-صباح الخير "
دخل القاعة محييًا يحك عينه بنعاس .
- هل نمت جيدا آيس ؟"
تكلمت المرأة بلطف وهي تنظر بحنية نحو الطفل
- نعم امي .."
جلس على المائدة الكبيرة يتناول افطاره بنهم .
لقد مر ثلاثة أشهر بالفعل على وجوده في منزل " بريتيا" وقد اعتاد على العيش هنا .
-كل ببطئ لن يذهب الطعام لأي مكان"
قال المرأة ضاحكة لتنظر لرأس الطاولة بسؤال
- "ألان" هل راسلك " دايان " عن موعد عودته ؟
اومأ لها جايدن مجيبا
- قال إن فصوله ستنتهي الشهر القادم وسيأتي حينها "
ابتسمت المرأة
- هذا جيد سيكون من الرائع أن ننظم حفل عشاء لم شمل بسيط بيننا ، انا محتارة بالفعل فيما اصنعه "
ذهل جايدن بفكرتها وسعد بذلك لقد تذكر أن آخر مرة قد طبخت والدته كان منذ موت أخيه ، لطالما احبت صنع طعامه بنفسها "
عكس ثيودور الذي انهمك فورا بمعدته لم يمس صحنه بعد لأنه كان منشغلا في افكاره .
سارع برفع ملعقته متذوقا الحساء أمامه لترتجف يده .
- انه بالتأكيد طعم طبخك امي ! "
كاد قلبه يقفز سعادة من صدره لأن ذلك يعني أن صحة والدته تتحسن وقد خرجت من اكتئابها السابق .
- انه لذيذ بالفعل.."
قال ثيودور بفم ممتلئ من الصعب فهم كلماته
ربت هيلين على رأسه بمحبة
- سأطبخ بنفسي لك من الآن فصاعدا"
لقد اصبح سلوكها مشرقا مثل من قبل ونمت لتصبح شغوفة بابنها هذا اكثر فأكثر ، وكان ثيودور يبادلها نفس الشعور إذ تعلق بها كثيرا مهما حاول سابقا أن ينأى بنفسه .
- سٱغادر الآن، أراكم مساء ! "
ابتلع آخر لقمة ونهض مغادرا صالة الطعام راكضا نحو غرفته ثم الى الخارج .
- لا تتأخر ولا تركض بعيدا عن المنزل كالعادة !
صرخت "هيلين" بهذا قلقة من تهور الطفل النشيط
- لا تقلقي ٱمي ، جميع القرويين يعلمون انه "بريتيا" ، لن يجرأ احد على ايذاءه"
- لكن لايزال..." تنهدت بهدوء وهي تتذمر أن وقت شاييها المفضل معه لن يحدث اليوم .
ابتسم جايدن في سلوكها ، كانت امه قد اعتادت هي وثيودور تناول شاي الظهيرة في الحديقة خارجا والتنزه معا وقد صارا أقرب كل يوم بسبب هذا ..
كان اليوم عطلته المقررة بعد أن اعتاد الهروب دائما من دروس " سيلفاتور" وقد تسبب هذا في صداع لجايدن .
حتى عند مناقشة هذا معه ، لم يرغب الطفل في تغيير سلوكه ولم يرد اجباره ، لذلك اعطاه عطلة كل نهاية اسبوع ولكنه شدد على دراساته بقية الايام ، كان قد اعتبره بالفعل جزءا من منزل "بريتيا" وقرر تحمل مسؤوليته و تعليمه.
- سٱغادر كذلك ٱمي "
نهض من مكانه مودعا
- هل ستذهب للعاصمة ؟
أومأ لها
- دعاني البارونيت " كاول" لحفل عشاء وقال أن هناك شيئا لمناقشته لذلك، قد اعود بعد يومين ..
- حسنا رافقتك السلامة
سارت معه حتى باب المنزل لتشاهد رحيله من بعيد
°°°°°°°°°
- يجب ان يكون بمكان ما هنا "
لهث ثيودور بتعب ينظر حوله بارتباك.
