امسك رأسه في صداع يفحص محيطه بصعوبة
كانت الملاءات البيضاء التي على جسده نظيفة تماما وقد تناسبت بشكل رائع مع زخرفات السرير الرمادية بالاضافة الى شكل الغرفة الذي يوحي بالترف البسيط .
-اين انا ؟
سأل في دوار يفحص يديه وجسده الذي شفي تماما في وقت ما
اذا كان يتذكر بشكل صحيح فقد كانتا مليئتين بالجروح بالاضافة لاصابة خطيرة في خصره قبل فقدانه الوعي ، لكنه بخير تماما الآن عدى شعوره الكبير بالعطش والجوع .
مد قدميه من على السرير ووقف يدعم نفسه بيده على كرسي قريب.
مشى بخطواته الصغيرة نحو النافذة الوحيده التي تطل على الخارج.
-اين هذا ؟" سأل غير مصدق وهو يحدق بالمارة والجو الصاخب خارجا بالاضافة الى عدة آلات ووحوش لم يرها قبلا.
سعل بعد ان نسي التنفس من الصدمة وهو يعيد في خيالات دماغه مقارنة هذه المدينة بمدينة "لويس" التي كان بها.
-رغم انني لم اتجول في لويس كثيرا الا انهما بالتأكيد ليسا نفس المدينة ، انها اكثر تطورا واكبر حجما
قال هذا ينظر في البنايات غريبة الشكل التي تمتد في ناظريه بالاضافة للعربات الطائرة التي تتجول هنا وهناك.
سمع طرقا على الباب ليستدير في قلق
- من ؟
لم يسمع اجابة لسؤاله بل دفع الطارق الباب بهدوء ورفع كف يده لصدره قائلا باحترام
-السيد الشاب اسمي "سيلفاتور" وانا خادم قديم لعائلة بريتيا ..
-من ؟! اي سيدك الشاب انا لا اعرفك !!
صرخ بهذا في فزع نحوه ،كان خائفا من ذكائه عند سماعه كلمة "السيد الشاب" ان سيرينا قد عثرت عليه .
-لابد انك حصلت على الشخص الخطأ ."
كان مرتاحا لأنه لم يتعرف على وجه الخادم العجوز من بين خدمه بالاضافة انه لم يسمع عن عائلة "بريتيا" من قبل،
لم يرف للخادم العجوز جفن ولم يعقب على صراخه الوقح بل تابع بهدوء
- لا انا متأكد انني حصلت على الشخص الصحيح مذ انني من حملك الى هذه الغرفة بنفسي "
عبس ثيودور وسأل بشك
- من انت ؟ ولما قد تفعل ذلك ؟اين شاتس !؟ "
سأل عن اول ما يقلقه وهو الشخص الوحيد الذي كان معه بالغابة عند لقائهم المقنع ،لم يكن يفهم الوضع الحالي او كيف نجى لكنه كان ممتنا لكونه لا يزال يتنفس، اما الامور المعقدة فدعها لاحقا عندما يفهم وضعه
-اثق ان السيد الشاب لديه العديد من الاسئلة والارتباك لكني للاسف لست مخولا للاجابة عنها "
سار فجاة بعد قوله هذا ليصل خزانة قريبة وسحب منها مجموعة من الملابس.
-لقد قمت باختيار هذه بناء على خبرتي اعتذر ان كانت لا تناسبك بشكل جيد بعد كل شيء كنت غائبا عن الوعي ولم استطع اخذ قياساتك .."
وضعها على أريكة صغيرة بالغرفة ليتابع
- اثق في ان السيد لا يريد مساعدتي لارتدائها بسبب شكوكه ، لقد اخترت ابسط مجموعة لتكون مريحة لك في لبسها حتى اذا لم يكن لك خبرة مع هذا النوع من الملابس.
حاول بلطف تنعيم كلماته خوفا من اصابة كبرياء الطفل الصغير ليسارع في تغيير الموضوع .
-السيد الشاب ينتظرك في الغرفة المجاورة لهذه بالفعل ، لقد حجز السيد جناح الفندق لذلك يمكنك اخذ وقتك قبل التوجه لرؤيته.
-سيدك الشاب يريدني ان اراه ؟"
رفع حاجبه في حيرة إلا ان الاخير لم يقدم مزيدا من المعلومات بل حياه حسب الآداب الامبراطورية وغادر .
-ايا كان ، كل شيء يمكن ان يُحل مادام انها ليست سيرينا !"
تنهد في خوف عميق من مربيته و قرر ارتداء ما احضره الخادم، بعد كل شيء كان من المزعج التجوال في مريلة النوم .
