المدينة العائمة -قرار-
-انها حقا مدينة ضخمة "
كان قد حفظ الطريق للفندق بصعوبة بعد ان كاد يضيع عشرات المرات في ازقة هذا المكان ناهيك على ان عدد الحشود هنا كان كبيرا .
استطاع رؤية اشياء لم يكن يعلمها قبلا وانبهر باخلاف الانشطة الواسع في هذا المكان ،بعد كل شيء كانت جل الكتب التي قرأها تعود لألفي سنة وقد تغيرت عدة اشياء منذ ذلك الوقت .
صحيح أن متوسط عمر عامة البشر في هذا العالم هو مئتا سنة لكن هذا لم يمنع الدم الجديد من ان يكون اكبر طموحا ويغير العديد من الامور عبر التاريخ .
استدار في زاوية ما من الشارع وقد سعد برؤية مراده اخيرا . كان ثيودور قد ضاع مجددا للمرة اللألف ولكن من حسن حظه انه توجد خريطة للمدينة كل بضعة شوارع ،
عادة يمكن الحصول عليها تلقائيا كلما دخلت مدينة بفضل بطاقة تعريفك وستظهر تلقائيا في ذهنك،
في الغالب يمتلك كل طفل مسجل في مدن "لونا" هوية بعد ولادته عكس اطفال المستعمرات ، لكن هذا جاء له بتساؤل آخر .
-لماذا لا املك واحدة ؟ هل انا لا انتمي "للونا" ؟
كان من الغريب أن لا تسجله سيرينا حتى لو كان من سكان المستعمرة ،في النهاية حسب ما شاهده حتى الآن لم يكن المال شيئا ينقصهم .
سيكون كذبة إن قال انه لم يغرى بعرض جايدن
-حسب اقوال معلمي لن استطيع السفر الى مدن الامبراطورية دون بطاقة هوية".
نظر محدقا في مكان بوابات النقل على الخريطة ، ستكون "ستاثموث" اخر محطة له لو لم يجد حلا لهذه المشكلة .
-هل اوافق ؟"
بدأ صراع طويل يغزو افكاره، كان العيش باسم آخر معضلة كبيرا بالنسبة له خاصة وانه لا يستطيع تغيير بطاقته دون المرور بموافقة من المحكمة الامبراطورية ،
لكن لو وصل لهذا الحد سيُتهم بالانتحال ويعدم فورا ، لقد شُددت العقوبة على هذه المخالفة خاصة في السنوات الأخيرة.
-علي اتخاذ قرار .."
جعد جبينه في صداع وهو يعصر ذهنه بحثا عن حل ما ، أراد سؤال شخص لتبادل الافكار معه واشتاق مجددا لشاتس.
شعر بالأسف حقا لانه قد لا يراه بعد الآن .
- لا قد اعود "لسيڨ " مجددا في النهاية كان هذا منزلي ."
فكر طويلا حتى اصطدم بشخص في الشارع ليصيح به مزمجرا
- انتبه يا طفل !"
-آسف"
طلب باعتذار بعد أن خرج من شروده غير انه مالبث أن اتسعت عيناه في فزع لما شاهد شخصا ما بين الحشود وسارع ملتصقا بالرجل امامه .
-انت ماذا تفعل ! ، صاح به الرجل بنفاذ صبر
- آسف..حقا !! هل يمكننك الوقوف هنا للحظة "
-مجنون !!
دفعه الرجل بشتائم بين اسنانه وغادر في سبيله .
دخل ثيودور للمتجر على يساره بسرعة ليطل من نافذتها الكريستالية نحو الخارج في قلق .
- لقد كان احد خدم القصر ...انا متأكد ! "
اختنق صوته في حلقه وهو يقول هذا
-لا تزال سيرينا تبحث عني و لم تُبعِد بعد عيناها عن المحطات الثلاث .."
زفر براحة وهو يرى ظله المبتعد وخرج من المتجر عائدا بسرعة نحو الفندق .
دلف اليه من بابه الكبير وتوجه نحو المصعد العائم آمرا.
- الطابق السابع ..