عكس ظن الام وابنها لم يتوجه للعب حول القرية بل دخل سلسلة الجبال خلف المنزل.
تسببت دروس " سيلفاتور" التي لم يستطع تخطّيها في ألم له، لقد شعر ان إدعاءه بكونه ٱميا كان كثيرا وقد تسبب في إعادة تعليمه من البداية .
كان من حسن الحظ أن الكتب احتوت بعض المعرفة التي كان يجهلها حول هذه الفترة أو كان سيصاب بالجنون .
-قال "بلوسن" أن القرويين استخدموا هذا الطريق للتعمق في الجبال.
تفقد الاشجار القريبة بحيرة وقد شعر انه احمق
- هل كان يكذب ؟ "
لوى شفتيه في سخط طفيف ،
قال جايدن أن آيس قد وقع في الحادث قبل أن ينتقلوا ل"زينوث".
لذلك لم يعرفه احد بالبلدة ، لذا عندما علموا أنه كان أخ " دايان" التوأم وليس هو ،حاولوا التقرب منه لكسب مصلحته .
لم يمانع ثيودور هذا في البداية ورحب بلطفهم وكثيرا ما خرج مع اطفال القرية.
لكن ما لبثوا أن تغيرت تصرفاتهم اتجاهه وصارت اكثر وقاحة مع مرور الوقت وكثيرا ما حاولوا خداعه او النميمة خلف ظهره، خاصة بعد ان سمعوا انه مصاب باضطرابٍ في الاثير.
لم يفهم كيف تسربت هذه الإشاعة عنه حتى أن جايدن غضب كثيرا وكاد يتصرف لولا أنه قد منعه.
-قال جايدن أن الأمر غريب لأن المعلومات عن أخيه ليست معروفة إلا لأهل المنزل ورجال البارونيت مذ أنه كان صديقه ، لكن ليس هناك أي دافع للأخير لتسريب هذا لقرويي البلدة .
صحيح انه قيل أنه تعافى من هذا المرض، لكن في إمبراطورية تحترم القوة وتفضل الفرسان ، كان عدم قدرته ليصبح واحدا اشبه بكونه معاقا وجلب الازدراء نحوه من الجميع .
-حتى انهم قالوا أني كنت السبب في سقوط منزل "بريتيا" ..لكن لتظن ان "بلوسن" سيخدعني كذلك ..."
عض شفتيه بضيق
كان بلوسن أول صديق حصل عليه بعد مجيئه هنا ،عكس بقية الاطفال كان شخصا مشرقا لم يتنمر عليه أو يجرحه بكلامه بل لطالما دافع عنه امامهم وشجعه.
-لم أستطع ان ٱدافع عن نفسي كذلك .."
اذا حدث وعلم جايدن أنه يجيد القتال كفارس متدرب فقد خشي أن يبدأ في التحقيق في خلفيته مجددا ، الأمر الذي من الممكن ان ينبه سيرينا "
مؤخرا توقفت قلادته عن جعله يرى الكوابيس وتساءل عما إذا تخلى المقنع عنه .
بدل ذلك صارت احلامه عادية لكنها لازالت عن قراءة الكتب أو استخدام السيف ، ربما لأن هذا كان اكثر الاشياء التي يهتم بها الآن .
- لا يزال... علي عدم استخدام اسلوب السيف من احلامي امام احد ! "
قبل شهر شاهد جايدن وهو يتدرب مع سيلفاتور بسيفه وقد سأله عن اسلوبه ، بعد ذلك أدرك أن رئيس الخدم في الماضي لم يعلمه سوى الأساسيات في المبارزة وكيفية الاستفادة الكاملة منها ،
ذلك للأن جايدن اخبره بشيء صدمه ،
عكس اعتقاده ، كانت أساليب السيف شيئا ثمينا وسريا لكل منازل النبلاء من الفرسان ولن يخرجوه للغرباء بسهولة ،
كانت الأساليب المنتشرة بين العامة شيئا أدنى ومبسطا من الحركات التي يستخدمها الجيش الامبراطوري...