لقد كان حقا رداءً بسيطا ولم يكن لبسه صعبا، بالاضافة لكونه جميلا في عينيه اكثر لانه لم يكن به أي الوان مزركشة مثل ما كان يرتديه في الماضي
-حسنا من المؤسف انه ليس بها اي نقوش للأثير "
شعر ببعض المرارة في فمه لكنه سرعانما نفض عنه افكاره وقرر لقاء هذا الشاب والسؤال عن سبب احضاره هنا ومكان شاتس .
-هل كانا من انقذانا من الغابة ؟"
سار وقد خرج من غرفته في رواق قصير قليلا ليصل غرفة اخرى .
طرق الباب ليدفعه مفتوحا بعد سماعه الاذن من الجانب الآخر .
دخل الغرفة ليقابله مكتب صغير قرب النافذة بالاضافة لاريكتين امامهما طاولة عليها افطار شهي على الاقل لعيناه وبطنه الجائع .
-انه وقت الظهيرة بالفعل لكنني طلبت منهم اعداد الافطار لأجلك ..يمكنك الاستمتاع به "
دلف إلى اذنيه صوت شاب لكنه وقور لقد شعر بأنه سمع هذه النغمة المهذبة من مكان ما من قبل ،
كانت بالتأكيد من معلمه ليونارد في درس الآداب وكانت اللكنة التي يستخدمها عادة نبلاء إمبراطورية "لونا" .
تجعيد لطيف في بضعة احرف ،منح اللغة احساسا قديما وعتيقا لآلاف السنين من التاريخ
اومأ نحوه في تحية كما تعلم في القصر ليجعد الآخر حاجبه للحظة قبل ان تعود ملامحه لحالها
- لم اكن مدركا بأنك متعلم ..هل مقولة نائب دار الرعاية صحيحة بأنك هارب من مستعمرات اخرى"
كانت "سيڨ" احد المستعمرات التي تتخصص في تعدين احجار القمر ،لذلك كان اغلب إن لم يكن جل سكانها من العمال والتجار ،
عادة ما كان يرسل الموظفون ابناءهم الى دار الرعاية تحت اسمهم او ينتقلون لمستعمرات اخرى معهم ،
من غير المألوف ان ترى طفلا لم يكن مسجلا في الدير ،لذلك لم يخشى الشاب عند أخذه ثيودور انه ينتمي لاي عائلة عندما لم يتعرف عليه "بيلوث" .
كان هذا يعني فقط انه "هارب " واي طفل ينتمي لعائلة سليمة لن يفعل ذلك ،
خاصة وانه وجده في حالة يرثى لها فقد اكد هذا فقط تخميناته،
لكن الآن بعد رؤيته بدأ يشك في حكمه
الخاص فبعلمه لم يتلقى الاطفال بدار الرعاية اي تعليم خاص ناهيك عن الآداب
نفى الطفل بوجهه
- لا انا انتمي "لسيڨ" ، ايضا ماذا تقصد بدار الرعاية ؟ الم نكن في غابة "دريوتا" .
همهم له الشاب بايجاب قائلا
-عندما وجدناك انت والفتى "شاتس" كنتما في طريق عودتكم للمدينه ، كانت حالتكما حرجة جدا واضطررت مع خادمي لاعادتكم لدار الرعاية الوحيد في "لويس" ،
كان اختفاء "غابة دريوتا" حدثا كبيرا وقد بذلت جهدي لاخفاء انكما كنتما هناك "
-الغابة اختفت ؟"
وسع ثيودور عيناه في صدمة
-ماذا حدث ؟"
نظر الشاب نحوه بتعبير غريب
-لا احد يعلم ، لكن اليس من المفترض ان اسأل انا مذ كنتما هناك ؟ ماذا حدث بالفعل لتختفي غابة ممتدة لعشرات الاميال في ليلة واحدة ! "
نظر ثيودور نحوه بغباء
-هل هي بهذا الحجم حقا ! سأل في نفسه غير مصدق"
-لا اعلم ايضا لقد غبت عن الوعي عند مواجهتنا لمهربي البشر "
قال نصف صادق اجابته بمضض
لم يضغط الشاب اكثر واومأ في اتفاق
- حسنا كانت هناك آثار لمهربي البشر بالفعل "
نظر نحو الافطار على الطاولة مبتسما في ضيافه
-فلتتناول طعامك اولا ثم نتحدث ، لاشك انك جائع فقد نمت ليومين كاملين "
لم يستفسر ثيودور اكثر ايضا ،كان جائعا جدا ليفكر باي شيئ بشكل صحيح .
ركض للمائدة وتناول افطاره في فوضى مثل اي طفل في سنه متخليا عن آدابه بعد ان تذكر ملاحظة معلمه واشارة الفتى لسلوكه المهذب قبل قليل.
