدت للرحيل منذ انتهاء عملها ،

كان الظلام قد حل بالفعل منذ وقت بعيد، غير انها تراجعت في مفاجأة لما نشرت احساسها ليغطي الجزيرة كاملة في فحص أخير قبل المغادرة.

-هذه الهالة ! مستحيل !؟

شعرت بالصدمة وهي تنظر نحو الغرب وكأنها تستطيع بغموض عينيها تمييز شكلٍ لقصر مخفي في احد الغابات..

صعدت على قدميها نحو السماء في عجل قبل ان تختفي من مكانها في ومضة ،

توقف رجل السمكة عن عمله لينظر نحو اتجاه سفرها للحظة قبل ان يتابع ما كان يقوم به

°°°°°°°°

-يجب ان يكون هنا !، لتظن ان حاجزا كهذا يمكن ان يوجد بمستعمرة كهذه ؟ هل كان من فعل هذا الشخص ؟ "

تساءلت وهي تمر عبر الدرع الشفاف دونما ترك خدش به

رفعت حاجبها باستغراب وهي تفتش أركان القصر بادراكها

-لم يغادروا منذ وقت طويل,يومان على الاغلب "

كان القصر فارغا تماما من الداخل ،بالكاد يمكن ان تجد أثرا لعيش احد هنا من قبل لولا ان الهالة الضعيفة للشفق اخبرتها بعكس ذلك .

لم تفتش اكثر من هذا بل انتقلت لتظهر في أحد القاعات المخفية بالقصر ،

لو كان ثيودور هنا لتعرف عليها بانها تلك التي اجتازها في طريق هروبه ،

كانت غرفة الدراسة السرية بالقصر !!

رمت بابصارها تجول في الغرفة وعبست لما شاهدت الزهرة البنفسجية على المكتب .

-ماذا تفعل هذه هنا ؟ "

عادت بانظارها نحو الزجاج المحطم في أرضية الغرفة والدم الجاف ثم الممر الطويل المظلم خلفها .

-زجاج "دويل " يا لها من مضيعة لتحطيمه هكذا .

رثت في داخلها بعد ان رأت جبالا محتملة من احجار القمر عالية المستوى تختفي من بين يديها .

لمحت الصورة المحترقة على المكتب لتحملها بين يديها محدقة فيها باهتمام

ابتسمت بسخرية لما ادركت المتسبب في كونها هكذا .

حملتها واتجهت نحو الباب الآخر تدخل المكتبة

ظهرت في يدها بوقت ما كرة بيضاء ، تركتها تطفوا في الهواء تمتص الأثير وحدها ،

بالكاد مضت لحظة حتى ظهرت صورة لشخصية تحدثت فورا لما تم ربط الجانبين .

-"جينيفر "ارى انك استسلمت واستعملت اختراعي اخيرا !

تجاهلته وهي تدور حول القاعة تفحص الكتب هنا وهناك بعد أن حطمت الحواجز حولها .

عبست لما رأت المحتوى ورفعت انظارها نحو الرجل متسائلة

- بماذا يذكرك هذا المكان؟ "

-همم ؟ كاد يتذمر لتجاهلها اياه مجددا كعادتها إلا انه التفت اخيرا يفحص مكان وجودها.

-همم لا شيء حقا، ألم تذهبي في مهمة لاصطياد ذاك الرجل ماذا تفعلين في مكتبة الآن ؟

-لقد غادر بالفعل كان هناك بعض التطورات وقد قابلت رجل السمكة من "اكوامارين" ،

عبس الرجل ذو الشعر الأخضر القصير على الشاشة بحاجبه وأراد ان يستفسر عن الوضع اكثر غير انها قاطعته.

-هل تعرف لمن كانت تنتمي المستعمرة اللتي انا بها سابقا ؟"

-همم لحظة لاتحقق من اجلك "

اختفى بضع لحظات ليعود للظهور في الشاشة

-مستعمرة "سيڨ" بالقطاع الثاني عشر كانت تحت الحكم المشترك للاتحاد ،بين جمهورية "سيرفينيا" و إمبراطورية "لونا" ، تم ضمها للونا رسميا قبل 3 سنوات .

-هل توجد اي معلومات ٱخرى ؟

عبس يسأل

-ماذا تعنين ؟"

-اشير الى ما قبل ان تكون تحت الحكم المشترك، تاريخ اطول .."

-همم هناك بالفعل ، على الأغلب كانت تنتمي لأراضي تلك المملكة الساقطة قبل تدميريها ، حسنا الأمر واضح بما انها قريبة من "سيرفينيا" .

تلى هذا في نفاذ صبر وكأنه يكره فتح هذا الموضوع بالذات .

اومأت في فهم نحوه ولم تضغط عليه اكثر

-اخشى انني قد اعرف لمن ينتمي هذا القصر ."

رفعت بصرها نحوه بجدية للحظة قبل ان تقول

-مرر كرة الاتصال للامبراطور .."

-لما فجأة ؟ "

لم يستطع الفهم إلا انه نهض وخرج من مختبره ليعبر قاعات القصر الواسعة،

اظلمت الكرة تماما لتعود مشرقة بعد دقائق معدودة تعكس وجها باردا بشعر اسود كالليل .

-قائد الفرسان يرى جلالة الامبراطور "

قالت بعد دفع يدها في قبضة نحو صدرها .

-لا بأس جينيفر ، لاداعي للرسميات بما اننا وحدنا ... لماذا اتصلت ؟

قال بصوت بارد يسألها بهدوء

اومأت في موافقة لتعود فجأة لسلوكها المرتاح من قبل

-ٱريدك ان ترى هذا .."

افسحت مجال نظره لتتسع حدقتاه قليلا في صدمة طفيفة .

-هل خمن سموك ما قد يكون هذا المكان ؟"

هز رأسه في معرفة بعد ان عاد لسلوكه اللامبالي ثانية

-كيف وجدته ؟ "

شخرت جينيفر على كلماته في استهزاء لا يليق بمكانتها والشخص أمامها

-احزر كيف ، لقد تبعت هالة شخص ما ؟

-من ؟" رفع حاجبه بنفاذ صبر وقد اقتحم الصورة خلفه رجل بشعر اسود وعيون سوداء لطالما وقف ساكنا بجانب عرشه، وقد سأل بتسلية كعادته وكأنه مستمتع بالوضع.

وجهت للرجل وهجا قاتلا لتتجاهله بعد ذلك ترفع الصورة المحترقة بيدها

أجابت بسخرية لاذعة بكلمات جعلت كلا الرجلين يعكسان نظرة صادمة .

-كانت الهالة... لكايل .."

انهت جملتها تحدق في صورة لطفل ذو شعر اسود وعيون محمرة منزعجة

-لقد اتى إلى هنا قبل اربع سنوات !"

2022/01/23 · 294 مشاهدة · 2015 كلمة
Kirara
نادي الروايات - 2025