صحيح أن أحلامه كانت عادية وعشوائية ولكن عند التمعن فيها اكتشف حقا ان ما قاله معلمه ليوبارد صحيح تماما .
كان ٱسلوب السيف مثلا أحد الأشياء التي تكررت بها وكان شيئا لم يعلمه اياه أحد ، بل طبع في قتالاته دون أن يدري .
دون إشارة جايدن لذلك ما كان ليفهم الفرق بين ما تعلمه من رئيس الخدم وما تعلمه ذاتيا ولم ينبهه الأخير لهذه النقطة في قتالاتهم .
- هل كان رئيس الخدم يعلم عن اسلوب السيف في القلادة ولذلك لم يعلمني؟"
تساءل وهو يسير بين الأشجار غارقا في تفكيره ، لقد تعمق في سلسلة الجبال وحان وقت الظهيرة بالفعل لكنه لم يجد بعد سبيله للخروج من هنا .
- لقد ضعت "
شخر في انزعاج ، كانت الأشجار طويلة والنباتات كثيفة لذلك لم يستطع الصعود والتحقق من مكانه .
- كل ما يمكنني فعله هو محاولة التسلق الى أعلى ،
لم تكن بسلسلة الجبال هذه وحوش نجم قوية، ولكن كجزيرة سابقة لأمانيسيا فبالتأكيد سيكون كونها عادية إهانة لها ،
كانت غابة الجبال أشبه بالمتاهة وقد تظن احيانا انك تصعد لتجد نفسك بالاسفل، او ان تتجه يمينا بينما في الحقيقة انك تتجه غربا ! .
لم تكن الضواحي التي يتجول فيها القرويين للصيد بهذا السوء وعادة لن تحدث حوادث .
رسم البارونيت لهم طريقا آمنا وقد استخدموه لاجيال للدخول والخروج .
"بلوسن" الذي أخبره بكل هذا ، كان هو من أخذه للتجول بالغابة في ايامه الاولى هنا وشرح كل المخاطر التي يمكن إيجادها وحذره من الذهاب بعيدا دون خبرة مسبقة للسفر مع احد الكبار .
-بعد أن انتشرت الشائعات عني رفض كل رجال القرية اخذي معهم بحجة أني لازلت صغيرا !"
همس بغضب فيما حصل معه مؤخرا وهو يمسك القلادة حول رقبته
- لكن لازال علي الدخول هنا بفضل هذه.."
الحادثة التي أدت لوجوده هنا تعود لليوم الذي دخل به الجبال مع "بلوصن" أول مرة . اضاءت قلادته بشكل ضعيف لتخفت فجأة .
كان هذا يحدث كل مرة زار بها المكان وتزداد إشعاعا أحيانا كلما غامر أعمق،
علم من هذا أن مراده يكمن في الداخل لكن تحذير "بلوصن" أجبره أن يركن فضوله مؤقتا ويبحث عن مساعدة للتجول لكنهم رفضوا جميعا ،
لم يترك له هذا خيارا سوى الإلحاح لبلوصن في إيجاد حل له .
بشكل غير متوقع لم يصر الأخير على منعه من الذهاب أكثر بل أحضر له خريطة ادعى أنه سرقها سرا من أبيه تصف بايجاز المسار الآمن الذي يجب ان يسلكه للصعود اعلى الجبل وطريق العودة .
-ما كان يجب علي تصديقه بسهولة ، كان هذا لأني خفضت من حذري منذ مجيئي هنا ..! "
قال جايدن له سابقا أن عليه عدم الاختلاط مع الطفل لأن أخ بلوصن كان ذو سمعة سيئة جدا بمدرسة "دايان".
لكنه لم يستمع ظنا منه أن تصرفات اخيه لا يعني بالضرورة أن الصبي يجب أن يكون سيئا ايضا ،خاصة بعد ان ساعده.
-هوو " تنهد في تعب فقد كان يمشي لساعات .
عادت قلادته لتضيء مجددا منذ مدة وتجول حول المكان في بحث لكنه لم يجد شيئا للآن ..