-علي ان اكون حذرا ! "
ذكر نفسه بهذا باستمرار ولكنه لم ينسى الاستمتاع بملئ معده بعد شعوره بالجوع طيلة هذا الوقت.
انتظره الشاب بصبر حتى انتهى ودخل خادمه يأخذ الصينية ليغادر بعدها تاركا الاثنين في مواجهة بعضهما بعد ان توجها للمكتب
-حسنا يمكنك السؤال الآن "
قال الشاب بابتسامة ، لم يقف ثيودور في الحفل بل سأل بسرعة
-اولا.. من تكون !"
-اعذرني ..كان وقحا مني ان لا اعرف عن نفسي حتى الآن ، اسمي "جايدن ألان دي بريتيا" ، نبيل ساقط من إمبراطورية "لونا"
نظر ثيودور نحوه باستغراب ،كان النبلاء في "لونا" عادة ما يستخدمون اسما ثنائيا احدهما للمناسبات الرسميه والثاني عادة ما يكون سرا إلا لافراد العائلة والاصدقاء المقربين ،
كان قول اسمه الكامل لغريب غير معهود حسب معرفته، لكنه لم يسأل عنه، كان سيؤدي دور المتسول الجاهل على اكمل وجه .
-حسنا سيد جايدن لماذا احضرتني هنا ؟ ايضا اين نحن هذه بالتأكيد ليست "لويس"
-هذه بالفعل ليست لويس ، نحن في "ستاثموث" احد محطات النقل الثلاث الاقرب لمستعمرة "سيڨ"
-ماذا !
ان تقول ان ثيودور غير متفاجئ لوصوله احد وجهات سفره غير مستعد لذلك فسيكون كذبة تماما .
صمت جايدن قليلا تاركا بعض الوقت للطفل ليستوعب ما قاله ليتابع.
-اما عن سبب احضاري لك هنا ..هي اني اريد كفالتك ، دفعت ثمن الامتنان بالفعل لدار الرعاية "
- نعم ؟؟
نظر نحوه ثيودور باستغراب، لم يكن لأنه لم يسمع الكلمة من قبل ،بل بالضبط لأنه علم معناها
كان قد قرأ من قبل عن سياسة استخدام العمال بالمناجم في احد الكتب التي تروي تاريخ وقوانين إمبراطورية "لونا".
لكنه لم يفهم سبب ذكر الشاب ذلك له لانه لم يكن ينتمي لأي معهد في المقام الأول ،
صمت مطولا لا يعرف كيف يجيب ، قطعه الشاب بسؤال
- انت لا تنتمي لأي دير أليس كذلك؟ هل انت حقا هارب ؟ ام انت احد ضحايا مختطفي البشر ؟ "
لم يتلقى اي اجابة من الفتى ليؤكد تخميناته ليكمل
- لا بأس لن اسئلك عن ماضيك منذ انه ليس حقي كشخص تقابله أول مرة ، لكني أتمنى منك ان تسمع عرضي ! "
-صفقة ؟ "نظر ثيودور نحوه في حيرة
انزل الشاب يده يدفع احد ادراج المكتب مفتوحا ليخرج بعض المستندات منه بالاضافة الى بطاقة كرستالية .
- الحقيقة هي انه كان لدي شقيقان توأمان اصغر مني .."
-كان ؟ انتبه ثيودور على صيغة الاجابة وتساءل عن علاقة هذا به .
ضاع جايدن في افكاره طويلا قبل ان يجيب
-اسم الاكبر كان " كلاود آيس دي بريتيا"، ولد بمرض نادر لاضطراب المانا وعانى لفترة طويلة قبل ان يتوفى في حادث قبل سنة ونصف "
-انا اسف لاجلك "
اومأ الشاب نحوه في امتنان يحدق فيه قائلا
- انه لمن المدهش كيف انكما متشابهان ، اكاد لا افرق بينكما لولا ان لون شعرك مختلف عنه "
"ألاعيب النبلاء" طرأت هذه الفكرة بدماغه للحظة قبل ان يسأل بتشويش
- إذن أنت تقول ..هل ما تريد مني فعله هو ان اتخذ مكانه وأقتل احفاد العائلة لوراثة اللقب او شيء كهذا، اليس كذلك؟
انفجر جايدن ضاحكا على مخيلته الواسعة متناسيا آدابه للحظة
- من اي مكان قرأت هذه المسرحية ؟ هاها لم اضحك هكذا منذ فترة ! "
لم يستطع الا التربيت على رأس الصبي اللطيف في ناظريه قائلا
- انه ليس كذلك لكنه قريب منه منذ ان اخطأت في شيء واحد ، لا ٱريدك أن تنتحل صفة اخي لاني ٱريدك ان تقتل شخصا ما ، انما الحقيقية هي ان لدي والدة مريضة ...