كان هذا ما علمه رئيس الخدم فعله للتنقل عبر الاماكن المختلفة منذ ان ادعى انه لا يجيد قراءة اللغة المشتركة للاتحاد ،
كان هذا صحيحا بعض الشيء لانه فعليا لم يكن يجيدها بقدر معرفته باللغة القديمة ،
تطورت الأخيرة عبر السنين وصارت اللغة المشتركة الحالية ولكن رغم أن جل الكلمات متشابهة الا ان طريقة الكتابة بين الاثتنين مختلفة تماما ،
كانت اللغة القديمة صعبة جدا لانها حرفيا نقوشٌ تعتمد على هالة الأثير او الشفق لنحتها عكس شكل الكتابة الحالي ،
لطالما قال معلمه أن خطه كان ركيكا جدا وهذا طبيعي لأنه لم يتدرب على كلاهما بعد، وعزاه بأنه سيتحسن بمرور الوقت عند استيقاظه،
لكن ثيودور الذي عاش اربعة وعشرين سنة كافتراض في احلامه علم ان هذا لن يحصل ابدا ...
-لا بأس الآن الامور مختلفة ..لقد هربت "
شعر بالالحاح في نفسه بعد ان شارف على النجاح بخطته ، لم يكن ليعود ابدا ما لم يحقق طموحاته .
- بالاضافة لمعرفة الماضي ،..اريد ان ارى العالم !
لمعت عيناه بشوق وهو يحدق عبر المصعد الزجاجي للمدينة المهيبة خارجا
°°°°°°
طرق باب الغرفة ليدخله مستأذنا
ابتسم جايدن نحوه وقال بمرح
- هذا سريع ..هل كانت جولتك جيدة
شعر ببعض عدم الراحة مع تلك اللكنة القديمة لانها ذكرته بالخادم الذي رآه منذ قليل.
- انها كذلك "
اومأ له ليجلس على كرسي قريب من المكتب
لم ينبس جايدن ببنت شفة حتى شعر ان الطفل قد استقر اخيرا بافكاره
- اذن هل قررت ؟
اومأ ثيودور بايجاب
- سأقبل اقتراحك !"
ابتسم الشاب بفرح ولم يسعه سوى التربيت على راسه .
- لا تقلق لن أجعلك تندم على قرارك .."
دفع بالبطاقة الكريستالية التي لم يزحها بعد عن مكتبه نحو ثيودور قائلا .
- يكفي ان تحدث جرحا في إصبعك وتبصم عليها ستذوب تلقائيا في يدك
انتظر بصبر وهو يشاهد ثيودور يحدق بالبطاقة .
ابتلع الاخير لعابه محدقا في الاسم بتردد
-"كلاود آيس دي بريتيا " سيكون هذا اسمه من الآن فصاعدا .
عض طرف اصبعه السبابة وضغط به عليها لتذوب في يده وتختفي تماما .
- مبارك لك حصولك على بطاقة هويتك آيس "
وقف الشاب معانقا اياه وكأنه يرحب بأخ مفقود له منذ زمن طويل.
لم يستطع ثيودور بل آيس ترتيب افكاره الفوضوية وشعر باشمئزاز من نفسه لتخليه عن اسمه للحظة .
لكنه لم يلبث أن دفع بهذه الافكار بعيدا كان الوقت يداهمه واسم ثيودور لم يساعده بشيء سوى انه قد يدل سيرينا عليه حتى لو كانت الهوية له.
تنحى عن حضن الشاب قائلا
- شكرا لك "
-كان من دواعي سروري، ايضا انا من كنت بحاجتك اكثر ...اخي "
شعر جايدن بالتردد والاحراج في قول هذا قبل ان يتابع
-منذ ان حصلت على هذا الاسم وحتى إن لم تكن هو، فقد صرت بالفعل جزءا من منزل بريتيا ، بالنسبة لي فقد حصلت على شقيق آخر وهذا شيء رائع .."
لم يجبه ثيودور بل أومأ له فقط ،لقد فهم مقصده بل ورحب به، سيكون من الصعب جدا العيش مع عائلة لا تقدرك سوى كدمية ،
اضافة الى انه كان يتوق لهذه التجربة الفريدة اذ انه لم يكن له اشقاء بل خدم فقط، حتى لو كانوا مقربين منه فقد حافظوا دائما على حاجز بسيط بينهم كسيد وعامل .
-يمكنك العودة لغرفتك والراحة الآن ، سننطلق بعد غروب الشمس ، من المتوقع ان نصل الى بيتنا غدا بعد الفجر او قرب الظهيرة في أبعد وقت "
مد يده مسلما المستندات المتبقية على الطاولة قائلا
-هذه ملفات أخي ، لا اطلب منك ان تكون هو تماما أو أن تغير عاداتك ولكني آمل ان تحيط علما بكل المعلومات عنه فقط في حالة حاول شخص ما التحقيق معك "
اخذها ثيودور منه وقرر قراءتها عند عودته لغرفته ، ودع جايدن وغادر من الباب عائدا للرواق .