أدار جسدا نحو الشرق مقررا تغيير اتجاهه لكن صوت ما أصاب جسده بقشعريرة من اسفل لاعلى.
- آه اوووو!! "
كان أشبه بنواح وحش صغير محتضر مما دفعه في دفاعٍ لاخراج الخنجر الذي احضره معه سرا .
-من هناك ؟"
صرخ لكن لم ترد إجابة بل ازداد الصوت اكثر وكأنه يشكو اليه .
اقترب بحذر من مصدره بعد أن تأكد من أن لا شيء قد يندفع نحوه فجأة .
دلف بين الشجيرات الكثيفة ينظر حوله بيقضة بعد أن اختفى الصوت، مما أدى تقريبا لسقوطه بعد أن غفل عن ما يدوسه.
- ماهذا ؟ "
كانت حقيبة صغيرة مبهرجة الالوان
- بشر ؟
رفع حاجبه وقد اختفى حذره قليلا
- هل ضاع احد من اطفال القرية ووصل هنا ؟"
كان هذا يفسر الصوت الغريب الشبيه بالبكاء الذي سمعه
- هل تسمعني ! اين انت ؟...انا من القرية وانا ضائع كذلك "
عاد الصوت الباكي مجددا وقد اختلطت به بعض الهمهمات الغير مفهومة له ليستدل به نحو مكان الشخص.
بين الشجيرات بعيدا كانت جثة ضخمة لطفل ممددة على الارض.
- هل انت بخير ؟ "
صدم ثيودور وسارع نحوه متفقدا إياه محاولا جَهده فهم الكلمات بين بكاء الفتى
- اوووه ...أخيرا جاء أحد ما ..اوووو... كان الأمر صعبا علي ! بقيت دون وجبات خفيفة طول الصباح بعد ان ضاعت حقيبتي وعلقت هنا.. اووو انقذني من فضلك "
شعر بالصدمة من هذا الدهني الذي لا يزال يفكر في بطنه حتى بعد أن كاد يموت هنا.
سارع نحو قدماه المصابتين محررا إياهما من أحد الفخاخ التي لا شك انها من تصميم القرويين لاجل الصيد.
- لماذا لم تحرر نفسك ، صحيح أن الفخ خطير لكنه للحيوانات الصغيرة بعد كل شيء !
- اوو لقد حاولت كثيرا بالفعل لكن حجم بطني منع يدي من الوصول ! "
كان ثيودور عاجزا عن الكلام ، كان صحيحا أن الصبي كرة لحم بحيث يتعذر عليه الانكماش للوصول نحو قدميه .
ساعده على الاستناد على شجرة قريبة يسأله
- اخشى انك لن تستطيع السير بهذه الإصابة واشك في أني استطيع حملك طول الطريق للعودة ، أيضا أنا ضائع في الأصل وحتى لو اريتني الطريق لن اتمكن من الذهاب وحدي "
أجاب الفتى وقد انتزع حقيبته من ثيودور مخرجا وجباته الخفيفة يأكل منها بثرثرة
- حسنا ،.. لا يهم هذا لاني ضائع ايضا ! "
- انت كذلك "! دهش ثيودور ينظر له بحيرة .
كان أهل البلدة الأكثر معرفة بمخاطر دخول الغابة وحريصين جدا على تلقين اطفالهم هذه المعرفة .
عادة لن يجرأ احد منهم أن يتعمق بها دون خبرة مسبقة وتأكده من عودته سالما ،
لذلك ، من غريبا ان يأتي هذا الفتى هنا .
- لحظة واحدة ! انت ؟...لم ارك من قبل "
صحيح أنه أتى هنا قبل ثلاث اشهر فقط لكن القرية كانت صغيرة جدا بحيث يمكنه على الاقل التعرف على سكانها.
لعق الفتى أصابعه بعد ان انتهى من وجبته في رضى ليمدها راغبا في مصافحة ثيودور .
-صحيح ! صحيح ! لقد انتقلت مع جدي هنا قبل يومين ..اسمي "ميلو لوديت" ، تشرفت بمعرفتك "