بسبب حادث منذ بضع سنوات ساءت صحتها العقلية وكان موت اخي ضربة كبيرة لها ، تكاد لا تتناول طعامها بشكل صحيح وتواصل مناداة اسمه كل وقت ، حتى انها تحادث مكان جلوسه المعتاد وكانها تتكلم معه ، كان مرض اخي سببا لبقائه الدائم بجوارها وهي حقا لم تستطع تحمل فراقه "
زيارتي لدور الرعاية بالمستعمرات القريبة من مكان إقامتي كان بحثا عن صبي يشبهه لكفالته آملا ان يُحسن هذا صحتها "
دفع البطاقة على المكتب نحو ثيودور
-ما اسمك يا فتى ؟ "
- ثيودور
- لا اعلم من أنت أو ماضيك لكنني اعرض عليك هوية اخي كصفقة ، لم اقصد التفتيش في دمك لكن علي التحقيق اذا ما كان لديك هوية مسبقة "
كانت هويات المواطنة بطاقة ترتبط بالشخص عن طريق الدم ولا يمكن استحضارها لاحقا في شكلها الأصلي الا على هيئة أثيرية ، كان هذا بهدف عدم الإنتحال لذلك من الصعب جدا تزييف البطاقات او تغييرها بعد الحصول على واحدة مالم يتم فك ختمها من طرف مسؤول في المحكمة الامبراطورية.
-اذا قبلتها فستعيش من الآن فصاعدا ك"كلاود آيس دي بريتيا" وعليك أن تنسى اسمك ، لا اقصدك محو شخصك لكن أخذك للبطاية قد يعني انك لن تستطيع تغييرها في حياتك كلها "
أشار لهذه النقطة بقلق طفيف في صوته خوفا من ان الطفل لن يفهم عواقب قراره القادم .
- لن اجبرك على شيء ، اذا لم توافق فسأطلب من "سيلفاتور " اعادتك لمستعمرة "سيڨ" قبل عودتنا ، سأمنحك نصف يوم لاتخاذ قرارك .."
°°°°°°°°
°طق طق
دق صوت طرقات ليُسمع صوتٌ شابٌ بعدها
-ادخل
دخل الطارق وبخطوات طويلة وصل امام المكتب،
حيى الشاب باحترام ثم نظر نحو الكرسي الفارغ بجواره
-هل غادر ؟ سأل جايدن
-نعم ..." رفع الخادم رأسه مجيبا
-قال انه سيتجول في ارجاء المدينة قليلا قبل عودته
اومأ الشاب وظهره لخادمه قبل ان يتابع بشيء من الصراع في صوته
- "سيلفاتور " ماذا تعتقد انه سيختار ؟
اجاب الخادم العجوز مفكرا
- من اجل عرض السيد الشاب لشخص كان متسولا قبل يوم واحد فهذا شيء كريم جدا منك....كنت لأختار القبول لو كنت مكانه"
نظر نحو يده وكأنه يستطيع رؤية الندوب القديمة بها تحت القفازات البيضاء
- اسم الشخص في هذه الامبراطورية لا يعني شيئا بدون قوة لدعمه ، ربما خاصته كذلك، كان ليختفي بعد عدة سنوات طويلا في نهر النسيان "
حدق جايدن نحو الافق بحسرة على وقع كلماته وكأنه يفهم ما يقصده
استدار مبتسما بعدها يعزي خادمه
- لا تقلق ، سأحرص على ان لا يُنسى اسمي واسمك ابدا في السجلات المتعفنة لهذه الامبراطورية .
لم يتابع كلماته اكثر بل سأل بتقصٍ
- ماذا كانت آخر المستجدات من جواسيسك ؟
عاد "سيلفاتور" الى رشده كذلك ليجيب
- قالوا ان هناك اكتشافا كبيرا في احد المخطوطات ، ووفقا للحسابات قد تظهر الآثار قريبا ، ايضا ..لقد بدأ الآخرون بالتحرك بالفعل .
شخر جايدن في ازدراء
- اينما يوجد السمك الصغير لابد ان تتبعه الحيتان كذلك ، هل يجب ان اقول ،كان هذا فقط متوقعا .."
ابتسم الخادم على كلامه وسأل مازحا
- اذن هل يجب ان نكون نحن سمكة ام حوتا يا سيدي ؟
- بل قرش يا سيلفاتور ...قرش كبير !"
لمعت عينا الشاب بمكر وحزم مجيبا..