استقبله الخادم العجوز الذي هنأه بكل اخلاص
- مبارك انضمامك لمنزل "بريتيا " سأكون مسؤولا عن احتياجاتك من الآن فصاعدا ويمكنك سؤالي اي شيء تحتاجه "
شكره ثيودوه واتجه مباشرة نحو غرفته ليفز على سريرة متعبا .
- ياله من تغيير كبير ، من كان يظن اني سأنضم لعائلة اخرى قبل اسبوع .."
شعر ببعض الحنين لقصره القديم لكنه دفع افكاره وهو يفتح المستند بيده .
كان "سيلفاتور" قد أعطاه سابقا أداة مثل المنظار قائلا انه بتوجيهها نحو الكلمات فهي ستحولها الى صوت ليستطيع سماعها ،
لم يكن بحاجة لها إذ ان المعلومات كانت مسجلة باللغة القديمة وليس المشتركة .
قرأها بتركيز لنصف ساعة قبل ان يزفر بأسف بعدها
- ياله من طفل مسكين ، لكي يتحمل مثل هذا المرض منذ ان ولد "
كان الشفاء منه صعبا وحتى إن فعل فسينتهي به الأمر غير قادر على امتصاص هالة الشفق متروكا بخيار وحيد وهو ان يكون متحكم أثير ،لم يكن هذا سيئا لكن احتمال اصابته بالمرض مجددا كان مرتفعا جدا ان كان في اراضي امانيسيا .
-كان يجب ان يبلغ العاشرة بالفعل منذ شهرين"
كان هذا الطفل اكبر منه بسنتين لكن بسبب مرضه فقد كان ضئيل الحجم وفي نفس ارتفاعه تقريبا .
-لكن ، اليست هذه المعلومات أساسية جدا، اعني ليس من الضروري ان اعرف لكن هذا لا يزال غريبا "
عبس ينظر للاوراق بين يده
لم يذكر فيها سوى معلومات الفتى آيس مثل عمره ومولده وطوله والاشياء التي يفضلها عادة ، لا شيء عن سبب موته او الحادث الذي قال انه حصل له.
بالاضافة.. في بطاقة هويته ذكر ان مكان اقامتهم يقع في مملكة " زينوث" التابعة للبارونيت "كاول" لكن مكان مولد الفتى كان بمملكة اخرى،
عادة حتى لو كان نبيلا ساقطا فهو لن يترك مكان إقامته .
كانت الممالك تعبيرا آخر لوصف المدن تحت حكم النبلاء ولقبوا بالملوك في اراضيهم .
في كل عام ترتفع مئات الممالك وتسقط، لذلك لم يكن غريبا للنبلاء الساقطين ان يتمركزوا في اراضي نبيل رفيع آخر تحت اسم التعاون ،
بعبارة اخرى تم تقسيم النبلاء لاحزاب، والمنازل الساقطة والضعيفة منهم ٱخذوا كتابعين ،
كانت الاراضي تسحب منهم مقابل بعض الامتيازات في الاحتفاظ بالقابهم
الامر الغريب هنا انه حتى لو كان النبيل الساقط جديدا وكان من عامة الشعب فلن يرضى بالتأكيد ان يكون تحت سلطة نبيل آخر كان من نفس الرتبة .
لذلك فإن البارونيت الذي كان الأدنى في السلم لم يكن يحظى عادة باي اتباع ، فلماذا قد يقيم منزل بريتيا في أرضه ؟
-ما الذي يحدث هنا ؟ "
شعر بالريبة قليلا وتساءل في نفسه عما اذا كان جايدن لم يعطه الملف قبل موافقته خوفا من ادراكه لهذه الحقيقة .
لم يلبث أن نفى ذلك بسرعة
- لا ، جايدن يعتقد اني مجرد متسول هارب ، على الاغلب أجرى تحقيقا عني ولم يجد شيئا مريبا لن يكون الطفل بدون خلفية اي تهديد له، لذلك لن يكون مكيدا جدا اتجاهي.
عزى نفسه بهذا وقد بدأ رأسه يؤلمه ، لم يكن الصداع الغريب يفارقه منذ ان وصل الى هذه المدينة ، اغمض عيناه بتعب وقرر النوم للساعة التالية قبل مغادرتهم .